منذ اختطافه عام 2013 إثر الانقلاب العسكري عليه لم يتفوه الرئيس المعزول محمد مرسي بأي تصريحات تمس أموره الشخصية، بل تمحورت معظم مناوشاته من داخل قفص المحكمة مع كل جلسة له حول الحديث عن بطلان محاكمته والدفاع عن شرعيته وانتقاد نظام السيسي
اليوم وبعد ما يزيد عن عشرين جلسة محاكمة له حين يخرج مرسي متحدثًا عن أمور تمس حياته الشخصية، وعما يعانيه داخل محبسه من انتهاكات فأعلم أن الوضع جلل وأن الأمر خطير، فالذي صمت قرابة أربعة وثلاثين شهرًا لن يتحدث إلا حين يصل الأمر إلى درجة الانفجار وحينها يكون الصمت لا محل له من الإعراب.
صرخات الرئيس المعزول من داخل محبسه وصمة عار في جبين منظومة العدالة وحقوق الإنسان ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع، حسبما وصف البعض، إلا أنها في الوقت ذاته تطرح العديد من التساؤلات حول المآل الذي ينتظر ذلك المحاكمة في ظل المناخ الذي تحياه وهل المراد منها إدانة مرسي فحسب أم أكثر من ذلك؟.
34 شهرًا من الصمت
آثر الدكتور محمد مرسي منذ إخفائه عام 2013 التزام الصمت حيال أي مسائل تمس حياته الخاصة، بل كان حديثه منذ أول جلسة محاكمة له حول التمسك بشرعيته وبطلان نظام السيسي ورفضه لمبدأ محاكمته، وبالرغم من التغول المتواصل على حقوقه القانونية والدستورية إلا أنه لم يخرج عن دائرة النقد السياسي ليس أكثر.
ولأول مرة بعد أربعة وثلاثين شهرًا من الصمت هاهو مرسي يخرج عن صمته متحدثًا عن أمور غير التي اعتاد الناس علي سماعها منه مع كل جلسة محاكمة، فالصرخات لم تعد تتحدث عن الشرعية وبطلان المحاكمة وفقط.. إذا ما الذي حدث؟
في جلسة السبت الماضي بداخل قاعة محكمة جنايات القاهرة وحين كانت تنظر القضية المعروفة إعلاميًا باسم “إهانة القضاء” إذ بمرسي يكشف عن حقائق يعلن عنها لأول مرة، تتعلق بما يتعرض له من معاملة قاسية بلغت حد منعه من مقابلة أهله ومحاميه طوال أربع سنوات، وأن هناك أشياء يود مناقشتها مع محاميه تمس حياته الشخصية.
لم يلتقي مرسي بعائلته أو محاميه منذ السابع من نوفمبر 2013 حين كانت آخر زيارة له في محبسه بسجن برج العرب بالإسكندرية، ومنذ هذا التاريخ وهو معزول تمامًا عن العالم وأخباره منقطعة عن أهله وفريق دفاعه، وغير مسموح لهم بلقائه أو التواصل معه.
لماذا الحديث الآن؟
“معرفتي بشخصية الرئيس مرسي تخولي القول إن الأمر خطير، وإنه حينما يتحدث عن معاناة شخصية فإن الأمر أكبر بكثير من ذلك..” بهذه الكلمات علق الدكتور محمد محسوب وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري السابق، عما كشفه مرسي داخل قاعة المحكمة في جلسة السبت الماضي.
المقربون من الرئيس المعزول أقروا بأن حديثه الأخير ما كان له أن يأتي إلا حين وصل الأمر معه إلى حد فاق قدرته على التحمل، فالرجل الذي رفض الدخول في أي أحاديث شخصية منذ اختفاءه حين يخرج عن صمته فلابد وأن الوضع خطير، منوهين أن مرسي وغيره من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يفضلون الحديث عن الأمور العامة بعيدًا عما يواجهونه من معاناة، وهذا معروف عنهم حتى في عهد مبارك، بالرغم مما كانوا يتعرضون له من انتهاكات داخل السجون.
صورة أخرى تعكس بعضًا من ملامح الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء والمعتقلون جسدها سقوط عصام سلطان، القيادي بحزب الوسط، مغشيًا عليه نتيجة إغماءة تعرض لها داخل قفص الاتهام، ما دفع الدكتور سليم العوا، رئيس هيئة الدفاع عنه إلى التنحي عن المرافعة والاكتفاء بتقديم مذكرة مكتوبة، معتبرًا أن ما حدث لسلطان دليلا على المعاملة القاسية داخل السجن.
د. محمد محسوب: معرفتي بشخصية الرئيس مرسي تخولي القول إن الأمر خطير، وإنه حينما يتحدث عن معاناة شخصية فإن الأمر أكبر بكثير من ذلك
ما الهدف؟
العديد من التخوفات تساور أنصار مرسي بشأن ما يتعرض له داخل محبسه، خاصة فيما يتعلق بحالته الصحية والتي كشفت بعض التسريبات أنها تسير من سيئ إلى أسوأ خاصة في ظل المعاملة السيئة التي يتعرض لها من قبل إدارة السجن وضباطه.
سيناريو قتل المعتقلين بمنع الدواء عنهم أكثر السيناريوهات التي تؤرق مضاجع أهل الرئيس المعزول والمقربين منه، إذ أن مرسي أحد الذين يتناولون الدواء بشكل مزمن، ومن خلال التجارب السابقة ربما يتعرض لما تعرض له آخرون داخل السجون من منع للدواء عنه وهنا قد تكون نفس النتيجة.
مؤسس ومنسق حملة “الشعب يدافع عن الرئيس”، أحمد عبدالجواد، حذر من خطورة ما يتعرض له مرسي، مطالبًا بضرورة توقيع الكشف الطبي عليه في أقرب وقت.
عبد الجواد عقب على تصريحات الرئيس المعزول بشأن سلامة حياته الشخصية بعد صمت دام منذ اختطافه 2013 بأن “هذا يمثل قلقا بالغا بشأن صحته”، ملفتًا أن ” صحة الرئيس بلغت من الخطورة ما لا يمكن السكوت عنه في ظل ظروف تعتيم شديدة وغياب كامل”.
منسق حملة “الشعب يدافع عن الرئيس” حذر من أن ” الرئيس مرسي يتعرض لعملية قتل بطيئة ممنهجة تهدف إلى القضاء عليه في صمت” محملا ” سلطة الانقلاب مسئولية حياته وصحته” ومنتقدًا القوى السياسية الدولية والمصرية ” لتخاذلهم عن الدفاع عن صحة رجل أسير لا يملك من أمره شيئا”.
العوا يتنحى عن المرافعة عقب سقوط عصام سلطان مغشيًا عليه داخل قاعة المحكمة
إدانات واسعة
أثارت تصريحات مرسي الأخيرة استياء وغضب العديد من السياسيين والحقوقيين ممن اعتبروها “وصمة عار” في جبين العالم وليس مصر فحسب، معتبرين أن ما يتعرض له لا علاقة له بالمحاكمة والعدالة، وأن الأمور تسير في إطار التصفية السياسية والانتقام من الخصوم بأبشع الطرق.
السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، اعتبر حرمان الرئيس من زيارة أهله ولقاءه بفريق دفاعه عملا مدانا أخلاقيا وقانونيا وسياسيا، ويتجاوز كل أشكال الخسة والحقارة، على حد وصفه.
الأشعل في تصريحات له وصف ما يحدث بأنه ” لا يتجاوز كونه انتقاما وتعسفا من سلطة تملك القوة الغاشمة، وتحاول النيل والانتقام من خصومها السياسيين، من دون أدني شرف في الخصومة”، معتبرا أن “ما يجري مع مرسي، وصمة عار في المرحلة شديدة السوء التي تمر بها مصر، خلال السنوات الأربعة الماضية”.
منسق حملة “الشعب يدافع عن الرئيس”: الرئيس مرسي يتعرض لعملية قتل بطيئة ممنهجة تهدف إلى القضاء عليه في صمت
من جانب آخر أدانت الجمعية العمومية للمجلس الثوري المصري والتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب (يتبعان جماعة الإخوان المسلمين)، في بيانين منفصلين ما يتعرض له مرسي من انتهاكات داخل محبسه، مؤكدين أنها جريمة في حق الشعب المصري بأكمله، واستهتار بإرادته، مجددين العهد على مواصلة السير على طريق الثورة، ومحملين النظام الحاكم مسئولية الحفاظ على حياته وسلامتها.
الناشطة منى سيف علقت أيضًا على ما يتعرض له مرسي قائلة: شيء مرعب أن مرسي يبقى من لحظة ما أتحبس ممنوع عنه زيارات أهله! شيء مرعب وحقير ومش المفروض نرضاه لأي حد”.
الحقيقة ان شئ مرعب ان مرسي يبقى من لحظة ما اتحبس ممنوع عنه زيارات اهله!
شئ مرعب وحقير ومش المفروض نرضاه لأي حد
— Mona Seif (@Monasosh) May 6, 2017
أما عادل محمد السامولي، رئيس المجلس السياسي للمعارضة المصرية، فأشار أن الأزمة أكبر من ذلك إذ أنه تتعلق بما يقرب من 100 ألف معتقل يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب في سجون النظام الحالي، وفي انتظار الموت البطئ بأي شكل من الأشكال.
بين مرسي ومبارك
الطريقة التي يتعامل بها مرسي داخل محبسه أثارت حفيظة بعض الحقوقيين ممن رأوا البون الشاسع بينها والطريقة التي كان يتعامل به الرئيس المخلوع حسني مبارك طيلة فترة محاكمته والتي امتدت قرابة الخمسة أعوام، وهو ما يشير – بحسب البعض – إلى وجود مخطط انتقامي ممنهج ضد شخص مرسي.
جمال عيد وصف المنظمات الحقوقية في مصر بسبب الصمت حيال ما يتعرض له مرسي بـ “المتواطئة التي تستخدمها السلطة فقط كديكور لتجميل صورته”
مبارك يلوح لأنصاره من داخل غرفته بمستشفى المعادي العسكري
الناشط الحقوقي جمال عيد، مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، غرًد قائلا: “قبع مبارك في شرم الشيخ بعد سقوطه و قبل محاكمته شهور، سُجن مبارك وزاره كثيرين وعومل بشكل جيد، حرمان محمد مرسي من نفس الحقوق وزيارة أسرته، عار”.
قبع مبارك في شرم الشيخ بعد سقوطه و قبل محاكمته شهور
سُجن مبارك وزاره كثيرين وعومل بشكل جيد
حرمان محمد مرسي من نفس الحقوق وزيارة اسرته، عار
— Gamal Eid (@gamaleid) May 6, 2017
عيد وصف صمت المنظمات الحقوقية في مصر حيال ما يتعرض له مرسي بـ “المتواطئة التي تستخدمها السلطة فقط كديكور لتجميل صورته”، مشددًا على ضرورة وقف الانتهاكات التي يتعرض لها جميع المعتقلين كونها وصمة عار في حق مصر.
جدير بالذكر أن مبارك لم يمكث داخل محبسه بسجن طره أكثر من أشهر قليلة، حيث انتقل بعدها مباشرة في ضوء تقرير أعدته اللجنة الطبية المشرفة على السجن إلى مركز الطب العالمي حيث التقى هناك عددًا من الرؤساء والزعماء منهم أمير الكويت وسلطان عمان وولي العهد السعودي السابق إضافة إلى حكام إمارة دبي.
وعقب خروجه من مركز الطب العالمي استقر به الحال في مستشفى المعادي العسكري حيث قضى هناك الفترة المتبقية له إلى أن خرج إلى منزله بمنطقة مصر الجديدة مارس الماضي عقب انتهاء التحقيقات في القضايا المتهم فيها منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير.
ومن ثم فإن خروج مرسي عن صمته بعد هذه الأشهر الطويلة من الحبس فيما يتعلق بالمساس بحياته الشخصية مؤشرًا يعكس حجم ما يعانيه داخل محبسه، وحرمانه من أدنى الحقوق التي كفلها الدستور لجميع السجناء والمعتقلين كلقاء محاميه وزيارة أهله وأقاربه، فضلا عن المعاناة التي يواجهها في تلقي الخدمات الطبية اللازمة، ويبقى رد فعل الطرف الأخر ممثلا في إدارة سجن برج العرب هو من يحدد مصير تلك الانتهاكات التي يتعرض لها أول رئيس مدني منتخب في مصر.