قبل سبعة أشهر من موعد إجراء الانتخابات البلدية، أعلن شفيق صرصار رئيس “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” (دستورية) في تونس، صحبة بعض أعضاء الهيئة، صباح اليوم استقالتهم من منصبهم بشكل مفاجئ، دون أو يوضّحوا الأسباب الرئيسية لذلك، إلا أن عديد المراقبين ربطوا هذه الاستقالة بضغوط سياسية مورست على الهيئة.
صرصار يستقيل
شفيق صرصار قال في مؤتمر صحافي “صونا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتزاما بالقسم الذي أديناه لما تولينا المسؤولية بأن نعمل على ضمان انتخابات حرة ونزيهة (…) واحترم الدستور والقانون (…) فقد قررنا نحن محمد شفيق صرصار رئيس الهيئة، والقاضي مراد المولي نائب الرئيس، والقاضية لمياء الزرقوني عضو مجلس الهيئة، الاستقالة من مهامنا“. وأضاف ” لقد اضطررنا الى هذا القرار الذي اؤكد بأنه قرار مسؤول، بعدما تأكدنا بأن الخلاف داخل المجلس (مجلس الهيئة) لم يعد مجرد خلاف في طرق العمل بل أصبح يمس القيم والمبادئ التي تتأسس عليها الديمقراطية“.
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة أقرها الدستور التونسي الجديد في المادة 126، للإشراف على الانتخابات
وتابع “منذ يوم 10 فبراير (شباط) 2017، وهو يوم تسلّم وتسليم بين الأعضاء المغادرين والأعضاء الجدد (في الهيئة)، تبيّن تعمق هذا الخلاف الحاد الذي سريعا ما أدى إلى توتر الاجواء والى مطالبة جزء من المجلس بإنهاء إلحاق (توظيف) عدد من كوادر الهيئة الذين عملوا بكل تفان وكفاءة سواء (في انتخابات) سنة 2011 أو سنة 2014“. والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة أقرها الدستور التونسي الجديد(الصادر في يناير2014) في المادة 126، للإشراف على الانتخابات ويتم انتخابها من البرلمان وتتكون من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.”
أسباب غير مكتملة
تصريح شفيق صرصار، أثناء الندوة الصحفية كان مقتضبا بعض الشيء إذ لم يكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعته للاستقالة التي جاءت بعد يوم من تأكيد أحد أعضاء الهيئة استعداد هيئة الانتخابات تنظيم استفتاء شعبي على مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي تتبناه رئاسة الجمهورية ويدعمه حزب نداء تونس وترفضه حركة النهضة وعديد الأحزاب الأخرى ومنظمات المجتمع المدني.
شفيق صرصار رئيس “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”
وكشفت تقارير اعلامية نية الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، الدعوة إلى اجراء استفتاء شعبي في خصوص مشروع قانون المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي، بعد غد الخميس في خطاب موجه إلى الشعب، بعد تأكده عدم قدرته على تمريره في البرلمان بعد اعلان حركة النهضة رفضه.
ويقرّ مشروع هذا القانون، العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد، والعفو عن الموظفين العموميين، وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية. وتستثنى الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، من الانتفاع بهذه الأحكام.
“نداء تونس” يسعى لضرب هيئة الانتخابات واستقلاليتها خوفا من الموعد الانتخابي القادم، كونه غير مستعد لخوضه
تصريح العضو نبيل بوفون في خصوص استعداد الهيئة لتنظيم استفتاء، مثّل القطرة التي أفاضت الكأس وأخرجت الخلافات داخل الهيئة التي عمل حزب نداء تونس على تدعيمها، إلى العلن، فـ “نداء تونس” يسعى لضرب هيئة الانتخابات واستقلاليتها خوفا من الموعد الانتخابي القادم، كونه غير مستعد لخوضه. وما السعي لإجراء استفتاء حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في هذا الوقت إلا سعيا لتشتيت مجهودات الهيئة التي تستعد للإشراف على تنظيم الانتخابات المحلية المقبلة.
خطر تأجيل الانتخابات
سبق أن أكّد شفيق صرصار في وقت سابق، وجود أطراف ليس في مصلحتها اجراء الانتخابات البلدية في موعدها وتخاف من القيام بها لأنها من الممكن أن تفرز نخبة سياسية جديدة، وسبقه تصريح أخر قال فيه صرصار إنّ، “”عدم تنظيم الانتخابات هذا العام يسيء لتونس لأنه بذلك تمر 4 سنوات على إصدار دستور الجمهورية الثانية دون تطبيق الباب السابع منه والمتعلق بالسلطة المحلية، مما يترجم عجزًا عن التقدم في مسار الانتقال الديموقراطي”.
يخشى التونسيون من مزيد تأجيل الانتخابات المحلية في بلادهم
وحدّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الـ 17 من ديسمبر موعدًا لإجراء الانتخابات البلدية بعد التشاور مع رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والهياكل القضائية المعنية بمراقبة الانتخابات. وسُيّر العمل البلدي في تونس عقب ثورة 2011 من قبل النيابات الخصوصية وهي مجالس بلدية مؤقتة غير منتخبة عينت بالتوافق الحزبي، إثر حل المجالس البلدية.
وتعدّ الانتخابات المحلية حسب متابعين للشأن التونسي، امتحان حقيقي ستخوضه الأحزاب نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية، يذكر أن الانتخابات المحلية كانت مقررة في 30 من أكتوبر 2016، ثم تم تأجيلها إلى 26 من مارس 2017، نظرًا لأن البرلمان لم يصادق على القانون الانتخابي إلا في الأول من فبراير الماضي، بسبب خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن القانون الانتخابي وبخصوص تصويت رجال الأمن والجيش في الانتخابات.
أزمات “نداء تونس” تعرقل المسار الانتخابي
رغم عدم كشفه عن حجم الضغط الذي مورس ضده وضد هيئة الانتخابات، يؤكّد عديد المراقبين، ممارسة حزب نداء تونس ضغطا كبيرا على صرصار والهيئة بهدف التأثير فيها وبثّ الخلافات داخلها لتعطيل المسار الانتخابي الذي يخشاه النداء. ومنذ تأسيسه يعيش حزب نداء تونس على وقع عديد الأزمات المتكررة التي وصلت حد انقسامه واستقالة العشرات من كتلته البرلمانية وتأسيس كتلة جديدة بالإضافة إلى استقالة امينه العام وتأسيسه حزب جديد يعارض حزبه الأم.
السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم
وفشل حزب نداء تونس في الحفاظ على وحدته وإدارة الحوار بين قياداته وعجز عن إيجاد حل توافقي يجمع بين كل الأطراف على مبدأ واحد، رغم المساع التي ظهرت على الساحة منذ بداية الانقسامات. ويخشى التونسيون أن يتواصل عرقلة حركة “نداء تونس”، للمسار الانتخابي في بلادهم، ما من شأنه أن يتسبّب في مزيد عرقلة نشاط البلديات وعملية التنمية في الجهات وتأخّر تحقيق مطلب من المطالب الشعبية الأقرب للمواطنين وهو الحكم المحلي.
تتالي الانقسامات التي كادت تعصف بنداء تونس
وينظم الباب السابع من الدستور التونسي كل ما يخص السلطة المحليّة، إذ ينص في فصله الـ 131 على أن “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون”، وتقدّر تكلفة الانتخابات البلدية بنحو 68 مليون دينار تونسي (قرابة 29.5 مليون دولار أمريكي)، وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.