ترجمة وتحرير نون بوست
قد لا تحتل أفريقيا مكانا على شاشة رادار دونالد ترامب، إلا أنها في الواقع، تُمثل أولوية بالنسبة للجيش الأمريكي. ففي الوقت الراهن، يضطلع 170 عنصرا من أفراد القوات الخاصة والأفراد العسكريين الآخرين بقرابة 96 بعثة في 21 بلدا إفريقيا، على الرغم من أن العديد من الأمريكيين غير مطلعين على مختلف تفاصيل هذه البعثات.
وفي هذا الإطار، أوكلت إلى الجنرال دونالد بولدوك، الملقب باسم “ذي ثريت” مهمة قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا. وفي الآونة الأخيرة، تحدثت مع بولدوك حول المهام التي يضطلع بها الجيش الأمريكي في القارة، وقد صرح بدوره أن أكبر مخاوف البنتاغون في أفريقيا تتمثل في توسّع تنظيم الدولة في القارة السمراء، وسيطرته على المناطق الضعيفة، واستخدامها كقاعدة لتوسيع دائرة نفوذه.
في الوقت الراهن، يُسيطر تنظيم الدولة على الكثير من الأراضي خاصة في الصومال ونيجيريا، حيث يسيطر فصيل متحالف مع جماعة بوكو حرام على المنطقة، الذي يقدّم بدوره الدعم المالي للعمليات التي يجريها تنظيم القاعدة في مالي.
فضلا عن تنظيم الدولة، يركّز الجنرال اهتمامه أيضا على الخطر الذي تشكله العشرات من الجماعات المتمردة الأخرى، إذ أن بولدوك يعتبر الكثير من المناطق في إفريقيا “بالمنطقة الرمادية”، وذلك نظرا للبيئة المتقلبة والمناخ غير المستقر الذي يميز هذه المناطق، إما بسبب المشاكل الناجمة عن الصراعات، أو الطقس والكوارث الطبيعية. علاوة على ذلك، يعتبر بولدوك وضعية هذه المنطقة معقدة إلى حد ما، على الرغم من أنه يمكن حلّ المشاكل التي تواجهها”.
في هذا السياق، قال بولدوك إنه “يعتمد على العديد من الفرق المدنية، لكن نظرا لأن هذه البعثات تجرى في كنف السرية، يشتبه بعض المراقبين في تورط الحكومة في الحرب الغامضة التي تعيشها هذه المناطق”. وينطبق ذلك بشكل خاص على الصومال، حيث سمح الرئيس ترامب للقوات الأمريكية في أفريقيا بشن ضربات جوية بسرعة وبصورة متكررة. وفي هذا الصدد، أكد بولدوك “أننا لسنا في حرب في أفريقيا، لكن هذا لا ينطبق على شركائنا”.
ووفقا لبولدوك، يجب على القيادة إرسال فرق صغيرة من القوات الخاصة، بحسب الضرورة، للبلدان التي تعمل فيها. وأضاف “أن الحكومات الإفريقية لا تريد أن يمتد النفوذ الأمريكي في القارة، فهم يشاهدون ما قمنا به في أماكن أخرى، ويخيفهم الجحيم الذي تعيش فيه تلك المناطق“.
في الواقع، “تعتبر الصومال أحد أهم المسارح العسكرية في القارة، حيث يقوم مئات الجنود الأمريكيين بتدريب الجنود الصوماليين، الذين يشاركون في الغارات البرية، ويقدمون يد العون في الغارات الجوية، وذلك من أجل الدفاع عنا أو الدفاع الجماعي عن النفس”، على حد تعبير بولدوك.
وفي شأن ذي صلة، صرح الجنرال، الذي يتكلم بكل صراحة والمولع بالمقارنات الشعبية، بأن الجنود الأمريكيين غالبا ما يكونون قريبين من نظرائهم الصوماليين، وهم على الدوام على اتصال معهم، إذ أنهم يعلّمون أطفالهم كيفية ركوب الدراجات عبر الراديو، لكنهم في الحقيقة “لا يستطيعون القيام باتصالات مباشرة مع العدو”.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة تايمز الأمريكية أن الجيش يستخدم أيضا مقاولين خاصين للمساعدة في تدريب القوات الصومالية، وهو الأمر الذي تنكره القيادة الأمريكية. ومنذ فترة طويلة، تحاول الولايات المتحدة احتواء التمرد، التي تعتبر مسؤولة عن نشوبه بصفة جزئية، من خلال دعمها للغزو الإثيوبي للصومال، في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، الذي كان يصّب لصالح حركة الشباب المجاهدين. وبالتالي، يمكن القول أن ذلك الدعم لم ينجح.
من الناحية النظرية، أصبحت الجهود المتجددة التي تبذلها الولايات المتحدة في أفريقيا أكثر ديمقراطية. ولذلك يقول بولدوك إن تبادل الاستخبارات المعلومات مع الجيش في القارة لم يعد يشكل مصدر قلق. فبعد أن اختطف تنظيم بوكو حرام مئات الفتيات في شمال شرق نيجيريا خلال سنة 2014، لم يكن المسؤولون العسكريون الأمريكيون مستعدين لإعطاء الحكومة النيجيرية معلومات استخباراتية أولية، وذلك بسبب فساد الجيش النيجيري واحتمال تسلل بعض العناصر الموالية لتنظيم بوكو حرام إلى صفوف الجيش.
في المقابل، صرّح بولدوك بأن المشكلة تكمن في تخوف الجيش الأمريكي من عدم السيطرة على كيفية استخدام حكومة الشريكة للمخابرات. فإذا كان أحد شركائه يسيء توظيف المعلومات، فربما سيتسبب في حصول فظائع تخدم مصالح العدو. وفي تلك الحالة، لا ينبغي اعتبار أن الولايات المتحدة مسؤولة عن أي تسريبات محتملة. ومنذ ذلك الحين، عمل بولدوك مع مساعديه بالتعاون مع ضباط من فرقة العمل التي تقاتل بوكو حرام، والتي تضم قوات من نيجيريا، والنيجر، وبنين، والكاميرون، وتشاد، على البيانات التي يتلقونها حول هذه المجموعة.
على خلاف ذلك، تواجه إستراتيجية الولايات المتحد المتبعة في مناطق مثل؛ الصومال وشمال شرق نيجيريا، مشكلة تتمثل في عدم قدرة الجيوش المحلية على تأمين المساحات التي يحتلها المسلحون بطريقة دائمة، بعد أن تقوم القوات بطردها. ويعود ذلك إلى أنه حتى إذا تنقلت الجيوش إلى مناطق الصراع، فسوف يلوذ المسلحون بالفرار. وبالتالي، سوف تضطر القوات إلى مغادرة تلك الأماكن، لتتركها مفتوحة للقوات المسلحة التي سوف تغتنم الفرصة من جديد للعودة بسبب عدم وجود مؤسسات حكومية قوية، في تلك المناطق.
مؤخرا، تمكنت القيادة من تحقيق نجاح في منطقة بونتلاند شبه المستقلة، التي تقع في شمال الصومال، من خلال القيام بعكس ما كانت تفعله في السابق. وتجدر الإشارة إلى أن بونتلاند، التي أعلنت عن تمتعها بالحكم الذاتي خلال فترة الحرب الأهلية الصومالية، لا تملك جيشا دائما بل لديها “قوات رد فعل”، وشرطة مدنية، وميليشيات تنتمي الى العشائر القوية في البلاد.
ووفقا لبولدوك، سيطر تنظيم الدولة على ميناء مدينة قندلة الساحلية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ثم واصل تقدمه نحو أربع قرى أخرى في بونتلاند، بمساعدة قيادة التنظيم وصناع القنابل ومحللي الاستخبارات من اليمن وسوريا، الذين لجأوا إلى شمال الصومال. والجدير بالذكر أن العديد من عناصر حركة الشباب، المتواجدة في الجنوب يعارضون توسّع نفوذ تنظيم الدولة في تلك المناطق.
ومن هذا المنطلق، عندما تدخلت الولايات المتحدة لدعم جهود بونتلاند لاستعادة الأراضي، كان من الواضح أن الهجوم البري سيكون بقيادة الميليشيات العشائرية، التي تعمل عادة مثل الجيوش الخاصة لأمراء الحرب. وفي هذا الصدد، صرّح بولدوك، أنه “كان يجب عليه التعاون معهم وكسبهم إلى صفه“. لذلك يقوم مستشارو بولدوك العسكريون بمساعدتهم على التصرف بشكل صحيح “على سبيل المثال؛ من خلال نهيهم عن قتل الناس دون التمييز بينهم”.
في غضون عشرة أيام تقريبا، تمكّنت القوات الأمريكية من طرد قوات تنظيم الدولة من المدن، لكنها تركت فيها، هذه المرة، فرقا تمنع المسلحين من العودة. ومنذ ذلك الحين، فرّ عناصر تنظيم الدولة إلى جبال علمدو الصومالية. وعلى الرغم من إقرار الولايات المتحدة بدعمها لوكالة استخبارات بونتلاند ببعثات ميدانية في مجال المراقبة والاستطلاع إلا أنها نفت تنفيذها لأي ضربات جوية.
وفي الحقيقة، يعتبر بولدوك نفسه أنه كان أوّل من سلّط الضوء على تمركز تنظيم الدولة في مدينة سرت الليبية، سنة 2014، عندما كان آخرون يتجاهلون حجم التهديد الذي يشكّله التنظيم في تلك المنطقة. وفي هذا السياق، أشار بولدوك إلى أنه ” كان من الصعب على الكثيرين، في ذلك الوقت، أن يتصوروا تمكن تنظيم الدولة من التوسع في ليبيا، لكن بحلول سنة 2015، سيطر تنظيم الدولة بالفعل على مدينة سرت الليبية.
أما في جنوب الصومال، لا تزال الولايات المتحدة تحاول بناء جيش قوي، منذ عشر سنوات خلت، فضلا عن ذلك، تعمل القوات الأمريكية بالتعاون مع قوات من كينيا المجاورة، ونيجيريا، والكاميرون، وتشاد، والنيجر والمغرب، والسنغال وتونس، وليبيا، لوقف توسّع تنظيم الدولة في البلدان الإفريقية.
أما في المغرب وتونس، على وجه الخصوص، تشعر القوات الأمريكية بالقلق إزاء عودة مقاتلي تنظيم الدولة إلى بلدانهم، إذ أن كلتا الدولتين كانتا من أكبر موردي المجندين الأجانب للتنظيم. وبالتالي، تتمثل خطة القوات الأمريكية في البقاء في هذه البلدان الإستراتيجية، حتى تتمكّن الحكومات الأفريقية من حماية المناطق الضعيفة، على أمل ألا يتمكّن المتمردون من دخول واستغلال حالة الفوضى التي تعيشها هذه المناطق.
سوف تستمر القوات في اتباع هذه الخطة لسنوات عديدة مقبلة. وفي هذا الإطار، يقول بولدوك “أننا بحاجة للتأكد من أن ما بنيناه لن ينهار، حتى نتمكن من تحقيق نتائج جيدة لاستثماراتنا العسكرية السابقة”.
المصدر: نيويوركر