أخيرًا، أسدلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الستار عن أهم مرحلة في تاريخها، بعد شهور طويلة من الإعداد والتجهيز، وما تمخض عنها انتخاب إسماعيل هنية، رئيسًا جديدًا للمكتب السياسي للحركة، خلفًا لخالد مشعل، بعد أيام قليلة من إعلان الحركة وثيقتها السياسية التي أثارت الكثير من الجدل.
بعد انتهاء حقبة الانتخابات والإعلان رسميًا عن الفائز فيها ونشر الحركة لأسماء أعضاء مكتبها السياسي المنتخبين، ستبدأ الحركة مرحلة جديدة من الكفاح والنضال السياسي على عدة جبهات، في محاولة لكسر جدار العزل التي كانت مغلفة به طول السنوات الماضية، فهل سينجح هنية؟
الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس يدرك جيدًا صعوبة وتعقيدات المرحلة الراهنة التي تم فيها انتخابه رئيسًا لأكبر حركة مقاومة فلسطينية
الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس يدرك جيدًا صعوبة وتعقيدات المرحلة الراهنة التي تم فيها انتخابه رئيسًا لأكبر حركة مقاومة فلسطينية، خصوصًا في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من أطراف مختلفة، بالتزامن مع اشتداد الأزمات في غزة على وقع إجراءات السلطة ضدها.
ملفات شائكة وعقبات في الطريق
أسئلة كثيرة تطرح الآن على طاولة المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي، وتحديدًا على حركة حماس التي أعلنت مؤخرًا وثيقتها السياسية الجديدة، وانتخاب هنية، إلى أين حماس ذاهبة في ظل المتغيرات بالمنطقة؟ وما التحديات التي يمكن أن تواجه هنية أمام ذلك، فهل سنكون أمام فرق في السلوك والتنفيذ، أم مجرد تغيير أدوار سياسية لا أكثر؟ وما أول قرارات سيتخذها رئيس المكتب السياسي الجديد لحماس؟
هنية يستلم رئاسة الحركة حاملاً في يديه الملفات الثقيلة التي كانت بحوزته في أثناء قيادته للحركة في غزة، ويضاف إليها مهمات أثقل، كانت محلاً للضغوطات السياسية على الحركة خلال السنوات الماضية.
ملفات داخلية وخارجية متعددة ومتشابكة، وفي القلب منها تعقيدات البيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إليها أزمات سكان القطاع في ظل استنكاف حكومة التوافق القيام بمهامها، وإجراءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضد غزة.
أول هذه الملفات وأكثرها تعقيدًا المصالحة الفلسطينية التي تراجعت إلى نقطة الصفر، التي لربما تكون اليوم أولى الملفات التي يتحتم على رئيس حماس الوصول إلى نقطة مفصلية فيها، خاصة في ظل إجراءات الرئيس عباس الأخيرة ضد غزة.
ويبقى هنية أمام تحدٍ كبير يتعلق بإمكانية تجاوز العقبات التي تعترض طريق المصالحة، وإمكانية توفير البدائل التي تساعد القطاع على مواجهة إجراءات عباس، والأهم من ذلك نجاحه في فتح قنوات الضغط على الرئيس أبو مازن ليتوقف عن إجراءاته ضد غزة.
وهذا الدور يفتح أمام هنية ملفًا آخر ثقيل مرتبط بملف العلاقة بين حركته وأطراف المنطقة، خاصة قطبي المحاور الرئيسية في المنطقة السعودية وإيران، عدا عن مصر التي شكلت العلاقة معها تحديًا كبيرًا خلال الفترة الماضية.
كانت حماس قد بدأت مؤخرًا في حلحلة أزماتها مع مصر، بدأتها بزيارة وفود سياسية وأمنية لبحث الأزمات العالقة بينهما، وأنهتها بإصدار وثيقة سياسية لم تشر فيها الحركة إلى ارتباط تنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين
وكانت حماس قد بدأت مؤخرًا في حلحلة أزماتها مع مصر، بدأتها بزيارة وفود سياسية وأمنية لبحث الأزمات العالقة بينهما، وأنهتها بإصدار وثيقة سياسية لم تشر فيها الحركة إلى ارتباط تنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي التي شكلت في مفاصل عديدة سببًا للخلاف بين الجانبين.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن هنية سيغادر غزة متوجهًا إلى العاصمة القطرية الدوحة، وقد يلتقي في طريقه إلى هناك بمسؤولين في المخابرات المصرية في القاهرة، ليطلعهم على وثيقة الحركة التي أصدرتها قبل عدة أيام.
ويناط بهنية تعزيز العلاقة مع مصر بما يحقق تطبيق الإجراءات التي وعدت بها الأخيرة تجاه غزة، وتذويب الخلافات أمامها بما يقنعها اتخاذ إجراءات تخفف من الحصار المفروض على غزة، وتسهيل الإجراءات الإنسانية مع القطاع.
ويبزر التحدي الثاني أمام هنية في إحداث حالة توازن شديدة بين محوري المنطقة إيران والسعودية، خاصة أن الأخيرة لا تزال توصد أبوابها بشكل رسمي أمام حماس، والتي تحتاج إليها الأخيرة كسند مهم في عمقها العربي.
وكذلك من التحديات التي تواجه هنية تلك المرتبطة بمواجهة مشاريع التسوية الجديدة، خاصة في ظل ما تطرحه الإدارة الأمريكية الجديدة من شروط ومؤامرات لتصفية “قضية القرن”، والتي تتجلى فصولها بإنهاء إمكانية قيام أي كيان سياسي موحد، ورمي الوجود الفلسطيني في سلة الدول العربية.
تفتح الوثيقة السياسية لحماس الباب واسعًا لإقناع المزيد من المؤيدين والأنصار من الأحزاب والدول في الساحة الأوروبية، وحتى الدينية كالفاتيكان
وإضافة لهذه الأطراف الرئيسية، فإن هنية مناط به استكمال فتح قنوات التواصل مع الدول الأخرى، خاصة في ضوء فتح الحركة العديد من العلاقات مؤخرًا، كما أنه مناط به تعزيز علاقته مع مراكز الثقل في العالم مثل روسيا والصين، إضافة لدول حليفة مثل البرازيل وفنزويلا وفتح المزيد من العلاقات مع هذه الدول. وتفتح الوثيقة السياسية لحماس الباب واسعًا لإقناع المزيد من المؤيدين والأنصار من الأحزاب والدول في الساحة الأوروبية، وحتى الدينية كالفاتيكان.
هل يكسر هنية جدار العزلة؟
الخبير في الحركات الإسلامية، والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، عبر عن تفاؤله الكبير من نتائج المرحلة المقبلة التي سيتولى فيها هنية رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، مؤكدًا أنها ستكون “إيجابية ومهمة للغاية”.
وقال الصواف: “انتخاب هنية لرئاسة المكتب السياسي لحماس، سيفتح أبوابًا كثيرة أمام الحركة سياسية واقتصادية ودبلوماسية، وسيساهم بشكل كبير في تحسين علاقات الحركة بكثير من الدول العربية والإسلامية وكذلك الأجنبية”.
المحلل السياسي بين أن هنية يتمتع بقبول وشعبية محلية وعربية ودولية كبيرة للغاية، قد تكون أكثر من مشعل وأبو مرزوق، مما قد تؤهله لأداء دور أساسي في المرحلة المقبلة خاصة بعد إعلان وثيقة حماس الجديدة، التي حظيت بتأييد خارجي إيجابي.
هنية أمامه عديد من الملفات والعقبات الداخلية والخارجية الكبيرة، وعلى رأسها حصار غزة والعلاقات مع مصر، وفي حال نجح بتجاوز تلك الملفات فسيكون حقق المطلوب منه
الصواف توقع أن يغادر هنية قطاع غزة خلال المرحلة القريبة المقبلة، مؤكدًا أن بقاءه في غزة بمنصبه الجديد سيكون عقبة كبيرة، ولن يتمكن من أداء مهامه بصورة سليمة، لذلك سيغادر ويقيم بشكل رسمي في الدوحة برفقة وفد من قيادات الحركة الموجودة بغزة.
بدوره رأى المحلل السياسي طلال عوكل أن هنية سينجح بشكل كبير في المهام الجديدة التي ستوكل إليه بعد فوزه برئاسة المكتب السياسي للحركة، ولكن مع كثير من العقبات التي ستعترض طريقه.
ويضيف عوكل: “هنية يتمتع بكفاءة عالية وعلاقات واسعة، وكذلك شخصية مقبولة للكثير من الأوساط المحلية والعربية والدولية، الأمر الذي سيسهل عمله في قيادة الحركة والملفات الفلسطينية المهمة”.
ويشير المحلل السياسي إلى أن هنية أمامه عديد من الملفات والعقبات الداخلية والخارجية الكبيرة، وعلى رأسها حصار غزة والعلاقات مع مصر، وفي حال نجح بتجاوز تلك الملفات فسيكون حقق المطلوب منه.
وهنا قال فوزي برهوم الناطق باسم حماس: “الحركة بقيادتها الجديدة على سلم أولوياتها مواصلة وتكثيف الجهود الرامية إلى تمتين وتقوية العلاقات الفلسطينية الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز صمود شعبنا، وحشد كل الطاقات العربية والإسلامية والدولية للوقوف إلى جانب شعبنا الفلسطيني وتعزيز صموده ودعم عدالة قضيته”.
عيون “إسرائيل” تلاحق هنية
وبعيدًا عن لغة العقبات والأزمات التي تعترض هنية أو الملفات التي سينجزها، حذر الخبير في الشأن الإسرائيلي، محمد مصلح، من بقاء هنية في قطاع غزة، مؤكدًا أنه الآن “هدف متاح للاحتلال لاغتياله”.
ويقول مصلح: “هنية من المطلوبين للاحتلال لتصفيتهم ويوجد على رأس القائمة، واختياره لرئاسة المكتب السياسي وبقاؤه في غزة، قد يجعله هدفًا مشروعًا للاحتلال لتصفيته وإدخال غزة بحرب جديدة وقلب كل أوراقها، خاصة بعد تهديدات وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الأخيرة”.
وطالب الخبير في الشأن الإسرائيلي بالإسراع في التنسيق مع مصر وخروج هنية من القطاع، مؤكدًا أن الاحتلال لا يمكنه توقع الخطوات التصعيدية التي سيلجأ لها في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة.
وفي الـ27 من شهر مارس/ آذار الماضي، هدد ليبرمان مباشرة باغتيال هنية، وقال: “من يريد سؤالي عن اغتيال إسماعيل هنية، فليقم بذلك عند انتهاء ولايتي وزيرًا للدفاع”، وجاءت تصريحات ليبرمان ردًا على سؤال المستوطنين له عن وعده باغتيال هنية خلال 48 ساعة، حيث أجاب بأن يعودوا للحديث معه عند انقضاء فترته في وزارة الدفاع.
هنية شغل مناصب حركية ورسمية منذ انخراطه في العمل مع جماعة الإخوان المسلمين في غزة عام 1983، منها رئيس مكتب مؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين، وعضو المكتب السياسي، ورئيس قائمة الحركة بانتخابات 2006، ومن ثم رئيس للحكومة الفلسطينية عام 2007، ونائب رئيس الحركة، وقائدًا لحماس في غز
وأضاف ليبرمان أن “الحكمة هي التصرف بمسؤولية وصرامة، فإسرائيل تدير سياسة جديدة ضد حماس بشكل مسؤول وصارم”، بحسب تعبيره. وكانت صحيفة “معاريف” قد نقلت عن ليبرمان في أبريل/ نيسان الماضي مطالبته الحكومة والجيش بالعودة لسياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن على إسماعيل هنية أن يحدد مكان قبره، على حد قوله.
وكان هنية قد شغل مناصب حركية ورسمية منذ انخراطه في العمل مع جماعة الإخوان المسلمين في غزة عام 1983، منها رئيس مكتب مؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين، وعضو المكتب السياسي، ورئيس قائمة الحركة بانتخابات 2006، ومن ثم رئيس للحكومة الفلسطينية عام 2007، ونائب رئيس الحركة، وقائدًا لحماس في غزة.