أعلنت شركات التقنية الأمريكية خلال الأيام الماضية عن أرباحها الفصلية للربع الأول من العام الحالي 2017، جوجل، وفيسبوك، وأمازون، وآبل، ومايكروسوفت وهي أكبر خمس شركات تقنية من حيث القيمة على مستوى العالم، وتحقق أرباحًا خيالية تفوق أرباح الصناعات التقليدية، لتفرض واقعًا جديدًا في الاقتصاد بدأ يتبلور معالمه في الفترة الماضية، فعائدات تلك الشركات وما تقدمه مختلفة تمامًا عن الشركات التقليدية.
اقتصاد البيانات
أضحت الشركات التقنية الناشطة على الانترنت تسيطر على حجم كبير من البيانات الكثيفة لعدد لا يستهان به من المستهلكين حول العالم، بفضل توفر الانترنت بشكل أكثر من السابق بالدرجة الأولى، والتطور المستمر للهواتف الذكية وما لحقها من منتجات ذكية أخرى كالسماعة والساعة وأشياء أخرى بالدرجة الثانية.
صار من يملك تلك البيانات يملك السوق ومفاتيح التسويق الإلكتروني، ومع تزايد حجم تلك البيانات بدأت شركات مثل جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرها تقدم منصاتها أمام المعلنين من تجار التجزئة والترفيه والإعلام لعرض منتجاتهم المختلفة أمام جمهور كبير جدًا من المستهلكين، لديها بيانات حقيقية تمثل نشاطاتهم ورغباتهم ومشاركاتهم ومشترياتهم وأشياء كثيرة أخرى تقع في صميم اهتمام الشركات المنتجة، ومن هنا برزت أهمية تلك الشركات وصارت تجذب المعلنين إليها كبديل لا يقل أهمية من الإعلان على القنوات التلفزيونية.
وهذه الإعلانات هي الممول الأكبر لتلك الشركات، فشركتا فيسبوك وجوجل حظيتا بنسبة 20% من ميزانية الإنفاق على الإعلانات الرقمية في جميع أنحاء العالم خلال العام 2016، وتعد شركة جوجل أكبر المستفيدين من عائدات الإعلانات العالمية حيث حققت 79 مليار دولار في 2016، وهو مبلغ يزيد بنحو ثلاثة أضعاف عما حققته فيسبوك في هذا المجال خلال العام ذاته والبالغ 27 مليار دولار.
شركتا فيسبوك وجوجل حظيتا بنسبة 20% من ميزانية الإنفاق على الإعلانات الرقمية في جميع أنحاء العالم خلال العام 2016
شركة فيسبوك العملاقة أبرز اللاعبين في العالم في مجال البيانات، إذ تدير منصتها بيانات لثلث سكان الأرض تقريبًا بعدما بلغ عدد مستخدميها نحو 1.94 مليار شخص شهريًا منهم حوالي 1.3 مليار يستخدمونه يوميًا بحسب آخر البيانات الرسمية التي أعلنتها فيسبوك.
وكانت الشركة أعلنت يوم الأربعاء الماضي نتائج أرباحها الفصلية للربع الأول من العام الحالي، إذ قفزت أرباحها الفصلية بنسبة 76.6% لتحقق إيردات بلغت 7.86 مليار دولار بدعم من النمو القوي في أنشطة إعلانات الهاتف المحمول، وعززت الشركة عائداتها من الإعلانات، التي تمثل تقريبًا كل دخل فيسبوك، حيث شكلت إيراداتها من إعلانات المحمول 85% مقارنة مع 82% قبل عام.
وحسب شركات أبحاث عالمية فمن المتوقع أن تحقق شركات التواصل الاجتماعي العملاقة إيرادات قدرها 31.94 مليار دولار من إعلانات المحمول عالميًا في 2017 بزيادة قدرها 42.1% عن مستواها في العام الماضي.
أما عن شركة جوجل فقد ذكرت شركة “ألفابت” المالكة لجوجل والتي تشكل 99% من أرباح الشركة الأم ألفابت، في بيانها الرسمي أنها حققت إيرادات في الربع الأول من العام الجاري بلغت 24.75 مليار دولار، وهو أعلى مما توقعه المحللين 24.17 مليار دولار وبلغت الأرباح الصافية 5.4 مليار دولار، مشكلة ارتفاعًا بنسبة 22%عن نفس الفصل من العام السابق 2016 وهو ما انعكس ارتفاعًا على سعر سهم الشركة بأكثر من 4% فى التداول بعد ساعات من إعلان التقرير.
تدير فيسبوك بيانات لثلث سكان الأرض تقريبًا بعدما بلغ عدد مستخدميها نحو 1.94 مليار شخص شهريًا منهم حوالي 1.3 مليار يستخدمونه يوميًا
وقد شهد سوق البيانات منافسة محتدمة بين الشركات لاقتناص المزيد من المعلنين، وتسعى فيسبوك وتويتر وغيرها لاستقطاب المزيد من المستخدمين وتوليد المزيد من البيانات لجذب عدد أكبر من المعلنين على منصاتها. من جانب آخر تعمل الكثير من الشركات الصناعية والخدمية لجمع بيانات عن المستهلكين بهدف تطوير منتجاتها للأفضل بالشكل الذي يرضي ذوق وحاجة المستهلك.
الإعلانات الممولة
تهيمن الشركات الأمريكية على قائمة الإعلانات الرقمية لإن الولايات المتحدة تمتلك أكبر سوق للإعلانات في العالم، وتعمل شركات التقنية هناك على تعزيز إعلانات الإنترنت بشكل أكبر، فبحسب تقارير إعلامية فإن النمو الأساسي لأرباح الإعلانات يأتي من الإعلانات الرقمية حيث شكلت إيرادات الإعلانات لأكبر 30 شركة تعمل ضمن هذا المجال ما نسبته 44% من إجمالي إنفاق الإعلانات في 2016 مرتفعة من 39% في 2015.
تهيمن الشركات الأمريكية على قائمة الإعلانات الرقمية لإن الولايات المتحدة تمتلك أكبر سوق للإعلانات في العالم
من المتوقع أن تتجاوز عائدات الإعلانات عبر الإنترنت مثيلتها التلفزيونية وذلك بفضل استثمار كل من جوجل وفيسبوك في سوق الإعلانات الرقمية، حيث تسيطر شركتا فيسبوك وجوجل على القسم الأكبر من سوق الإعلان الرقمي في العالم، وتشير التقديرات أن الإنفاق العالمي على الإعلانات الإلكترونية في الأعوام المقبلة ستصب في حسابات كلا الشركتين.
وحسب آخر الأرقام الصادرة عن فيسبوك فقد استحوذت على 5 مليون معلن نشط شهريًا، علمًا أن هذا الرقم تطور بشكل مطرد، إذ كان 3 مليون معلن في مارس/آذار من العام الماضي، وازداد إلى 4 مليون في سبتمبر/أيلول الماضي والآن يبلغ 5 مليون، ما يعني أنها تجذب مليون معلن جديد كل 6 أشهر تقريبًا. وكانت الرئيسة التنفيذية للعمليات في فيسبوك شيريل ساندبرج، قالت في مقابلة مع رويترز إن عدد مشتركي الإعلانات يمثل إنجازًا كبيرًا يظهر أنها لا يزال لدى فيسبوك مجال للنمو على الرغم من نطاقها الضخم.
من المتوقع أن تتجاوز عائدات الإعلانات عبر الإنترنت مثيلتها التلفزيونية وذلك بفضل استثمار كل من جوجل وفيسبوك في سوق الإعلانات الرقمية
ويعد القسم الأكبر من المعلنين من الشركات الكبرى والعلامات التجارية المعروفة، ويأتي 75% من المعلنين إلى فيس بوك من خارج الولايات المتحدة مع نمو كبير في الدول الصاعدة مثل البرازيل والهند، ويرتكز القسم الأكبر من المعلنين في مجالات التجارة الإلكترونية والترفيه والإعلام وتجارة التجزئة.
وتركز فيسبوك في استراتيجيتها الجديدة على الشركات والمشاريع الصغيرة الذين يستهدفون المستخدمين عبر الهواتف المحمولة، إذ يبلغ مستخدمي فيسبوك من الهواتف الذكية حوالي 90% حوالي نصفهم يقومون بإنشاء حملاتهم الإعلانية من هواتفهم مباشرة، وستقدم الشركة دورات تدريبية مجانية بعشرة لغات لتعليم المستخدمين الذين يودون عمل حملات إعلانية على فيسبوك.
الوجه المظلم لهذه الشركات أنها تحتكر هذه البيانات إذ تشتكي دول وشركات كثيرة من احتكار الشركات العملاقة على سوق البيانات ويتهما البعض بالاستحواذ على أي شركة ناشئة تظهر في السوق تنافسها في سوقها، إذ دفعت شركتي جوجل وفيس بوك أموال طائلة لشراء الشركة الناشئة، سناب شات، الذي رفض مؤسسها العرض مُؤثرًا الاستمرار في السوق لوحده معتقدًا أن قيمة الشركة وما تقدمه أكبر من المبالغ المالية المعروضة، وقد لجأت فيس بوك إلى تقليد خدمات سناب شات في منصاتها بهدف التأثير عليه وإرغامه على بيع الشركة.
لدى فيسبوك 5 مليون معلن نشط شهريًا
مع ذلك هناك عدة خطوات لمكافحة احتكار هذه الشركات على سوق البيانات من بينها تخفيف الضغط الذي يسلطه مقدمو الخدمات عبر الإنترنت على البيانات ومنح المزيد من السيطرة لأولئك الذين يوردون لهم هذه البيانات. وإرساء مبدأ الشفافية في إجبار الشركات على الكشف عن المعلومات التي بحوزتهم عن المستهلكين فضلا عن الأموال التي من شأنهم أن يتحصلوا عليها جراء ذلك.
ويمكن أيضًا للحكومات أن تشجع على ظهور خدمات جديدة وذلك من خلال جعل خزائن البيانات أو الأجزاء الحساسة من اقتصاد البيانات بنية تحتية عامة، وهو ما قامت به الهند مع نظام الهوية الرقمي “أعذار” (Aadhaar).