قرر البيت الأبيض المضي قدمًا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة بسوريا من خلال حليف الولايات المتحدة هناك، الميليشات الكردية،إذا لا تزال أمريكا تعتقد أن تلك الميليشيات هي القوة الوحيدة لاستعادة الرقة من تنظيم داعش، دون الالتفات لمخاوف حلفاء واشنطن وفي مقدمتهم تركيا التي ترفض التعاون مع قوات الحماية الكردية في سوريا وتعتبرهم امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الإرهاب لديها. وأعلن البيت الأبيض مصادقة ترامب على خطة لتزويد الميليشيات الكردية في سوريا بالأسلحة الأمريكية قبل أقل من أسبوع من زيارة أردوغان إلى واشنطن وخلال تواجد وفد دبلوماسي وعسكري تركي في واشنطن.
إصرار أمريكي على دعم الأكراد بسوريا
يُجري وفد من المسؤولين الأتراك زيارة إلى واشنطن لترتيب جدول أعمال اجتماع ترامب وأردوغان في 15 مايو/أيار الجاري أي بعد 5 أيام من الآن، يضم الوفد رئيس هيئة الأركان المسلحة التركية الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات التركية، هكان فيدان إضافة إلى مسؤولين آخرين. عقدوا محادثات مهمة في البيت الأبيض مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال ماكماستر كما أتيحت فرصة للوفد التركي لإجراء محادثات قصيرة مع الرئيس ترامب، بحسب مصادر أمريكية. وفي هذه الأثناء جاء القرار الأمريكي إعطاء الإذن لوزارة الدفاع الأمريكية تسليح الأكراد في سوريا.
مراقبون توقفوا عند هذه النقطة وأشاروا أن لها دلالة مهمة وهي أن واشنطن مصرة على دعم الأكراد في سوريا حتى مع ضيافة الأتراك لديها، وأشار البعض انه استفزاز للأتراك فكان يمكن أن يتم إعلان ذلك بعد مغادرة الوفد التركي.
سيلقي القرار الأمريكي بتبعات ثقيلة على العلاقات التركية الأمريكية ويؤثر على مصالح واشنطن في المنطقة،
ولتهدئة الغضب التركي وردة فعلهم قال وزير الدفاع الأمريكي أن الولايات المتحدة عازمة على العمل مع تركيا جنبًا إلى جنب لاستعادة الرقة وأضاف “نحن ذاهبون لإيجاد حل وسنفعل ذلك فالحرب أحيانًا لا تعطيك كل الخيارات الجيدة.. وهذه طبيعة الحرب”. كما ذكر المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، مراعاة واشنطن للمخاوف الأمنية للشريك التركي، وقال “نريد أن نؤكد للشعب والحكومة التركية” وأن “الولايات المتحدة ملتزمة بحماية ومنع إضافة مخاطر أمنية جديدة على حليف لنا في الناتو”. وأضاف سبايسر أن “الأسلحة الأمريكية ستصل أيضًا إلى فصائل عربية في قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المسلحون الأكراد عمودها الفقري”.
لا يستبعد أن يثير هذا القرار غضب الأتراك على الرغم من التطمينات الأمريكية لها، ويرى محللون أنه سيلقي بتبعات ثقيلة على العلاقات التركية الأمريكية ويؤثر على مصالح واشنطن في المنطقة، وتملك تركيا العديد من أوراق الضغط على أمريكا من شأنها عرقلة هكذا قرار أو على الأقل مصالح أمريكا في المنطقة، وأبسطها حظر الطائرات الأمريكية من الاستفادة من قاعدة إنجرليك التركية.
أسلحة تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا
من جهته لم يُصدر وزير الدفاع التركي أي تصريحات بعد قرار البيت الأبيض، ومن المتوقع انتظار نتائج زيارة أردوغان إلى أمريكا التي ستضع النقاط على الحروف في علاقة أنقرة بواشنطن في هذا الجانب، وفي حال موافقة أنقرة على مضض، فلابد أن يكون هذا بمقابل ثمين وضمانات أمريكية كبيرة، وبمشاركة تركيا ولو جزئية. ويرى أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي أن هذا القرار صعب للغاية وسيؤدي إلى تعقيد المشاكل مع الجانب التركي في نهاية المطاف أكثر من إيجاد حلول لها، وقلل آخرين من إمكانية أن يفضي دعم أكراد سوريا إلى حل طويل الأمد في سوريا.
وفي أول تصريح تركي ردًا على القرار الأمريكي للأكراد، قال نور الدين جانيكلي نائب رئيس الوزراء التركي، إن بلاده تأمل أن تنهي الولايات المتحدة سياستها لدعم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، مضيفاً أن أنقرة لا يمكن أن تقبل بالدعم الأميركي لهذا الفصيل. وقال جانيكلي في مقابلة مع قناة “خبر” التليفزيونية التركية “لا يمكننا قبول وجود منظمات إرهابية بإمكانها تهديد مستقبل الدولة التركية… نأمل أن تتوقف الإدارة الأميركية عن هذا الخطأ وتعود عنه. مثل هذه السياسة لن تكون مفيدة. لا يمكن أن نكون في السلة نفسها مع المنظمات الإرهابية”.
وللتخفيف من وقع الصدمة، ظل كبار المسئولين الامريكيين على اتصال مستمر مع نظرائهم الاتراك للتأكد من أن القوات الكردية لن يكون لها أى دور فى استقرار أو حكم الرقة بعد العملية. وقال المسؤولون إن القوة التى تقود المعركة إلى المدينة ستضم المقاتلين العرب أيضًا.
أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي أن هذا القرار صعب للغاية وسيؤدي إلى تعقيد المشاكل مع الجانب التركي في نهاية المطاف أكثر من إيجاد حلول لها
على الأقل يمكن الحكم على محاولات أنقرة للضغط على واشنطن لتبني خطة بديلة تعتمد على القوات التركية التي دخلت سوريا وقوة عربية من الجيش السوري الحر بأنها باءت بالفشل، وحسبما جاء في مجلة “راند” الأمريكية فقد “درس المسؤولون الأمريكيون ما قدمته تركيا ووجدوا أنها لا تضيف الكثير عسكريًا” وتقول المجلة إن المسؤولين الأمريكيين في أثناء إدارة أوباما لم تعجبهم المقترحات التركية.
وبقي محاولة أخيرة في زيارة الرئيس التركي إلى واشنطن التي يرى مراقبون أنها لن تغير الواقع بقدر ما ستحدد ماهيته من حيث نوعية الأسلحة التي سيتم تزويد الأكراد بها، ومشاركة تركيا في المعركة، وضمانات بعدم تهجير العرب من المنطقة التي سيتم تحريرها من داعش أو إيقاف دعم الأكراد بعد هذه المعركة.
وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا
وبالرغم من الوعود الأمريكية لتهدئة مخاوف تركيا، فإنه من غير المحتمل أنها ستأتي أكلها، إذ تتهم تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، باستغلال مكاسبها في ساحة المعركة للمطالبة بالأراضي التي يسيطر عليها العرب والتركمان السوريون تقليديًا، بينما تقول وزارة الدفاع الأمريكية أنه “يجب إعادة الرقة والأراضي المُحررة كافة إلى حكم السكان المحلييين من العرب السوريين. ولا نتصور وجودًا طويل الأمد لوحدات حماية الشعب الكردية”.
أما أردوغان فيقول أن هدف الأكراد هو إقامة الكانتون الكردي الذى يمكن أن ينضم إلى الإنفصاليين من حزب العمال الكردستانى فى تركيا. وبناء على قرار البيت الأبيض ستقدم الولايات المتحدة الدعم الجوي والمدفعي للمقاتلين الأكراد والعرب، حسبما أشار البنتاغون فإن الخطة الأمريكية تقتضي تزويد الأكراد بالأسلحة الخفيفية والمتوسطة والذخائر ويتم دراسة نوعية الأسلحة الثقيلة التي سيتم تسليمها. وتتضمّن الأسلحة رشاشات ثقيلة، وقذائف هاون، وأسلحة مضادة للدبابات، وعربات مُدرعة، ومعدات هندسية، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
تتهم تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، باستغلال مكاسبها في ساحة المعركة للمطالبة بالأراضي التي يسيطر عليها العرب والتركمان السوريون تقليديًا
يُذكر أن ترامب ورث الخطة عن سلفه أوباما الذي توصل لنتيجة، وهي أن قوات حماية الشعب هي القوة الوحيدة على الأرض التي تستطيع السيطرة على مدينة الرقة من دون الحاجة لإرسال قوات عسكرية أمريكية كبيرة. وكان قرار التسليح متوقع صدوره منذ فترة، ولكن تم تأخيره لبعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16 نيسان/أبريل الماضي في تركيا التي تم تمريرها بفارق بسيط.
رأي القوات الكردية بالقرار الأمريكي
إلى ذلك اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن أن القرار الأمريكي بتسليح المقاتلين الأكراد سيؤدي إلى تسريع عجلة القضاء على داعش في سوريا، وكان قادة الميليشيات ذكروا قبل أيام أنهم سيطلبون من واشنطن مساعدتهم على ربط المناطق في شمال شرق سوريا والتي يطلق عليها “روج آفا” والوصول إلى البحر المتوسط من خلال ممر وذلك كجائزة لهم على المساعدة في إخراج تنظيم داعش من الرقة.
مدرعات أمريكية في سوريا لمساندة وحدات حماية الشعب الكردية
ونقل عن هداية يوسف، المسؤولة عن مشروع الفدرالية في المنطقة التي أعلن فيها الأكراد الحكم الذاتي “الديمقراطية الفدرالية في شمال سوريا” والتي توسعت لتضم مناطق عربية أبعد من المناطق الكردية قولها “الوصول إلى البحر المتوسط هو مشروعنا لشمال سوريا ومن حقنا القانوني الوصول إليه”. يُذكر أن البحر المتوسط يبعد عن الأراضي التي يقطن فيها الأكراد 100 كيلومتر ويحتاج الوصول إليه لإذن من قوات النظام السوري الذي يسيطر على المدن والسواحل على البحر.
اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن أن القرار الأمريكي بتسليح المقاتلين الأكراد سيؤدي إلى تسريع عجلة القضاء على داعش في سوريا
يثير هذا الكلام حنق الأتراك الرافضين أساسًا دعم واشنطن لتلك الميليشيات في سوريا، حيث قررت تركيا الدخول إلى سوريا لمنع تمدد الأكراد إلى مناطق غرب الفرات وأغارت الأسبوع الماضي على مناطق كردية في سوريا أدت لمقتل 20 مقاتلا، إلا أن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كيرتس سكباروتي قال لنظيره التركي الجنرال خلوصي أكار محتجًا أن الغارات خطيرة لأن الجانب التركي لم يبلغ الأمريكيين بالضربة إلا قبل ساعة، وعلق المتحدث باسم البنتاغون أن الغارات التركية “لا مسؤولة وغير مقبولة”.
مما لا شك فيه أن القرار سيكون له تبعات على العلاقات الأمريكية التركية، وأن أمريكا تخلت عن تركيا في الشمال السوري وتركتها وحيدة ووضعتها في موقف صعب، وقد تحمل زيارة أردوغان مساومات في قضايا أخرى ربما تتعلق بتسليم فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/تموز 2016.