اختار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجواب الأسهل في حديثه الأخير مع قناة “الإخبارية” السعودية الرسمية، حين تم سؤاله عن مسؤولية وسائل الإعلام في توتير العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة مصر.
أجاب ابن سلمان بأن الإعلام “الإخوانجي” كما أطلق عليه يحاول خلق صدع بين القاهرة والرياض، متابعًا: “الإعلام الذي ينتقد السعودية أو العلاقة المصرية السعودية هو نفسه الذي ينتقد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي”، مضيفًا: “العلاقة السعودية المصرية علاقة صلبة وقوية، ومن أعمق العلاقات المتجذرة بين الدول ولا تتأثر بأي شكل من الأشكال، مصر والسعودية تقفان مع بعضهما في كل الظروف وفي كل الأوقات ولن يتغير هذا الشيء”.
وتابع الأمير الشاب: “لم يصدر موقف سلبي من الحكومة المصرية تجاه السعودية ولم يصدر موقف واحد سلبي من الحكومة السعودية تجاه مصر، ولم تتأخر مصر عن السعودية ولا لحظة ولن تتأخر السعودية عن مصر أي لحظة، هذه قناعة مرسخة ليس لدى حكومة البلدين فحسب بل لدى شعبي الدولتين أيضًا”.
واستطرد الأمير: “سيحاول أعداء السعودية ومصر بلا شك خلق هذه الإشاعات بشكل أو آخر سواء من الدعاية الإيرانية أو الدعاية الإخوانجية لإحداث شرخ في العلاقة بين السعودية ومصر، ولكن القيادة في الدولتين لا تلتفت إلى هذه المهاترات والتفاهات”.
حديث الإنكار
تشير الوقائع عن وهم العلاقة الوردية بين مصر والسعودية التي جاءت على لسان ولي ولي العهد السعودي، إذ شهدت الفترة الأخيرة خلافات مكتومة بين البلدين هي الأعنف على مر السنوات التي تلت صعود السيسي إلى سدة الحكم في مصر بعد الانقلاب العسكري منتصف 2013.
كما لا يستطيع ابن سلمان أن ينكر تباين وجهات النظر حيال الملفين السوري واليمني بين القاهرة والرياض في الفترة الماضية، فدعم النظام المصري لبشار الأسد وجيشه في مواجهة الثوار، والتصويت لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن في أكتوبر الماضي ضد الرغبة السعودية، إضافة إلى المساهمة الضعيفة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، مما ساهم بشكل كبير في توتر الأجواء بين البلدين بصورة كبيرة.
وتزامن مع هذا توقف الإمدادات النفطية لشركة أرامكو السعودية للقاهرة، وكان هذا ذروة التوتر الذي أوضح حدوث شرخ كبير في العلاقات بين البلدين، حيث جاء متزامنًا مع تصويت مصر لصالح القرار الروسي بمجلس الأمن، وهو ما تم تفسيره بأنه محاولة سعودية للي الذراع المصري، والضغط عليها، خاصة وهي تعلم جيدًا حاجة القاهرة لمثل هذه الإمدادات والتي تمثل ثلث الاحتياجات النفطية المستوردة من الخارج.
ثم جاء استقبال القاهرة وفد جبهة البوليساريو بشرم الشيخ ودعوته لحضور المؤتمر الاحتفالي بمرور 150 عامًا على إنشاء البرلمان المصري، فضلاً عن حضور القاهرة القمة العربية الإفريقية التي عقدت بغينيا في نوفمبر الماضي، رغم انسحاب الدول الخليجية وبعض الدول الإفريقية دعمًا للمغرب وتنديدًا بمشاركة الجمهورية الصحراوية، ليزيد الواقع تأزمًا، وتدخل العلاقات بين القاهرة والرياض إلى نفق شبه مسدود.
وجاءت زيارة مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب، إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، في ديسمبر 2016 وقيامه بجولة تفقدية في سد النهضة الإثيوبي، لتزيد توتر العلاقات مع القاهرة، حيث كانت الشعلة التي فتحت الباب أمام الإعلام المصري للهجوم على المملكة، ناهيك عن قضية تيران وصنافير التي كانت محور جدل بين الإعلاميين المصريين الموالين وغير الموالين لنظام السيسي.
كل هذه الأحداث التي أنكرها الأمير الشاب ربما يكون مفهومًا، بعد أن تدخلت الإدارة الأمريكية على ما يبدو لإنقاذ الوضع بين مصر والسعودية، وبعد عدة لقاءات مصرية مع الإدارة السعودية على هامش القمة العربية، وزيارة خاطفة لعبد الفتاح السيسي إلى المملكة مؤخرًا كانت كفيلة بأن يختار الأمير الشاب إجابة “الإعلام الإخوانجي” لمحاولة الهروب من المأزق وإلصاقه في الطرف الأضعف.
السعودية في عيون إعلاميي السيسي
لم تكن الهجمات الإعلامية المصرية على السعودية عفوية، بل تزامنت مع أجواء التوتر بين القاهرة والرياض، لكن ولي ولي العهد السعودي قرر تجاهلها وأصدر حكمًا بالعفو السريع عن هؤلاء الذين اشتكى منهم إعلاميون سعوديون من قبل.
وفي مقدمتهم يوسف الحسيني الذي طالب بمحاكمة قادة السعودية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن والتحريض على المجازر في سوريا، متهمًا القيادة السعودية باستخدام قنابل عنقودية في اليمن تسببت في مقتل أطفال وكبار سن ومدنيين وتدمير اليمن وبنيته التحتية.
كذلك تناسى ابن سلمان هذا التهديد المباشر على لسان الإعلامي المصري محمد علي خير عبر برنامجه المقدم على قناة “القاهرة والناس” الخاصة، بعد زيارة الوفد السعودي لسد النهضة الإثيوبي قائلاً: “شوية عيال يديرون الخارجية السعودية”، تعليقًا على زيارة وفد سعودي رفيع المستوى لسد النهضة الإثيوبي، مضيفًا: “إذا كان لنا عمالة هناك فلدينا مليون وربع المليون سعودي هنا”، مختتًما حديثه: “إذا استمرت السياسة السعودية مع مصر هكذا، فلا تلوموا إلا أنفسكم”.
مانشيت صحيفة “الأنباء الدولية” المصرية الخاصة
أما إبراهيم عيسى فلم يكف إلا بأوامر أمنية على الأرجح عن مسألة اتهام الرياض بدعم الإرهاب، قائلاً خلال برنامجه المُذاع عبر فضائية “القاهرة والناس”: “السلاح السعودي لم يوجه إلا لعربي، والأموال السعودية لم توجه إلا إلى صدور العرب”.
وقال عيسى: “إن الدم في سوريا يقع على عاتق الثلاثي قطر وتركيا والسعودية الذين كانوا يجلسون على طاولة واحدة مع أحد إرهابيي جبهة النصرة، وهو صدام الجبلي، للتنسيق” على حد وصفه، مشيرًا إلى أن 90% من التفجيرات الانتحارية التي تقع في سوريا والعراق ينفذها أشخاص من السعودية، واصفًا المملكة بأنها ترقد على برميل بارود من الإرهابيين.
أما خالد صلاح الإعلامي المقرب من نظام السيسي فقد اعترف بأن العلاقات ليست على ما يرام سابقًا بين القاهرة والرياض، وقد هاجم هو الآخر مواقف المملكة من القاهرة في أكثر من مناسبة.
وغيرها من الوصلات الهجومية التي كانت تردد في برامج التوك شو المصرية بشكل مستمر، وأثارت غضب السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مرة.
حتى إن المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري (السعودي الجنسية)، علق على تصريحات الأمير محمد بن سلمان، في حواره الأخير، حيث أشاد التويجري بحوار ابن سلمان فقال: “استمعت إلى الحوار مع الأمير محمد بن سلمان، ووجدت كلامه عن القضايا التي طرحت عميقًا ومتناسقًا وواضحًا، أرجو الله أن يوفقه لما فيه الخير والفلاح”.
استمعت إلى الحوار مع الأمير محمد بن سلمان ووجدت كلامه عن القضايا التي طُرحت عميقًا ومتناسقًا وواضحًا، أرجو الله أن يوفقه لما فيه الخير والفلاح
– د.عبدالعزيز التويجري (@AOAltwaijri) May 2, 2017
ولكنه عاد معلقًا بثلاث تغريدات عن الإعلام المصري:
الأولى: “الإعلاميون الذين هاجموا المملكة، وأساءوا لها.. سميتهم من قبل بلطجية الإعلام المصري، وهم لا ينتمون إلى أي تيار إسلامي”.
لا زلت أقول بكل ثقة إن بلطجية الإعلام في مصر المعادين للسعودية والذين تثبت إساءاتهم المقاطع المسجلة لهم ليسوا من أي تيار إسلامي
– د.عبدالعزيز التويجري (@AOAltwaijri) May 3, 2017
وفي التغريدة التالية قال التويجري: “لا زلت أقول بكل ثقة إن بلطجية الإعلام في مصر، المعادين للسعودية، والذين تثبت إساءاتهم المقاطع المسجلة لهم، ليسوا من أي تيار إسلامي”.
ولمزيد من الإيضاح غرَّد التويجري للمرة الثالثة فقال: “أحمد موسى ويوسف الحسيني وإبراهيم عيسى وغيرهم، هم أكثر من أساء إلى المملكة وقيادتها وشعبها بأقبح الكلام، وهم ضد التيارات الإسلامية بلا شك”.
أحمد موسى ويوسف الحسيني. وإبراهيم عيسى وغيرهم هم أكثر من أساء إلي المملكة وقيادتها وشعبها بأقبح الكلام وهم ضد التيارات الإسلامية بلا شك.
— عبدالعزيز بن عثمان التويجري (@AOAltwaijri) May 2, 2017