لم يكن يعرف أهالي داريا أن تهجيرهم من مدينتهم في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي سيؤدي إلى فرط عقد المسبحة، لتبدأ المدن بعدها تتهاوى واحدة تلو الأخرى، لم ينته النظام السوري بعد من تهجير حي الوعر في حمص حتى بدأ بأحد أحياء دمشق القديمة، لن يكون آخرها حي “برزة” في دمشق.
الحافلات الخضراء في “برزة”
احتشد أهالي حي برزة في دمشق منذ الساعة السادسة من صباح اليوم للصعود في الحافلات الخضراء التي ستقلهم إلى الشمال السوري في إدلب، وستضم الدفعة الأولى 1500 شخص من مقاتلي المعارضة السورية وعائلاتهم ستنطلق ظهر اليوم إلى إدلب.
وسيتم نقل نحو ألف مقاتل ينتمنون لـ”تجمع شهداء جبل الزاوية” تعود أصولهم إلى محافظة إدلب، بينما سينقل المقاتلون من “فوج قاسيون” إلى مدينة جرابلس بريف حلب، في حين فضل شبان الحي التوجه إلى الغوطة الشرقية، حسبما أكد رئيس مكتب التواصل في المجلس المحلي لبرزة أبو بهاء نقلاً عن وكالة “سمارت” المعارضة، ومن المقرر أن يقضي الاتفاق بخروج 8 دفعات تستمر إلى يوم الخميس ابتداءً من اليوم الإثنين، برفقة الهلال الأحمر السوري.
ستضم الدفعة الأولى 1500 شخص من مقاتلي المعارضة السورية وعائلاتهم
يُذكر أن الحي تعرض لحملة عسكرية عنيفة أدت بتدمير الحي وحصار استمر لنحو شهرين فرضته كل من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومليشيات الدفاع الوطني، أدى لتأزم الوضع الإنساني وبالأخص بعد استقبال الحي لأهالي القابون وتشرين والأحياء الدمشقية الأخرى الهاربين من القصف وهو ما زاد أوضاع المدنيين سوءًا، وبلغ عدد المحاصرين نحو 40 ألف شخص.
القصف الممنهج والحصار كان بهدف إرغام أهالي الحي للقبول باتفاق التهجير القسري، وإحداث تغيير عمراني للمنطقة المدمرة بهدف تغيير معالمها بما يضمن استحالة عودة الأهالي إليها مجددًا، وهي سياسة ممنهجة اتبعتها قوات الأسد برعاية روسيا وإيران مع الأحياء الثائرة المحيطة بدمشق لتأمين العاصمة، تهدف إلى تغيير ديمغرافية المنطقة بشكل كامل.
وبحسب ما أوردت صحيفة الوطن الموالية للنظام فقد أُوقفت العمليات العسكرية في حي القابون بعد بدء المفاوضات فيه أيضًا، التي من المتوقع أن تكون الهدنة عبر إخلاء القابون وحي تشرين من السكان والمقاتلين الموجودين فيهما وإفراغهما على غرار ما حصل مع المناطق الأخرى، وهو ما سيمهد الطريق أمام النظام لتطويق الغوطة الشرقية بشكل أكبر وإحكام حصارها، التي ستبقى تصارع البقاء وحدها وسط سقوط الأحياء من حولها واشتداد الحصار عليها.
أوقفت العمليات العسكرية في حي القابون من قبل النظام السوري لتبدأ عملية المفاوضات لتهجير الأهالي إلى الشمال السوري
وغير بعيد عن عمليات التهجير تم تحديد موعد الدفعة التاسعة من أهالي حي الوعر في حمص في يوم الأربعاء المقبل وفق اتفاق بين لجنة المعارضة في الحي والنظام السوري، كما يتم استكمال اتفاق “المدن الأربعة” بإخراج مقاتلي هيئة “فتح الشام” في مخيم اليرموك جنوب دمشق مقابل إجلاء النصف الثاني من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام في ريف إدلب.
حي برزة
يسكن حي برزة الدمشقي نحو 75 ألف شخص وهو أحد أقدم الأحياء وأكثرها عراقة في دمشق، ولا تتجاوز مساحته كيلومترين مربع، وهو امتداد لمناطق الشام القديمة الواقعة خارج السور التاريخي للمدينة، ويقع الحي بين منطقتي القابون وركن الدين، ويمتد على سفح جبل قاسيون باتجاه الشرق بمحاذاة حي المهاجرين، ويحيط به مراكز أمنية وعسكرية أبرزها ضاحية الأسد ومشفى تشرين العسكري، ويعد الحي من أحياء دمشق الأصلية كالميدان والقابون وركن الدين وغيرها.
يسكن حي برزة الدمشقي نحو 75 ألف شخص وهو أحد أقدم الأحياء وأكثرها عراقة في دمشق
ويوجد بالقرب من الحي مساكن للضباط الذين يؤدون خدمة الجيش في مدينة دمشق، وسكان هذه المساكن معروفون بولائهم التام للنظام السوري، وكان كلما خرج أهالي برزة في مظاهرات منددة بالنظام وأفعاله، كانت تخرج مسيرات مؤيدة للنظام السوري في تلك المساكن وتنسب بأنها تابعة لبرزة.
يعد الحي من أوائل المناطق التي خرج أهلها في مظاهرات عارمة بعد اندلاع الثورة، وقابلهم النظام بحملة أمنية شرسة اعتقل على إثرها العديد من ناشطي “التنسيقية”، وشارك أهالي الحي في إضراب “الكرامة” الذي دعت إليه المعارضة منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول 2011 حيث أغلقوا محلاتهم وامتنعوا عن الذهاب إلى أعمالهم.
يُحمّل البعض تسليم برزة للنظام إلى انشغال فصائل الغوطة الشرقية ببعضها في اقتتال استنزفهم كثيرًا
والآن، تسود حالة من التشاؤم في أوساط السوريين بعد تسليم برزة للنظام، في الوقت الذي يحمّل البعض هذا إلى انشغال فصائل الغوطة الشرقية ببعضها في اقتتال استنزفهم كثيرًا، تقاعسوا عن فتح جبهة موحدة باتجاه دمشق وإجبار النظام على التراجع، وبما أن الدور اليوم كان على برزة وغدًا على القابون، فإن الغوطة الشرقية ستكون في مهب الريح.