“أرى نفسي الكوميدي المفضل لترامب، كيف لا وأنا كوميدي ساخر وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أليس هذا بكوميديا سوداء كافية؟”. عزيز أنصاري
هو الفنان الأمريكي ذو اللكنة الجنوبية، بحكم ولادته في ولاية “ساوث كارولينا”، إلا أنه يحمل ملامح هندية لولادته لأبوين مسلمين مهاجرين من الهند، وقد استغل هذا الخليط المميز في لغته، في السلاح الأكثر سلمية بالنسبة لمهاجر أسمر في الولايات المتحدة، وهو الضحك.
لا يحب أنصاري أن يتم تعريفه بـ”المسلم الذي أضحك الأمريكان”، لأنه يرى بأن الإسلام أكبر من مجرد رجل يعتلي خشبة المسرح ليسخر مما يفعله العرق الأبيض بغيره من الأعراق، ولكن على الرغم من ذلك لا تخلو برامج أنصاري من الدفاع المستمر عن الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة.
لا يمكن أن يكره أحد الكوميديا الارتجالية، خصوصًا في الولايات المتحدة، كونها جزءًا من ثقافة الشعب الأمريكي، الذي لا يحتاج أن يكون كوميديًا بالدرجة الأولى ليكون ساخرًا، ولكن ماذا لو كان الساخر محترفًا وأيضًا مهاجرًا؟
لأن الكوميدي الساخر هو فنان مرتجل بالدرجة الأولى، ينصت له الأغلبية، لأنهم يترقبون المزحة أو النكتة التالية التي سيلقي بها في أثناء وجوده على المسرح، خصوصًا إن كانت سياسية أو مُركزة على سياسي أمريكي بعينه.
اجتمعت تلك الميزات كلها في عزيز أنصاري مهاجر هندي من عائلة مسلمة، ولد في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من دراسته للتسويق في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، فقد اهتم بممارسة ما يبرع فيه، وهو فن الكوميديا الارتجالية أو “الستاند أب كوميدي”، ليكون تاريخ الحادي عشر من سبتمبر هو الفيصل بالنسبة له ولكثير من الكوميديين المهاجرين.
كان الضحك الوسيلة الأكثر سلمية للمهاجرين في أمريكا
كان الضحك الوسيلة الأكثر سلمية للمهاجرين في أمريكا، لا سيما أنه أسرع الوسائل لكسر الحواجز وتغيير الصورة النمطية عنهم، خصوصًا المسلمين منهم، ولهذا تجد أن أكثر البارعين في مجال الكوميديا الارتجالية، هم المهاجرون أنفسهم، بلكناتهم وألوانهم وثقافتهم المختلفة، إلا أنهم يجمعهم القدرة على قلب الجمهور رأسًا على عقب من الضحك، حتى ولو كان ذلك بالسخرية من الجمهور نفسه (الأمريكان البيض).
كانت الهجرة موضوعًا لا يفارق أنصاري في عروضه، فاستغلها ليسخر من الأمريكي الأبيض المتعصب، ومن هوليوود المنحازة ضد الممثلين الأفارقة أو السود
استطاع “أنصاري” الظهور في إذاعة التليفزيون الوطنية الأمريكية NBC، كما نجح في إتمام جولات محلية في كثير من الولايات الأمريكية وتقديم عروض محلية مختلفة، لتتسع بذلك شريحة معجبيه، ويخطف الأنظار لينال في النهاية عروض للظهور في برامج تليفزيونية ومسلسلات كوميدية مثل scrubs ،Parks and Recreation الذي كان له فيه دورًا رئيسيًا نال إعجابًا أدى لإنتاج خمسة أجزاء من المسلسل، وكان آخرهم تلك البرامج برنامج المنوعات التليفزيوني الشهير Saturday Night Live في عام 2017.
كانت الهجرة موضوعًا لا يفارق أنصاري في عروضه، فاستغلها ليسخر من الأمريكي الأبيض المتعصب، ومن هوليوود المنحازة ضد الممثلين الأفارقة أو السود، وكذلك السياسيين الأمريكيين، ليكون دونالد ترامب محطًا لأنظاره في الفترة الأخيرة.
ففي آخر المرات التي ظهر فيها أنصاري في حلقة من حلقات برنامج “SNL” التليفزيوني الذي يقوم بمحاكاة ساخرة للساسة وللثقافة الأمريكية المعاصرة، كان موضوع أنصاري تنصيب دونالد ترامب، ليتحدث أنصاري بلسان المهاجرين الغاضبين من وصوله للحكم، ولكن بلغته الخاصة.
استمر “المونولوج” أو العرض الفردي الذي قدمه أنصارى في البرنامج لمدة عشرة دقائق، وهو الحديث الأكثر شهرة له، دافع فيه الأخير عن حق المهاجرين في نصيبهم من حياة كريمة كونهم لا يقلون شيئًا عن الأمريكان، حتى وبعد مجيء رئيس يتسم بالعنصرية ليحكم البلاد.
المشكلة بالنسبة لأنصاري تكون في ذلك الجزء من المجتمع الذي لن يجد حرجًا في أن يكون عنصريًا بعد الآن
كانت جرائم الكراهية قضية محورية في حديث أنصاري، حيث صرح في حديثه بأنه لا مانع لديه بأن يكون الشعب الأمريكي منقسمًا، فلطالما كان منقسمًا سياسيًا ولا ضرر في ذلك، ولكن المشكلة تكون في ذلك الجزء من المجتمع الذي لن يجد حرجًا في أن يكون عنصريًا بعد الآن، فبعد مجيء ترامب، أصبح الأمر مشروعًا بالنسبة إليهم.
حديث أنصاري كاملًا على SNL
يقول أنصاري في حديثه السابق: “لا يمكننا أن نحكم على مؤيدي ترامب بأسوأ ما فيهم، وهو بالطبع ترشيحهم لترامب نفسه، فربما لكل مؤيد أسبابه الخاصة وأنا أومن بذلك، فنحن نتحدث عن عشرات الملايين من الناس هنا، ولكنني متأكد جدًا من أن هناك ذلك الجزء الذي يمثل نسبة كبيرة من المؤيدين، لا يعلم ما الذي حدث لينتهي الأمر به مصوتًا لترامب، فهو ذلك الجزء الذي لن يضطر لتقبل الآخرين رغمًا عنه بعد الآن في الولايات المتحدة، فهو ليس بحاجة للتظاهر بذلك بعد الآن”.
وصف أنصاري في حديثه الذي أضحك الملايين من المشاهدين بأن الشريحة العنصرية التي صوتت من أجل ترامب هي حركة “KKK” جديدة، وهي تلك المنظمة التي قامت من قبل على التخويف والتهديد، تؤمن بسيادة المجموعة، وتتغذى على الكراهية، وتكرس جهودها لقمع المهاجرين، ولفرض سيطرة الرجل الأبيض، وتفوق الأمريكان على الأفارقة منهم في بدايات القرن العشرين، وهي الشريحة التي لم تجد طريقة للاحتفال بفوز ترامب سوى بعبارات مثل “لقد فاز ترامب، عودوا إلى بلادكم من حيث أتيتم”.
وصف أنصاري في حديثه الذي أضحك الملايين من المشاهدين بأن الشريحة العنصرية التي صوتت من أجل ترامب هي حركة “KKK” جديدة
يشير أنصاري إلى البؤس الذي وصلت إليه الثقافة الأمريكية، فكيف من الممكن أن تتقبل شريحة في المجتمع بكامل وعيها أن على كل الأقليات الرحيل من أمريكا، أهذا يعني أن كل الرموز التي صنعت أمريكا عليها الرحيل، حيث لا يخلو مجال من مجالات الحياة المختلفة إلا ويحوي عددًا لا بأس به من المهاجرين.
“أنصاري” ساخرًا من التعامل الأوروبي والأمريكي مع المسافرين المسلمين
لم يخش أنصاري من استخدام مهاراته في التحكم باللغة للسخرية من القومية الأمريكية المتعصبة للعرق الأبيض، فاتهم تلك الشريحة من المجتمع بأنها السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات جرائم الكراهية ضد بني عرقه ولونه، واتهمهم أيضًا بالجهل الثقافي، حيث قال بأنهم لم يتعاملوا مع شخص مهاجر في حياتهم، لنجدهم يلقون التهم والسباب علينا قائلين “إنهم أولئك الوحوش السوداء التي تظهر في التليفزيون التي أتت إلينا من وراء المحيط”.
لا يعادي أنصاري، ترامب فقط بالكوميديا الساخرة، بل أيضًا يكشف الوجه الآخر للولايات المتحدة الأمريكية تجاه العنصرية ضد النساء
ذكر أنصاري بأنه لا يخشى على الولايات المتحدة من ترامب، فإذا أخذنا عبرة من التاريخ، فإن التغيير لا يأتي من الرؤساء، بل يأتي من مجموعات كبيرة من الناس الغاضبة.
لا يعادي أنصاري، ترامب فقط بالكوميديا الساخرة، بل أيضًا يكشف الوجه الآخر للولايات المتحدة الأمريكية تجاه العنصرية ضد النساء، وليس فقط الأمريكيات من أصول مهاجرة، بل الأمريكات البيض أنفسهن.
يكون مسلسله الأخير Master of None من إنتاج شركة نيتفليكس هو تجربة أنصاري”الأولى ليكون أمام الكاميرا وخلفها أيضًا، فهو الممثل الرئيسي ومساعد المخرج وكاتب المسلسل كذلك، وهو مسلسل يصور حياة مهاجر أمريكي، لا يحاكي فيه الساسة فحسب، بل يحاول كشف الثغرات المجتمعية التي أصابت الثقافة الأمريكية المعاصرة، مثل اضطهاد المرأة الأمريكية مقارنة بالرجل.
بينما يكمل أنصاري في مساره الفني، هناك العديد من المسلمين في مجال الكوميديا الارتجالية الساخرة، فكان ذلك الفن داعمًا أساسيًا لكسر وتغيير الصورة النمطية الغربية والأمريكية عن المسلمين المهاجرين، وبالأخص بعد مجيء دونالد ترامب رئيسًا يشرع العنصرية ويمجدها في خطاباته علنًا، بالطبع الأمر ليس سهلًا، إلا أن المهاجرين المسلمين مستمرين في محاربة العنصرية وجرائم الكراهية بالضحك.