قبل نحو 5 أشهر من الآن، لم يكن “تحالف الأمة” المعارض في تركيا، يتوقع هزيمة رئيسه كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الداخلية لحزب الشعب الجمهوري أمام نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب، أوزغور أوزيل (49 عامًا) الذي أصبح زعيمًا جديدًا للحزب.
المثير أن أوزغور كان، حتى شهور قليلة، ضمن الأدوات التي شاركت في عملية التسويق الانتخابي، لكليجدار أوغلو (74 عامًا) في أثناء معركة الانتخابات الرئاسية التركية، عندما زعم أن “الحزب تلقى معلومات عن محاولات لاغتيال كليجدار أوغلو، وأن السلطات التركية أرسلت له سيارة مصفحة تابعة لأحد الوزراء، لكنه رفض، وقرر مواصلة استخدام السيارة الخاصة به”.
لكن، أوزغور أوزيل (المدعوم من رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو) عمّق سجل الهزائم السياسية، لكليجدار أوغلو، الذي أخفق في انتزاع عرش الرئاسة التركية، في مايو/أيار الماضي، بعدما حصل على 48% من إجمالي أصوات الناخبين الأتراك، وانحياز أغلبية الأصوات للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي فازه حزبه، العدالة والتنمية (الحاكم) بـ266 مقعدًا، مقابل 168 مقعدًا للشعب الجمهوري في البرلمان.
خسارة مستحقة
ويوضح الباحث المتخصص في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، أن “هناك عوامل عدة تسببت في خسارة، كمال كليجدار أوغلو، لرئاسة حزب الشعب الجمهوري، أهمها ما تمخضت عنه نتائج الانتخابات العامة في تركيا، الصيف الماضي، رغم توافر كل العوامل لفوزه، سواء الأزمة الاقتصادية أم تداعيات الزلزال أم انتقاد حزب العدالة التنمية، يضاف إلى ذلك جملة الأخطاء الداخلية التي ارتكبها، كليجدار أوغلو، في إدارته لحزب الشعب الجمهوري”.
وتوقع، طه عودة أوغلو: “الأوضاع الداخلية لحزب الشعب الجمهوري ستكون أفضل مما كانت عليه في السابق، وسيكون هناك تجهيز كبير للانتخابات البلدية، بما تمثله من أهمية للحزب، والمعارضة على السواء، فهي تشكل اختبارًا حقيقيًا للقيادة الجديدة للحزب، وإن كانت هذه القيادة لن تتحمل النتيجة المرتقبة كاملة، في ضوء الفترة المحدودة للتحضير، لكن ما يحدث في حزب الشعب الجمهوري، ستترتب عليه معطيات جديدة، خلال الانتخابات العامة في تركيا، عام 2028”.
ونبه إلى “وجود تحديات ستواجه القيادة الجديدة لحزب الشعب الجمهوري، من بينها، الأصوات الداعمة لكليجدار أوغلو، في الحزب، بحكم المدة التي قضاها، وستشكل هذه الأصوات عامل ضغط على الرئيس الجديد للحزب، وحتى لا تتحول إلى صراع كبير، فإن هذا يعتمد على نجاح القيادة الجديدة في تجاوز المرحلة الحرجة، والشروع في إعادة ترتيب البيت من الداخل، خاصة في ظل الدعم الكبير من القيادات الوسيطة، والمؤثرة، كأكمل إمام أوغلو”.
وتعليقًا علي التطورات داخل حزب الشعب الجمهوري، يقول الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش: “فشل كمال كليجدار أوغلو في قيادة المعارضة إلى نصر في الانتخابات الماضية وطريقته السيئة في إدارة التحالف الانتخابي والشعور المتزايد بالإحباط داخل حزب الشعب الجمهوري، كلهما عوامل جعلت الحاجة إلى تغيير على مستوى القيادة داخل الحزب بعد الانتخابات أمرًا حتميًا”.
وأوضح “علوش” أنه “لم يكن بوسع كليجدار أوغلو في الواقع مواجهة أي مرشح على زعامة الحزب لأن الغالبية في الحزب يريدون التغيير بغض النظر عن هوية الشخص الذي سيتولى القيادة بعده”، و”هناك الكثير من التحديات التي تنتظر أوزال على رأسها التحضير للانتخابات المحلية ومعالجة الانقسام والاستقطاب الكبير الذي تسبب به كليجدار أوغلو داخل الحزب وإعادة ترميم علاقة الحزب مع باقي أطراف المعارضة”.
ويرى علوش أن “الظروف الداخلية للحزب في ظل قيادة أوزال ستكون أفضل، طالما أن التغيير المطلوب قد حصل، لكن عامل الوقت قد لا يكون مساعدًا له في رفع معنويات ناخبي المعارضة قبل الانتخابات البلدية أو ترميم الهوة الكبيرة التي تسبب بها كليجدار أوغلو مع أحزاب المعارضة الأخرى لا سيما حزب الجيد”.
ومع ذلك، فإن “رحيل كليجدار أوغلو عن قيادة الحزب تجعل المعارضة أكثر قدرة على تجاوز صدمة الهزيمة في الانتخابات الماضية والاستعداد بشكل أفضل للانتخابات المحلية. التحدي الأكبر الذي يواجه أوزال يتمثل في تقديم نفسه كزعيم قادر على تلبية تطلعات الجميع في حزب الشعب الجمهوري وتجاوز آثار قيادة كليجدار أوغلو بسرعة”، على حد وصف علوش.
أوزغور أوزال.. رؤية جديدة؟
وعقب فوزه بـ812 صوتًا من إجمالي 1366، مقابل 536 صوتًا، لكليجدار أوغلو، أعلن أوزغور أوزال أنه “يتبنى تغيير تركيا الحاليّة، على أساس مبادئ مؤسس تركيا الحديثة العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك. التغيير في حزب الشعب الجمهوري سيغير تركيا. نعد بهوية يسارية للحزب توفر حلولًا وآمالًا للمشاكل المتفاقمة للعمال غير الآمنين والفقراء”.
وأوزغور أوزيل من مواليد يوم 21 سبتمبر/أيلول 1974، في مدينة مانيسا التابعة لمنطقة إيجة، غربي تركيا، وهو خريج كلية الصيدلة، جامعة إيجه، وبدا حياته العملية في مجال الصيدلة عام 1999، ثم أصبح أمينًا عامًا لغرفة الصيادلة في مانيسا ورئيسًا لها، ثم أمينًا عامًا لجمعية الصيادلة الأتراك، ويتحدث إلى جانب التركية، الإنجليزية والألمانية.
ودخل أوزغور أوزيل مجال العمل السياسي عام 2011، من باب عضوية البرلمان التركي وأصبح عضوًا قياديًا في حزب الشعب الجمهوري عام 2014، ثم نائبًا لزعيم المجموعة البرلمانية للحزب عام 2015.
الواقع الصعب
وتسببت تحديات عدة في إضعاف موقف كليجدار أوغلو، في المشهد السياسي التركي، مثل توجهاته العلمانية والانتماء للمذهب العلوي وتأثيره على خيارات بعض الناخبين وافتقاده للكاريزما السياسية-الشعبية، فضلًا عن غياب الإنجازات التي تجعله يحظى بثقة أغلبية الناخبين الأتراك.
على المستوى الداخلي، فإن حزب الشعب الجمهوري، كان على عتبة الانقسام السياسي، في ظل حالة التصدع والاستقطاب، التي لم تكن مفاجئة، بل تبلورت عبر محطات عدة (قرارات قيادية فوقية لا تراعي الواقع على الأرض، معارضة الأفكار الجديدة، الهيمنة على قيادة الحزب، والفشل في تجاوز الأزمات التي راحت تتراكم خلال الشهور الأخيرة).
تفاقم الانقسام داخل حزب الشعب الجمهوري، بسبب التناقضات الداخلية وضعف البنية التنظيمية الداخلية، وهشاشتها، مع ضبابية آليات صنع القرار الداخلي التنظيمي والسياسي، ارتباطا بنشأة النظام السياسي التركي، الذي قام على مشروع الحزب الواحد، منذ معاهدة لوزان (23 يوليو/تموز 1923م)، وولادة الجمهورية التركية.
كانت نتائج الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) الأخيرة، القشة التي قصمت ظهر البعير، حتى إن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، قال حينها: “انتهت انتخابات مايو، بعد خيبة أمل مماثلة قبل 5 سنوات. لا تقلقوا كل شيء يبدأ من جديد. لا تنسوا أن الثابت الوحيد هو التغيير. من الآن فصاعدًا لن نكرر نفس الخطوات وننتظر نتائج مختلفة”.
وكأنما كانت هذه التصريحات بمثابة كلمة السر في الحراك الداخلي في حزب الشعب الجمهوري، الذي تمددت داخله حالة الاحتقان السياسي، مع اصطفاف تيار معارض في الحزب، يطالب بـ”محاسبة المسؤولين، عن النتيجة المتواضعة في انتخابات الرئاسة، والبرلمان، لا سيما أن اصطفاف المعارضة بصورة غير مسبوقة، كان يجب أن يحقق نتائج مبهرة”.
ويقود جيل الوسط في حزب الشعب الجمهوري مرحلة جديدة، تعتمد على إحداث تغييرات هيكلية في صفوف الحزب وآلياته، مدعومًا بالعديد من القيادات المؤثرة، وشروعها منذ فترة في إجراء عملية تقييم لأداء الحزب، مقابل الرؤية التقليدية، التي كان يتمسك بها كليجدار أوغلو في إدارة الحزب.
وتمددت حالة المعارضة الداخلية في حزب الشعب الجمهوري، وراحت أطرافها تنظر لكليجدار أوغلو، باعتباره أسيرًا لعرش آتاتورك، وأنه منذ رئاسته للحزب عام 2010، يقف “حجر عثرة” أمام تجديد الدماء في الهيئات القيادية، كما أن نهجه سينعكس على إدارته لتحالف “الأمة” المعارض، ومسيرة كيانات سياسية أخرى متحالفة معه.
وكان رئيس ولاية بولو، عن حزب الشعب الجمهوري، تانجو أوزجان، أكثر وضوحًا في التعبير عن حالة الاحتقان الداخلي بالحزب: “السيد، كمال – كليجدار أوغلو – أدار تحالفات المعارضة ورشح نفسه للرئاسة، رغم رفض البعض، ثم حدث ما حدث.. كفاك، 13 عامًا. اجلس مع أحفادك!”.
معركة المحليات
تؤشر نتائج المعركة الناعمة داخل حزب الشعب الجمهوري (أقدم الأحزاب السياسية التركية) إلى أن زعيم الحزب السابق (كليجدار أوغلو) طيلة 13 عامًا، أصبح خارج المعادلة السياسية التركية، قبل واحدة من أشرس المعارك الانتخابية، التي ينتظرها تحالف الشعب الحاكم، والمعارضة، على السواء.
وتمثل الانتخابات المحلية (البلديات) التركية في 31 مارس/آذار 2024، واحدة من العوامل التي كانت لها تأثير استباقي كبير في حسم المعركة الداخلية على رئاسة حزب الشعب الجمهوري، عبر الدفع بـ”أوزغور أوزيل” مع خوض الشخصيات الوازنة في الحزب للمعركة الانتخابية، خاصة المدن الكبرى (إسطنبول، أنقرة، إزمير…).
كانت تقديرات سياسية سابقة، قد حذرت من أن “مشاركة المعارضة في انتخابات البلديات التركية، بعد 4 أشهر من الآن، وهي على هذا النحو من التشتيت، في ظل تعدد وتناقض التوجهات والتيارات: يمين، وسط، يسار، سيفقدها الكثير من مناطق نفوذها، التي حسمتها في انتخابات المحليات السابقة، في مارس 2019”.
وجدد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو (53 عامًا) التذكير بسخونة معركة انتخابات البلديات (المحليات) التركية، في مارس/آذار عام 2024، عبر إعلان نيته “الترشح لرئاسة البلدية” دون انتظار موافقة أو رفض حزبه (الشعب الجمهوري المعارض) والتعهد بأن يكون “أنجح رئيس للمدينة المقدسة”، حسب وصفه.
ويرى إمام أوغلو أن “الفوز في إسطنبول يقود إلى مواقع مهمة على الصعيد الوطني” في إشارة لرمزيتها الخاصة بين 81 بلدية تركية، بعدما انطلق منها، رجب طيب أردوغان، لرئاسة تركيا، قبل أكثر من 20 عامًا.
وتشير معلومات إلى أن الدفع بـ”أوزغور أوزيل” لرئاسة الحزب، يحد من المغامرة، حيث يواجه، إمام أوغلو (الذي كان يتصدر التوقعات لرئاسة الحزب) عشرات الدعاوى القضائية (المرفوعة من جهات حكومية وحزبية وشخصيات محسوبة على التحالف الحاكم في تركيا) تهدد مصيره السياسي، كون مسارها السلبي قد يتسبب في عزله من منصبه أو سجنه وحرمانه من ممارسة العمل السياسي!
ويحاكم إمام أوغلو غيابيًا، منذ يونيو/حزيران الماضي، في قضية (حصيلتها نحو 250 ألف ليرة، من الأموال الحكومية) تعود إلى عام 2015، عندما كان يتولى رئاسة بلدية، بيليك دوزو (التابعة لإسطنبول)، ووفق أوراق القضية فهو متهم بـ”تزوير عقد مالي”، لكنه يؤكد أن “تحقيقًا سابقًا في العقد خلص إلى عدم وجود أي مخالفة”.
وقضت محكمة تركية (قبل الاستئناف) في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، بسجن، إمام أوغلو، عامين و7 أشهر و15 يومًا، وتجميد نشاطه السياسي لمدة 5 سنوات (تماشيًا، مع المادة 53 من قانون العقوبات) بتهمة “إهانة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات” على خلفية قرار الهيئة بإعادة انتخابات المحليات في بلدية إسطنبول الكبرى.
وانتزع، إمام أوغلو، رئاسة مدينة إسطنبول، عام 2019، بعدما ظلت في يد المحافظين الأتراك (بقيادة أردوغان) منذ عام 1994، لكن السياسي المعارض، فجر مفاجأة خلال ترشحه لرئاسة البلدية الماضية، بالفوز على منافسه، بن علي يلدريم (رئيس الحكومة السابق ومرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم).
وفيما ألغت اللجنة العليا للانتخابات نتائج انتخابات المحليات في بلدية إسطنبول (يقطنها نحو 16 مليون نسمة، بينهم 10 ملايين صوت انتخابي) في 31 مارس/آذار، بحجة وقوع تجاوزات ومخالفات خلال العملية الانتخابية، لكن إمام أوغلو حسم المعركة الانتخابية، بحصوله على 4 ملايين و741 ألفًا و885 صوتًا.
وخلال انتخابات المحليات الماضية، حاولت المعارضة إظهار الاصطفاف خلف إمام أوغلو، وحشد ناخبيها لتمكينه من رئاسة بلدية إسطنبول، حيث تعاونت أحزاب: الشعب الجمهوري، الجيد، الشعوب الديمقراطي في الانتخابات، التي حسمت المعركة لصالح المعارضة.
وأظهرت الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) حالة التفكك والتباين في خندق المعارضة، نتيجة تباين الأفكار والنظرة لطبيعة القضايا والملفات، والحلول المقترحة للأزمات، ما يتطلب إعادة النظر في تركيبة التحالفات حتى يكون لديها القدرة على إقناع الناخبين، في الاستحقاقات السياسية، مستقبلًا.
كانت الانتخابات التركية بمثابة مباراة في “الإقناع السياسي” وقياسًا لـ”الصلاحية الحزبية” و”اختبارًا حقيقيًا” لوعي الأتراك، الذين لم تقنعهم معظم “الوعود الوردية” الصادرة عن المعارضة (أفراد وأحزاب وتحالفات) والتي تدرجت من الهدوء إلى التصعيد، ثم للتحريض السياسي والعنصرية (كما في ملف اللاجئين، خاصة السوريين).
ورغم أن التغيير تصدر شعارات المعارضة، لكنها لم تقدم أي شواهد تدلل على إمكانية إحداثها للتغيير المرتقب، وأن “التغيير” يجب أن يبدأ من داخل أحزاب المعارضة نفسها، عبر الإطاحة بالقيادات والكوادر غير القادرة على التفاعل مع المتغيرات، ومنح الفرصة للكفاءات الحزبية.
الزعيم السابق
قبل هزيمته في الانتخابات الداخلية للحزب، ظل كليجدار أغلو ضد مفهوم “تجديد الدماء” في الشعب الجمهوري، عبر قطع الطريق على رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، رغم فرصهما المميزة في الترشح لرئاسة الحزب، حتى إن زعيمة حزب الجيد ميرال أكشينار، قالت: “غابت النوايا الحسنة، وتم وضع جميع البدائل في القائمة السوداء”!
ونصحت أكشينار، كليجدار أوغلو (3 مارس/آذار الماضي) بعدم الترشح: “من فضلك لا تكن مرشحًا؛ لأنك إن أصبحت مرشحًا، فلن يصوت الناخبون لك أو لنا”، وطالبه المعارضون داخل الحزب بـ”بالاستقالة”، وترك القيادة لجيل الوسط، خاصة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، وغيرهما.
تُظهر المعارك داخل حزب الشعب الجمهوري كيف تسبب كليجدار أوغلو في الدفع بمحرم إنجه (مرشح انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، منافس، كليجدار أوغلو، على رئاسة الشعب الجمهوري، خلال الانتخابات الداخلية عام 2014) حتى إنه فضل الانشقاق عن الحزب، قبل عامين، إثر خلافات حادة، تفاقمت منذ انتخابات الرئاسة التركية عام 2018.
وأسس محرم إنجه، حزب “المملكة” كرد فعل مباشر على إعادة انتخاب، كليجدار أوغلو، رئيسًا لحزب الشعب للمرة السادسة، وكان لانشقاق، إنجه (بصحبة شريحة كبيرة من الكتلة التصويتية لحزب الشعب الجمهوري) أثره الواضح على عملية التصويت للشعب الجمهوري في الانتخابات العامة التركية، وتراجع عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب.
وُلد كمال كليجدار أوغلو في 17 ديسمبر/كانون الأول 1948، في إحدى قرى ولاية تونجلي (بمنطقة شرق الأناضول) وفي عام 2002، انضم لحزب الشعب الجمهوري، وفاز بعضوية البرلمان التركي، عن إسطنبول، عام 2007، لكنه خسر رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، خلال الانتخابات المحلية في مارس/آذار عام 2009، أمام مرشح حزب العدالة والتنمية قادر توباش.
وأصبح كليجدار أوغلو (المناصر بشدة للقيم العلمانية) رئيسًا منتخبًا لحزب الشعب الجمهوري، عام 2010، بعد استقالة مثيرة، لرئيس الحزب السابق دينيز بايكال. التشابه في المظهر الخارجي بين كليجدار أوغلو والزعيم السياسي-الروحي للهند، مهاتما غاندي (أكتوبر/تشرين الأول 1869 – يناير/كانون الثاني 1948) جعل وسائل إعلام تركية، تصفه بـ”غاندي كمال”.
يكشف سجل الانتخابات (البرلمانية والرئاسية والبلدية) عن هزائم متتابعة لكليجدار أوغلو في مواجهة مرشحي حزب العدالة والتنمية (خسر أمام مرشح العدالة والتنمية قادر توباش، عام 2009، وحقق النتيجة نفسها عام 2011، وفي عام 2014 فشل مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، أكمل الدين إحسان أوغلو، أمام أردوغان).
وتكررت إخفاقات حزب الشعب الجمهوري في عهد، كليجدار أوغلو، خلال الانتخابات العامة، عام 2015، كما فشل في تعديل الدستور التركي، عام 2017، والانتخابات العامة، عام 2018، بينما حقق نتائج إيجابية نسبيًا في انتخابات المحليات، عام 2019، بسبب إمام أوغلو ومنصور يافاش، وقيادات حزبية أخرى.
حاول كليجدار أوغلو (قبل 20 شهرًا) مد الجسور مع المشهد السياسي في تركيا بخطاب تصالحي “حزبنا، الشعب الجمهوري، ارتكب الكثير من الأخطاء في الماضي، لكنه اليوم على دراية بكل خطوة سيتخذها”، لكن الخطوة لم تحظ باهتمام جماهيري، كونها مجرد عملية “تسويق سياسي”، تتناقض مع الممارسات السياسية للحزب منذ تأسيسه.
ورغم أن، كليجدار أوغلو، يعد من الوجوه الأساسية في السياسة التركية خلال العقدين الأخيرين، فإن مبالغته في الوعود الانتخابية، تحطمت مع ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية (وقبلها البرلمانية) التركية، بعدما أظهرت انحياز الأغلبية للبرامج الواقعية، القابلة للتطبيق، خاصة تعهدات النهوض الشامل بالمجتمع.
تاريخ شائك
حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي – علماني) يعد أقدم حزب سياسي في تركيا، ويشكل المعارضة الرئيسية في البرلمان، تأسس عام 1919 كإطار مُنظم لمواجهة الغزو اليوناني لمنطقة الأناضول (خلال حرب الاستقلال التركية من 1919 حتى 1923) قبل أن يتحول إلى كيان سياسي في 9 سبتمبر/أيلول 1923.
ومع إعلان تأسيس الجمهورية التركية (29 أكتوبر/تشرين الأول 1923) أصبح الحزب السياسي الوحيد في البلاد، مع هامش ديمقراطي-صوري، بتعليمات من زعيم الحزب، مصطفى كمال أتاتورك، الذي سمح بتشكيل حزبين آخرين (الجمهوري التقدمي والجمهوري الليبرالي) قبل حظرهما لاحقًا.
وبعد انقلاب عام 1980، منعت جميع الأحزاب من العمل في تركيا، بما فيها حزب الشعب الجمهوري من المجلس العسكري، وفي عام 1984، تم إنشاء حزب بديل باسم حزب اليسار الديمقراطي، بواسطة عضو حزب الشعب الجمهوري بولنت أجاويد.
ومع ذلك أعيد تشكيل حزب الشعب الجمهوري باسمه الأصلي في 9 سبتمبر/أيلول 1992 بمشاركة غالبية الأعضاء الذين كانوا موجودين في الحزب قبل عام 1980، ويصف الحزب نفسه بأنه “مخلص لمبادئ وقيم المؤسسة الجمهورية التركية” التي يعبر عنها شعار الحزب.
وتناوب على رئاسة حزب الشعب الجمهوري (CHP) منذ تأسيسه: مصطفى كمال أتاتورك، جلال بايار، عصمت إينونو، كامل كيرك أوغلو، بولنت أجاويد، مصطفى أوستونداغ، دنيز بايكال، حكمت شتين، جودت سيلفي، ألتان أويمن، جودت سيلفي، كمال كليجدار أوغلو، ثم أوزغور أوزيل.