ترجمة حفصة جودة
“السجائر تقتل، ونحن كذلك”، هذا هو الشعار الذي رفعته “داعش” ترافقه صورة لدم يتدفق مع إحدى السجائر على منفضة زجاجية، فبحسب تفسير “داعش” الصارم للشريعة، تعتبر السجائر خطيئة تستوجب الموت أو الجلد لكل من يرفع راية العصيان.
تم القبض على أحمد ياسر وبحوزته السجائر في تلكيف، وهي مدينة تقع على الحدود الشمالية للموصل، عندما أحكمت “داعش” قبضتها عام 2015، فبعد أن وجدوا عبوة السجائر في جيبه أثناء التفتيش قاموا بجلده ثم وضعوه في قبو أحد السجون منع 120 شخص آخر، يقول ياسر: “لم أكن أفكر في أي شيء آخر سوى الموت، إن لم يكن عن طريق الإعدام فسيكون عن طريق القنابل المتفجرة.
تعرض أحمد ياسر للاعتقال في تلكيف بسبب السجائر
في يومهم الـ11 تم نقله هو وزملائه إلى أحد الميادين وقت الفجر، يقول ياسر: “كنت أتوقع أن ينفذوا حكم الإعدام الآن، وأن كل شيء قد انتهى فبدأت أدعو لعائلتي ولنفسي”، لكن بدلا من الحصول على طلقة في الرأس، حصل ياسر على كسر بيده اليمنى، وبينما هو وزملائه معصوبي العينين، طلبت “داعش” منهم الرحيل والعودة إلى منازلهم. يضيف ياسر: “بعد رحيل داعش كان أول شيء قمت به هو التدخين، ليس من السهل أن تتخلى عن عادة سيئة كنت تمارسها لمدة 32 عاما”.
فتيات يمشين وسط المباني المهدمة في تلكيف قرب الموصل
أصاب الدمار جزءًا كبيرًا من تلكيف في معركة يناير، وتساوت الكثير من المنازل بالأرض، وما تبقى منها كانت جدرانه مليئة بالثقوب ومحاطه بالألغام، عندما عاد السكان إلى منازلهم لم يجدوا كهرباء أو مياه للشرب أو عمل، فقط مستشفى واحدة صالحة للعمل، تبذل منظمة “العمل ضد الجوع” (ACF) الكثير من الجهود لتوفر للمدنيين الوسائل اللازمة لإعادة بناء حياتهم ويتضمن ذلك توفير مياه للشرب وصرف صحي وغذاء ورعاية صحية نفسية لتساعدهم على تجاوز الصدمة التي عانوا منها في الـ3 سنوات الماضية.
تقول هدية -56 عاما- لموظفي الإغاثة: “كنا نشم رائحة الخوف والموت كل يوم”، فقدت هدية أولادها الثالث أحدهم قتل نفسه عندما حاول إنقاذ رجلا كان يحاول قتل نفسه بالرصاص، والآخرين كانو شرطيين قتلتهم داعش، تضيف هدية: “هؤلاء الرجال أعوان الشيطان وليسوا رجال القرآن، نحن نعلم أولادنا الإسلام ونعلمهم الكرامة والحرية أيضًا”.
فقدت هدية أبناءها الثلاث أثناء احتلال “داعش” لتلكيف شمال الموصل
في مركز الصحة الوحيد الصالح للعمل بتلكيف ، كان الأطباء يفرزون اللقاحات الفاسدة والمعدات ويحاولون إصلاح الأماكن المتضررة من الصواريخ، تعمل مؤسسة “العمل ضد الجوع” على تجديد المستشفى وحفر الآبار وتركيب المضخات لتصل المياه النظيفة إلى آلاف الناس، والتي كانت تأتي سابقًا من محطة معالحة المياه في الموصل والتي تعرضت للقصف.
تقول آنيتا سارنا –المدير القطري للمنظمة في العراق- إن المدنيين الذي أمروا بالبقاء في منازلم أثناء الحرب يعانون من نقص شديد في الغذاء والوقود، بعض المواطنين أصيبوا بسوء التغذية خاصة غرب الموصل، تضيف سارنا: “كنا نستعد لقتال شديد في المدينة القديمة حيث كانت كل طرق الامدادات مقطوعة بالفعل، كان متوقعا أن يُصاب المواطنين بنوع من سوء التغذية، وكلما طالت العمليات العسكرية كلما ازداد خطر سوء التغذية، فالاحتياجات الأساسية من طعام ومياه وصحة وعلاج كان نادرة أكثر وأكثر”.
مواطنو تلكيف يجلسون مع موظفي الإغاثة شمال الموصل
تقوم الفرق النفسية التابعة للمنظمة بعقد جلسات الصحة النفسية للمواطنين المصابين بالصدمة ممن شهدوا الحرب والقصف والفظائع التي ارتكبتها “داعش”، ما زال هناك بعض القرى التي تحتوى على الكثير من الألغام غير المتفجرة التي زرعها المسلحون لإبطاء تقدم أعدائهم، لذا ما زال الخوف مستمرا، تقول سارنا: “في شرق الموصل رأينا العديد من الإصابات الناتجة عن اصصدام الناس بشيء ما والذي ينفجر فيهم بمجرد لمسه”.
الأطفال ينتظرون موظفي “العمل ضد الجوع” في تلكيف
لكن من بين الحطام يزهر الأمل، يعتقد الدكتور يونس محمود الخفاجي –والذي كان مقيما في تلكيف أثناء احتلال داعش- أن العراقيين يستطيعون صياغة مستقبل جديد، يضيف محمود: “أريد أن أصدق بأنني أستطيع أن أرى مدينتي مزدهرة مرة أخرى ويعيش فيها أصدقائي من الشيعة والسنة والمسيحيين في وئام كما كنا قبل وصول داعش، يعتقد البعض أن العراقيين لن يكون لهم مستقبل سوى الحرب، لكنني ما زلت أحلم وأثق بأننا سوف نحقق الحلم سويًا”.
المصدر: الإندبندنت