ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالمستقبل، فإن كيفن أشتون لا يعدّ من محبي ما يسميه “بالتكهنات الغامضة”. فهو يفضل وضع جميع “أوراقه على الطاولة”، حتى وإن كان هناك إمكانية في أن يكون ما يدافع عنه خاطئا. وخير مثال على ذلك، ما قاله منذ 25 سنة حيث اعتقد أنه من الممكن أن يذهب شخص ما يقيم في إدنبرة يوميا للعمل في سيارته ذاتية القيادة إلى لندن عبر طريق سريع أنشئ خصيصا لهذا الغرض وبسرعة تزيد عن 250 ميلا في الساعة. (كما أشار إلى أن متسابقي الفورمولا 1 بإمكانهم القيادة بسرعة تقدر بحوالي 220 ميلا في الساعة، في حين أن سرعة معالجة الدماغ البشري تعد أبطأ بكثير من سرعة الرقاقة الموضوعة في السيارة).
في الواقع، سيكون بإمكان الشخص، خلال هذه الرحلة بالسيارة، إما إكمال نومه أو قراءة كتاب. كما أن ذلك لن يتسبب في حوادث الطرقات، إذ أنه سيكون بإمكان الشخص طوال الطريق أن يتجاوز السيارات التي تمر بجانبه بسرعة فائقة. فضلا عن ذلك، سيتسنى لك أيضا مشاهدة أحد ما وهو يقود سيارة فورد إسكورت القديمة، وذلك بسبب رفضه للتكنولوجيا الحديثة. وبمجرد وصولك للمدينة، سيتم ربط إشارات المرور وعلامات الشوارع بالإنترنت وستتعامل السيارة مع ذلك وفقا للتغييرات التي من شأنها أن تطرأ على حركة المرور.
بي إم دبليو: بالتعاون مع شركة إنتل وأمازون، يخطط عملاق السيارات الألمانية لإطلاق أسطول من السيارات ذاتية القيادة
عند وصولك لمكان العمل، سيتمّ ركن السيارة على بعد خمسة أميال في المكان المخصص لركن السيارات. وبحلول الساعة الخامسة مساءً ستقُلك السيارة من جديد إلى إدنبرة. في بادئ الأمر، قد يبدو الأمر جنونيا، على حدّ تعبير أشتون. ولكنه لن يكون بقدر أن أطلب منك أن تخبر شخصا يعيش في ريدنغ خلال سنة 1850 أنه سيتمكن في يوم من الأيام من التنقل يوميا للعمل في لندن.
عموما، إذا كان هناك شخص يبرع في التكهن بما سيحصل في المستقبل فمما لا شك فيه سيكون أشتون. وإذا لم تسمع عنه، فمن المؤكد أنك على دراية بمصطلح “إنترنت الأشياء” الذي صاغه ليصف كيف سيكون تحقيق ذلك في المستقبل.
خلال سنة 2014، أخبرت مجلة “ويرد” قرّاءها أن إنترنت الأشياء هو مصطلح أكبر بكثير مما كنا نعتقد إذ أنه “سيجعل كل شيء في حياتنا من أضواء الشوارع إلى الموانئ “ذكية”. والجدير بالذكر أن الفكرة الكامنة وراء إنترنت الأشياء تقوم بالأساس على؛ أنها ليست مجرد أجهزة إلكترونية مرتبطة بالإنترنت، بل ستصبح المكونات المادية، والمركبات والمباني وغيرها من الأشياء، جزءا لا يتجزأ من أجهزة الاستشعار وستكون متصلة بالإنترنت. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون لديك جهاز استشعار في منزلك متصل بالواي فاي، تستطيع التحكم فيه من خلال تطبيق تحمّله على هاتفك الذكي. وعموما، يمكن لهذا الجهاز أن يستشعر وجودك في المنزل ويقوم بتثبيت حرارة المنزل وفقا لذلك.
“الشيء الوحيد الذي يمكن أن أمتنّ من أجله هو اسم “إنترنت الأشياء”: ثلاث كلمات غير نحوية تصف الآن مستقبل الحوسبة”- كيفن أشتون
من جانب آخر، سيشكل إنترنت الأشياء ثورة في الصناعات التحويلية والأجهزة الطبية أيضا، فضلا عن إعادة تهيئة المدن واكتشاف عوالم خارج نظامنا الشمسي. والجدير بالذكر، أن أشتون، مثلي أنا، هو من المغتربين البريطانيين الذين يعيشون في أوستن، تكساس.
لقد التقيت بأشتون أول مرة قبل بضع سنوات في إحدى المقاهي التي كنت أرتادها. آنذاك، أخبرني أنه كاتب (وهو العمل الذي يمارسه الآن). وفي هذا الإطار، كتب على موقعه على شبكة الإنترنت أن “الشيء الوحيد الذي يمكن أن أمتنّ من أجله هو اسم “إنترنت الأشياء”: ثلاث كلمات غير نحوية تصف الآن مستقبل الحوسبة”. ولكي نكون منصفين، فلا بدّ من التنويه بأن أنشتون حقق إنجازات أعظم بكثير من ذلك.
في الحقيقة، تقوم قصة انخراط أشتون في مجال التكنولوجيا التي تحدد مصيرك الآن بالأساس على شيء من هذا القبيل. وكما هو الحال مع العديد من الناس خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، (ولد أشتون في سنة 1967) وقضى طفولته وهو يلعب بحاسوب من نوع“ZX81”. وفي يوم من الأيام، تمكن من شراء “حزمة توسيع الذاكرة” وقام بزيادة سعة تخزينها من واحد كيلوبايت إلى 16 كيلوبايت وهو ما يعدّ حقا أمرا مثيرا للاهتمام.
يعتقد كيفن أشتون أن إنترنت الأشياء يمكن أن تساعد حتى في البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض
في الواقع، درس أشتون الأدب الاسكندنافي في جامعة لندن، كما شارك أيضا في تحرير مقالات لصحيفة الطلبة بالجامعة وهو ما فتح له الطريق ليكون على صلة بأكبر شركة صناعة المواد الاستهلاكية “بروكتر وغامبل”، التي ستضمّه فيما بعد إلى قائمة موظّفيها. أما في شركة بروكتر وغامبل، فقد كان أشتون رفقة فريق كامل يعملون على إطلاق مشروع جديد من مستحضرات التجميل، لكنه أراد أن يعرف السبب وراء استمرار نفاذ ألوان أحمر الشفاه المطلوبة بكثرة من المتاجر المحلية.
في الحقيقة، تكمن المشكلة، حسب ما توصل إليها أشتون، في أن الموظفين لم يكن لديهم الوقت الكافي لمراقبة الرفوف باستمرار وإضافة المعلومات المتعلقة بمستوى المخزون. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي الطريقة التي كانت تُعتمد في تسعينات القرن الماضي لتسجيل البيانات على أجهزة الكمبيوتر. في ذلك الوقت، كان نفاذ مخزون أحمر الشفاه يعدّ إحدى “أتفه” المشاكل التي يعاني منها العالم. في المقابل، كانت بمثابة دليل على أكبر المشاكل التي سيواجهها العالم. وبحسب ما كتبه أشتون، فإن المشكل كان يتمثل في أن “الحواسيب كانت مجرد أدمغة من دون حواس”.
وعلى الرغم من أن قدرة الحواسيب العالية على معالجة البيانات التي يتم تحميلها، إلا أنه لم يكن في مقدورها الإحساس بالأشياء من تلقاء نفسها. وقد أشار أشتون إلى أن جهاز الكمبيوتر بإمكانه التغلب على بطل العالم في الشطرنج، لكنه لم يتمكن من معرفة إن كان أحمر الشفاه موجودا على الرف.
فولفو: الشركة تريد استقطاب المتطوعين لاختبار القيادة الذاتية XC90، وتم تجهيز السيارة برادار وكاميرات وليدار (على غرار الرادار ولكن باستخدام الليزر)
في هذا الإطار، قام أشتون بوضع نوع من الرقاقات يعرف باسم “التعرف بترددات الراديو الزيد” (تحديد الترددات الراديوية) على علامة أحمر الشفاه وهوائي (جهاز استشعار) على الرف. وبالتالي، عندما يتم أخذ أحمر الشفاه من على الرف يرسل الهوائي تلك المعلومة إلى الكمبيوتر ومن ثم يتم من خلال الإنترنت تحويل تلك المعلومات إلى القسم المسؤول عن إعادة التخزين. وكانت هذه بمثابة نقطة انطلاق إنترنت الأشياء.
خلال سنة 1999، وبمنحة من شركة بروكتر وغامبل، انتقل أشتون إلى الولايات المتحدة لبدء مشروع بحثي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتوسيع نطاق عمله مع تكنولوجيا التعرف بترددات الراديو الزيد. وقد أشار أشتون إلى أن انتقاله إلى الولايات المتحدة تزامن مع تنامي شعبية كُتب هاري بوتر.
في هذا الصدد، قال أشتون: “في الحياة الواقعية، كنت بمثابة هوغوورتس (مدرسة سحرية خيالية في سلسلة هاري بوتر) ولكنني لم أكن ساحرا. آنذاك، تساءلت عن الوقت الذي سيستطيعون فيه تصديق ما أقوله، علما وأنني درست مسرحيات هنريك إبسن لمدة أربع سنوات، ولم أكن أعلم أي شيء حول الهندسة”.
“الشيء إن الذي اكتشفه، أنني طوال حياتي كنت أكذب على نفسي، فالابتكارات العظيمة لم تأت جراء مرور العباقرة بلحظات من الإلهام. كان الأمر يتمحور حول التفاني في العمل، وارتكاب الأخطاء ومن ثم التعلم منها، ثم محاولة شيء آخر مختلف” – كيفين آشتون
في هذا السياق، قال أشتون الشيء إن الذي اكتشفه، “أنني طوال حياتي كنت أكذب على نفسي، فالابتكارات العظيمة لم تأت جراء مرور العباقرة بلحظات من الإلهام. كان الأمر يتمحور حول التفاني في العمل، وارتكاب الأخطاء ومن ثم التعلم منها، ثم محاولة شيء آخر مختلف. وهذا النهج التصاعدي، من شأنه أن يأخذني رويدا رويدا لأبتكر شيئا جديدا. وفي الواقع، هذا ما كان جميع مَن مِنْ حولي يقومون به”. في وقت لاحق، ألّف أشتون كتابا حول ما يعتبره أسطورة الإبداع، تحت عنوان “كيف تُطيّر حصانا”، نُشر سنة 2015.
أوبر، وخرائط جوجل والتحدث عن حماصة الخبز التوستر
بعد ظهر أحد أيام أبريل/نيسان، التقيت بأشتون في مقهى في أوستن لنتحدث عن إنترنت الأشياء. كان الشيء الوحيد الذي يضايقه هو ربط الصحفيين لإنترنت الأشياء بالأجهزة المنزلية، ولذلك قال ضاحكا: “دائما ما يربطون إنترنت الأشياء بالمطبخ اللعين. في الواقع، هناك معتقد سائد يفيد بأن أي اختراع يجب أن يكون مرتبطا بالثلاجات، عوض أن تكون هناك إمكانية لتواصل حماصة الخبز الخاصة بك أو ثلاجتك بتطبيق ما”.
كما أضاف أشتون أنه “في حال كُتب على الأجهزة المنزلية أنها “ذكية”، فهي ليست بالذكاء الكافي. ربما لا تعدّ هذه الفكرة سديدة ولا دخل لها بإنترنت الأشياء، فلا أحد يطلق على أوبر “سيارات الأجرة الذكية” أليس كذلك؟ كما لا يطلق أحد على خرائط جوجل اسم “الخرائط الذكية”، بالإضافة إلى ذلك لم نسمع من قبل عن شفرات الحلاقة الذكية؟ تبدو فكرة فظيعة، لكنها نجحت. دعنا نطلق عليها اسم “قانون أشتون للأجهزة المتصلة”.
في الواقع، أقرب تشبيه لإنترنت الأشياء هو الجهاز العصبي البشري. وفي هذا الصدد، قال أشتون “نحن نفهم أن لدينا عددا من الحواس؛ فبالإضافة إلى الحواس الخمسة التي تعلمناها في رياض الأطفال، يمكننا الشعور بدرجة الحرارة، وبالمرض، أو بما إذا كنا واقفين أو جالسين. عموما، نحصل على مصادر متعددة للمعلومات حول نفس الشيء المتدفق إلى مكان واحد، حيث يمكننا الربط والمقارنة بينها، وهو ما يمنحنا صورة شاملة عن العالم من حولنا”. ووفقا لأشتون، إذا طبقت هذا الأمر على عالم التكنولوجيا، فإن أجهزة الاستشعار ستجمع المعلومات، ولكنها في الحقيقة لن تصبح فعالة إلا في حال كانت جزءا من الشبكة.
وفي شأن ذي صلة، قال أشتون “لنلق نظرة على أوبر” لديك قطعتين من المعلومات الحسية: جهاز استشعار لتحديد المواقع في هاتف شخص يبحث عن شخص ليقلّه وجهاز استشعار لتحديد المواقع في هاتف الشخص الذي يريد أن يُقِلّ الشخص الأول. تتحول هاتين القطعتين من البيانات إلى الأنترنت ويتم تحليلها اعتمادا على الخوارزمية الموجودة في جهاز الحاسوب، إذ سيتمكن لاحقا من العثور عن أقرب شخص يريد أن يُقِل شخصا ما فضلا عن الشخص الذي يبحث عمّن يقلّه. وبالتالي، يطلق على هذه العملية “الشبكة الحسية”.
من ناحية أخرى، سلط أشتون الضوء على كونها ليست شبكة من الأشياء بل إنترنت الأشياء، نظرا لأن الشبكة يمكن أن تكون مجرد حاسوبيْن أو أكثر متصلين ببعضهما البعض، بيد أن الإنترنت تربط كل حاسوب وكل جهاز. وهذا ما يجعل تقنية إنترنت الأشياء أمرا قابلا لأن يصبح حقيقة.
في مطلع هذه السنة، كشفت شركة فولكس فاغن النقاب عن سيارة سدريك ذات المحرك الكهربائي (السيارة ذاتية القيادة) ضمن فعاليات معرض جنيف الدولي للسيارات
في الحقيقة، يعود الفضل إلى الإنترنت، حين يتعلق الأمر بقدرة “خرائط غوغل” على إعلامك بقرب مواجهتك لثمانية دقائق من زحمة المرور على الطريقة السريعة “إم25”. ومن شأن الإنترنت أيضا أن تسهّل حركة الإشارات المرورية عبر الإبقاء على الضوء الأخضر لوقت أطول في غياب الحاجة إلى تغييره للضوء الأحمر، مما يساهم في تسهيل حركة المرور في مدينة المستقبل. علاوة على ذلك، تجعل الإنترنت عملية التواصل بين شخصين لا يعرفان بعضهما البعض، بيد أنهما يريدان الإلتقاء في إطار تبادل خدمة “رايدهايلينغ” أو “النقل حسب الطلب”، أمرا ممكنا.
من جانبه، أفاد كيفين أشتون أن “إحدى خصائص الإنترنت المثيرة للإعجاب تتمثل في انفتاحها. فعلى سبيل المثال، تم تطوير “نظام تحديد المواقع” في البداية لأغراض تتعلق بالملاحة، فضلا عن أنه كان يُعدّ بمثابة نظام منغلق على نفسه. في الأثناء، لم يكن من المتوقع بروز فكرة تبادل معلومات الملاحة الخاصة بالأشخاص بينهم حين تم اختراع هذا النظام. بالتالي، وبسبب انفتاح الإنترنت، توصّل شخص ما إلى فكرة النقل حسب الطلب، التي شكّلت مصدر إزعاج لقرون من الصناعة التقليدية”.
كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد على علاج الأمراض؟
يقدّم أشتون مثالا حول مساهمة التكنولوجيا في مجال الصحة، حيث أن أحد أصدقائه من جامعة واشنطن تمكّن من تطوير تطبيق يسمح لك بقياس وظيفة الرئة عبر النفخ في ميكروفون هاتف الأيفون الخاص بك. وأضاف أشتون أن “داء الانسداد الرئوي المزمن يمثل أحد أبرز الأمراض الفتاكة في العالم. ففي الحقيقة، يتعرّض الأشخاص المصابون بهذا الداء إلى عدة حوادث عرضية بين الفينة والأخرى. وبالتالي، يبدو من المهم التفطن لها قبل حدوثها، حيث أنها قد تكون مسؤولة عن وفاتهم”.
من ناحية أخرى، أشار أشتون إلى أن “هناك نوعان من المقاييس التي بإمكان القائمين على تطوير هذا التطبيق البحث عنها، بهدف التنبؤ بشكل شبه دقيق باقتراب تعرّض المريض لأزمة”. في المقابل، أدرك الباحثون أن الأمر لا يجب أن يرتبط فقط بالهاتف الذكي، حيث أن معظم الأشخاص في البلدان النامية لا يملكون هواتف ذكية. ونتيجة لذلك، عمل الباحثون في جامعة واشنطن على إمكانية استخدام الهواتف المحمولة أيضا بالنفخ على الميكروفون الخاص بها”.
في الوقت الراهن، أصبح بالإمكان الاتصال برقم هاتف مجاني، ومن ثم النفخ في الهاتف ليتم بعد ذلك قراءة النتائج وتحليلها من قبل جهاز حاسوب
في الوقت الراهن، أصبح بالإمكان الاتصال برقم هاتف مجاني، ومن ثم النفخ في الهاتف ليتم بعد ذلك قراءة النتائج وتحليلها من قبل جهاز حاسوب، وذلك وفقا لما أفاد به أشتون. وتتمثل خلاصة هذا المثال في توفر إمكانية التحقق من أمراض الرئة باستخدام شبكة الاستشعار الوحيدة الأكثر انتشارا في العالم.
صورة لمقراب من نوع “ماجيك” في جزيرة “لابالما” الإسبانية. زادت المقارب المتصلة حول العالم من فهمنا لما يحدث في الكون
بيّن أشتون أنه، على الأقل في الوقت الراهن، لا نجد معظم الآثار المرتبطة “بإنترنت الأشياء” داخل المنزل، على الرغم من أن إيجاد أمثلة لها عادة ما يكون سهلا في هذا المكان. وفي هذا الإطار، أشار “ماسيجكرانز” في كتابه “بناء إنترنت الأشياء” إلى أن مجال التصنيع حول العالم يخضع لمرحلة شبيهة بالنهضة.
علاوة على ذلك، أوضح كرانز أن “إنترنت الأشياء تمثل جزءا من السبب الكامن وراء هذه النهضة، حيث أن كل منطقة من المؤسسة، انطلاقا من أرضية المصنع ووصولا إلى قفص تحميل السلع، تستقبل تنبيهات فورية حول المتغيرات من خلال الأجهزة الشبكية المحمولة ومراقبي الفيديوهات، فضلا عن الواجهات التي تربط بين الإنسان والآلة. ونتيجة لذلك، أصبحت المعلومات تصل بين جميع أجزاء سلسلة التوريد بأكملها بشكل فوري”.
وفي شأن ذي صلة، ذكر كرانز أن من بين المصانع الأربعين الخاصة بتجميع السيارات التابعة لشركة فورد موتور، تستخدم 25 منها في الوقت الحالي تكنولوجيا “إنترنت الأشياء” بغية تسريع الاتصالات. في الأثناء، يتم تحقيق نجاحات مماثلة في مجالات النقل، والزراعة، والتعليم، والتجزئة، بالإضافة إلى الرعاية الصحية، والرياضة، والترفيه، ما يؤكد أن “إنترنت الأشياء” قد أحدثت بالفعل ثورة في العالم.
في حال حدث الأمر الذي يبدو أشتون مقتنعا بوقوعه، ألا وهو قابلية العيش على كواكب أخرى في غضون السنوات الخمسين المقبلة، فسيعود الفضل في ذلك إلى “إنترنت الأشياء”. وفي هذا الإطار، أفاد أشتون قائلا: “حينما كنت طفلا خلال فترة السبعينات، ساد إجماع علمي بأننا قد نكون على الكوكب الوحيد الذي يتميز بالحياة”.
يتمثل الذكاء الاصطناعي في تمحيص أجهزة الحاسوب للمعلومات والبيانات والبحث عن أنماط غير اعتيادية
في الواقع، فسّر أشتون الأمر على أن “السبب وراء هذا الاعتقاد يعود جزئيا إلى أننا لم نتمكن من رؤية ما هو أبعد من نظامنا الشمسي. وعلى الرغم من أن نظرتنا للعالم كانت محدودة، إلا أن التصوير الرقمي، وتكنولوجيا الراديو، وتحليل الحاسوب قد أصبحت تعمل بشكل أفضل بكثير خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة”. من ناحية أخرى، تضاعفت قدرتنا على البحث في الكون آلاف المرات بفضل المقارب المتصلة بالشبكات والتي يتم ربطها بقوة الحوسبة الضخمة”.
علاوة على ذلك، أورد أشتون أنه “كلما ارتفع عدد البيانات التي تقوم البرامج التحليلية بمعالجتها، كلما تحصلنا على نتائج أفضل. أما بالنسبة لمصطلح “الذكاء الاصطناعي”، الذي يُرعب أغلب الأشخاص الذين شاهدوا فيلم الخيال العلمي الأمريكي “المبيد”، فهو لا يُعتبر أمرا مُخيفا. وفي الحقيقة، يتمثل الذكاء الاصطناعي في تمحيص أجهزة الحاسوب للمعلومات والبيانات والبحث عن أنماط غير اعتيادية”. وفيما يتعلق بالحياة على كواكب أخرى، فقد أشار أشتون إلى أن المسألة لم تعد مرتبطة بفرضية إيجادها من عدمه بل بتحديد مكان العثور عليها.
مسائل تتعلق بالأمن والسلامة
لم تسلم “إنترنت الأشياء” من الانتقادات، التي تصبّ معظمها في مسألة الأمن، وهو أمر سرعان ما اعترف أشتون بضرورة معالجته. ووفقا لما أشارت إليه “بيزنس إنسايدر أنتلجنس”، فإن عدد الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت حول العالم سيبلغ حوالي 34 مليار جهاز بحلول سنة 2020. ومن هذا المنطلق، أوضح أشتون أن أجهزة “إنترنت الأشياء” ستكون عُرضة للمخاطر الأمنية ذاتها كما هو الحال بالنسبة لأجهزة الحاسوب الشبكي.
من جهة أخرى، تتمحور الفحوصات الرئيسية حول طرح العديد من تساؤلات من قبيل “هل يشارك هذا الجهاز البيانات مع الأجهزة الأخرى المُصرّح لها بالحصول على البيانات؟ وهل يعمل هذا الجهاز فقط من خلال البرمجيات المُعتمدة؟”. وقد فسّر أشتون المشاكل الحاصلة التي تبلغ مسامعنا في الوقت الراهن تُدعى “هجمات حجب الخدمة”، التي يقوم من خلالها قراصنة الإنترنت بإخضاع أعداد هائلة من أجهزة الحاسوب المتصلة بالشبكة للاستيلاء على مواقع الويب.
بيّن أشتون أنه “خلال السنة الماضية، هناك من أشار إلى أن إخضاع أجهزة، على غرار المنظمات الحرارية، باعتبارها أجهزة كمبيوتر هي الأخرى، أمر وارد الحدوث. وبالتالي، فإن أجهزة “إنترنت الأشياء” مُعرّضة للمخاطر الأمنية ذاتها التي تتعرض لها أجهزة الحواسيب المحمولة أو المكتبية”
كما أضاف أشتون أن “هذا الأمر لطالما تم القيام به من خلال السيطرة على عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام “ويندوز”. فعلى سبيل المثال، حين تقوم بتحميل أحد أنواع الخطوط مجانيا، لا يتبادر إلى ذهنك احتواءه لشيفرات خبيثة تندسّ بكل هدوء داخل الحاسوب الخاص بك. بعد ذلك، تتلقى تلك الشيفرات أوامر شخص ما لتقوم بعدها باستهداف أحد المواقع على شبكة الإنترنت.
في الأثناء، بيّن أشتون أنه “خلال السنة الماضية، هناك من أشار إلى أن إخضاع أجهزة، على غرار المنظمات الحرارية، باعتبارها أجهزة كمبيوتر هي الأخرى، أمر وارد الحدوث. وبالتالي، فإن أجهزة “إنترنت الأشياء” مُعرّضة للمخاطر الأمنية ذاتها التي تتعرض لها أجهزة الحواسيب المحمولة أو المكتبية”.
بإمكان المشتركين في خدمة “أون ستار” التي تقدّمها شركة “جنرال موتورز” الحصول علىالخدمات المرتبطة بشبكة الإنترنت على غرار تلك المتعلقة بالملاحة، والاستجابة التلقائية لحوادث التحطم، وتقديم المساعدة على جانب الطريق
أشار أشتون إلى “هجوم حجب الخدمة” الهائل الذي حدث خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث استهدف مزود خدمة تسجيل النطاق الذي يُدعى “داين”، والذي نجد من بين أبرز عملائه موقع تويتر، ونيتفليكس، وسبوتيفي، وغيرها من شركات الإنترنت العملاقة. ونتيجة لذلك، عانت العديد من خدمات الإنترنت الكبرى من الانقطاع لعدة ساعات، فضلا عن أن الآثار التي لحقت بالاقتصاد والأعمال التجارية كانت ضخمة. في الأثناء، يرى أشتون أن مخاوف أكثر جدية قد بدأت بالظهور.
وتجدر الإشارة إلى أن “شركة فورد للسيارات تمتلك نظام مساعدة للملاحة يُدعى “سينك”، فيما تمتلك شركة جنرال موتورز نظاما آخرا مماثلا يُدعى “أون ستار”. فضلا عن تقديم خدمات الملاحة، تسمح لك هذه الأنظمة بالتحدث إلى هاتفك المحمول أثناء القيادة أو بتوجيه الأوامر لجهاز الراديو بتغيير المحطة التي تستمع لها”، وفقا لما أفاد به أشتون.
فضلا عن ذلك، نوّه أشتون إلى أن “أحدث الإصدارات باستطاعتها أبضا تمكينك من تعطيل سيارتك في حال تمت سرقتها، أو إعلامك بأن الوسائد الهوائية قد وقع استخدامها خلال القيام بحادث. وبالتالي، تتحول سيارتك إلى جهاز حاسوب شبكي، ومن هنا يكمن موطن الضعف في إمكانية اختراق نظام “أون ستار” وبالتالي السيطرة على سيارتك، كما أن هذا الأمر بعيد كل البعد على أن يكون مجرد افتراض”.
خلال سنة 2015، نجح باحثون في مجال الأمن في اختراق سيارة من نوع “جيب” حيث تمكنوا من السيطرة على الفرامل وجهاز نقل الحركة. ونتيجة لذلك، قامت إدارة المرور والسلامة الوطنية الأمريكية بفتح تحقيق، كما أُجبرت شركة “كرايسلر” على سحب مليون و400 سيارة. في المقابل، يكمن الخبر السار في أن هذه المشاكل قابلة للحل.
من جهته، قال أشتون إن “مهندسي البرمجيات لا يتم منحهم الفرصة، في معظم الحالات، من قبل المديرين غير التقنيين، لبناء نظام آمن في المقام الأول. خلافا لذلك، لا يخفى على الخبراء الأمنيين كيفية حل المشاكل التي تنجر عن مثل هذه الأحداث. فعلى سبيل المثال، عادة ما يرتبط وضع قفل سيء على الباب الأمامي لمنزلك أو عدم تثبيت جهاز إنذار الدخان بعدم قيام أحدهم لعمله بشكل جيد. ومن جانبهم، يتميز الخبراء الأمنيون بكثرة شكّهم ما يدفعهم إلى النظر من جميع الزوايا ومعالجة أكبر عدد ممكن من نقاط الضعف، ذلك أن واجبهم يُحتّم عليهم رعاية الزبون والحرص على سلامته”.
سيارة “وايمو” ذاتية القيادة التابعة لشركة “غوغل”، التي تم إطلاقها لأول مرة في ولاية كاليفورنيا سنة 2009، والتي جذبت الاهتمام في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
يعمل أشتون حاليا على تأليف كتاب آخر يحمل عنوان “المستقبل الجميل”، حيث من المتوقع أن يحتوي على العديد من توقعاته. وعموما، يتميز أشتون بتفاؤله اللامحدود، وبالتالي، ومنذ أن اختار العالم البريطاني الولايات المتحدة ليستقرّ فيها، طُرح عليه سؤال متعلّق بما إذا كان يشعر بالقلق تجاه سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المعادية للعلم والتي قد تتسبب في كبت الإبتكار.
أتت إجابة أشتون فورية، حيث قال “إن سياسة ترامب لن تغيّر مجرى الأحداث. فعلى مر التاريخ، لم تتمكن السياسات من كبت الابتكار ووضع حد له، فالأمر أشبه بالسماح لأحد أبنائك بركوب السيارة، حيث تستطيع أن تجبره على التخفيف من سرعته ولكنك لا تستطيع السيطرة عليه تماما. أما بالنسبة للحكومة، بإمكانها قطعا إحداث تأثير، تماما مثل ما حدث في عهد كينيدي من استثمار في برنامج الفضاء على سبيل المثال. في الأثناء، لا يستطيع أي أحد كبح جماح الإبتكار”.
هناك وهم متعلق بريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا في العالم، إلا أن ذلك كان فقط خلال فترة التسعينات. فعند النظر إلى صادرات التكنولوجيا، نجد أن المُتربع على عرش التكنولوجيا العالمي في الوقت الراهن هي الصين وذلك منذ بداية عصر “إنترنت الأشياء”
وأضاف أشتون أن “هناك وهم متعلق بريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا في العالم، إلا أن ذلك كان فقط خلال فترة التسعينات. فعند النظر إلى صادرات التكنولوجيا، نجد أن المُتربع على عرش التكنولوجيا العالمي في الوقت الراهن هي الصين وذلك منذ بداية عصر “إنترنت الأشياء”. وتحل ألمانيا في المرتبة الثانية، فيما تحتل الولايات المتحدة المركز الثالث، تليها كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة. فضلا عن ذلك، تم اختراع الشبكة العنكبوتية العالمية من قبل رجل بريطاني، وهو السير تيم بيرنرز لي، أما “إنترنت الأشياء” فقد تم اختراعها أيضا من قبل رجل بريطاني وهو أنا”.
المصدر: التلغراف