ما تلبث أن تهدأ التصريحات المتبادلة بين النظام السوري والأردن حتى تشتعل مرة أخرى، حيث هددت الأردن وعلى لسان الناطق باسمها ووزير إعلامها محمد المومني بالتدخل عسكريًا في الداخل السوري إذا ما اضطر الأردن لذلك، من أجل حماية حدوده وكيانه.
هذا التصريح الأقوى من نوعه من الجانب الأردني قابله تصريح من وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري، والذي قال في مؤتمر صحفي يوم أمس الاثنين إنه “سيتم التعامل مع القوات الأردنية على أنها معادية في حال تخطيها الحدود دون تنسيق مع النظام”.
وقال المعلم في تصريحاته يوم أمس إن “دفاع الأردنيين عن حدودهم في العمق السوري أمر بعيد عن الواقع، وإذا فعلوا فسيجدون الجواب المناسب”، مضيفاً: “إذا جرى خرق من قبل أي مجموعة فسيكون الرد حازما”، على حد تعبيره.
المومني: ستتخذ كافة الإجراءات الدبلوماسية وغيرها على صعيد الدفاع في العمق السوري
إلى ذلك، فقد كان المومني قد قال في مقابلة مع التلفزيون الأردني أول أمس إن بلاده ستتخذ كافة الإجراءات الدبلوماسية وغيرها على صعيد الدفاع في العمق السوري من أجل حماية حدودها، بحسب تعبيره.
مؤكدًا في الوقت نفسه أن ما يعني بلاده هو “وقف التصعيد ووقف إطلاق النار في كافة أرجاء سوريا وبالتحديد في المناطق القريبة من الحدود الأردنية، وكذلك أن تستعيد الدولة السورية قدرتها على ضبط حدودها”.
هذه التصريحات المضادة من الجانبين، تأتي عشية انطلاق ما يعرف بتدريبات “الأسد المتأهب 2017” التي أعلن الأردن عنها أمس، وذلك بمشاركة الولايات المتحدة وعشرين دولة أخرى، منها معظم دول الخليج العربي ومصر والعراق ولبنان، وهي تهدف إلى تبادل الخبرات العسكرية على مكافحة الإرهاب وعمليات أمن الحدود والإخلاء.
عمليات الأسد المتأهب
و”الأسد المتأهب” هي مناورات عسكرية سنوية مشتركة تجري في الأردن بمشاركة 23 دولة، وتعد الأضخم من حيث المشاركة النوعية للقوات المسلحة العربية والعالمية، حيث انطلقت للمرة الأولى عام 2011، ويتم تنفيذها في المناطق الجنوبية والشمالية الصحراوية الأردنية.
وتشمل هذه المناورات تدريبات برية وجوية وبحرية، وكيفية التعامل مع هجمات كيميائية، وكيفية التدخل لتأمين مواقع أسلحة كيميائية، ووفق وكالة الأنباء الرسمية الأردنية (بترا) فإن “الأسد المتأهب” هي المناورات الأكبر حجمًا في تاريخ الجيش الأردني.
الأسد يخشى “الأسد المتأهب”
في هذه الأثناء، شنت قوات النظام السوري غارات على مواقع فصيل أسود الشرقية التابع للمعارضة بالقرب من الحدود مع الأردن بشكل كبير ومكثف، حيث اعتبر كثير من المحللين أن هذه رسالة من النظام السوري تحمل في طياتها تهديدًا مبطنًا وأن النظام السوري والميليشيات التابعة له تستطيع الرد على أي عملية عسكرية أردنية داخل أراضيها.
هناك مخاوف كبيرة لدى النظام السوري وحلفائه، من المناورات العسكرية التي تستضيفها المملكة، رغم تأكيد الأردن سنوياً أنه لا علاقة للمناورات “بما يجري في سوريا”
وفي سياق متصل، فقد هدّد حزب الله اللبناني الأردن، والجيوش المشاركة في مناورات “الأسد المتأهب” المقامة حالياً في المملكة. وقال الحزب في بيان نشره على موقعه الالكتروني إن “سوريا شعباً ودولة وكل من يحالفها، لا يقبلون بأي احتلال مهما كان نوعه أو عنوانه، وليعلم الأمريكان وحلفاؤهم، أنهم سيدفعون الثمن غالياً، وسيكونون أهدافاً جراء استباحتهم الأرض السورية”، على حد وصف البيان.
ويشير محللون إلى مخاوف كبيرة لدى النظام السوري وحلفائه، من المناورات العسكرية التي تستضيفها المملكة، رغم تأكيد الأردن سنوياً أنه لا علاقة للمناورات “بما يجري في سوريا”.
وكان الملك عبد الله الثاني، نفى في وقت سابق، أي دور لجيش بلاده داخل سوريا، مشدداً على استمرار المملكة في الاستراتيجية الدفاعية “في العمق” السوري، مؤكداً أنه لن يسمح لتطورات جنوب سوريا بالتأثير على المملكة.
صورة نشرتها وكالة “سبوتنك” للحشودات العسكرية على الحدود الأردنية السورية
لكن قناة الميادين اللبنانية والمقربة من النظام السوري، كشفت قبل يومين عن رصد تحركات عسكرية ضخمة تشير إلى اقتراب ساعة الصفر على الحدود السورية مع الأردن. حيث تحدثت هذه المعلومات عن تجمّع حشود عسكرية أميركية وبريطانية وأردنية على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا من تل شهاب إلى معبر نصيب وإلى منطقة الرمثا وانتهاء في خربة عواد بتواجد كتائب دبابات بريطانية ثقيلة من نوع “تشالنجر” مع 2300 مسلح وعدد من الطائرات المروحية من طرازي “كوبرا” و”بلاك هوك”، وأن قرابة 4000 مسلح ممن دربوا في الأردن موجودون في منطقة التنف داخل الحدود السورية.
وذكرت المعلومات أنه تم تأمين قواعد نارية أردنية للقوات المنوي إدخالها إلى البادية الأردنية عبر حشد كتائب مدفعية ثقيلة وراجمات صواريخ أميركية طراز “هيرماس” وسيجري تأمين الغطاء الجوي والإنزال من قبل مجموعة جوية أميركية بقاعدة الأزرق.
“سبوتنيك” عن النظام السوري: المناورة التي تجري حالياً عند الحدود الأردنية السورية مشبوهة، يراد منها التغطية على مشروع لاجتياح واحتلال أراض سورية
إلى ذلك، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية تصريحات عن النظام السوري أكد فيها بأن “النظام السوري وجميع حلفائه يتابعون عن كثب ما تسعى إليه أمريكا من تواجدها عند الحدود الأردنية السورية، وتراقب تحركاتها في تلك المنطقة، حيث تم رصد تحركات لقوات أمريكية وبريطانية وأردنية باتجاه الأراضي السورية”.
وأضافت الوكالة عن مصادر في النظام السوري قولها بأن “المناورة التي تجري حالياً عند الحدود الأردنية السورية مشبوهة، يراد منها التغطية على مشروع لاجتياح واحتلال أراض سورية، تحت عناوين محاربة “داعش”، التي ليس لها أي تواجد فعلي عند تلك الحدود”.
وتابع هذه المصادر بأن “هذه المناورة غطاء لتجميع قوات متنوعة من أمريكيين وغربيين وعرب، في معسكر الزرقا، حيث يبلغ عدد المسلحين هناك أكثر من ٤٥٠٠ مسلح، تم تدريبهم منذ فترة وإعدادهم لتلك العملية، بالإضافة للقوات الأجنبية، لتحقيق مشروع الحزام الأمني كالأحزمة الأمنية حول سوريا والتي لا تعد كذلك، كونها مشاريع احتلال”.
هل اقتربت ساعة المواجهة؟
إلى ذلك، يتفق كثير من المحللين الأردنيين سياسيين وعسكريين على أنه إذا كانت هناك خطط التحالف للقيام بعمليات قتال برية ضد “داعش” على الأراضي السورية، فإن الأردن لن يستطيع التخلف عن المشاركة فيها انسجاما مع التحالف الدولي وقراراته.
ويعتقد مراقبون أردنيون أن مشاركة الأردن لن تتم بقوات برية ثقيلة، لحساسية الموقف الداخلي شعبيا وأمنيا، وأنه ربما سيقصر مشاركته على حماية حدوده، ومنع اختراقها من قبل أية قوة عسكرية أو عمليات تسلل.
لكن في الوقت نفسه لا يستبعد أن يساهم الأردن بعمليات جوية، وبعمليات خاصة محدودة الأهداف، وتقديم القواعد الجوية البرية، والإسناد اللوجستي للقوات المهاجمة.
يرى محللون أردنيون بأنه إذا وقعت العملية العسكرية الأردنية فربما ستكون محدودة وقصيرة، حيث أن الأمر بعد مؤتمر “أستانا 4” بات مختلفًا عمّا قبلها، إذ لن يكون مطلوباً إرسال قوات كبيرة لآجال طويلة الأمد في جنوب سوريا
وتعتقد بعض أطياف المعارضة في الأردن بأن إشراك القوات البرية الأردنية بعمليات عسكرية برية داخل العمق السوري -إذا حصل- سيكون قراراً غير حكيم، لأنه سيغرق الأردن في المستنقع السوري، ويتطلب استمرارية الدعم لمواصلة العمليات العسكرية، وهو أمر خارج قدرة البلاد وقواتها المسلحة، وسيتسبب في إضعافها والحد من قدراتها القتالية، فضلا عن رد الفعل الشعبي حيال وقوع الضحايا المحتمل.
ختامًا، يرى محللون أردنيون بأنه إذا وقعت العملية العسكرية الأردنية فربما ستكون محدودة وقصيرة، حيث أن الأمر بعد مؤتمر “أستانا 4” بات مختلفًا عمّا قبلها، إذ لن يكون مطلوباً إرسال قوات كبيرة لآجال طويلة الأمد في جنوب سوريا، وليست وظيفة هذه القوات الاصطدام بالجيش السوي وحلفائه ولا بفصائل مسلحة جنوبية. فالصورة هنا تختلف الآن من حيث طبيعة المهمة وتفويضها وآجالها وسياقاتها.