قبل أشهر قليلة لم يكن اسم الشاب الفرنسي إيمانويل ماكرون متداولًا، حيث لم يكن يعرفه الكثير ولا يسمع عنه إلا القليل، ورغم ذلك تمكّن بسرعة كبيرة من كسب ثقة الفرنسيين والوصول إلى قصر الإليزيه بعد أول انتخابات يخوضها في حياته.
ماكرون نحو الإليزيه
كما توقعت استطلاعات الرأي، فاز مرشح الوسط إيمانويل ماكرون بنحو 66.06% من الأصوات بحسب النتائج الأولية للجولة الحاسمة من انتخابات الرئاسة الفرنسية، بعد فرز جميع أصوات الناخبين البالغ عددها 47 مليونًا باستثناء 0.01%، في حين حصلت مرشحة أقصى اليمين الخاسرة مارين لوبن على نسبة 33% من الأصوات، وبلغت نسبة المقاطعة والامتناع عن التصويت خلال هذا الدور من الانتخابات الفرنسية نحو 25.8% من المسجلين في القوائم الانتخابية، وبلغت نسبة التصويت الأبيض والأصوات الملغاة نحو 11.5% من مجموع المصوتين.
بهذا الفوز يصبح إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عامًا أصغر رئيس في تاريخ فرنسا منذ لويس نابليون بونابرت
وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد أعلنت في وقت سابق، الأحد، أن نسبة المشاركة في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بلغت عند الإغلاق 65.3%، وبذلك تكون نسبة المشاركة سجلت تراجعًا كبيرًا مقارنة بالدورة الأولى في 23 من أبريل التي بلغت يومها 69.42 %، والدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012 التي وصلت إلى 71.96%.
وكشفت النتائج الأولية للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي تنشرها وزارة الداخلية تباعًا، عن فوز مرشح حركة “إلى الأمام” إيمانويل ماكرون بمنصب رئيس الجمهورية، ليخلف بذلك الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، ويصبح الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة، وستنتهي ولاية الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، الأحد 14 من مايو، وهو آخر موعد ممكن لتسليم السلطة إلى خلفه وتنصيبه رسميًا رئيسًا لفرنسا.
احتفالات أنصار ماكرون
بهذا الفوز يصبح إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عامًا أصغر رئيس في تاريخ فرنسا منذ لويس نابليون بونابرت الذي صار في 10 من ديسمبر 1848، أول رئيس منتخب للجمهورية الفرنسية في سن ناهز الأربعين عامًا وثمانية أشهر، وسترافقه في إقامته بقصر الإليزيه زوجته بريجيت ماكرون التي تكبره بأكثر من 24 عامًا والتي كانت معلمته في المرحلة الثانوية، وهي المرأة التي لعبت دورًا مهمًا في حياته وساندته بقوة في حملته الانتخابية وكانت عاملاً مهمًا من عوامل النجاح في حياته.
محاربة الانقسام في بلاده
في خطاب الفوز بالرئاسة أعلن ماكرون أنه سيحارب الانقسام في بلاده وسيدافع عن مصالحها، مؤكدًا أنه سيدافع أيضًا عن المصير المشترك لأوروبا، وفي خطاب تم بثه إلى أنصاره المحتشدين أمام متحف اللوفر بباريس، قال ماكرون: “سأركز كل جهدي وطاقتي لتحقيق أمانيكم وتطلعاتكم”، مضيفًا “أمامنا واجب إزاء بلادنا ونحن ورثة أمة عظيمة وتاريخ عظيم”، كما أكد أنه سيعمل على تعزيز التضامن بين كل الفرنسيين لضمان وحدة الأمة.
وأكد ماكرون أنه سيدافع عن فرنسا ومصالحها الحيوية وعن أوروبا ومصيرها المشترك، وأضاف “أخاطب شعوب العالم وأقول لقادة كل الدول إن فرنسا جاهزة للسلام والتعاون الدولي”، كما شدد الرئيس الفرنسي الجديد على أن فرنسا ستكون في الطليعة في مكافحة الإرهاب على أرضها وبالخارج إذا لزم الأمر.
ترحيب كبير بفوزه
مباشرة عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات، هنأ عدد من المسؤولين داخل أوروبا وخارجها ماكرون بفوزه بانتخابات الرئاسة، معتبرين ذلك انتصارًا لأوروبا، حيث أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند “هنأ بحرارة” مساء الأحد خلفه وزير اقتصاده السابق ماكرون بـ”فوزه الكبير” في مواجهة مرشحة اليمين المتطرف.
وقال هولاند كما نقل عنه بيان للقصر الرئاسي: “أجريت اتصالاً هذا المساء بإيمانويل ماكرون لأهنئه بحرارة بانتخابه رئيسًا للجمهورية”، وأضاف “فوزه الكبير يؤكد أن الأغلبية الكبيرة جدًا من مواطنينا الفرنسيين أرادوا التوحد حول قيم الجمهورية وإظهار ارتباطهم بالاتحاد الأوروبي”.
من جانبه هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرشح الوسط ماكرون على فوزه بانتخابات الرئاسة الفرنسية، وقال ترمب على حسابه الرسمي في تويتر: “تهانينا لإيمانويل ماكرون على فوزه الكبير اليوم برئاسة فرنسا، أتطلع بشدة للعمل معه”.
Congratulations to Emmanuel Macron on his big win today as the next President of France. I look very much forward to working with him!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) May 7, 2017
بدورها اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فوز ماكرون انتصارًا “لأوروبا قوية وموحدة”، وفق ما ذكر المتحدث باسمها شتيفن سايبرت، كما رحب وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل بانتخاب ماكرون رئيسًا لفرنسا، معتبرًا أن فرنسا تبقى في ضوء ذلك “في قلب أوروبا”، كما هنأت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي ماكرون بحرارة، حسب ما قال متحدث باسمها، وقال المتحدث في بيان: “فرنسا هي أحد حلفائنا المقربين، ونرحب بالعمل مع الرئيس الجديد بخصوص مجموعة واسعة من الأولويات المشتركة”.
اعتبر المسجد الرئيسي في باريس أن فوز ماكرون يعطي الأمل لمسلمي فرنسا بأن بوسعهم العيش في انسجام واحترام للقيم الفرنسية
بدوره هنأ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ماكرون في رسالة على تويتر، وكتب يونكر على تويتر “أنا مسرور بأن الفرنسيين اختاروا مستقبلاً أوروبيًا”، في حين رحب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بدوره بقرار الفرنسيين المؤيد لمبادئ “حرية، مساواة، أخوة”. من جهته اعتبر المسجد الرئيسي في باريس أن فوز ماكرون يعطي الأمل لمسلمي فرنسا بأن بوسعهم العيش في انسجام واحترام للقيم الفرنسية.
ارتفع اليورو مقابل الدولار
عقب إعلان فوز رجل الاقتصاد ماكرون وهزيمة مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن، سجل اليورو أعلى مستوى له في نحو ستة أشهر أمام الدولار الأمريكي اليوم الإثنين، حيث ارتفع اليورو إلى 1.1010 دولار في أولى تبادلات الأسهم في آسيا اليوم، وهو أعلى مستوى منذ أوائل نوفمبر 2016.
ويبدد فوز ماكرون خطر خروج فرنسا من منطقة اليورو، رغم أن الأسواق توقعت إلى حد كبير هزيمة لوبن بعدما توقعت الاستطلاعات تقدمًا كبيرًا لماكرون، وتلقت العملة الأوروبية الموحدة دعمًا من زوال الضبابية السياسية إلى جانب التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي قد يتبنى نبرة تصب أكثر في صالح التشديد بشأن الحوافز الشهر المقبل.
ارباك للمشهد السياسي
مثّلت هذه الانتخابات إرباكًا كبيرًا للمشهد السياسي في فرنسا، بسبب إقصاء التيارين الكبيرين الرئيسين اللذين يحكمان البلاد منذ خمسين عامًا، اليمين المحافظ وممثله فرانسوا فيون الذي حصل على 20% من جملة أصوات الناخبين في الدور الأول والحزب الاشتراكي وممثله بونوا هامون الذي لم تتجاوز نسبة التصويت له 6% خلال نفس الدور، ويعزو الكثيرون صعود ماكرون المفاجئ إلى توق الفرنسيين لوجه جديد مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية الرئيسية وخاصة اليمين واليسار التقليديين.
يمثل ماكرون الذي يقدم نفسه بأنه “لا من اليمين ولا من اليسار”، نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة
ويقول خبراء إن فوز إيمانويل ماكرون المرشح المستقل والمصرفي السابق وبرنامجه النيو-ليبرالي الذي يتلاءم مع العولمة ومصالح الشركات الكبيرة، قد يتضارب مع مصالح الطبقة الوسطى الفرنسية، مما يمكن أن يؤثّر عليها، ويمثل ماكرون الذي يقدم نفسه بأنه “لا من اليمين ولا من اليسار”، نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة، وهو موظف كبير سابق في الدولة تخرج من معاهد النخب ثم عمل مصرفي أعمال، ودخل السياسة عام 2012 كمستشار للرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند.
نتائج متوقعة ولا تغيير مرتقب في السياسة الخارجية لفرنسا
في قراءة لهذه النتائج قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية د.هاني مبارك لنون بوست: “أعتقد أن ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الفرنسية في دورتها الثانية جاءت في إطار التوقعات المنطقية التي تعتمد في حساباتها على الواقع الفرنسي من ناحية وواقع الاتحاد الأوروبي وقوة تأثيرات الدوائر المالية سواء على المستوى الفرنسي أو على مستوى الاتحاد”.
توقع باستمرار نفس السياسة الخارجية لفرنسا طيلة السنوات القادمة
وعن إمكانية تغير السياسة الخارجية لفرنسا بعد فوز ماكرون قال مبارك: “السياسات الخارجية للدول ذات التقاليد المؤسسية لها قواعد عمل يصعب أن تتغير مع تغير الأشخاص، لكن لا بد من الإشارة إلى أن إخفاقات هولاند في عدد من ملفات السياسة الخارجية قد ترشح التوقع للقول بأن هناك إمكانية لمراجعة بعض الخيارات خاصة فيما يتعلق بالمنطقة العربية وإن كانت مراجعة ليست في العمق، لأن ماكرون نفسه ليس بعيدًا عن الخيارات الأساسية لليسار الفرنسي”.
بالرغم من خسارة لوبان.. اليمين المتطرّف في صعود
أما فيما يتعلق بالنتائج المتقدمة التي حققها اليمين المتطرّف بزعامة لوبن، فقال هاني مبارك لنون بوست: “لا شك أن هذه النتائج تشير إلى تغير ما في أفق خيارات الدول الوطنية عبر العالم التي لم يعد لها من الرصيد الشعبي ما يكفي للصمود والاستمرار، وبالتالي فإن أطروحات اليمين قد تتفق والنزعة الثقافية لشعوب الدول الوطنية التي نشأت في إطارها، وعجزها حاليًا عن القيام بنفس الدور أي الراعي في زمن حرية حركة رأس المال العالمي الذي ترتب عليه إضعاف دورها كفاعل أساسي في حركة النظام الدولي، وأخيرًا دورها على مستوى الرعاية الاجتماعية”.
مارين لوبان
وتابع “أمام كل هذا فإن أطروحات اليمين التي تستغل أزمة الدولة الوطنية تلتقي والثقافة الشعبية لشعوب هذه الدولة الوطنية، واعتبارًا لكل ذلك فإن قمة اليمين مرشحة للنمو أكثر في المدى المنظور”، ومثّل الصعود الكبير لتيار اليمين المتطرف بزعامة “الجبهة الوطنية” وبرنامجه المعادي لأوروبا وللمهاجرين والإسلام، للدور الثاني للمرة الثانية في تاريخه، أحد مفاجآت هذه الانتخابات واختبارًا مهمًا للديمقراطية الفرنسية.
معضلة الانتخابات التشريعية
عقب انتخابه رئيسًا لفرنسا، سيكون على إيمانويل ماكرون الآن تشكيل حكومته في أسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى التحضير للانتخابات التشريعية، ويحذّر خبراء من حصول شلل في الحياة السياسية في فرنسا في حال عدم حصول ماكرون على الأغلبية البرلمانية المطلوبة في الانتخابات العامة يونيو المقبل.
وينتظر أن تعلن حركة “إلى الأمام” التي يترأسها ماكرون، في وقت قريب مرشحيها في الانتخابات التشريعية القادمة، ودون أغلبية برلمانية لن يستطيع ماكرون فعل شيء ولا تحقيق ما وعد به من شعارات.
البرلمان الفرنسي
وتوقع أحد استطلاعات الرأي – أوبنيون واي أس أل بي في – أن يحصل ماكرون على ما بين 249 و286 مقعدًا في الجمعية الوطنية “البرلمان”، ويمين الوسط على ما بين 200 و210 مقاعد، والجبهة الوطنية “حزب مارين لوبان” على ما بين 15 و25 مقعدًا، وأن يحرز الاشتراكيون أسوأ نتيجة في تاريخهم ليحصلوا على ما بين 28 و43 مقعدًا، أما الحزب الشيوعي فلن تتعدى مقاعده ما بين 6 و8 مقاعد.
ينتظر أن تضم حكومته المقبلة نحو 15 وزيرًا
في سياق متصل، أعلن ريشار فيران الأمين العام لحركة “إلى الأمام” التي يترأسها ماكرون أنه يجب انتظار مدة أسبوع لمعرفة من سيكون رئيس الوزراء الذي سيختاره إيمانويل ماكرون، ويرتقب أن تضم حكومته المقبلة نحو 15 وزيرًا، وأن تجمع بين أطياف سياسية مختلفة وشخصيات من “المجتمع المدني” إلى جانب عدد غير محدد من كتاب الدولة.