كما كان متوقعًا، فقد سارت الانتخابات في الجزائر يوم 4 من مايو 2017 على الوتيرة المعهودة، وحسب خط السير الذي رُسم لها من طرف السلطة، وهو خط السير نفسه الذي رسمه لها قطاع كبير من الشعب في الذهن العام.
هناك واقع افتراضي آخر يعيشه المقاطعون للانتخابات في الجزائر في الفضاء الأزرق – الفيسبوك – وبكل أسف يكاد يصير ذلك واقعهم غير الافتراضي، واقع يقولون فيه كلمتهم بكل حرية
بين الواقع الذي يعلمه الجميع من ناحية، والذي خلاصته مقاطعة واسعة تجاوزت الـ70%، ومشاركة لم تتعد 30% غلبت عليها الفئوية والقبلية والجهوية، وشابتها سمة التزوير الصارخ والفاضح، فضلاً عن أن تلك النسبة لم تسلم أيضًا من الأوراق الملغاة التي قاربت المليون ورقة، والتي أضافت إلى المشهد الانتخابي سقطة أخرى زادته عبثية وتهريجًا.
فقد كان من ناحية أخرى الواقع الافتراضي الذي تعيشه السلطة وتسوق له أن الانتخابات سارت في شفافية تامة وبحضور مراقبين دوليين، سجلوا لها كعادتهم نزاهة العملية الانتخابية وحيوا السلطات الجزائرية على ما وفرته لهم من وسائل المراقبة والمتابعة، التي جعلتهم يشهدون لها بتلك الشهادة التي تقلل من مصداقية المراقب أكثر مما تزيد من نزاهة العملية.
وهناك واقع افتراضي آخر يعيشه المقاطعون في الفضاء الأزرق – الفيسبوك – وبكل أسف يكاد يصير ذلك واقعهم غير الافتراضي، واقع يقولون فيه كلمتهم بكل حرية، وينسقون فيه جهودهم، ويجسدون فيه رؤيتهم، بل ويرون من خلاله مدى تأثيرهم في مجريات الأمور خارجه.
أخطأت السلطة في تقدير قوة المقاطعين ومدى تأثيرهم في مصداقية هذا الاستحقاق الانتخابي
أخطأت السلطة في تقدير قوة المقاطعين ومدى تأثيرهم في مصداقية هذا الاستحقاق الانتخابي، وأخطأت كذلك أحزاب المولاة – لأنه لا توجد أحزاب معارضة في الجزائر – في تقدير قوة المقاطعين ومدى قدرتهم على حجب الثقة عنهم وعن السلطة على حد سواء.
إذًا فقد كان المشهد في حقيقته مقسمًا بين طرفين هما السلطة والموالون لها من المزمرين والمزورين، تقابلهم المعارضة الحقيقية والتي تمثلت في المقاطعين الذين استأثروا بنسبة 70% من المشهد العام والنتيجة العامة، وكانوا بحق الغائب الحاضر.
لقد تمايزت المعارضة الصامتة بقوة التأثير والضرب في صلب العملية الانتخابية، وذلك بتعريتها وسحب الثقة والمصداقية منها، في الوقت الذي كانت فيه السلطة وأذنابها يعتقدون أن الجلبة والضوضاء واعتماد أجواء الكرنفال قد تغطي على واقعهم البائس شيئًا.
والذي كان أكثر بؤسًا من السلطة تلك الحزيبات المجهرية التي لم تعد ترى بالعين المجردة سواء من طرف السلطة أو حتى من طرف الشعب، والتي صارت (كالصبية الأيتام على موائد اللئام) منبوذة من كل الأطراف.
هذا المشهد العبثي يخدم السلطة ويغطي بعض قبحها، مما يجعلها تدمنه وتحث عليه في كل مرة، فإن المستهجن من الأحزاب التي هي خارج السلطة وليست أكثر من شاهد زور، أنها ما زالت تتخبط في هذا الغباء السياسي، الذي يجعلها تؤمن أن نفس المعطيات في نفس الظروف والشروط، يمكن أن تعطي نتائجًا مختلفة
فرغم تدني نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 36.67% – إذا ما تم تصحيح الخطأ المتعمد الذي أعلنته وزارة الداخلية والذي كان 38.25% -، فإن أغلبية المقاعد كانت كما هو متوقع من نصيب حزبي السلطة FLN وRND بما تجاوز 56% من مقاعد البرلمان الجزائري المقدرة بـ462 مقعدًا، وحصد المستقلون 28 مقعدًا، بينما لم تتمكن تلك الجمعيات المساندة للسلطة – الأحزاب المعارضة مجازًا – والتي تجاوز عددها الـ50 حزبًا سوى من التناحر على 173 مقعدًا، أي ما يساوي 37% من كعكة البرلمان تقريبًا، وهو السيناريو نفسه قبل 5 سنوات، لا يكاد يختلف عنه إلا في بعض الجزئيات والتفاصيل التي لا تكاد تذكر إن لم يكن أكثر منه سوءًا وبؤسًا.
وإذا كان هذا المشهد العبثي يخدم السلطة ويغطي بعض قبحها، مما يجعلها تدمنه وتحث عليه في كل مرة، فإن المستهجن من الأحزاب التي هي خارج السلطة وليست أكثر من شاهد زور، أنها ما زالت تتخبط في هذا الغباء السياسي، الذي يجعلها تؤمن أن نفس المعطيات في نفس الظروف والشروط، يمكن أن تعطي نتائجًا مختلفة.