يفاجئنا التقدم التكنولوجي كل يوم باكتشاف يصعب على عقولنا تصديقه، لكن بالرجوع إلى تفاصيله العلمية ورؤيتنا لتجسيده على أرض الواقع، نقف مبهورين أمام عقول تبدع وتكتشف كل ما هو جديد، فآخر اكتشاف توصل له العلماء تكنولوجيا جديدة تعرف ماذا يدور في دماغ الإنسان، لكن الأمر الخطير أن ينتهك ذلك “حريتك في التفكير”.. فكيف نحمي أفكارنا من السرقة؟
“لا يمكنك تقييد حرية عقلي”، قالها المسرحي جون ميلتون في 1634، وجسدت على أرض الواقع بعد 400 عام تقريباً، فأصبح بإمكان التقدم التكنولوجي اليوم عن طريق بعض التقنيات قراءة أفكارنا وهذا يعني أن خصوصية عقولنا في خطر وتحت التهديد.
أنشأ فيسبوك منشأة بحثية وأطلق عليها “المبنى 8” العام الماضي لإجراء أبحاث على المدى الطويل قد تقود إلى منتجات تقنية جديدة، وترأس الوحدة ريجينا دوجان التي قادت وحدة مشابهة بشركة “جوجل” ورأست وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة بوزارة الدفاع الأميركية
الأمر يبدو مستحيلاً شيئا ما، لكن الواقع يقول العكس، التواصل بمجرد التفكير هو أحدث إبداعات فيسبوك لمستخدميها، الذي أزاح الستار عن وحدة سرية تقودها رئيسة سابقة للذراع البحثية لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” وكشفت عن قيام الشركة بدراسة تقنيات جديدة قد تتيح للمستخدمين التواصل بمجرد التفكير.
وأنشأ فيسبوك منشأة بحثية وأطلق عليها “المبنى 8” العام الماضي لإجراء أبحاث على المدى الطويل قد تقود إلى منتجات تقنية جديدة، وترأس الوحدة ريجينا دوجان التي قادت وحدة مشابهة بشركة “جوجل” ورأست وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة بوزارة الدفاع الأميركية.
وقالت دوجان، أن الوحدة تحاول حالياً العمل على تحسين التكنولوجيا بما يتيح للمستخدمين كتابة الكلمات باستخدام العقل، وأضافت: “يبدو الأمر مستحيلاً لكنه أقرب مما قد تدرك”، وأشارت أن الناس يمكنهم بالفعل كتابة 8 كلمات في الدقيقة باستخدام زراعات بالدماغ، وهدف فيسبوك بالتعاون مع باحثين في عدة جامعات أميركية هو تسريع هذا النظام بما يتيح كتابة 100 كلمة في الدقيقة بمجرد التفكير.
حقوق إنسان جديدة
إلى ذلك، فقد ذكرت صحيفة independent أن اثنان من علماء أخلاق الطب الحيوي قاما بالمطالبة بكتابة قوانين حقوق إنسان جديدة لضمان أن الناس مصانون ضد هذه التهديدات ويكون من بينها “الحق في الحرية الإدراكية” و”الحق في الاتساق الذهني”.
وحذر عالما الأخلاق في ورقة بحثية بمجلة “حياة العلوم والمجتمع والسياسة”، من أن هذه التقنيات معقدة إلى درجة أنها قد تستخدم لقراءة عقول الناس أو التدخل فيها دون علمهم؛ وقد اقترح الباحثان قوانين جديدة لحقوق الإنسان منها: الحق في الحرية الإدراكية، والحق في الخصوصية العقلية، والحق في الاتساق الذهني والحق في الاستمرارية النفسية.
من جانبه، قال البروفيسور روبرتو أندورونو الأكاديمي بجامعة زيورخ للقانون وأحد مؤلفي الورقة البحثية، أن “تكنولوجيا تصوير الدماغ وصلت حداً من التطور حتى أن هناك نقاشاً حول مدى قانونيتها في المحاكم على سبيل المثال في تقييم مدى مسؤولية المجرم أو حتى خطر عودته للجريمة، وكل هذا قد يشكل خطراً على الحرية الشخصية التي نسعى لحمايتها عبر تطوير القوانين الأربعة الجديدة لحقوق الإنسان”.
الملكية الفكرية
وفي صدد الحديث عن هذا الموضوع الشيق لابد من معرفة حقوق “الملكية الفكرية” التي تكفل لأصحابها حق استغلال إبداعاتهم والتصرف فيها وتحميهم بقوة القانون من استخدامها من قِبل الآخرين دون رضا أصحابها وسابق إذن منهم.
وتنص “اتفاقية ستوكهولم” -التي أنشئت بموجبها “المنظمة العالمية للملكية الفكرية” عام 1967- على أن حقوق الملكية الفكرية تشمل الحقوق المتعلقة بالمصنفات الأدبية مثل الروايات، والدواوين الشعرية، والمسرحيات، والكتب، والمقالات.
والمصنفات الفنية كالأفلام السينمائية، واللوحات، والمنحوتات، والمعزوفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أم لم تقترن بها، و التسجيلات الصوتية، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، بالإضافة إلى الاختراعات، والرسوم والتصاميم الصناعية، وبرامج الحاسوب، وأيضا جميع الحقوق الأخرى الناتجة عن النشاط الفكري في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية.
وتعد حماية الملكية الفكرية حقا من الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ نصت المادة 27 من هذا الإعلان على الحق في الاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على تأليف أي مصنف علمي أو أدبي أو فني.
وفضلا عن كون هذه الحماية حقا إنسانيا كونيا، فإن لها أهمية وظيفية كبرى تنبع من حاجة البشرية الماسة إلى الإبداع والابتكار في مختلف مجالات الحياة، إذ عليهما يتوقف تقدمها العلمي والتقني والاقتصادي والثقافي، وبهما يستعين الإنسان على تحسين معاشه وزيادة رفاهيته.
كما أن استمرارية النمو الاقتصادي على المدى البعيد تبقى مرهونة بقدرة البلد على الابتكار، إذ بفضله تتمكن المقاولات من رفع إنتاجيتها وتخفيض تكاليفها وتعزيز قدرتها التنافسية، وتخرج صناعات وأنشطة إنتاجية جديدة إلى الوجود، مما يزيد الدخل القومي وفرص العمل.
لا سبيل إلى الإبداع والابتكار في أي مجتمع إذا كان أفراده يعلمون سلفا أن مآل إبداعاتهم الفكرية هو التعرض للانتهاك من قِبل الآخرين
إلا أنه لا سبيل إلى الإبداع والابتكار في أي مجتمع إذا كان أفراده يعلمون سلفا أن مآل إبداعاتهم الفكرية هو التعرض للانتهاك من قِبل الآخرين، في ظل غياب قانون يردعهم أو رقيب يثنيهم. وذلك لأن المجتمع حينئذ سيفقد الحوافز الاقتصادية التي تشجع على الإبداع، وتحث على استثمار الوقت والجهد والمال أملا في تحقيق مكاسب مادية.
أما إذا أقدم المشرع على توفير الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية وحصنها بذلك من الانتهاكات التي يمكن أن تستهدفها، فإن المكاسب الاقتصادية -التي يجنيها أصحاب الإبداعات من هذه الحقوق أو التي يأملون في تحصيلها- تكفي لتخلق لديهم الحافز القوي على الابتكار ومواصلة الإبداع.
كما توجد أشكال كثيرة من الانتهاكات التي قد تستهدف حقوق الملكية الفكرية، وتتنوع باختلاف الحقوق التي يُتعدى عليها.
فحقوق المؤلف المتعلقة بالمصنفات الأدبية والفنية مثلا يمكن أن تتعرض للانتهاك بالبيع أو التأجير أو النشر غير المرخص له بإذن خطي من طرف أصحاب الحق. أما الحقوق المرتبطة بالاختراعات والتصاميم الصناعية والعلامات التجارية، فتنتهك -على سبيل المثال- بالتقليد غير المشروع والقرصنة.
وتنطوي كل هذه الانتهاكات على أضرار اقتصادية خطيرة تلحق بذوي الحقوق من جهة، وبالدولة من جهة أخرى، وبالمجتمع والاقتصاد بشكل عام، ويقع الضرر المباشر على المبدعين جراء ضعف العائد المادي الذي تُكافأ به إبداعاتهم بسبب استغلالها دون دفع أي مقابل لهم.
حقوق إنسان جديدة فرضها التقدم التكنولوجي السريع وهي “الحق في الحرية الإدراكية” و “الحق في الاتساق الذهني” التي يطالب بها العلماء
كما أن المقاولات المبدعة تغدو غير قادرة على تحمل التبعات المالية لأنشطة البحث والتطوير التي تفضي إلى الابتكار، لكون العائد من هذا النوع من الاستثمارات لا يسمح بتغطية تكاليفه، بسبب المنافسة غير الشريفة التي يمارسها المقلدون.
ويضاف إلى هذة القائمة حقوق إنسان جديدة فرضها التقدم التكنولوجي السريع وهي “الحق في الحرية الإدراكية” و “الحق في الاتساق الذهني”التي يطالب بها العلماء، والأيام القادمة سوف تتضح فيها رؤية هذا الاكتشاف وكيفية معالجة آثاره السلبية على البشرية.