دوشانبي – تعتبر طاجكستان من أفقر الجمهوريات السوفياتية السابقة، وإثر انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1992، اندلعت في البلاد حرب أهلية استمرت حتى عام 1997، مما تسبب في وقوع أزمة اقتصادية حادة، فاضطر الرجال إلى الهجرة لروسيا من أجل البحث عن العمل، في حين شمرت النساء على ساعد الجد وانطلقن في القيام بأعمال الرجال، فضلاً عن دورهن الطبيعي كأمهات وربات بيوت.
تقع طاجكستان البلد المحافظ على الحافة الجنوبية من الإمبراطورية السوفيتية السابقة، يتميز البلد بانتشار جبال شاسعة حيث لا تتجاوز مساحة أراضيه الصالحة للزراعة نسبة 7%، يعيش ثلثا السكان (البالغ تعدادهم 8.5 ملايين نسمة) من الزراعة في المجتمعات الريفية.
النظام والمجتمع في طاجكستان
أدى انهيار النظام الشيوعي إلى إغلاق المصانع الكبرى في البلاد، وتشير التقديرات إلى أن 50% من الدخل القومي للبلاد يأتي من عمل رجالها في الخارج، والمقدر عددهم بنحو مليون شخص يتوجه معظمهم إلى روسيا من أجل تأمين حياة أفضل لعوائلهم.
يحكم طاجكستان إمام علي رحمانوف الذي يترأس البلاد منذ عام 1992، وهو يحكم البلاد منذ حوالي ربع قرن بعد استمراره في الحكم لأربع ولايات متتالية تمتد كل منها لسبع سنوات، تحتل البلاد المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي ينتشر فيها الفساد، خلف إيران وأفغانستان، وفقًا لمؤشر معهد بازل للحوكمة، وهو منظمة غير ربحية تتخذ من مدينة بازل السويسرية مقرًا له.
يتكون المجتمع في طاجكستان من فسيفساء من العرقيات: 79.9% من الطاجيك، و15.3% من الأوزبك، و1.1% من الروس، و1.1% من القرقيز، و2.6% من عرقيات أخرى تشمل الألمان واليهود والكوريين والتركمان والأوكرانيين، وساهم الزواج المختلط على وجه الخصوص في وادي فيرغانا بين الطاجيك والأوزبك في دمج هاتين العرقيتين، في حين، يتركز الروس في دوشنبيه وخوجند.
أما فيما يتعلق بالدين فتعتبر الغالبية العظمى من سكان البلاد من المسلمين (90%) في حين يشكل المسيحيون من الروس الأرثوذكس 3%، أما المذاهب المسيحية الأخرى والأقليات من اليهود فتمثل 7% من عدد السكان.
نساء طجكستان يتحملن كل الأعباء
أفاد تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن أكثر من مليون طاجيكي يعملون خارج البلاد، وقد اختار 90% منهم روسيا وجهة لهم، ويفيد الخبراء الاقتصاديون أن التحويلات المالية تراجعت إلى الثلث منذ العام 2014 مع اندلاع الأزمة الاقتصادية في روسيا.
وفي العام 2015، تراجعت هذه التحويلات المصرفية إلى 1.28 مليار دولار في مقابل 3.8 مليارات في 2014 بحسب أرقام البنك المركزي الروسي.
وكنتيجة طبيعية لذلك، توجهت الكثير من النساء إلى سوق العمل بحثًا عن مصادر دخل لتوفير احتياجات أسرهن، وبالنسبة لبعضهن شكلت المهن الرجالية وجهة لا مناص منها.
أثرت هجرة الرجال بشكل كبير على بلد يعتمد على الزراعة في دعم اقتصاده، فغياب الرجال عن الحقول الزراعية واضح في كل أرجاء البلاد، وتفيد الأنباء الواردة من طاجكستان أن القرويون يستخدمون مزارعًا جماعية ومن ثم يتقاسمون الأرباح.
وفي هذا السياق تفيد مخفيرات سيد رحمانوف رئيسة جمعية شاهرتوز للفلاحين، أن العمل في الزراعة صعب على النساء، فالرجال هم من كانوا يقومون به من قبل، أما اليوم أصبحت النساء يتكفلن بمعظم المهام الزراعية.
وأضافت رحمانوف: “ليس سهلاً على امرأة أن ترفع 25 طنًا من القطن وتضعها على ظهر الشاحنة خاصة عندما يكون الطقس حارًا في شهري أغسطس وسبتمبر، بالطبع المهمة صعبة علينا ولكن ليس لنا خيار آخر في ظل الغياب المستمر للرجال”.
في المقابل تقول ماريونا التي اختارت العمل في مجال تصليح السيارات: “هذه المهنة مصنفة على أنها عمل ذكوري لكنني لا آبه بنظرة أصدقائي إلى ما اخترت القيام به، يجب أن يثير العمل الذي أقوم به اهتمامي، أريد النجاح في حياتي”.
وتوضح علا كوفاتوفا وهي متخصصة في دراسة المشاكل المتعلقة بالفروق بين الجنسين في طاجكستان أن النساء اللواتي يمتهنن وظائف مخصصة تقليدًا للرجال يعانين في كثير من الأحيان من نظرة اجتماعية سلبية، إلا أن العديد من النساء في طاجكستان تضطر إلى العمل كمزارعات في الحقول.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمنوف، أبدى خلال أحد خطاباته أسفه لأن النساء يضطررن بشكل متزايد للقيام “بأعمال ثقيلة ومضنية جسديًا”، داعيًا الشركات العاملة في قطاع الخدمات إلى توظيف أعداد أكبر من النساء.
نقص حاد في فرص العمل
ساهمت هذه المهن الجديدة في إيجاد طفرة في مراكز التدريب المهني في البلاد، ويقول شكرالله سالوموف وهو مدير أحد هذه المراكز، التي تتراوح رسوم التسجيل فيها تقليديًا بين 13 و20 دولارًا شهريًا، في تصريح لوكالة فرانس براس: “نحو 60% من الطلاب من النساء”.
ويضيف أن كثيرات منهن ينخرطن في مهن مخصصة عادة للرجال وينجحن في تدريباتهن ولا يلتفتن البتة إلى الخلف، موضحًا أن غياب الرجال لم يثن المرأة في طاجكستان على اقتحام عام المهن الرجالية من أجل تأمين لقمة العيش.
ورغم تراجع معدلات الفقر خلال العقد الأخير، لا تزال طاجكستان تواجه صعوبات كبيرة في توفير فرص عمل جديدة، ويؤكد المحلل الطاجيكي المقيم في موسكو صائم الدين دستوف أن من بين 130 ألف شاب ينهون دراساتهم سنويًا، ينضم أكثر من 60 ألفًا إلى صفوف العاطلين عن العمل.
هذا الاتجاه قد يدفع عددًا كبيرًا من النساء إلى السير على خطى الرجال والانتقال إلى روسيا، رغم أن هذا الأمر ينطوي على العديد من المخاطر، وتوضح علا كوفاتوفا أن النساء اللواتي يهاجرن غالبًا ما يقعن ضحايا لنظرة مريبة من المجتمع الطاجيكي في حال انتقلن للعمل في الخارج لأن بعضهن يمتهنن الدعارة.
الأطفال هم أكبر الضحايا
لا تقف معاناة المجتمع في طاجكستان عند الرجال المهاجرين أو النساء اللاتي يؤدين مهنًا ذكورية، حيث إن للأطفال نصيب من المعاناة فهم يكبرون دون رعاية الأب، بالإضافة إلى كونهم يجدون أنفسهم مجبرين على العيش مع العديد من النساء في قرى نائية حيث تنعدم أمامهم الخيارات.
وتفرض تركيبة المجتمع الطاجيكي على الزوجة التي يهاجر زوجها إلى روسيا من أجل البحث عن عمل يؤمن به حياة أسرته أن تستقر، في منزل عائلته وهو ما يولد جملة من الخصومات تنتهي في الغالب بالطلاق.
لكن الأدهى أن الزواج في طاجكستان لا يتم باعتماد عقود مسجلة لدى الدولة، وهو ما يجعل الأب غير ملزم بدفع نفقة لإعالة الأولاد في حالة الطلاق، ونتيجة لذلك تضطر الأمهات إلى إيداع أبنائهن دور للأيتام.
من الواضح أن المرأة في طاجكستان تتحمل مختلف الأعباء دون أن تكون هناك أدنى حقوق لحمايتها، وفي مجتمع قبلي يسكن الجبال النائية، ويحيى على الزراعة، ليس أمام الزوجة سوى الصبر وتحدي الظروف القاسية، لكنها في كثير من الأحيان تجد نفسها ضحية زوج يقرر الاستقرار في روسيا والزواج من إحدى الروسيات.