ترجمة حفصة جودة
ذهب الزوجان رانيا وخالد – اللذان في الستينيات من عمرهما ولديهما 6 أبناء – إلى الأردن للحصول على العلاج الكيميائي قبل عدة أشهر، بعد أن اكتشفا أنهما مصابان بالسرطان قبل عدة أعوام، وكان من المفترض أن يعودا إلى غزة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ومع ذلك، فالحرب الإسرائيلية على غزة التي قتلت على الأقل 9770 فلسطينيًا بينهم 3826 طفلًا، أجبرتهما على البقاء في الأردن بعيدًا عن أبنائهما المحاصرين في القطاع.
يقول خالد: “العامل النفسي مهم جدًا في علاج السرطان، لكن أبناءنا وعائلتنا في غزة، هذا الأمر يشكل عبئًا نفسيًا ثقيلًا علينا، خاصةً على رانيا التي انتشر السرطان في أنحاء جسدها”.
عندما يسمع الزوجان عن قصف على خان يونس جنوب القطاع حيث يعيش أبناؤهما، يهرعان للاتصال بهم، لكن مع انقطاع الإنترنت وضعف شبكة الاتصالات، يضطران للمحاولة عشرات المرات للوصول إلى أبنائهما، ما يزيد من قلقهما بشأن سلامتهم.
يقول خالد: “كان من المفترض أن نعود إلى بيتنا قريبًا، لكنني لا أعلم ماذا أفعل الآن، إذا استمرت الحرب سنضطر إلى انتظار فتح معبر رفح، لكن إذا استمر الوضع لفترة أطول، فلا أعلم حتى كيف سننفق على أنفسنا”.
يواجه رامي – 26 عامًا ومصاب بسرطان النخاع – نفس موقف خالد السيئ، فقد غادر غزة قبل عدة أشهر إلى الأردن للعلاج، لكن حياته تحولت إلى فوضى منذ اندلاع الحرب، يقول رامي إن الحرب ضاعفت معاناته، فقد غادر غزة من خلال معبر إيرز الإسرائيلي، لكنه مغلق الآن، ولا يعلم كيف سيعود إلى غزة.
تقول هالة: “اعتدت مع والدي وأشقائي أن ننام في غرفة واحدة في أثناء الحروب، فإذا تعرضنا للقصف نموت معًا”
يضيف رامي “أشعر بالأسف لأنني بعيد عن عائلتي في مثل هذا الموقف، لو لم أكن مصابًا بالسرطان لكنت معهم الآن”، يواجه رامي نفس مشكلة خالد أيضًا في الوصول إلى عائلته بسبب ضعف الاتصالات، هذا الأمر يمثل مصدر قلق مستمرًا بالنسبة له.
أحياء بلا روح
سافرت هالة شومان – طالبة الدكتوراه – إلى المملكة المتحدة قبل أسبوعين من الحرب لمواصلة دراستها الأكاديمية لمدة شهرين، كانت هالة تنوي العودة إلى عائلتها والعمل في القطاع، ورغم أنها تواصل تحقيق هدفها الأكاديمي، فإن الحرب أصابتها بالغم خاصة مع معاناة عائلتها.
تقول هالة إن عائلتها تركت منزلها في مدينة غزة وذهبت إلى رفح جنوب القطاع بعد قصف مبنى سكني قرب منزلهم ليلًا قبل أسبوعين، وقع هذا القصف دون أي تحذير من الجيش الإسرائيلي.
تضيف هالة “أقرأ الأخبار المروعة، ويستغرق الأمر ساعات حتى أتمكن من الوصول إليهم، لقد نجوا بمعجزة”، علمت هالة لاحقًا أن منزل عائلتها ومنازل أشقائها دُمرت كليًا أو جزئيًا.
تقول هالة: “اعتدت مع والدي وأشقائي أن ننام في غرفة واحدة في أثناء الحروب، فإذا تعرضنا للقصف نموت معًا، أتمنى لو أنني ما سافرت وبقيت مع عائلتي، إنني ما زلت حية لكن روحي ميتة”.
يتحدث الناس عن نزوح جماعي كبير مثل النكبة أو إبادة جماعية للفلسطينيين
تضيف شومان أنها قلقة من احتمالية استمرار إغلاق معبر رفح لفترة طويلة كما حدث سابقًا، لأن ذلك سيطيل فترة ابتعادها عن زوجها وعائلتها وعملها.
ندوب الحروب السابقة
خلّفت الحروب الإسرائيلية السابقة ندوبًا عميقةً لكثير من الفلسطينيين الذين غادروا القطاع، مثل أسيل ناصر – 24 عامًا – التي تدرس ماجستير تحليلات الأعمال في دبلن، فرغم أنها بأمان الآن، فإنها ما زالت تشعر بالخوف من الأصوات العالية مثل أصوات سيارات الإسعاف والطائرات والألعاب النارية.
تقول أسيل: “ما زلت أعاني من هواجس مرتبطة بالحرب، لم أبرأ بعد من الصدمة المرتبطة بالحروب السابقة”.
مثل كثير من الفلسطينيين، غادرت عائلتها شمال القطاع إلى جنوبه بعد التحذيرات الإسرائيلية، لكن جميع المناطق ليست آمنة، فحتى بعد أن غادروا شمال غزة، قصف الجيش الإسرائيلي عدة مناطق جنوب القطاع بشكل متكرر، بالإضافة إلى استهداف الطرق التي تربط الشمال بالجنوب.
ومنذ أن غادروا منازلهم، يواجه السكان صعوبة بالغة في الحصول على أساسيات الحياة مثل المياه والغاز والكهرباء والطعام.
تقول أسيل: “أشعر بالرعب الشديد عليهم، ومن شبح نكبة أخرى، لا أعلم كيف سأعود إلى غزة بعد عدة أشهر، فالناس يتحدثون عن نزوح جماعي كبير مثل النكبة أو إبادة جماعية للفلسطينيين”.
تضيف أسيل “حدثني والدي الأسبوع الماضي وأخبرني أنهم لا يجدون مياه صالحة للشرب، فانهرت في البكاء”، بسبب تلك الأخبار في غزة، تتابع أسيل مع طبيب نفسي لدعمها.
تقول أسيل: “دائمًا ما يفكر عقلي في أسوأ السيناريوهات وفي سلامة عائلتي، فقد قُصفت شقتان نملكهما في برج سكني بتل الهوى الأسبوع الماضي، لقد حولوا غزة إلى أنقاض، أتمنى لو كنت مع عائلتي الآن، كان الأمر ليصبح أكثر سهولة عليّ”.
المصدر: ميدل إيست آي