يقضي الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين سن الخمس سنوات و16 سنة، أكثر من ست ساعات يوميا أمام الأجهزة الالكترونية. ومع التقدم في السن، يرتفع عدد هذه الساعات وتبدأ صحة الطفل في التدهور. فماذا يمكن أن نفعل إزاء ذلك؟
إن التلفاز، والحاسوب، وألعاب الفيديو، والهواتف الذكية، تسرق الأطفال من عالمهم الحقيقي إلى عالم افتراضي. والمؤسف أن الدراسات الحديثة تقدم أرقام مهولة، إذ أن 66 بالمائة من الأطفال الذين يبلغ أعمارهم أقل من سنتين، يقضون حوالي 50 دقيقة في اليوم أمام شاشة التلفاز. أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس و16 سنة، فيقضون 7 ساعات في اليوم أمام الأجهزة الذكية. في المقابل، يقضي المراهقون حوالي 8 ساعات يوميا.
وفقا للبيانات والبحوث التي أجراها كل من الدكتور في علم النفس السريري، برنت كونرا، فضلا عن الشركة الأمريكية “تشايلد وايز” وهيئة الإذاعة البريطانية، فإن 11 بالمائة من الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى سن الثامنة قادرون على استعمال هاتف ذكي أو حاسوب لوحي دون مساعدة ذويهم.
في المقابل، اعتبر البعض أن هذا الأمر طبيعي ولا يثير الدهشة، نظرا لأننا نعيش في العصر الرقمي. كما أن هذه الأجهزة أصبحت تعدّ ضرورة حياتية ما يعني أنه على الطفل معرفة كيفية استعمال هذه الأجهزة والانضمام إلى العالم الافتراضي. لكن المختصين أكدوا من جهتهم أن الهواتف الذكية والأجهزة الالكترونية الأخرى لها العديد من الانعكاسات السلبية على الأطفال.
سبع أسباب للحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الأجهزة الإلكترونية
قبل عدة سنوات، أوصت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بحظر كافة الأجهزة الإلكترونية على الأطفال الذين لم يبلغوا بعد السنتين، وعدم السماح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاث والخمس سنوات بالجلوس لأكثر من ساعة واحدة في اليوم أمام هذه الأجهزة. أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنّ 6 و18 سنة، فلا يجب أن يستخدموها لأكثر من ساعتين. وفيما يلي، قدم الخبراء جملة من الأسباب التي من شأنها أن تدفعك لمراقبة أطفالك والحد من الوقت الذين يقضونه أمام هذه الشاشات.
أولا، من المرجح أن تساهم هذه الأجهزة في تأخر في نمو الطفل. وقد أثبت العلماء أن الأدوات تؤثر على حركة ونمو الطفل وتساهم في إضعاف قدراته على التعلم. وفي هذا السياق، تشير الإحصاءات إلى أن طفلا من أصل ثلاثة أطفال الذين يستخدمون الأجهزة الالكترونية، لديهم تأخر في النمو.
ثانيا، يساهم الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية في الإصابة بمرض السمنة. والجدير بالذكر أن الأطفال الذين يُسمح لهم باستخدام الأجهزة الالكترونية في غرفة النوم، معرضون للإصابة بالسمنة بحوالي 30 بالمائة مقارنة بأقرانهم. وبالتالي، من المرجح أن تؤدي بهم السمنة إلى الإصابة بمرض السكري.
ثالثا، سيعاني الأطفال من اضطرابات النوم. ففي حين، لا يشرف حوالي 60 بالمائة من الآباء على أطفالهم أثناء استخدام الأجهزة الإلكترونية، يسمح حوالي 75 بالمائة من الأولياء لأطفالهم باستخدام الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية في غرفة النوم. ونتيجة لذلك، يحصل الأطفال الذين يرتادون المدارس على ساعات نوم أقل بكثير مما تحتاجها أجسامهم ما يؤدي إلى ضعف أدائهم المدرسي بالإضافة إلى شعورهم بالتعب.
رابعا، يصاب الأطفال بمشاكل عقلية جراء استخدامهم للأجهزة الإلكترونية. فالتعرض المفرط لشاشات الأجهزة الالكترونية من شأنه أن يساهم في ظهور مشاكل عقلية لدى الطفل على غرار؛ اضطرابات التركيز، والاكتئاب، والقلق، وضعف الذاكرة وغيرها. وفي الحقيقة، يواجه كل طفل يشاهد ألعاب الفيديو ويقضي أوقاتا طويلة أمام شاشات الأجهزة الالكترونية، مشاكلا في التركيز وضعفا في الذاكرة.
خامسا، يصاب الأطفال بمشاكل نفسية، على غرار العدوانية. في الواقع، قد يؤثر المحتوى الذي تنشره كل من مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون بالإضافة إلى ألعاب الفيديو، من حرب وجرائم وقتال وغيرها، على نفسية الطفل الهشة.
سادسا، من الممكن أن تجعل الأجهزة الإلكترونية الطفل مدمنا عليها خاصة إذا كان لا يستطيع التخلي عنها أو تمضية يومه من دون استخدامها.
سابعا، على الرغم من أن منتجي الهواتف والأجهزة الالكترونية حاولوا جعلها آمنة، إلا أن منظمة الصحة العالمية صنفت، سنة 2011، الهواتف الذكية على أنها تمثل خطورة على صحة الأطفال وقد تسبب السرطان. وتجدر الإشارة إلى أن الجهاز المناعي والدماغي للأطفال، لا يزال في طور النمو وبالتالي يعدّون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. إلى جانب ذلك، تؤدي الأجهزة الإلكترونية إلى تدهور صحة أعين الأطفال بسرعة فائقة.
القواعد التي يجب إتباعها:
– من الممكن منع الأطفال من استعمال الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية أثناء تناول الطعام أو أثناء الجلوس والتحدث مع الأولياء أو الأصدقاء.
– يجب على الأولياء أن يحددوا لأطفالهم الوقت المسموح به لاستعمال الحاسوب أو الهاتف.
– يجب على الطفل أن يفهم أن الهاتف شيء خاص لا يجب استعماله من دون الحصول على إذن.
– ينبغي على المراهق أن يفهم أن الهاتف الذكية وسيلة للتواصل مع العائلة والأصدقاء وليس وسيلة لإضاعة الوقت.
قواعد العلماء للتعامل مع الأطفال
يبدو هذا الأمر من الناحية النظرية سهلا، إلا أن ذلك يختلف كليا من الناحية العملية. وفي هذا الصدد، قدم العالم والبروفسير الألماني، نوربرت نويس، البعض من النصائح العملية للأولياء للتمكن من التعامل مع أبنائهم في هذا المجال.
وضع قواعد صارمة والإتفاق مع الطفل
يجب على الأولياء أن يشرحوا لأبنائهم أن لديهم أوقات محددة لا يجب تجاوزها لاستعمال جميع الأجهزة الإلكترونية. ووفقا لهذا، يعتقد الأطباء الأمريكيين أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من ثلاث إلى ستّ سنوات لا يجب أن يتسمّروا أمام شاشات الحواسيب أو الهواتف الذكية لأكثر من 20 إلى 30 دقيقة. أما الأطفال الذين يبلغون من العمر من سبعة إلى 10 سنوات فيجب أن يتراوح الوقت الذي يقضونه أمام هذه الأجهزة بين 30 إلى 45 دقيقة. في المقابل، تعدّ ساعة كافية لمن تتراوح أعمارهم بين 11 و13 سنة.
من جهة أخرى، إذا كان الطفل سيستخدم الحاسوب لأغراض تعليمية وطالب بوقت إضافي، فعلى الأولياء منحه هذا الوقت الإضافي شرط طرحه من الوقت المسموح به يوم غد. والجدير بالذكر أنه ينبغي على الأهل مراقبة هذا الوقت والالتزام به.
استخدام الأجهزة الالكترونية لأغراض تعليمية
في الواقع، يوجد فرق بين من يستخدم الحاسوب أو الهاتف الذكي لأغراض تعليمية وتثقيفية وبين من يقتصر استعماله على اللعب وإضاعة الوقت في القيام بالدردشات. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من التطبيقات المفيدة التي يمكن تحميلها على الحواسيب والهواتف الذكية لتعليم اللغات أو أية مهارات أخرى.
مراقبة محتوى البرامج التي يشاهدها الطفل
غالبا، لا توجد أية رقابة تُذكر على مواقع الانترنت التي قد يستعملها الطفل. وفي الحقيقة، يندهش بعض الأولياء من استعمال أطفالهم لبعض المفردات التي كانوا قد تعلموها من مقاطع الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي. ولذلك، على الأولياء مراقبة البرامج والمواقع التي يستعملها أطفالهم وفرض حظر على بعض المواقع فضلا عن حسن اختيار البرامج والتطبيقات التي يتم تنزيلها على الحاسوب.
قواعد السلامة على شبكات التواصل الاجتماعي
في هذا السياق، على الأولياء أن يفسروا لأبنائهم قواعد السلامة على شبكات التواصل الاجتماعي. بمعنى آخر، يجب على المراهق أن يتجنب التواصل مع الغرباء بالإضافة إلى وجوب عدم التطرق لأية تفاصيل متعلّقة به أو بعائلته، كما يجب ألا يعطي رقم هاتفه أو عنوانه لأي شخص كان. ومن المستحسن أن يتجنّب الأطفال والمراهقون، الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الغرباء والاقتصار على المعارف والأصدقاء.
على الأهل أن يكونوا مثالا جيدا يحتذي به أبناؤهم
من المهم أن يكون الأهل بمثابة مثال جيد يحتذى به. فإذا كان الوالدان يقضيان المساء في مشاهدة التلفاز واستخدام الهواتف الذكية أو الحواسيب، فسيكون من غير الممكن إقناع الطفل بعد ذلك بأن ذلك يعدّ أمرا غير صحي.
في حال أراد الأولياء الحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الأجهزة الذكية، فعليهم أولا مراقبة تعاطيهم مع هذه الأجهزة. وعلى هذا الأساس، يجب على الأولياء أن يحاولوا قضاء أوقات ممتعة مع أطفالهم بعيدا عن الهواتف الذكية والحواسيب، كأن يلعبوا معا أو يقوموا بقراءة الكتب بصوت عال أو مشاركة الطفل في طبخ أكلة شهية. كما من الممكن أيضا دعوة الأصدقاء وقضاء وقت ممتع.
بالإضافة إلى ذلك، من الممكن محاولة ملأ وقت فراغ الطفل بأنشطة مفيدة من شأنها أن تنمّي مهاراته وتمكنه من التواصل مع أقرانه. وعلى الرغم من أن الإفراط في استعمال الأجهزة الالكترونية مضر بصحة ونفسية الطفل، إلا أن استغلال هذه الأجهزة في تعلم بعض أساسيات البرمجة واستعمال البرمجيات، يعد من أهم المهارات التي قد تفيد الطفل خلال مستقبله العلمي والمهني.
المصدر: ادينستفينايا