في الوقت الذي يقاتل الشعب اليمني منذ أكثر من سنتين لاستعادة الشرعية للنظام السياسي في البلد، تصب دولة عربية معروفة، كل جهودها للطعن بهذه الشرعية، بالنفخ على نار الانفصالين تارة، والانقلابين تارة أخرى، ليزيدوا لهيبها، ولتحرق كل منجز يمكن للشعب تحقيقه، وتفتيت هذا البلد إلى دويلات ضعيفة معتمدة في حفظ أمنها على الآخرين، وخيراتها منهوبة لصالحها أو لصالح غيرها من الدول.
تلك الدولة تعتبر نفسها من دول التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، لكن حقيقة أمرها، هي أقرب إلى كونها دولة احتلال كما ووصفها الرئيس اليمني هادي.
ماذا يدور حاليًا في اليمن؟
اضطرت المقاومة اليمنية والحكومة الشرعية أن تغض الطرف عن كثير من انتهاكات تلك الدولة التي تدعي أنها جاءت لنصرة الشعب اليمني، وسكتت عن كثير من ممارساتها التي تساهم بشكل كبير في تمزيق هذا البلد، ليس لعدم تقدير أو إدراك منها لخطورة تصرفاتها، وإنما اضطروا لمراعاة من يقود هذا التحالف، ولو كانت للمقاومة والقوات الشرعية القدرة على حسم الصراع عسكريًا دون مساعدة من هذا التحالف، لكان رأي اليمنيين غير ذلك تمامًا.
وصلت تصرفات تلك الدولة إلى حد لا يمكن قبوله، حينما بدأت تتصرف وكأن البلد أصبح لها، بل إنها تساهم في إطالة أمد الصراع في اليمن لحين إكمالها مخططاتها في تفتيت هذا البلد، ووضع يدها على أهم مقدراته الطبيعية ومرافئه البحرية، إضافة لتقاسم ما يتبقى مع إيران عبر ممثلها في اليمن، الحوثي وعصاباته.
كشف الإعلامي خالد عقلان في لقاء أجرته معه صحيفة “العربي الجديد” عن دور هذه الدولة وغيرها، في تهريب السلاح لجماعة الحوثي، حينما قال إن التهريب الذي يتم بشكل مباشر كان يمر عبر شبوة شرقًا، وكان يمر أيضًا عبر ميناء عدن، قبل أن يتفجر الخلاف بين الرئيس هادي والإمارات.
لماذا طالت الحرب اليمنية لهذا الحد، ولماذا لا يتم حسم الصراع في كل مرة تقترب ساعة الحسم على أيدي المقاومة اليمنية والجيش اليمني الحكومي، ذلك لأن هناك تحالف خفي يقوم بالعمل ضد التحالف العربي ويقوض جهوده لحسم الصراع
وتوقع عقلان أن التهريب سيستمر عبر المنافذ الرسمية وغير الرسمية، طالما هناك رغبة من “بعض الأطراف المحلية والإقليمية في إطالة أمد الصراع في اليمن”، ويأتي ذلك بحسب عقلان، لغرض إنهاك كل الأطراف في الحرب، من أجل الوصول لتسوية تخدم الأطماع الإقليمية لبعض الأطراف التي تسعى لفرض واقع ينتقص من سيادة واستقلال اليمن، كما أشار إلى ما كشفته مصادر عسكرية يمنية رفيعة، لمواقع صحفية، عن تورط البحرية المصرية أيضًا في تسهيل دخول السلاح للحوثيين وحلفائهم.
ومن هذا نستطيع أن نفهم، لماذا طالت الحرب اليمنية لهذا الحد، ولماذا لا يتم حسم الصراع في كل مرة تقترب ساعة الحسم على أيدي المقاومة اليمنية والجيش اليمني الحكومي، ذلك لأن هناك تحالف خفي يقوم بالعمل ضد التحالف العربي ويقوض جهوده لحسم الصراع.
قرارات هادي الأخيرة وتأثيرها على الساحة العسكرية في اليمن
وصلت الأمور من التدخل السلبي لهذه الدولة في اليمن، للحد الذي جعل الشرعية اليمنية، تُقْدِمْ على اتخاذ قرارات ما كانت لِتُقدِمْ عليها حرجًا من الراعي الأكبر للتحالف العربي لتحرير اليمن من الانقلابين، لكنها أقدمت بالنهاية عليها بكل ثقة، مما يدلل على أن ليس اليمنيون فقط هم من ضاقوا ذرعًا بتصرفاتهم، بل حتى السعوديين رفعوا الغطاء عن تصرفات تلك الدولة.
كانت تحفظات السعوديين في اتخاذ إجراء ضد تلك الدولة، هو الخوف من انفجار الموقف معهم إلى العلن مما يقوض جهود المملكة في حسمها لموضوع الانقلابين في اليمن، تمامًا مثلما حدث حين أقال هادي “خالد بحاح” من منصبه كنائب له ورئيس للوزراء، واستبدل به علي محسن الأحمر، الزعيم العسكري المخضرم، والمقرب من حزب الإصلاح.
على الرغم من غضب الإمراتيين وامتعاضهم الكبير من قررات هادي، فإنهم آثروا كظم غيظهم، تمهيدًا للشروع بخطط جديدة تُمكنهم استثمار الظروف الصعبة السائدة باليمن، لإعادة سيطرتهم ونفوذهم على الجنوب اليمني، وهذا أخطر ما في الموضوع
أصدر الرئيس هادي أمرًا بإقالة أهم حليفين لتلك الدولة في حكومة الشرعية، هما محافظ عدن عيدروس الزبيدي، والأهم منه، وزير الدولة هاني بن بريك صاحب النفوذ الأول على قوات الحزام الأمني، التي تعد أكبر قوة أمنية تأسست في عدن ومحيطها من المحافظات جنوبي اليمن، بدعم وتمويل وتدريب من تلك الدولة، لكن رد فعل أولاد زايد لم يكن بمستوى الخسارة التي لحقت بكل مشاريعهم الانفصالية، وعلى الرغم من غضبهم وامتعاضهم الكبير من تلك القرارات، فإنهم آثروا كظم غيظهم، تمهيدًا للشروع بخطط جديدة تُمكنهم استثمار الظروف الصعبة السائدة باليمن، لإعادة سيطرتهم ونفوذهم على الجنوب اليمني، وهذا أخطر ما في الموضوع.
واكتفت بإطلاق العنان لمُغردِها خلفان وهو الفارس الذي لا يشق له غبار في ساحات السبّ والشتام والفحش بالقول في حق الشرفاء من الناس، ليشن هجومًا حادًا هذه المرة على هادي، مطالبًا بتغييره، واصفًا إياه بأنه “سبب أزمة اليمن”.
ماذا يجدر بالرئيس هادي أن يفعله؟
إن أهم ما يجدر بالرئيس هادي والذي يمثل الشرعية في اليمن، ألا يقف عند هذا الحد، وألا يعطي الفرصة لأولاد زايد لاستيعاب الضربة هذه، والتفكير برد الفعل المناسب، وإلا فإنهم على استعداد لإغراق اليمن ببحر دماء جديد، لا يعلم سوى الله كم ستطول من السنين.
وما يتم التحضير له من اجتماعات عند رجل الإمارات الآخر محافظ حضرموت أحمد بن بريك خير دليل على ذلك، فالاجتماع الحضرمي الذي انعقد مؤخرًا في المكلا، وبرعاية إماراتية لإعلان ما أسموه “إقليم حضرموت”، يوضح بشكل لا لبس فيه نوايا أولاد زايد الحقيقية باليمن، ذلك المحافظ الذي استقبل المُقالَين بكل حفاوة وتقدير، ولم يصدر عنه بيان واحد يبدي فيه دعمه للرئيس هادي في قرارات الإقالة، سوى ما قاله بحق التظاهرات التي خرجت لتأييد انفصال الجنوب عن اليمن: “لن نسمح لأحد من خارج محافظة حضرموت بالتحدث باسمها، فقد قررنا مصيرنا بتبني إقليم حضرموت والمظاهرات في عدن لا تعنينا ونحن مع الشرعية”.
الحلم يُفسَّر أحيانًا بالضعف
أما موقف السعوديين، فالبعض يفسره بأنه حلم الكبير على تصرفات الصغير، ولكن الحلم الذي يتسبب في ذبح وتجويع شعب كامل، وجعل أراذِل الناس سادة لهم، وإذلال كِرام الناس، فإن ذلك لا يمت للحُلم بصله، بل هو أقرب للاستكانة منه إلى الحلم، والبعض الآخر يفسر عدم قيام السعوديين بعمل حازم ضد الأولاد، بأنه تبادل للأدوار بينهم، للحيلولة دون أن تستعيد اليمن لقوتها واستقرارها.
وعلى الرغم من أننا لا نرجح هذه الفرضية لعدم موافقتها للواقع على الأرض، فالوقت قد حان للسعوديين أن يستفيقوا من سكرة معاداتهم للإخوان ومُناصبتهم العداء دون أي سبب معقول، سوى أن الاخوان لا يروقون لأولاد زايد، وعليهم الانتباه لأعدائهم الحقيقيون، بدءًا من النظام الفارسي الإيراني، وصولًا لأذنابه من أنظمة عربية تبحث عن “رزهم”، ومرورًا بالعصابات المسلحة من داعش وماعش.
كانت الإمارات وما زالت تتعمد إفشال اجتماعات اللجان الأمنية والعسكرية المشكلة من قبل الإمارات وحكومة هادي والسعودية، لرسم معالم المرحلة العسكرية المقبلة، من خلال رفضها المقترحات التي تقضي بخضوع جميع الألوية العسكرية لسيطرة الرئيس هادي
آن لهم أن يعرفوا أن بعض حلفائهم في التحالف العربي، يفعلون كل ما بوسعهم لإطالة حرب الاستنزاف الجارية باليمن، لاستنزاف مقدرات الشعب اليمني والسعودي على حدٍ سواء، خدمة لأجنداتهم المشبوهة.
لقد كانت الإمارات وما زالت تتعمد إفشال اجتماعات اللجان الأمنية والعسكرية المشكلة من قبل الإمارات وحكومة هادي والسعودية، لرسم معالم المرحلة العسكرية المقبلة، من خلال رفضها المقترحات التي تقضي بخضوع جميع الألوية العسكرية لسيطرة الرئيس هادي، لغاية في نفوس حكّامها تُريد غير الذي يريده الشعب اليمني.
ما سبب غضب الإمارات على هادي؟
تتهم الإمارات الرئيس هادي بدعم حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، متناسين أن ثقل المقاومة اليمنية، يحمله هذا الحزب وجماهيره، بل إن الرئيس هادي لو كان له بديلًا عنهم، لما اعتمد عليهم، وهو الذي باعهم في مناسبات عديدة لخصومهم، ومع ذلك لم يتخل الإصلاحيون عن الدفاع عن الشرعية، ليس حبًا في هادي، إنما حبًا لوطنهم الذي لا يريدون أن تتحكم به عصابات الحوثي أو قوات المخلوع صالح، والسقوط بالفوضى.
بينما يتهم مقربون من هادي، الإمارات، والتي تهيمن عسكريًا على جنوب اليمن، بدعم حركات الانفصالين، والعمل على إفشال الرئيس الشرعي، وفي هذا يقول المفكر النفيسي في إحدى تغريداته: “إن دعوات الانفصال تصب في مصلحة جماعة الحوثي والمشروع الإيراني في اليمن والجزيرة العربية”، مشيرًا إلى أن تضخيم دور الإخوان في الصراع اليمني “مصيدة فكرية، وخطأ استراتيجي لا يستند إلى بناء منطقي”، وتابع النفيسي: “مهما كانت المبررات التي يستند عليها دعاة التقسيم والانفصال في اليمن، فإن وحدة اليمن أفضل الحلول على صعيد الأمن الجماعي لدول التعاون”، وبذلك يوجه النفيسي تحذيراته لدول الخليج من مغبة السياسيات الإماراتية في اليمن، على مستقبل دول الخليج عامة.
هل تتوقف طموحات أولاد زايد عند حدود اليمن؟
من الواضح أن طموحات أولاد زايد لا تحدها حدود اليمن، فتراهم يجعلون من أنفسهم لاعبين أساسين في تكريس الانقسام السياسي والعسكري بين الأطراف الليبية، وهم داعمون رئيسيون للانقلابين في مصر، ومشجعون لسفاح سوريا، ولم يسلم منهم حتى الشأن الفلسطيني، فأطلقوا العنان لمريدهم دحلان ليفسد ما شاء له إفساده، بل ولم يسلم من نشاطهم المحموم حتى الدول غير العربية من التدخل بشؤونهم.
أما الآن فقد أجمعوا أمرهم على التدخل بالشأن العراقي هذه المرة، فهم يريدون استغلال الرغبة الأمريكية الجديدة الرامية لتقليص النفوذ الإيراني في العراق، ليركبوا الموجة عبر دعم بعض الأطراف السنية التي تدين بالولاء “للرز” الإماراتي، لتجعل لها موطئ قدمٍ في أرض العراق.
فتراهم يدفعون بعض الأطراف السياسية السنيَّة، ليتقربوا من السلطة الحاكمة في العراق، والاشتراك بالعملية السياسية العرجاء، وهي بهذا توفر الأسباب الموضوعية لإضفاء الشرعية للحكومة الطائفية في بغداد، والتي يعرف الجميع بأنها تابعة للنفوذ الإيراني.
تبتغي الامارات جعل الإقليم السني المزمع إنشاؤه، منطقة نفوذ إماراتية، ومن شعبها خدمًا لهم، ولكننا نقول، إن العراقيين الذين كانوا يساعدون الشعب الإماراتي في تخطي فقره وعوزه أيام الخمسينيات والستينيات، والذين كانوا يفتحون جامعاتهم لتعليم أبنائهم أصول الحضارة والرقي، لن تنطلي عليهم مخادعات أولاد، حتى لو كانوا أولاد زايد – رحمه الله –
ولا يجب أن نستغرب كثيرًا إذا ما بذل أولاد زايد جهودهم لتحويل وجهة الأمريكان، من تقويض النفوذ الإيراني بالعراق، إلى تقويته عبر دعمها لأطراف سياسية سنيَّة ترضى بسيادة النفوذ الإيراني في العراق، وتتوافق مصالحهم مع المصالح الأمريكية.
تبتغي الامارات جعل الإقليم السني المزمع إنشاؤه، منطقة نفوذ إماراتية، ومن شعبها خدمًا لهم، ولكننا نقول، إن العراقيين الذين كانوا يساعدون الشعب الإماراتي في تخطي فقره وعوزه أيام الخمسينيات والستينيات، والذين كانوا يفتحون جامعاتهم لتعليم أبنائهم أصول الحضارة والرقي، لن تنطلي عليهم مخادعات أولاد، حتى لو كانوا أولاد زايد – رحمه الله -، والتاريخ الذي سيسجل إحسان المحسنين، وإساءات المسيئين، سوف يدون ما يفعلون، والشعب العراقي من الشعوب التي لا تنسى من يُسيء لها، إنها ذكرى وموعظة لمن فقد ذاكرته ورَكِب رأسه.