“إن أكثر المشاهد فزعًا هو حرصي هذا الصباح على التدقيق في صور الجنازات والجثث الشحيحة القادمة من بعض المشافي في غزة، حتى أطمئنّ على عائلتي، هل التحقوا بالشهداء أم مكثوا بين الأحياء”.
تغريدة كتبها مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، باتت تعبّر اليوم عن حال معظم الغزيين المغتربين، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على قطاعهم المحاصر.
وأصبح التحديق في شاشات الفضائيات الإخبارية ومتابعة ما ينشره الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، الوسيلة الوحيدة لمعرفة المغتربين حال ذويهم في قطاع غزة.
وقال الفلسطيني الذي ينحدر من غزة رامي عبده، في تغريدته على موقع إكس (تويتر سابقًا): “هذه وسيلة لا إرادية في ظل انقطاع الاتصالات بشكل كامل”.
إن أكثر المشاهد فزعاً هو حرصي هذا الصباح على التدقيق في صور الجنازات والجثث الشحيحة القادمة من بعض المشافي في غزة حتى أطمئن على عائلتي، هل التحقوا بالشهداء أم مكثوا بين الأحياء.
هذه وسيلة لا إرادية في ظل انقطاع الاتصالات بشكل كامل.
— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) November 6, 2023
وأعلنت مجموعة الاتصالات الفلسطينية “بالتل”، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، أن جميع خدمات الاتصالات والإنترنت انقطعت داخل قطاع غزة مرة أخرى.
وأضافت في بيان أن ذلك يرجع إلى “تعرض المسارات الرئيسية، والتي تم إعادة وصلها سابقًا للفصل مرة أخرى من الجانب الإسرائيلي”.
وكانت سلطات الاحتلال قد قطعت الإنترنت والاتصالات أكثر من مرة خلال عدوانها المكثّف على غزة، ما جعل التواصل بين المغتربين وذويهم شبه مستحيل.
معاناة المغتربين
وفي حال عدم القطع الكلي للاتصالات والإنترنت، لا يمكن أيضًا التواصل في كل وقت وحين، حيث تغيب الشبكة طوال الوقت ويكون زمان وصلها نادرًا ومعقدًا.
وبعد المحاولة لعدة ساعات عبر الاتصال الدولي، يكون المغترب محظوظًا إذا استطاع الوصول إلى ذويه، كما أن سكان قطاع غزة لا يستطيعون التواصل مع بعضهم.
وجاء قطع الإنترنت والاتصالات إلى جانب الوقود والماء والغذاء، ضمن العقوبات التي فرضتها سلطات الاحتلال على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس، وأدّت إلى مقتل أكثر من 1500 جندي ومستوطن في المستوطنات القريبة من الحدود.
وعاش ياسر محمد قبل أيام لحظات عصيبة عند قصف منطقتهم المعروفة باسم “بئر النجعة” في شمال قطاع غزة، دون أن يتمكن من التواصل مع عائلته لساعات.
وقال محمد الذي يعيش في تركيا لـ”نون بوست”: “أهلي نزحوا قليلًا باتجاه وسط مدينة غزة، لكنهم عادوا للاستحمام في بيتنا وجلب بعض الأغراض الشخصية ثم العودة مجددًا”، وأوضح أنه في تلك الساعة حدث القصف على منطقتهم، و”حاولت التواصل مع عدد من أبناء الجيران لمعرفة أوضاع أهلي”.
وذكر أنه بعد محاولات مريرة تجاوزت الساعتَين “تمكّنت من الاطمئنان عليهم، وكنت قبل ذلك أتفحّص الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل”.
ويزيد من قسوة هذه الظروف توزُّع أفراد العائلات الكبيرة إلى عدة مجموعات وفي أماكن متفرقة، لصعوبة تواجدهم في بيت واحد لدى أقاربهم وذويهم بسبب كثرة الأعداد، إذ تسبّب القصف الإسرائيلي المكثف والمجازر المتواصلة في تدمير أكثر من 200 ألف وحدة سكنية، بحسب أرقام أولية للحكومة في غزة.
وفي ظلّ قطع الاتصالات والإنترنت، لا يتمكن أفراد العائلة الواحدة من التواصل مع بعضهم، فيما يعمل ذويهم من المغتربين كحلقة وصل بينهم لنقل الرسائل والأخبار.
https://twitter.com/Yasser_Gaza/status/1718222727603974246
وانتشر مقطع فيديو بشكل واسع لرجل مسنّ ظهر خلف الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، خلال المؤتمر الصحفي الأول منذ انقطاع الإنترنت على غزة، وهو يحاول أن يطمئن ذويه أنه بخير.
وعلق الناشط ياسر عاشور بالقول: “هذا العمّ كآبائنا، ربما له ابن أو ابنة في الخارج، يحاول أن يطمئنهم أنه بخير وعلى قيد الحياة، وهذه حقيقة لا مجازًا آلية التواصل الوحيدة مع الخارج”.
مأساة في الداخل
ويرتبط قطع الإنترنت والاتصالات بتنفيذ الاحتلال عمليات قصف واسعة ضد المدنيين، حيث يصحو أهالي قطاع غزة في صباح اليوم التالي على مجازر كبيرة.
وتزداد المأساة مع عدم تمكن أهالي المناطق المستهدفة من التواصل مع سيارات الإسعاف والدفاع المدني، لإنقاذهم وإخراجهم من تحت الأنقاض.
وللتغلب على هذه الحالة، يستخدم بعض الغزيين شرائح هاتف دولية أو إسرائيلية، وهذا يتطلب أيضًا الصعود إلى طوابق مرتفعة للتمكُّن من تشغيل الإنترنت والتواصل.
لكن هذه الخطوة تعرض حياتهم للخطر، حيث يقصف الاحتلال من يتواجدون في الطوابق العليا، كما تراقب طائرات الاستطلاع أسطح المنازل على الدوام.
وقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية خلال العدوان الكثير من المنازل التي تحوي خزانات مياه أو ألواح طاقة شمسية، ما يؤكد رصدها للأماكن المرتفعة وسطوح المنازل.
وقال الصحفي بلال خالد: “غزة تعيش حالة من التوتر والرعب والشلل، بسبب قطع الإنترنت والاتصالات”، وأضاف في مقطع مصور: “هذا يشمل الأشخاص الموجودين في غزة وفي خارجها، حيث انقطعت بهؤلاء السبل للاطمئنان على أهلهم”.
وأردف أن المغتربين “سيضطرون للانتظار حتى تعود الاتصالات والإنترنت، ليعرفوا إن كان أهلهم ما زالوا أحياء أم لا، وهذا رعب حقيقي لمن يعيشون خارج غزة”.
تغطية صحفية: "مجدداً… الاحتلال يقطع الانترنت والاتصالات عن قطاع غزة". pic.twitter.com/6xfExw7fm8
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) November 1, 2023
أهداف القطع
وإضافة إلى معاقبة أهالي غزة بسبب التفافهم حول المقاومة، فإن الهدف من قطع الاتصالات والإنترنت يكمن في عزل غزة عن العالم الخارجي وعدم نشر ما يدور من مجازر.
الإحتلال الإسرائيلي قطع الإنترنت وبدأ بقصف عنيف على غزة بأكثر من 100 غارة خلال نصف ساعة
اللهم سلم💔🇵🇸 pic.twitter.com/CEXSPROI62
— Dr. Zaid Alsalman (@ZaidAlsalman6) November 5, 2023
وأثارت هذه الخطوة انتقادات من دول عديدة، وقالت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية، إيوني بيلارا، إن قطع الاتصالات عن غزة هدفه “ارتكاب المزيد من الجرائم والإفلات من العقاب”.
وإلى جانب ذلك، حاول الاحتلال بثّ روايات كاذبة لتقدُّم جنوده خلال التوغل البري إلى وسط مدينة غزة، وسط تغييب للحقيقة من خلال قطع الاتصالات والإنترنت.
لم يكن الهدف من قطع الاحتلال لشبكة الاتصالات والانترنت عن #غزة منع تغطية ما يقترفه من مجازر، أو منع إيصال أصواتنا للعالم؛ فإسرائيل قتلت 10 آلاف إنسان هُنا، على الهواء مباشرة!
هذا الخنق هو حرب نفسية ومحاولة (فاشلة طبعًا) للنيل من إرادتنا هُنا في غزة. لكن.. فَليخسأ جيش الاحتلال.
— بيســــان (@Bisan_Shrafi) October 29, 2023
وغردت بيسان الشرافي بالقول: “لم يكن الهدف من قطع الاحتلال لشبكة الاتصالات والإنترنت عن غزة منع تغطية ما يقترفه من مجازر، أو منع إيصال أصواتنا للعالم؛ فإسرائيل قتلت 10 آلاف إنسان هنا، على الهواء مباشرة”.
وتابعت: “هذا الخنق هو حرب نفسية ومحاولة (فاشلة طبعًا) للنيل من إرادتنا هنا في غزة. لكن.. فَليخسأ جيش الاحتلال”.