كانتْ هادئة حتى أخذ المُحتل القُبلة الأولى من شفتيها فأنشبت أنيابها وقاومته بكل ما أوتيت من قوة ورباطة جأش، ومن بعدها لم يتركها على حالها مُنذ العشر سنوات الأخيرة، ظنَّ أنها كأسلافها ولم يتخيّل جبروتها فبدأ يتحرش بها بغاراته وقررّ تحطيم بُنيتها لشلّ مقاومتها، وتدمير الإنسان الغَزي بتحطيم آماله وأحلامه ظنًا منه الاستسلام.
كانت القُبلة بمثابة الحياة لغزة، وكارثة على مغتصبها، فغزَّة ورغم كلّ ما مرت به من دمار وسلب الروح الإنسانية من أزقتها، وقتل ابتسامة أطفالها لم تكن تبالي، فسطُع نجمها وضمَّدت جراحها وابتسمت للحياة من جديد، فكانت باءً ووباءً على “إسرائيل”.
رَسمت “إسرائيل” لغزَّة بعد خطف الجندي شاليط قُبورًا من جهنم، لتكسر شوكة كلّ من يقف في طريقها، فكان على غزَّة أن تنهض لتضع على حافَّة تلك القبور ورودًا
رَسمت “إسرائيل” لغزَّة بعد خطف الجندي شاليط قُبورًا من جهنم، لتكسر شوكة كلّ من يقف في طريقها، فكان على غزَّة أن تنهض لتضع على حافَّة تلك القبور ورودًا، فكانت عصيَّة الكسر ووهبها الله أرواحًا سبعًا تقاوم بها ذلك المحتل المتعجرف.
فوضعت “إسرائيل” خطة استراتيجية لتدمير من قبلتها – غزة – ظنًا منها بالعشق، وإفقادها أساس من أساسيات الحياة، والتي يصعب على البشر الاستغناء عنها في ظل التطور التكنولوجي والتي يعتبرها الجميع مقومات الحياة والركيزة الأولى في كل المجالات الحياتية والعملية والطبية والعلمية، فقصفت مولد الكهرباء، وحرصًا منها على تدميره بالكامل أعادت محاولة القصف ثانية، وكل ذلك حدث عام 2006 من شهر حزيران على إثر خطف الجندي جلعاد شاليط، والذي استخدمته المقاومة ليكون العصا السحرية بحرية أكثر من ألف أسير فلسطيني جلّهم من أصحاب المحكوميات العالية، فكانت هذه بادرة الأمل والروح الأولى التي استعادت على إثرها غزَّة كامل قوتها وعزَّتها أمام الشعوب.
في ظل هذا الحصار المقيت امتثلت غزة للموت الاقتصادي والتجاري وتزايدت نسب البطالة بشكل يفوق حد الإدراك ناهيك عن ذلك تم إغلاق نحو 95% من المصانع والورشات
أما عن الروح الثانية فكانت حينما أوجدت غزة من الأنفاق سبيلاً لكسر الحصار الخانق الذي فرضته “إسرائيل” عليها عام 2007 بإغلاق كل المعابر المؤدية إليها برًا وبحرًا، وسواء من الاتجاه المصري أو الإسرائيلي، ووصل بهم الأمر بمنع المواد التموينية والبناء وكل ما يمكّن للنفس البشرية إكمال حياتها كما أمثالها.
وفي ظل هذا الحصار المقيت امتثلت غزة للموت الاقتصادي والتجاري وتزايدت نسب البطالة بشكل يفوق حد الإدراك ناهيك عن ذلك تم إغلاق نحو 95% من المصانع والورشات، وظهور الكثير من الأسر الفقيرة والتي تعاني من انعدام أدني مقومات الحياة والمطَّلع على وضع غزَّة يدرك تمامًا بأن جلّ اهتمامها منصب على التجارة وعمليتي الاستيراد والتَّصدير واللتين أصبحتا مشلولتين بسبب الحصار الواقع عليها.
ويبدو أن غزة كتلك القطة التي صعدت ذلك الارتفاع الشاهق وتحدّت ذاتها بأنها ستنجو إن قفزت، ونجت بإيمانها ويقينها، لتخرج من رحم الحصار، حرَّة أبية، فلم يرق لإسرائيل ذلك، وكشفت عن أنيابها لتجعل غزَّة كتلة رماد بشنها عدة حروب متعاقبة، مارست خلالها أعتى وسائل القتل والتدمير، أرادت قتل الحجر والشجر وكل من ينطق بغزة ويتنفس من هوائها.
لأجل هذا كله كان على غزة أن ترتدي ثوبًا لائقًا بجمال صمودها فأخرجت من خاصرتها رجالاً أشداءً أزاحوا ستار الدمار والموت الذي اعتاد عليه الجمهور
استخدمت “إسرائيل” الفسفور بألوانه الأزرق والأبيض، وخسرت مبالغ طائلة لتضع غزة تحت خاصرتها ولكن المقاومة كانت لها بالمرصاد مما أنسى الشعب الغزي نصف آلامه وأوجاعه، وغرست في نفسه الأمل بعد الألم، لينهضوا مجددين العهد والوعد، وأنهم وأولادهم وممتلكاتهم فداء لغزة ومقاومتها، فكانت صور الحروب على غزة الآتية من أرضها المدمرة وروائح الموت المتكدسة في كل مكان، والدماء المنبعثة من الأزقة والأنين المدوي في المستشفيات ما هو إلا بوصلة متجددة، تشد أزر المقاومة وتدفعهم للعمل على الحفاظ على الثوابت وعدم التراجع بعد أن عملت “إسرائيل” خططتها لإسقاط المقاومة والنيل منها، فكان ذلك كله أرواحًا متجددة واثقة بنصر الله لتتشكل لغزة روحها الثالثة والرابعة والخامسة.
ولأجل هذا كله كان على غزة أن ترتدي ثوبًا لائقًا بجمال صمودها فأخرجت من خاصرتها رجالاً أشداءً أزاحوا ستار الدمار والموت الذي اعتاد عليه الجمهور ليُخرج غزَّة بحلَّة جديدة كما لم يرها العالم بعلم أبنائها وطموحاتهم وقدراتهم على صنع الحياة، بصورهم وجميل أفعالهم بابتكار كل ما هو جميل لتكون الروح السادسة كما لم تتخيلها أنت وهم ومن أراد لغزة الموت، مقسمين على أنفسهم أن تكون الروح السابعة روح التحرير وتنظيف الأرض الفلسطينية جمعاء.