لا تزال فنزويلا منذ شهر تقريبًا تشهد مظاهرات يومية واشتباكات وإغلاقًا للطرق من قبل المعارضة زادت وتيرتها احتجاجًا على اقتراح الرئيس نيكولاس مادورو صياغة دستور جديد في البلاد، والمطالبة بانتخابات عامة مبكرة، وسط إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات أدت إلى سقوط قتلى ومع عدم تغطية للمظاهرات من قبل الإعلام المؤيد للتيار اليساري في فنزويلا وفي البلاد المؤيدة للتيار اليساري.
شهر على تظاهرات كراكاس
أدت المظاهرات الرافضة لصوغ دستور جديد في البلاد إلى مقتل نحو 28 شخص في أنحاء متفرقة من البلاد، وسط إصرار المعارضة على البقاء في الشوارع ومواصلة التظاهرات. وجددت المعارضة احتجاجها على التظاهر بعد إعلان مادورو في يوم الإثنين الماضي الذي صادف “عيد العمال” عن نيته تأسيس جمعية شعبية جديدة تملك صلاحيات إعادة صياغة الدستور ليحل محل الدستور الموضوع منذ العام 1999 وهو مجلس يمثل أعضاؤه مختلف قطاعات المجتمع ولا ينتمون إلى أحزاب سياسية وسيتم، وفق قوله، انتخاب قسم من الأعضاء الـ500 للمجلس، من قبل مختلف قطاعات المجتمع، منهم على سبيل المثال المتقاعدون والأقليات وسيكون للمعوقين فيه ممثلوهم.
ترى المعارضة في هذا الإعلان أنه أمر مستفز من جانب التيار الاشتراكي في البلاد الذي ترأسه الرئيس الراحل هوغو تشافيز، وخلفه من بعده مادورو، علمًا أن مادورو لم يوجه دعوة لإجراء انتخابات، كان من المقرر إجراؤها العام الماضي، في وقت من المقرر فيه أيضًا إجراء انتخابات رئاسية العام المقبل، لذا يرى معارضون أن مادورو يعتزم تعيين مؤيدين له في الجمعية الجديدة، لتفادي خوض انتخابات سيخسرها على الأرجح، وسط حالة ركود اقتصادية، معتبرة أنها استمرار “للانقلاب” الذي يقوم به الرئيس ضد البرلمان الذي تسيطر المعارضة عليه، منذ الانتخابات التشريعية في ديسمبر/ كانون الأول 2015.
أدت المظاهرات الرافضة لصوغ دستور جديد في البلاد إلى مقتل نحو 28 شخص في أنحاء متفرقة من البلاد
وقال أحد أبرز قادة المعارضة والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، إنريكي كابريليس، على “تويتر” إن “مادورو يعزز الانقلاب، ويُعمق الأزمة الخطيرة”، واعتبر أن السلطة تسعى إلى “قتل الدستور” من خلال هذه المبادرة التي تُشكل “تزويرًا”، داعيًا مناصري المعارضة إلى “عدم إطاعة هذا الجنون”.
إلى ذلك لقي اقتراح مادورو انتقادات دولية وفي مقدمتها واشنطن التي عبرت عن قلقها حيال الديمقراطية في فزويلا، وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية مايكل فيتزباتريك، عن إعلان مادورو، “إنّنا نعتبره خطوة إلى الوراء”، مضيفًا أن الإعلان “بحسب المؤشرات الأولية لا يُشكل جهدًا حقيقيًا نحو المصالحة الوطنية التي تحتاجها فنزويلا الآن”.
وذكر الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية لويس ألماغرو، أن اقتراح مادورو صياغة دستور جديد “خاطئ” و”غير دستوري” وعملية “تزوير”، فيما ذكر وزير خارجية البرازيل ألويسيو نونيز، أن اقتراح مادورو “انقلاب”، قائلاً في رسالة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، إن “الأمر يتعلق بخرق جديد للنظام الديمقراطي بما يتعارض مع دستور البلاد”.
في المقابل يرى مادورو الذي فاز بانتخابات الرئاسة في العام 2013 بفارق طفيف على خصمه إن “خصومه يسعون إلى انقلاب عنيف بالاتفاق مع الولايات المتحدة وبتشجيع من وسائل الإعلام العالمية”.
اشتراكية فنزويلا على وشك السقوط
الجدير بالملاحظة أن الإعلام اليساري الفنزويلي والعالمي لا يغطي التظاهرات اليومية الحاصلة في فنزويلا منذ شهر تقريبًا، وهو ما يؤكد على تجاهل حقيقي لما يحصل هناك وعلى الخوف من سقوط إحدى أكبر قلاع اليسار في العالم.
تعيش فنزويلا حالة اقتصادية متردية منذ استلام مادورو للسلطة، حيث تدفع فنزويلا ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية، وبحسب التقارير الاقتصادية في العام 2016، فإن السياسة الاشتراكية شارفت على نهايتها وأن فنزويلا ستكون خلال عامين من 2016 بحكم المفلسة. حيث استهتر مادورو بمؤشرات الاقتصاد المتدنية ولم يلق بالاً خلال فترة حكمه لتحرير الاقتصاد من القيود الصارمة التي تقيده ومن المرض الخطير الذي تعيشه الميزانية؛ إذ تعتمد على إيرادات النفط بمعدل 98% وازدياد الوضع سوءًا بعد انهيار أسعار النفط في منتصف 2014 إلى مستويات 30 دولارًا للبرميل.
تعد مستويات التضخم في فنزويلا الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500%
تأثر الاقتصاد الفنزويلي على وقع هبوط سعر النفط كثيرًا، وباتت البلاد تعيش أزمة اقتصادية حقيقية أدت لتفشي الجوع والفقر والمرض والفساد والجريمة والحكومة تعيش حالة من الإفلاس منذ أكثر من عام وتعجز عن توفير متطلبات الحياة الضرورية؛ ما أدى لفرض حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد منذ بداية العام الماضي 2016 وأصدر أوامره للسلطات بوضع يدها على المصانع التي توقفت عن الإنتاج وسجن ملاكها، وقال”سنتخذ كل الخطوات كي يستعيد الاقتصاد عافيته بعد أن أصابه البرجوازيون بالشلل.”
وتعد مستويات التضخم في فنزويلا الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500% في العام الجاري حسب بلومبيرغ.
كما أن دخل الفرد انخفض إلى أكثر من 300% بين عام 2013 وعام 2015 خلال فترة حكم مادورو، أي أنه انخفض من حوالى 12 ألف دولار في السنة إلى أكثر قليلاً من 4 آلاف دولار بحساب القيمة الشرائية، ويلقي المصرف المركزي الفنزويلي باللوم على تجار العملة في السوق السوداء، حيث يقول في تقريره الأخير إن 60% من الزيادة في التضخم تعود إلى تجار العملة، الذين يضاربون على العملة الفنزويلية مقابل الدولار.
وهبطت قيمة البوليفار في السوق السوداء إلى مستويات منخفضة جدًا وبحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية 2016 أشارت في تقرير سابق أن البوليفار هبط بمقدار 97% منذ استلام مادورو رئاسة البلاد، حيث يتوفر في الأسواق الفنزويلية سعر الحكومة الرسمي وسعر السوق السوداء ويتضاعف سعر صرف الدولار في السوق السوداء بمعدل 150مرة عن أسعار الصرف الأخرى الموجودة في السوق.
دخل الفرد انخفض إلى أكثر من 300% بين عام 2013 وعام 2015 خلال فترة حكم مادورو
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن معدل الانكماش الأعلى في العالم يعود لفنزويلا، إذ بلغ حوالي 10% في العام 2015 بينما بلغ أعلى معدل نمو في العالم لإثيوبيا إذ بلغ 8.7%. وبحسب تقرير صادر عن مصرف باركليز البريطاني في يناير/ كانون الثاني 2016، فإن فنزويلا تخطت مرحلة الإنقاذ وأن الإفلاس بات أمرًا حتميًا، وأن البلاد لن تتمكن من خدمة ديونها.
كما أن شركة النفط الوطنية الفنزويلية ذراع الحكومة لإنتاج وتكرير النفط في البلاد تدين بديون ضخمة تصل قيمتها إلى 46 مليار دولار فضلًا عن ديون تجارية تصل إلى 35 مليار دولار، وهذا يصعب من مهمة الحكومة لإنقاذ الشركة وخدمة ديونها في أوقاتها المستحقة في ظل ما تعانيه من شح في إيرادات النفط المورد الأساسي للحكومة. وحسب الحكومة فإن خزانات المياه البالغ عددها 18 في البلاد تعاني من الجفاف بسبب الظواهر المناخية الحادة التي تعرضت لها البلاد في الفترة الأخيرة، بالتالي فإن توفير المتطلبات الأسياسية للشعب بالنسبة للحكومة ستكون عسيرة.
سوء الأحوال الاقتصادية جنبًا إلى جنب مع تصرفات مادورو الأخيرة الذي ينوي الانقلاب على الشرعية في البلاد قد يؤدي في حال استمرار المظاهرات وصمود المعارضة في الشوارع إلى سقوط أحد أكبر قلاع الاشتراكية والتيار اليساري في البلاد، والذي يرفض الإعلام الموالي له نقل تلك الأحداث حتى الآن.