اكتشفت الوكالة الأمريكية ناسا، من خلال مشروع فريق أبحاث الكويكبات القريبة من الأرض، كويكبًا جديدًا، وهو ما يُطلق عليه في الوقت الراهن اسم “31910 مصطفى”، حيث عثر الفريق على حزام الكويكبات الرئيسي في منطقة النظام الشمسي التي تقع بين كوكبي المريخ والمشتري، حيث يتركز هناك عددًا كبيرًا من مدارات الكويكبات، ولكن ما السر وراء تسمية ذلك الكويكب تحديدًا بإسم مصطفى؟
لا تستغرب إن كان هذا الاسم يعود لتكريم وكالة ناسا لفتاة مصرية في السابعة عشر من عمرها، والتي أطلقت الاسم على الكويكب قبل عامين تكريمًا للباحثة المصرية والمخترعة الصغيرة “ياسمين يحيى مصطفى”، والتي تعد من أنجح النماذج المشرفة في الشرق الأوسط في ربط التعليم الأكاديمي بمشاكل المجتمع، وهو ما يُعرف بـ “STEM Education”.
أطلقت ناسا الاسم على الكويكب تكريمًا للباحثة المصرية والمخترعة الصغيرة “ياسمين يحيى مصطفى”
ما هو تعليم STEM
في البداية دعنا نعرف خلفية التعليم التي جاءت به “ياسمين” وصولًا للعالمية، (STEM) هو ذلك النوع من التعليم الذي يهدف إلى تثقيف الطالب في مراحله التعليمية الأولى في مجالات أربعة متخصصة، وهو العلوم، والتكونولوجيا، والهندسة والرياضيات، لكي لا يكون منهاجًا أكاديميًا فحسب، بل ليكون متصلًا بنهج متعدد من التخصصات والتطبيقات، بعد إدماج تلك المجالات معًا بدلًا من تدريسها منفصلة، ليبني تعليم (STEM) نموذجًا متكاملًا و موازيًا لمشاكل المجتمع ومبنيًا على الواقع.
هو ذلك النوع من التعليم الذي يهدف إلى تثقيف الطالب في مراحله التعليمية الأولى في مجالات أربعة متخصصة، وهو العلوم، والتكونولوجيا، والهندسة والرياضيات
“التعليم من أجل الإبداع”، كان ذلك مشروعًا من المشاريع التطويرية في خطة تطوير وإصلاح التعليم في الولايات المتحدة، وكان مقترحًا من سياسة أوباما لتحسين التعليم الأمريكي، كان هدفه هو تعزيز تعليم ( STEM)، وتزويد عدد المتخصصين في تدريسه، ونشر الوعي به بين الطلاب الأمريكان حتى قبل وصولهم مرحلة الثانوية.
على الرغم من أن عدد الطلاب المهتمين بذلك النوع من التعليم لا يقارن بعدد الطلاب المدرجين في مراحل التعليم العادية والمعتادة، إلا أن هناك دراسات أثبتت أن هناك توجه من نسبة مقبولة من الطلاب نحو هذا النوع من التعليم تحديدًا، خصوصًا بعد إطلاق الرئيس الأمريكي السابق أوباما لحملة “التعليم من أجل الإبداع”، حيث كان الهدف هو توجيه الطلاب المتفوقين في العلوم والرياضيات للمشاركة في برنامج (STEM)، لتدريب باحثين مستقبليين ومخترعين صغار.
ما أهمية أن تخصص الولايات المتحدة ميزانية قدرها 3 مليار دولار لدعم تعليم (STEM)؟
تقدر وزارة التعليم الأمريكية أن الوظائف المستقبلية ستطلب قدرات ومعارات تفوق المهارات التي يملكها الشعب الأمريكي في السنوات الحالية بنسبة 80٪، ذلك لأن المستقبل سيعتمد كليًا على هيمنة التكنولوجيا على مختلف مجالات حياتنا.
الوظائف المستقبلية ستطلب قدرات ومعارات تفوق المهارات التي يملكها الشعب الأمريكي في السنوات الحالية بنسبة 80٪
تكمن أهمية ذلك النوع من التعليم بأنه مرتبط بالمشاكل البيئية الحالية، وذلك عن طريق المنهاجية التي يتبعها الطلاب أثناء دراستهم في ذلك البرنامج، والذي لا يكون منفصلًا عن بقية المراحل التعليمية، ولا يكون كذلك بمثابة دورة تدريبية تستمر لبضعة أشهر، بل هو برنامج متكامل من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، يتخرج فيه الطالب وبه إمكانية عالية جدًا بأن يكون مخترعًا عبقريًا.
تكمن أهمية ذلك البرنامج بأنه لا ينفصل عن المجتمع، بل تكون مشاكل المجتمع البيئية والصحية جزءًا لا يتجزأ من البرنامج، بحيث تكون مشكلة بيئية ما تعاني منها قرية في بلد بعينه، تحدي واضح أمام الطالب لكي يقوم بالعمل من أجل حله، أو من أجل طرح فكرة مشروع تعمل على حل تلك المشكلة، ليس هذا فحسب، بل ليكون ذلك الحل مدخلًا لإنتاج مصدرًا للطاقة، وهذا بالضبط ما فعلته المخترعة المصرية الصغيرة “ياسمين مصطفى”.
تكمن أهمية ذلك البرنامج بأنه لا ينفصل عن المجتمع، بل تكون مشاكل المجتمع البيئية والصحية جزءًا لا يتجزأ من البرنامج،
فازت “ياسمين” التي تبلغ من العمر 17 عامًا، بجائزة المركز الأول عن فئة علوم الأرض والبيئة بمشروعها الذي يحمل عنوان “القوة الكامنة في قش الأرز” في مسابقة ومعرض “إنتل” الدولي للعلوم والهندسة الذي انعقد في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة.
لحظة فوز “ياسمين” بالمركز الأول
نظام تحكم آلي لتنقيه المياه وانتاج البايو ديزل
ياسمين في معرض إنتل الدولي
“ياسمين” فتاة قروية من محافظة دمياط، وبحسب تقارير منظمة الصحة، فإن مصر بشكل عام ودمياط بشكل خاص من أكثر الأماكن التي ترتفع فيها نسبة الفشل الكلوي بشكل جنوني، ولأن تعليم (STEM)، يهدف إلى حل المشاكل البيئية، وعرضها بمثابة تحدي على الطلاب مرتبط بشكل أساسي ببيئته بالفعل، كانت مشكلة تلوث المياه هي التحدي أمام “ياسمين” في مدرسة “زهراء المعادي للعلوم والتكنولوجيا” بالقاهرة.
يتضمن هذا البحث الذي قدمته “ياسمين” طرق مقترحة لتنظيف وتطهير مصادر المياه أولا، ثم تحويلها إلى حل مشكلة الكهرباء والحد من تلوث الهواء، واستخدمت في مشروعها علاج بيولوجي للمساعدة على تنقية المياه وتسخينه بحرق قش الأرز.
يساعد بحثها العلمي في تطهير المياه، والحد من تلوث الهواء عن طريق التخلص من الأرز عن طريق حرقه لزيادة وقود الديزل الحيوي في توليد الكهرباء، بدلًا من حرق الفلاحين لقش الأرز بأنفسهم مسببين بما يُعرف بالسحابة السوداء التي تسبب تلوثًا مستمرًا للهواء في دلتا مصر على الرغم من تقنين الحكومة لهذا الفعل بالغرامة المالية لمقترفينه.
يساعد بحثها العلمي في تطهير المياه، والحد من تلوث الهواء عن طريق التخلص من الأرز عن طريق حرقه لزيادة وقود الديزل الحيوي في توليد الكهرباء
قررت “ياسمين” أن تحول عملية حرق قش الأرز دون الاستفادة منه إلى حرقه بطريقة لا تسبب تلوثًا للبيئة (السحابة السوداء)، بل وتؤتي ثمارها بوقود حيوي (بايو ديزل) نستفيد منه في تطهير المياه، وهو بالفعل ما قدمته البرازيل كمشروع ناجح في استخراج البايو ديزل من فول الصويا، لتعمل مواصلات النقل العام هناك بذلك الوقود بدلًا من البنزين أو الغاز.
تعليم العلوم والتكنولوجيا في الشرق الأوسط
على عكس الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فبحسب دراسات اليونسكو، فإن نساء الخليج العربي يتقدمن على الذكور بنسبة 60٪ في دراسة مجالات العلوم والتكنولوجيا، وهي النسبة التي تضاعف نسبة مشاركة المرأة في دراسة تلك المجالات في الولايات المتحدة وأوروبا، كما هذا لا ينفي نسب مشاركة الرجال المتزايدة في هذا المجال، وهذا يفسر التقدم المستمر لدول الخليج العربي مثل قطر والبحرين والإمارت في مجالات التكنولوجيا وتطبيقها في الواقع مثل “إنترنت الأشياء” (internet of Things).
من الملاحظ زيادة عدد مدارس العلوم والتكنولوجيا والجامعات القائمة على هذا المجال والملحقة ببرامج معدة ومجهزة للبحث العلمي، إلا أن الشرق الأوسط بشكل عام مازال يعاني من الجهل المجتمعي بتلك النوعية من التعليم، لا سيما أن أغلب الناس لا يرون ضرورة من دخول أولادهم مدارس كتلك لنيلهم شهادة جامعية وحصولهم على الوظيفة، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.
لا يحتوي برامج تعليم (STEM) على الهندسة التقليدية أو مناهج الرياضيات المعتادة
حديث “ياسمين” في حفل التخرج في جامعة قطر
لا يحتوي برامج تعليم (STEM) على الهندسة التقليدية أو مناهج الرياضيات المعتادة، بل يحتوي البرنامج على نسب ضئيلة مما سبق، فهو برنامج قائم بذاته يقوم على جمع تخصصات مثل العلوم والتكنولوجيا والرياضيات والهندسة في مستويات متقدمة يدرسها الطالب منذ بداية دخوله المدرسة وحتى تخرجه منها، ليكون قد أتم العمل على العديد من المشاريع البيئية خلال تعليمه، قد تكفي إن كانت جيدة بالفعل، لخلف أفكار مبدعة تحل كثير من المشاكل البيئية التي لا تحرك لها الحكومات ساعدًا.
كانت “ياسمين يحيي” ضيفًا في حفل تخرج الدفعة الجديدة من جامعة قطر بالدوحة، لتروي حكايتها لهم في الحفل، معطية لهم الأمل في أنهم لهم القدرة على صنع التغيير، فكونها فتاة قروية قررت ترك القرية لتعلم العلوم والتكنولوجيا في العاصمة، ومنها إلى مسابقات دولية وعالمية في الولايات المتحدة، جعل منها بطلة كسرت تلك القيود المجتمعية، وصنعت من نفسها نموذجًا مشرفًا لإمكانية المجتمع على خلق اقتصادًا بنفسه.