أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن شعوره “بالرعب” إزاء الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المشافي وسيارات الإسعاف في قطاع غزة، فيما قال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه شعر بصدمة عميقة جراء استهداف سيارات الإسعاف بغزة.
استهداف المشافي يأتي بالتزامن مع استهداف إسرائيلي لدور العبادة، حيث دمر الاحتلال حتى الآن بشكل كامل 54 مسجدًا، وألحق أضرارًا متفاوتة بـ110 مساجد أخرى، فضلًا عن استهدافه 3 كنائس، ناهيك عن قصف الوحدات السكنية.
نتيجة هذه المجازر الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي – وبلغت حتى أمس 965 مجزرة – استشهد 9488 فلسطينيًا، بينهم 3900 طفل و2500 امرأة وقرابة 23 ألف جريح، مع وجود 2200 بلاغ عن مفقودين.
هذه المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي لم تكن لتكون بهذه الوحشية البشعة، لولا وجود ضوء أخضر أمريكي، فمنذ اليوم الأول للعدوان ضد غزة، أعربت واشنطن عن دعمها الكلي واللامشروط للإسرائيليين وروجت لرواية دفاع الكيان عن نفسه، وعطلت مشاريع قوانين أممية لوقف الحرب، لكن هل تُبقي واشنطن هذا الدعم أم أنها ستعدّله وفق العديد من المتغيرات؟
“لا نضع خطوطًا حمراء لإسرائيل”
رغم هول الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، أبدت الإدارة الأمريكية دعمًا مطلقًا للكيان وحثته على مواصلة الحرب، وإثر بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مباشرة، سارعت واشنطن إلى إرسال ذخائر وقنابل كثيرة للجيش الإسرائيلي لتعويض أي نقص قد يتعرض له.
كما حركت الولايات المتحدة السفن الحربية والطائرات إلى المنطقة لتكون جاهزة لتزويد الكيان الإسرائيلي بكل ما يحتاجه لمواصلة أعماله العدوانية، منها حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور”، وأكبر حاملة طائرات في العالم “يو إس إس جيرالد آر فورد”.
بالتزامن مع ذلك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن إن الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” راسخ، وواشنطن ستتأكد من امتلاك “إسرائيل” ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، مضيفًا أن أمريكا عززت أسراب الطائرات المقاتلة الأمريكية في الشرق الأوسط، ووزارة الدفاع الأمريكية على استعداد تام لنشر أصول إضافية إذا لزم الأمر.
في حال ارتفع هذا الضغط الداخلي، فإن الإدارة الأمريكية ستكون مضطرة لتغيير موقفها من العدوان الإسرائيلي
إلى جانب الدعم العسكري، تلقى الكيان الإسرائيلي دعمًا ماليًا أمريكيًا، وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول أرسل البيت الأبيض طلبًا إلى الكونغرس للحصول على تمويل تكميلي للسنة المالية الحاليّة قيمته 106 مليارات دولار، يشمل دعم “إسرائيل” بـ14 مليارًا، وهو ما يظهر الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الإسرائيلي رغم الأدلة المتزايدة على ارتكابه جرائم حرب في حق الفلسطينيين.
كما تلقى الكيان الإسرائيلي دعمًا سياسيًا كبيرًا من واشنطن، إذ سارع بايدن لزيارة تل أبيب، وفي اجتماعه مع أعضاء “كابينت الحرب” في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، التي تضم قادة التحالف الوطني، بيني غانتس وغادي آينزكوت، خاطب بايدن الإسرائيليين قائلًا “أنتم لستم وحدكم”.
وفي زيارته التضامنية للكيان الإسرائيلي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن إدارة الكونغرس تعمل للتأكد من أن احتياجات “إسرائيل” الدفاعية المتزايدة تُلبى، موضحا أنه لم يأتِ لـ”إسرائيل” كونه وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته “يهوديًا فرّ جده من القتل”.
وبلغت وقاحة واشنطن ذروتها في التعبير عن طبيعة موقفها من عدوان الاحتلال، حين صرّح المتحدث باسم البيت الأبيض للأمن القومي جون كيربي بأن أميركا “لا تضع خطوطًا حمراء لإسرائيل”.
تغيّر في اللهجة
بعد 11 يوم من انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لمنع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، الذي تفرض عليه “إسرائيل” حصارًا وتمنع عنه الماء والكهرباء والمواد الطبية منذ أسابيع.
لكن مع تصاعد وتيرة العدوان وتردّي الوضع الإنساني في قطاع غزة، الذي وصفته المنظمات الدولية بالكارثي، وتواترت الدعوات إلى “هدنة انسانية”، دعا البيت الأبيض لـ”هدن إنسانية مؤقتة” للسماح بإدخال مساعدات إلى غزة أو لإجلاء مدنيين، لكن واشنطن رفضت “وقفًا شاملًا لإطلاق النار” بذريعة أن الخطوة تخدم حماس.
🔻 اليهود الأمريكيون ينظمون مظاهرة داعمة لفلسطين في محطة قطار في #نيويورك#gaza #NewYork #palestine #غزة #فلسطين #طوفان_الأقصى #FreePalestine pic.twitter.com/SuZX7Nyp6o
— المرصد العسكري ⧨ (@Military_OSTX) October 27, 2023
وقال وزير الخارجية الأمريكي للمسؤولين الإسرائيليين، إن موافقة “إسرائيل” على هدنة إنسانية “ستساعد واشنطن على درء الضغوط المتزايدة التي تواجهها بسبب دعمها للعملية الإسرائيلية في غزة”، وفق موقع “أكسيوس” الأمريكي.
وقبل نحو أسبوع، قالت وكالة رويترز إن ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة والضغوط الدولية كانا سببا في تغيّر لهجة واشنطن تجاه التصعيد الإسرائيلي (من العناق الكامل وغير المشروط لإسرائيل إلى فارق بسيط)، مشيرة إلى أن هذا التحوّل جاء بناء على الحقائق على الأرض في غزة من ارتفاع عدد الوفيات بين الفلسطيين، وصعوبة تحرير الأسرى الذين تحتجزهم الفصائل والغضب الواضح المتزايد من الدول العربية، ومن الحلفاء الأوربيين وبعض الأمريكيين فى الداخل.
ونقلت الوكالة عن مسئول سابق كان على اتصال بمسئولين حاليين إنه كان هناك صرعًا عنيفًا خلف الكواليس بين بايدن ومستشاريه حول الرسالة الأمريكية. ولفتت إلى أن بايدن يواجه تحديًا فى مساعي إعادة انتخابه وتهديدات من قبل بعض أنصاره المحتملين بحجب أصواتهم بسبب غياب دعمه للفلسطينيين، وتحذير من الرئيس السابق باراك أوباما بأن أفعال “إسرائيل” يمكن أن تأتي برد فعل عكسي.
وعلى ذلك، يمكن أن نشهد في الأيام القليلة القادمة تغيرًا أوسع في الموقف الأمريكي ودعوة صريحة لتخفيف العدوان الإسرائيلي على غزة. وثمّة ما يعزز هذه الاحتمالات.
التصعيد الروسي في أوكرانيا
تعهد بايدن بتعزيز الدعم العسكري للكيان الإسرائيلي في حربه ضد الفلسطينيين، لكن مع تواصل العدوان للأسبوع الرابع على التوالي تجد الإدارة الأمريكية نفسها في موقف محرج، فاستمرار الدعم للكيان الإسرائيلي يعني تقلّص الدعم لأوكرانيا التي تطلب مزيدًا من المساعدات.
وتخشى الإدارة الأمريكية أن تستغل روسيا هذا الأمر لصالحها وتوسع حربها ضد أوكرانيا، وهو ما أشار إليه وزيران أمريكيان علانيةً، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمام لجنة في مجلس الشيوخ إن “بوتين يسعى لتحقيق مكاسب من هجوم حماس على “إسرائيل” أملًا في أن يشتت ذلك انتباهنا.. وأن يفضي إلى سحب الولايات المتحدة مواردها” من أوكرانيا.
بدوره حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في نفس الجلسة من أن بوتين سينجح في سعيه للاستيلاء على أراضٍ أوكرانية إذا أوقفت واشنطن دعمها لكييف، وقال “يمكنني أن أضمن لكم أنه من دون دعمنا، سينجح بوتين”، وأضاف “إذا سحبنا البساط من تحت أقدامهم الآن، سيصبح بوتين أقوى وسينجح في القيام بما يريده والاستيلاء على أراضٍ سيادية لجارته”.
خسائر إسرائيل 10 أضعاف ؟
اسرائيل تعيش مزيدا من الهزائم على لسان قادتها :
نتنياهو: هناك خسائر في صفوف قواتنا للأسف ولكننا مصممون على تحقيق أهداف الحرب
وزير الدفاع : نحن نقاتل أشباح في غزة
وزير المالية الإسرائيلي: نواجه خسائر مالية لم يسبق لها مثيل
غانتس: الصور القادمة من… pic.twitter.com/e0YWUXEReB
— A Mansour أحمد منصور (@amansouraja) November 2, 2023
يعني هذا الأمر أن تصعيدًا روسيًا مرتقبًا في أوكرانيا يمكن أن يدفع الإدارة الأمريكية لمراجعة موقفها من الحرب ضد قطاع غزة، وسيدفع واشنطن للضغط على تل أبيب لخفض التصعيد والحد من الأعمال الانتقامية.
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر الجهات المانحة لمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، قدمت واشنطن 43.9 مليار دولار، ساعدت كييف في استعادة أراض سيطرت عليها موسكو.
الضغط الداخلي
من الأسباب التي قد تدفع واشنطن لتغير موقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة، الضغط الداخلي، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على القطاع، نُظمت العديد من الفعاليات التضامنية مع الفلسطينيين، مطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، فضلًا عن وقف الدعم الأمريكي الكامل للإسرائيليين.
ومع تواصل العدوان، تنوعت الأطراف المشاركة في هذه الفعاليات، إذ لم يقتصر المشاركون على العرب والمسلمين فقط، إذ شارك فيها أيضًا نشطاء أمريكيون مؤمنون بالحق الفلسطيني في العيش بسلام، فضلًا عن مئات من اليهود الأميركيين.
تزامنًا مع هذه المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمتضامنة مع الفلسطينيين، سجلت المؤسسات الأمريكية انقسامًا كبيرًا بشأن تواصل العدوان، إذ برزت العديد من الأصوات المنادية بضرورة وقف الحرب.
عدم تحقق الأهداف الإسرائيلية من الحرب وصعوبة تحققها وفق المعطيات الحاليّة، لها أن تجبر الإدارة الأمريكية على تغيير موقفها
كمؤشر على هذا الانقسام، استقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجًا على نهج الإدارة الأمريكية في التعامل مع الحرب، وفي الكونغرس رفض 10 نواب، 9 منهم ديمقراطيون وواحد جمهوري قرارًا يدين حركة حماس، وامتنع 6 أعضاء عن التصويت على القرار.
في حال ارتفع هذا الضغط الداخلي، فإن الإدارة الأمريكية ستكون مضطرة لتغيير موقفها من العدوان الإسرائيلي، خاصة أنها لا تريد تشويه صورتها داخليًا وخارجيًا، وكان موقع “سي إن إن” الأمريكي قد ذكر أن الرئيس جو بايدن وكبار مستشاريه حذروا الكيان الإسرائيلي من أنه سيصبح من الصعب عليه تحقيق “أهدافه العسكرية” في غزة مع اشتداد الغضب العالمي من استهداف المدنيين.
الفشل الإسرائيلي
من أبرز الأسباب التي قد تدفع الإدارة الأمريكية لمراجعة موقفها، فشل الإسرائيليين في تحقيق أهدافهم، فمع تقدم الوقت تتأكد واشنطن من عدم قدرة الإسرائيليين على تحقيق أي من الأهداف الموضوعة لهذه الحرب.
حتى اليوم، لم يتمكن جيش الاحتلال، بالاستعانة بجنود أمريكيين، من الإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، وتمكنت المقاومة خلال عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من أسر أكثر من 200 إسرائيلي.
في نيويورك التي تحتضن أكبر جالية يهودية وعلى جسر بروكلين
تخرج مظاهرة تضامناً مع #فلسطين
يقودها حاخامات .. يهود !
الله أكبر .. الحق ما شهدت به الاعداء #فلسطين_حرة #غزة_العزة #Palestine 🇵🇸 pic.twitter.com/b4LR60P5Ck
— هـ ا لـة (@algamarhala5) October 30, 2023
تقول القيادة الإسرائيلية إن من أهدافها القضاء على حركة “حماس”، لكن هذا الأمر يبدو صعب التحقيق إن لم نقل مستحيل، فإلى اليوم يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبرى في صفوف جنوده وضباطه وعتاده، ما أربك خطط حكومة نتنياهو.
أما الهدف الثالث وهو تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية، فلم يتحقق ولن يتحقق، فالفلسطينيون متشبثون بأرضهم رغم بشاعة الجرائم المرتكبة في حقهم منذ نحو 4 أسابيع على التوالي.
عدم تحقق الأهداف الإسرائيلية من الحرب وصعوبة تحققها وفق المعطيات الحاليّة، لها أن تجبر الإدارة الأمريكية على تغيير موقفها وتطلب علنًا من حلفائها في تل أبيب وقف الحرب وفتح الباب أمام المفاوضات للخروج بأقل الأضرار.