عقدت الصدمة لساني عند رؤية لافتة غريبة في دمشق، وتساءلت في نفسي ساعتها: ما هو الشيء الخطأ الذي يجري في منطقتنا أو في العالم أجمع؟ اللافتة التي أتحدث عنها عبارة عن صورة تجمع أربعة أشخاص هم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس السوري بشار الأسد، وأخيرا وليس آخرا الرئيس الظل للبنان، السيد حسن نصر الله. جميعهم يقفون في تلك الصورة وقد كتب أسفلها عبارة: «رجال لا يركعون إلا لله».
رؤية تلك اللافتة جعلتني أتذكر على الفور قصيدة شهيرة للشاعر البريطاني المعروف روديارد كبلنغ عن ستة رجال أمناء. تقول بعض أبيات القصيدة:
«يعمل عندي ستة رجال أمناء
وقد علموني كل ما أعرفه الآن
أسماؤهم هي: ماذا ولماذا ومتى وكيف وأين ومن هو!».
يقال إن الاستعارات اللغوية تحمل في طياتها معاني خاصة. وعندما لا نرى علم سوريا ولا علم لبنان في تلك الصورة، فهذا يعني أنه لا توجد مساحة كافية في الصورة لوضع العلمين. بمعنى آخر، هناك عنصران رئيسان في الصورة، بوتين وروحاني واثنان من الأعلام، روسيا وإيران.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هو المبرر الرئيس وراء تلك الصورة الجماعية؟ وما هي الأرضية المشتركة التي تجمع هؤلاء الأشخاص الأربعة؟
يبدو مثيرا للاهتمام أن نعرف أن سوريا تمثل أهم قاعدة عسكرية حربية لروسيا في المنطقة؛ فميناء طرطوس السوري يستضيف قاعدة بحرية للإمداد والصيانة تعود لحقبة الاتحاد السوفياتي، وقد أنشئت تلك القاعدة بموجب اتفاقية جرى توقيعها في عام 1971 خلال فترة الحرب الباردة لاستخدامها في تقديم الدعم اللازم لأسطول القوات البحرية السوفياتية في البحر الأبيض المتوسط. ومنذ أن تغاضت روسيا عن تسديد سوريا لثلاثة أرباع ديونها خلال حقبة الاتحاد السوفياتي (9.8 مليار دولار من أصل 13.4 مليار دولار) وأصبحت موسكو المورد الرئيس للأسلحة لدمشق، أجرى البلدان محادثات حول السماح لروسيا بتطوير وتوسيع تلك القاعدة البحرية، بما يضمن لموسكو تعزيز وجودها البحري في البحر الأبيض المتوسط.
على المستوى الاقتصادي، استثمرت روسيا أموالا طائلة في سوريا. ورغم ذلك، يبدو من الصعب – للأسف – الحصول على تفاصيل دقيقة عن حجم تلك الأموال وأوجه إنفاقها. إلا أنه تبعا لما كشفت عنه صحيفة «ذي موسكو تايمز»، فقد بلغت قيمة الاستثمارات الروسية في سوريا 19.4 مليار دولار في عام 2009. ومن البديهي أن يكون ذلك الرقم قد تضاعف كثيرا، لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي تعد الأسوأ في تاريخ سوريا المعاصر.
ترفض روسيا تماما أي محاولة لاستصدار قرار من الأمم المتحدة ضد النظام السوري، بسبب مصالحها الكبيرة والراسخة في سوريا. وتقول تقارير إن اثنين من كبار مسؤولي روسيا هما: وزير الخارجية سيرغي لافروف، ورئيس هيئة الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف، يقومان بزيارة دمشق كل ستة أشهر لتقييم الوضع المعقد في سوريا. ويقال أيضا إن الملف السوري يخضع لإشراف فرادكوف، وهو رجل هادئ. وقد أوكلت مهمة متابعة الشأن السوري لفرادكوف بفضل خبراته السياسية الواسعة، حيث شغل الرجل منصب رئيس الوزراء في ولايتين، ويقال إنه في الغالب سيكون خليفة فلاديمير بوتين المحتمل عندما يخرج الأخير من السلطة.
وبعبارة أخرى، يمكننا القول بأن بشار الأسد يعيش برعاية ودعم بوتين.
السؤال الأهم الآن هو عما إذا كانت روسيا وإيران قادرتين على إيجاد حلول تنهي الكارثة السورية. ويبدو ذلك مهمة في غاية الصعوبة لأسباب كثيرة، أولها وبكل صدق، أن سوريا – كدولة وكأمة – جرى تدميرها عن بكرة أبيها. ونشاهد في الوقت الحالي الموجة الثانية من مسلسل تدمير البلاد، فعندما تنجح قوات المعارضة في الاستيلاء على منطقة معينة، يجري تدمير تلك المنطقة، حتى إذا نجح الجيش السوري في استعادتها، تعرضت المنطقة للتدمير للمرة الثانية. وتستمر تلك الحلقة المفرغة من أعمال التدمير في سوريا.
وتكمل إيران المشهد بتدخلها في سوريا. فمثل روسيا، لدى طهران خطة استراتيجية فيما يخص الوضع في دمشق، ويرجع ذلك بوضوح إلى فكرة أنه من دون سوريا – نظام الأسد – لا تستطيع إيران توفير الدعم لحزب الله في لبنان.
ثانيا: ربما تواجه حكومة العراق مزيدا من المشكلات.
ثالثا وأخيرا: إيران تدعم سوريا حتى ترد لها الجميل من أيام حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، فقد وفرت سوريا الدعم السياسي وأحيانا العسكري لإيران الثورة. عندما سأل صحافي عربي حافظ الأسد عن السبب وراء دعمه لإيران ضد دول عربية، أجاب حافظ على الفور: «لأنه في المستقبل عندما يتخلى العرب جميعا عن سوريا، فسوف تقف إيران بجانبنا!».
غير أن السؤال الرئيس الذي لم تتوفر له إجابة بعد هو: هل تستطيع إيران ومعها روسيا إيجاد حل للمشكلة السورية؟ ربما بعد سنوات أخرى من القتل والدمار وتشريد السوريين، سيستطيع نظام الأسد التغلب على المعارضة. لكن، كيف يمكن لذلك النظام أن يحكم سوريا؟ وما هي فئات الشعب التي ستقبل العيش في ظله؟ لقد بلغ العنف في سوريا مبلغه بصورة صادمة ولا تصدق. لقد شاهدت مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» يظهر مجموعة تقوم بقتل الناس العاديين والأطفال وكبار السن وغيرهم. وتتبع تلك المجموعة ما يطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وكانوا يتحدثون اللغة الروسية. من الذي يستطيع أن يعالج كل تلك الجروح؟ من ناحية أخرى، كيف سيتسنى للشعب نسيان الكثير من الكوارث مثل قصف حلب وغيرها من المدن من قبل قوات النظام الجوية؟
إن الحرب في سوريا تبدو كحجر يضرب ثلاثة عصافير في وقت واحد. بالنسبة لروسيا، تبدو الحرب في سوريا فرصة ذهبية لبوتين ليرى الشيشان يقاتلون في سوريا. وبالنسبة للولايات المتحدة، تبدو الحرب فرصة ذهبية للإدارة الأميركية لترى حربا تدور رحاها بين «القاعدة» وحزب الله. وبالنسبة للاثنين معا، تبدو الحرب في سوريا فرصة ذهبية ليريا عملية إضعاف ثاني أقوى جيش في الدول العربية.
لكننا في حقيقة الأمر نحتاج إلى رجال يولون اهتماما للشعب السوري والشعب اللبناني. رجال يستطيعون وضح حد لمآسي ومشكلات منطقتنا التي لا تنتهي.
المصدر : الشرق الأوسط