رغم مضي نحو شهر على انطلاق عملية طوفان الأقصى وما صاحبها من رد إسرائيلي وحشي غير مسبوق، تتجنب إيران الدخول في حرب جديّة ضد الاحتلال.
وأعطى حجم رد مليشيات إيران في المنطقة على المجازر الإسرائيلية في غزة، صورة واضحة عن عدم رغبة طهران بالدخول في مواجهة من شأنها استنزاف قدرات حلفائها وخسارة مكتسباتهم.
وتنتشر أذرع إيران في كل من لبنان واليمن وسوريا والعراق. وفي ظل معركة طوفان الأقصى، اكتفت المليشيات التابعة لها في دمشق وبغداد بمهاجمة قواعد أمريكية بسبب دعم واشنطن للعدوان على غزة، لكن دون أي تأثير.
وصدرت تصريحات وتهديدات من مليشيات عراقية عديدة للاحتلال دون أي فعل حقيقي على الأرض قد يهدد “إسرائيل” وأمريكا، فيما كانت جبهة سوريا برئاسة بشار الأسد هي الأضعف خلال المواجهة بسبب غيابها التام.
ومن هنا بقيت جبهتان سببتا القلق الأكبر على مدار الأيام الماضية، وهما لبنان واليمن، فما حجم انخراطهما وتأثيرهما في هذه المعركة؟ ولماذا لا تريد إيران الدخول في حرب حقيقية؟
الجبهة الشمالية
في لبنان، حسم خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله أمس 3 نوفمبر/تشرين الثاني، قضية تدخل الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية، ملمحًا إلى عدم رغبته بالدخول في الحرب.
وأصيب جمهور ما يسمى “محور المقاومة” بالإحباط من هذا القرار، بعدما أطلق الإعلام الحربي التابع لـ”حزب الله” عدة مقاطع فيديو تشويقية قبل كلمة نصر الله، توحي وكأن قرار الحرب قادم.
وخلال كلمته، ادعى نصر الله أن “حزب الله” دخل المعركة وبدأ عملياته ضد “إسرائيل” منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أي بعد يوم واحد من انطلاق عملية طوفان الأقصى في غزة.
لكن الوقائع على الأرض، تظهر أن أغلب الضربات التي وجهها الحزب نحو الحدود كانت تستهدف برجًا أو عامودَ مراقبةٍ إسرائيلي، لم يتم تدميره حتى الآن، على الرغم من استهدافه بشكل متكرر.
وأضاف نصر الله، أن ما يجري على الجبهة اللبنانية “غير مسبوق” ولم يحدث حتى في حرب تموز، مضيفًا أنه “لن يُكتفي بما يجري على الحدود وأن كل الاحتمالات مطروحة”.
وبدلًا من الدخول في معركة تحمل اسمه وتستنزف قدراته وقواته، جاءت الضربات القوية التي تجاوزت الحدود نحو المستوطنات وأبرزها مستوطنة كريات شمونة، موقعة باسم “كتائب القسام – لبنان”.
فيما لم تتجاوز ضربات “حزب الله” الحدود المحتلة التي تشهد تبادلًا متقطعًا لإطلاق النار، رغم ارتفاع عدد قتلى الحزب إلى 56 منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحتى 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وعلى لسان موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لـ”حماس”، عبرت الحركة عن إحباطها من الرد الضعيف لـ”حزب الله” وعدم انخراطه في هذه المعركة.
وقال أبو مرزوق في لقاء مع الجزيرة مباشر في 29 أكتوبر/تشرين الأول: “كنا ننتظر الكثير من “حزب الل”ه، لكن نحن نعتمد على أنفسنا، وندعو كل الأصدقاء أن يشاركونا في هذه المواجهة”.
ردا على سؤال بشأن موقف حزب الله.. موسى أبو مرزوق للجزيرة مباشر: كنا ننتظر الكثير من حلفائنا ومندهشون من موقف السلطة المخزي #غزة_لحظة_بلحظة pic.twitter.com/Nz5rHS3KiV
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 29, 2023
وقبلها، قال أبو مرزوق في مقابلة أخرى: “هناك اتصالات مع إيران لكننا كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر بكثير مما جرى اليوم”، في إشارة على ما يبدو إلى الإحباط من عدم مشاركة حزب الله، ثاني أهم جبهة في المحور.
عضو المكتب السياسي لحركة #حماس موسى ابومرزوق: هناك اتصالات مع ايران لكننا كنا نتوقع ان يكون التفاعل مع الحدث اكثر بكثير مما جرى اليوم…. pic.twitter.com/gKwoRaeaK5
— Maya Raydan مايا ريدان (@MayaRaydanSKY) October 15, 2023
جبهة اليمن
وبدلًا من إدخال حزب الله اللبناني، الحليف الأقوى والأبرز لإيران بالمنطقة في هذه المعركة بقوة، أوعزت طهران لمليشيا الحوثي بالمشاركة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت مليشيا الحوثي اليمنية أنها أطلقت مسيّرات نحو “إسرائيل”. وقال رئيس حكومة الحوثيين عبد العزيز بن حبتور، في حوار مع صحفيين، إن “هذه المسيّرات تابعة للجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء” التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014.
وأكد: “نحن جزء من محور المقاومة”، مضيفًا: “إننا نشارك بالقول وبالكلمة وبالمسيّرات”. وأشار إلى أنه “محور واحد، وهناك تنسيق يجري وغرفة عمليات مشتركة وقيادة مشتركة لكل هذه العمليات”، وفق زعمه.
وبعدها بيوم، بثت المليشيا مشاهد لإطلاق عدد كبير من الصواريخ والمسيرات، قالت إنها استهدفت مواقع في “إسرائيل”. وأظهرت المشاهد إطلاق نحو 15 صاروخًا، إضافة إلى قرابة 30 طائرة مسيرة.
وعلق المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، على هذه المشاهد، قائلًا إنها “عمليات مشتركة للقوة الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسير على أهداف في عمق الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة”.
لكن كثير من المراقبين اعتبروا إعلان دخول جبهة اليمن هذه الحرب، خطوة رمزية لعدة اعتبارات، أبرزها بعد المسافة الجغرافية بينها وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويبعد اليمن مسافة 1500 كيلو متر عن أقرب نقطة لفلسطين المحتلة في منطقة إيلات والنقب، كما أن الصواريخ والمسيرات تحتاج إلى عبور السعودية والبحر الأحمر قبل الوصول إلى أهدافها.
ومما يؤكد عدم تأثير هذه الجبهة، سقوط طائرة مسيرة قادمة من اليمن في مدينة طابا وأخرى في مدينة نويبع، جنوب سيناء المصرية، على البحر الأحمر بدلًا من وصولها إلى أهداف إسرائيلية.
انكشفت حقيقة هذا المحور خلال سنوات الثورة السورية، بعد أن صرحت قياداته أكثر من مرة بأن الطريق نحو القدس يمر فوق جثت من انتفضوا ضد نظام بشار الأسد
فيما أوضح جيش الاحتلال الإسرائيلي حينها أنه رصد “تهديدات جوية” في منطقة البحر الأحمر وتعامل معها، دون أن توقع أي أضرار أو إصابات.
وبعد قصف أولى الصواريخ من اليمن، أعلن الجيش الإسرائيلي، نشر سفن عسكرية في منطقة البحر الأحمر، في إطار “تعزيز الجهود الدفاعية في المنطقة”.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن مدمرة تابعة لها كانت “تجوب شمال البحر الأحمر” أسقطت ثلاثة صواريخ أرض-أرض ومسيّرات عدة أطلقها الحوثيون في اليمن على أهداف في “إسرائيل”.
كما رشحت أنباء عن اعتراض السعودية صواريخ باليستية كانت متجهة من اليمن نحو “إسرائيل”، ما يصعب تحقيق اختراق على صعيد هذه الجبهة.
ويرى كثيرون أن إيران دفعت بجبهة اليمن بدلًا من لبنان للإيحاء بانخراطها في المعركة وعدم تركها حركة حماس وحيدة، رغم عدم تأثير الصواريخ والمسيرات التي ترسلها.
ما السبب؟
في تعليقها على ما يجري، استبعدت صحيفة “إيل بوست” الإيطالية دخول إيران في صراع مباشر مع “إسرائيل” لعدة أسباب، منها” خشيتها من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف ما يسمى “محور المقاومة” ووكلائها في المنطقة وعلى رأسهم “حزب الله” اللبناني.
وتقول: “تاريخيًا، لم تشارك إيران بشكل مباشر في أي حرب على مدى 35 عامًا، أي منذ انتهاء حرب الخليج الأولى التي استمرت من عام 1980 إلى 1988”.
إلا أنها لعبت على مدى عقود من الزمن وبكثافة أكبر في السنوات الأخيرة، دورًا في العديد من الصراعات بالشرق الأوسط، على غرار قمع الثورة السورية والحرب باليمن والصراعات العديدة بين إسرائيل ولبنان (آخرها عام 2006)، وحرب العراق ضد تنظيم الدولة.
كما سلحت مجموعات عديدة في بلدان مختلفة في المنطقة على مدى سنوات بهدف تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في الخارج دون الحاجة إلى الانخراط المباشر، تفسر الصحيفة الإيطالية.
وبذلك، يظهر أن هدف إيران هو زيادة نفوذها وانخراطها في المنطقة عبر دعم المليشيات في تلك الدول بالمال والسلاح لتحقيق مصالحها، بينما ترفع شعارات الدفاع عن فلسطين.
وانكشفت حقيقة هذا المحور خلال سنوات الثورة السورية، بعد أن صرحت قياداته أكثر من مرة بأن الطريق نحو القدس يمر فوق جثت من انتفضوا ضد نظام بشار الأسد.
وجزمت إيل بوست أن تكثيف هذا المحور من هجماته ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة وخطاب التهديد المتزايد، لا يعني بالضرورة أن إيران مستعدة لخوض الحرب ولا للتضحية بـ”حزب الله” الذي يعد “أهم وكلائها” في صراع قد يصبح خطيرًا للغاية.
وترى أن تورطها في حرب خارجية قد يعرضها لخطرين، الأول يتعلق بإمكانية إثارة احتجاجات بالداخل، والثاني يكمن في احتمال أن تؤدي مواجهة كبيرة مدعومة أمريكيًا وأوروبيًا إلى القضاء على “محور المقاومة” أو إضعافه بشكل كبير.
وفي هذه الحالة ستتقوض استراتيجية استخدام “الوكلاء” لزيادة النفوذ بالشرق الأوسط، كما يمكن أن يفقد هؤلاء المكاسب التي حققوها على صعيد البقاء في الحكم.
ففي العراق، يقود الحكومة الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، كما أن “حزب الله” يعد دولة داخل لبنان ويتحكم بكل مفاصلها، فضلًا عن أن بشار الأسد يترأس النظام في سوريا، إضافة إلى سيطرة الحوثيين على أجزاء واسعة من اليمن منذ 2014.