في 27 من أبريل أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قيادات في الصف الأول موالية للإمارات في اليمن، وتعمل على تنفيذ أجندة حكام أبو ظبي، وصف ذلك القرار بالتاريخي نتيجة للمغامرة الكبيرة التي لم يتوقعها، لا سيما أن عيدروس الزبيدي والسلفي هاني بن بريك من أهم الشخصيات الأمنية والتي تحظى بشعبية كبيرة بين أبناء عدن.
قرارات الرئيس هادي بتعيين محافظ جديد لمحافظة عدن التي تعيش أوضاع أمنية واقتصادية هشة، جاءت بعد عشرين يومًا فقط من إقالة نائبه السابق خالد بحاح رجل الإمارات الأول من منصب مستشار، وهو ما يعني أن الخلافات بينه وبين الإمارات طفت إلى السطح ولم يعد الرئيس هادي باستطاعته تحمل مزيد من ممارسات الإمارات العربية المتحدة بحقه، فلجأ إلى عملية “قص الأجنحة” لوقف حكام أبو ظبي عند حدهم.
مدير أمن عدن اللواء شلال شائع الموالٍ للإمارات العربية المتحدة وساهم في بث سموم العنصرية بين أبناء الشمال والجنوب، حيث وصل الأمر إلى طرد أبناء المحافظات الشمالية من محافظة عدن، ودعاهم إلى العودة لبلادهم أو ما أطلق عليها دولة “الاحتلال الشمالي”
وبعد عشرة أيام من إقالة أهم الشخصيات البارزة الموالية للإمارات والتي تدعو إلى انفصال الجنوب عن الشمال، أي بحلول 7 من مايو 2017 عاد القيادي البارز في الحراك الجنوبي والمعين حديثًا من الرئيس هادي محافظًا عبد العزيز المفلحي إلى عدن، واجتمع بقيادات محلية في غياب واضح لمدير أمن عدن اللواء شلال شائع وهو الآخر موالٍ للإمارات العربية المتحدة وساهم في بث سموم العنصرية بين أبناء الشمال والجنوب، حيث وصل الأمر إلى طرد أبناء المحافظات الشمالية من محافظة عدن، ودعاهم إلى العودة لبلادهم أو ما أطلق عليها دولة “الاحتلال الشمالي”.
المحافظ اجتمع بقيادة محلية ورفضت قيادات أمنية محسوبة على الإمارات حضور الاجتماع
كان حديث الرجل متزنًا ومتخليًا عن عنصريته التي عرف عنها إبان مطالبته بفك الارتباط عن اليمن، وتحدث عن روح التسامح والدولة الواحدة، رافعًا لعلم الوحدة اليمنية الذي اختفى من الظهور مع أي مسؤول حكومي في عدن منذ سيطرة القوات الإماراتية عليها في 16 من يوليو 2015، وهذا قد يدخله في مشاكل أمنية لا سيما أن مفاصل الدولة الأمنية تسيطر عليها الإمارات العربية المتحدة ورجالها في اليمن الذين لهم أجندة غير التحالف العربي.
وقبل أن نخوض في تفاصيل التحديات التي قد يواجهها المحافظ الجديد والمحسوب على المملكة العربية السعودية عبد العزيز المفلحي، لا بد من الحديث عن أسباب إقالة هادي لأهم رجال الإمارات في اليمن.
توقيت الإقالة
سعت الإمارات العربية المتحدة، ومنذ أن سيطرت على الساحل الجنوبي والشرقي لليمن، إلى تأسيس قاعدة عسكرية في مناطق حيوية في جنوب اليمن لخدمة مصالحها الاقتصادية، حيث أنشأت مهبط طائرات على جزيرة بريم وسط باب المندب الاستراتيجي والذي يمر من خلاله قرابة 4 ملايين برميل نفط يوميًا دون موافقة الحكومة اليمنية.
وبدأت تضيق الخناق على أعضاء الحكومة اليمنية والرئيس هادي، وصل ذلك إلى إصدار أمر صريح لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وأعضاء حكومته بمغادرة عدن، وقبلها رفضت استقبال طائرات هادي في مطار عدن الدولي.
بعد ذلك مولت ما يسمى بمؤتمر حضرموت الجامع في 22 من أبريل، ورعته وأشرفت على صيغة بيانه الختامي الذي يعارض طموحات الرئيس هادي في جعل اليمن دولة اتحادية.
يعتبر القرار بإقالة هاني علي بن بريك، رجل الإمارات البارز بالحكومة، والذي كان وزيرًا للدولة، وقائدًا لقوات الحزام الأمني التي تشرف عليها الإمارات، وإحالته للتحقيق، إلى جانب توقعات بقرب إقالة محافظ حضرموت، أحمد سعيد بن بريك، في مسعى لما أسماه البعض تقليم النفوذ الإماراتي في اليمن، تصعيدًا من قبل الرئيس هادي
هذا البيان يتناقض مع وجهة نظر هادي في المسألة، وقام من جانبه بالرد على المؤتمر من خلال مراسيم أطاحت بعدد من المسؤولين المرتبطين بدولة الإمارات، مما يظهر انزعاجه من تعاونهم الظاهري مع دولة جوار بشأن مسائل داخلية.
يعتبر القرار بإقالة هاني علي بن بريك، رجل الإمارات البارز بالحكومة، والذي كان وزيرًا للدولة، وقائدًا لقوات الحزام الأمني التي تشرف عليها الإمارات، وإحالته للتحقيق، إلى جانب توقعات بقرب إقالة محافظ حضرموت، أحمد سعيد بن بريك، في مسعى لما أسماه البعض تقليم النفوذ الإماراتي في اليمن، تصعيدًا من قبل الرئيس هادي.
لكن هادي لا يمكن أن ينفذ مثل هذه القرارات لولا أنه حصل على ضوء أخضر خاص من الرياض، بعد لقاء وزير الدفاع محمد بن سلمان مع الرئيس هادي في مقر إقامة الأول بالرياض وإعلانه دعم الرياض لكل القرارات والإجراءات والترتيبات الداعمة لـ”الشرعية”، وترتيب الوضع الأمني والعسكري في عدن وباقي المحافظات.
رجال الإمارات في اليمن
عندما بدأت عاصفة الثورات المضادة لثورة الربيع في مصر، وقُدّمت جماعة الإخوان المسلمين قربانًا لعودة الديكتاتورية لحكم الشعوب العربية التواقة للحرية، سعت الإمارات العربية المتحدة إلى البحث عن مليشيات في اليمن تستطيع أن تنفذ أجندتها وهي محاربة الإخوان المسلمين في اليمن.
في البداية رأت أن الحوثيين مشروع استثماري أمني مؤقت تستطيع من خلالهم القضاء على الإخوان المسلمين، ودعمتهم بالمال والسلاح حتى تحقق لها ما أرادت في 21 من سبتمبر 2014 عندما أسقطت الحوثيون حكومة سالم باسندوة واقتحموا العاصمة صنعاء تحت إشرافها وبموافقة أمريكا التي كانت تعد الحوثيين كمشروع قادم لتحقيق أهدافها في المنطقة، إلا أن تغيير النظام في المملكة العربية السعودية بوفاة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وصعود الملك سلمان غير مجريات الأحداث، نتيجة أن الرياض تعتبر أن الحوثية امتداد لإيران وخطر عليها ولا بد من بتر ذراعها قبل أن تمتد إليها، وكونت تحالفًا خليجيًا في البداية من ست دول كانت الإمارات إحدى المشاركات به.
لا يعرف أحد الأسباب التي جعلت الإمارات تغير موقفها من الحوثيين في غضون أيام معدودة وتلجأ إلى دور آخر بما يتماشى مع تحقيق مصالحها، إلا أن الواضح أن السلطات الإماراتية رأت أهمية اقتناص لؤلؤة عدن وشريط اليمن الساحلي وسعت للبحث عن حلفاء آخرين في اليمن يساهم في إبقاء الصراع اليمني لمدى طويل بما يحقق أهدافها وأطماعها الاقتصادية والسياسية في اليمن لا سيما بعد خلافها مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بسبب مواني عدن الدولية، فوجدت دعاة الانفصال الرمح الذي يمكن من خلالهم تحقيق مآربها والثأر من اليمن.
فحاولت منذ البداية أن تقدم المهندس خالد محفوظ بحاح كرجل مهم في اليمن، ومتوافق عليه، إلا أن هادي تنبه لذلك وأقاله مرتين، مرة من منصب نائب الرئيس ومرة أخيرة من منصب مستشار الرئيس وشن عليه هجومًا شرسًا ليحرقه أمام أنصاره.
فكانت مهمة بحاح بالنسبة للإمارات احتواء أكبر قدر ممكن من الشخصيات السياسية والقبلية والعسكرية في اليمن، ومن ثم تعمل الإمارات على تنظيم مؤتمر دولي لتقديم مبادرة وتقدم خالد محفوظ بحاح بديلًا عن هادي وسط مباركة يمنية جامعة، ويكون ثمن ذلك هو ميناء عدن وحضرموت وترسيخ النفوذ الإماراتي في اليمن، إلا أن الرياح جاءت عكس اتجاه أولاد زايد بن سلطان.
وعندما رأت الإمارات أن هادي يتقن بإمعان إحراق ورقة المهندس خالد محفوظ بحاح، لجأت إلى مواطنه اللواء أحمد بن بريك محافظ حضرموت التي بدأت تهيئ له الأرضية لحكم حضرموت وإن كان ذلك في سبيل فصل حضرموت عن اليمن ودمجها ضمن دول الخليج العربي.
عمدت الإمارات العربية المتحدة بعد سيطرتها على عدن في 16 من يوليو 2015، إلى إيكال المهمة الأمنية لشخصيات جهادية متشددة وأخرى انفصالية رادِيكاليَّة، ورفضت التعينات السابقة التي عينها الرئيس هادي، وأصرت على تغييرهم بشخصيات موالية لها كعيدروس الزبيدي محافظًا لعدن
لعبت الإمارات أدوارًا مشبوهة في الجنوب الشرقي لليمن (حضرموت) وفي أقصى الجنوب (عدن) إلا أنها لم تفلح في ذلك، وما استطاعت فعله في الوقت الحالي هو تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني وبث سموم العنصرية والمناطقية بين أبناء البلد الواحد.
عمدت الإمارات العربية المتحدة بعد سيطرتها على عدن في 16 من يوليو 2015، إلى إيكال المهمة الأمنية لشخصيات جهادية متشددة وأخرى انفصالية رادِيكاليَّة، ورفضت التعينات السابقة التي عينها الرئيس هادي، وأصرت على تغييرهم بشخصيات موالية لها كعيدروس الزبيدي محافظًا لعدن (مقال) واللواء شلال علي شايع مديرًا لأمن عدن، والسلفيان هاني بن بريك قائد الحزام الأمني والمشرف على عملية السهم الذهبي، وصالح العميري الملقب بأبو قحطان قائد الحماية في مطار عدن والمسؤول عن رفض هبوط طائرة الرئيس هادي وإجبارها على تغيير مسارها لمطار سقطرى، وأخيرًا لطفي شطارة، إضافة إلى أنها تغازل رئيس جهاز الأمن السياسي السابق حمود خالد الصوفي وفقًا لمصدر طلب عدم الكشف عن اسمه.
وضعت الإمارات لكل شخص من تلك الشخصيات آنفة الذكر مهمات خاصة به، فمنهم من أوكلت إليه طرد أبناء الشمال من المحافظات الجنوبية، والبعض لمحاربة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وشيطنتهم، وآخرين لتنفيذ أجندة فصل اليمن إلى شمال وجنوب بما يحقق أهدافها.
تظهر القرارات الأخيرة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مدى عمق الخلافات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وهادي بسبب الأحداث الأخيرة، وبعث هادي برسالة إلى أبو ظبي أنه ما زال قادرًا على قص الأجنحة السياسية لها، وقطع الطريق أمامها حتى لا تحقق أهدافها في اليمن من خلال السيطرة على عدن وباب المندب وميناء عدن وجزيرة سقطرى، أو بناء قواعد عسكرية في المياه الإقليمية أو الجزر الاستراتيجية اليمنية، وأنه يستطيع طرد الإمارات من التحالف.
العمليات العسكرية
الخلافات السياسية والمراشقة الإعلامية، قد تسبب احتقانًا بين القوات التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة (الفصائل الجنوبية) والقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وربما ترفض الإمارات العربية المتحدة مشاركة قوات هادي في التقدم نحو مناطق يسيطر عليها الحوثيون وقوات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهو ما قد يعيق التقدم العسكري للقوات الحكومية.
تفيد التقارير الميدانية أن القوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والحوثيين، يحققون مكاسب في بعض جبهات القتال، فيما لا تزال بعض الجبهات تراوح مكانها وتنفذ هجمات كر وفر دون العزم على التقدم والهجوم، وهو ما يشير إلى أن الخلافات السياسية أثرت على المستوى العسكري للقوات الموالية للتحالف العربي
ويظهر ذلك جليًا من خلال الأحداث الأخيرة والتي تفيد التقارير الميدانية أن القوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والحوثيين، يحققون مكاسب في بعض جبهات القتال، فيما لا تزال بعض الجبهات تراوح مكانها وتنفذ هجمات كر وفر دون العزم على التقدم والهجوم، وهو ما يشير إلى أن الخلافات السياسية أثرت على المستوى العسكري للقوات الموالية للتحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية في حربها على اليمن.
سيناريوهات أبو ظبي
يتحدث المسؤولون الإماراتيون أن بلادهم درَّبت أكثر من 11 ألف جندي يمني من حضرموت، و14 ألفًا من عدن وثلاث محافظات، وتدفع لهم أجورهم، وهو ما يعني أن الإمارات لا يمكن أن تقبل هذه الهزيمة السياسية، وإنما سترد بتصعيد آخر، أقلها زعزعة الاستقرار الأمني في محافظة عدن.
ففي الجانب الأمني ستوعز وكلاءها لبث الرعب في عدن، وإحداث تفجيرات واغتيالات في المحافظة التي تعاني من أزمات أمنية متلاحقة، ربما قد يصل ذلك إلى اغتيال مسؤولين كبار يدينون بالولاء لهادي أو المملكة العربية السعودية.
الإماراتيون مصممون على تحويل تركيزهم في اليمن من العمل التكتيكي قصير الأجل إلى الاستقرار الاستراتيجي طويل المدى، وبأي نتيجة كانت
أما على الصعيد الوجود على الأرض، قد تلجأ الإمارات إلى تشييد أبنية ممتدة في جميع المواني اليمنية الرئيسية من المكلا شرقًا إلى المخا على ساحل البحر الأحمر لتسخير الإمكانات الاقتصادية كافة كجزء من عملية تنفيذ طموحها الأوسع نطاقًا والحاسمة لاستقلال جنوب اليمن على المدى الطويل.
وهذا ما يبدو واضحًا نتيجة عدم ظهور ملامح واضحة في الأفق فيما يخص الحسم العسكري، فالإماراتيون مصممون على تحويل تركيزهم في اليمن من العمل التكتيكي قصير الأجل إلى الاستقرار الاستراتيجي طويل المدى، وبأي نتيجة كانت.