مباشرة عقب تكليفه من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بدأ الوزير الأول المكلف في الجزائر عبد المالك سلال، مشاوراته لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة تضم أكبر عدد من الأحزاب، من بينها حركة مجتمع السلم الإسلامية (حمس) التي وجّه لها دعوة للانضمام إلى الحكومة، مما أحدث انقسامًا داخلها بين مؤيد لهذ الدعوة ومؤكّد على ضرورة المشاركة في الحكومة، ورافض لها كون الانتخابات “مزورة”، فهل يشارك الإسلاميون في الانتخابات القادمة؟
عرض للمشاركة
تلقت حركة “مجتمع السلم” الجزائرية الحائزة على المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحصولها على 33 مقعدًا من أصل 462 هو عدد إجمالي مقاعد البرلمان، بعد كل من “جبهة التحرير الوطني “و”التجمع الوطني الديمقراطي، دعوة للمشاركة في الحكومة المنتظر إعلانها خلال الأسابيع القادمة من الوزير الأول المكلف عبد المالك سلال.
لم تحمل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الجزائر أنباء سارة للأحزاب الإسلامية، فبعد أن كانت تمني النفس بتحقيق نتائج متقدمة جاءت حصيلة الاقتراع مخيبة
وأجرى الوزير الأول عبد المالك سلال، لقاءً خاصًّا بزعيم حركة مجتمع السلم (أكبر أحزاب التيار الإسلامي)، عبد الرزاق مقري، في قصر الحكومة الجزائرية، وهو ما أكّده مقري في بيان صحافي، أعلن فيه أن اللقاء جاء لاحقًا لاتصال بين الطرفين قبل يومين.
وذكر مقري، أنّ طلب سلال من حركة مجتمع السلم دخول الحكومة، هو طلب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وكان رئيس “حمس”، قد شدد في الأيام التي سبقت الانتخابات التشريعية، على ضرورة أن تتوفر جملة من الشروط مقابل الانضمام إلى الحكومة المنتظرة أبرزها نزاهة وشفافية الاقتراع الانتخابي، والحصول على عدد معتبر من المقاعد النيابية، إلى جانب التوافق على البرنامج الذي تنفذه الحكومة.
عبد المالك سلال الوزير الأول المكلف
لم تحمل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الجزائر أنباءً سارةً للأحزاب الإسلامية، فبعد أن كانت تمني النفس بتحقيق نتائج متقدمة جاءت حصيلة الاقتراع مخيبة رغم دخولها في تكتلات وتحالفات، حيث لم تحصل الأحزاب الإسلامية مجتمعة إلا على 48 مقعدًا في البرلمان، في الوقت الذي حصدت فيه أحزاب السلطة أغلبية مريحة بـ261 مقعدًا من أصل 462.
تياران داخل الحركة
قرار المشاركة من عدمه، قال مقري، إنه سيتم اتخاذه من قبل أعضاء مجلس الشورى الوطني للحزب، الذي سينعقد بعد قرار المجلس الدستوري بشأن الطعون التي لا تقل عن 15 طعنًا التي قدمها تحالف حركة مجتمع السلم، عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكان تحالف حركة مجتمع السلم، قد عبّر عن استيائه مما أسماه “تزويرًا فاضحًا للانتخابات التشريعية.”
دعوة سلال لحركة “حمس” المشاركة في الانتخابات القادمة، كانت سببًا لانقسام المواقف داخل الحركة وبروز تيارين، الأول يقوده رئيسها الأسبق أبو جرة سلطاني، ويدافع هذا التيار عن خيار العودة إلى المشاركة في الحكومة، أما الثاني فيقوده الرئيس الحالي لـ”حمس” عبد الرزاق مقري، ويرفض هذا التيار المشاركة في الحكومة المقبلة، خاصة بعد طعنها في نتائج الانتخابات، واتهامها السلطة بالانحياز لصالح أحزاب الموالاة.
يدافع الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني الذي قاد الحزب بين 2003 و2012، بقوة عن خيار المشاركة في الحكومة
وكانت حركة مجتمع السلم قد أنهت في يونيو 2012 مشاركتها في الحكومة، بعد 17 سنة من مشاركتها في الحكومات منذ عام 1995، وفكت ارتباطها السياسي مع التحالف الرئاسي الذي كان يجمعها بحزبي السلطة: “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، احتجاجًا على ما اعتبرته تزويرًا للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2012.
ويدافع الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني الذي قاد الحزب بين 2003 و2012، بقوة عن خيار المشاركة في الحكومة، من منطلق أنه يعبر عن الخط السياسي الذي وضعه رئيس الحركة الراحل محفوظ نحناح، وقد كتب سلسلة من المقالات جاء آخرها بعنوان “حكومة سياسية بقاعدة موسعة”، يذكر فيها أن المصلحة الوطنية للبلاد تقتضي دعم البرلمان الفسيفسائي الجديد عبر حكومة سياسية قوية وواسعة، تتشكل ممّن احتلّوا المراتب الأولى في الاقتراع الانتخابي، مع ضرورة إشراك بعض التكنوقراط، وهذا لمواجهة التحديات القادمة.
أبو جرة السلطاني (على اليمين) إلى جانب عبد الرزاق مقري (على اليسار)
في مقابل ذلك، يرفض مقري وتياره خيار المشاركة في الحكومة المقبلة إلى جانب أحزاب السلطة، نتيجة ما اعتبرته الحركة “تزويرًا” للانتخابات، وكانت الحركة قد طرحت، عشية الاستحقاق الانتخابي، مقترح تشكيل حكومة وفاق وطني تساعد على عبور البلاد مرحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لكنها اشترطت للمشاركة تأدية انتخابات نزيهة وشفافة، وهو ما لم يحصل حسب قياداتها.
المكلف بالإعلام في الحركة: “لن ندخل الحكومة صاغرين وشروطنا لدخولها لم تتحقق”
وبرأي مقري أن شروط التوافق مع أحزاب السلطة غير متوفرة بعد تزوير الانتخابات، إضافة إلى أن حركة مجتمع السلم ترفض خطاب الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) الذي يقول إنه يرحّب بجميع التحالفات، لكن على الجميع أن يعلم مسبقا أن برنامج الرئيس بوتفليقة خط أحمر غير قابل للمناقشة، ورد مقري على هذا الخطاب قائلاً إن حركته لا تعترف بأي خطوط حمراء، وترفض هذا الكلام.
وسبق للقيادي ناصر حمدادوش النائب عن محافظة جيجل والمقرب من عبد الرزاق مقري، أن صرح بالقول “لسنا متهافتين على المشاركة في الحكومة، فهناك معايير وضعها المؤتمر الخامس للحركة، لتحديد موقعنا السياسي في الحكومة أو المعارضة، ومنها نتائج الانتخابات ونزاهتها”، فيما قال ابن عجايمية بوعبد الله، المكلف بالإعلام في الحركة: “لن ندخل الحكومة صاغرين وشروطنا لدخولها لم تتحقق”.
حكومة ائتلافية
يسعى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى أن تكون الحكومة المقبلة التي ستشكّل عقب تنصيب المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) الجديد توافقية تضم أكبر عدد من الأحزاب، وأكد اللقاء التشاوري مع ممثل حركة “حمس” توجه الجهات الرسمية في البلاد نحو إشراك أكبر عدد ممكن من الأحزاب في حكومة ائتلافية.
البرلمان الجزائري
ولم تحمل نتائج الانتخابات البرلمانية أي مفاجآت على التوازنات السياسية في البلد، فقد فاز حزب جبهة التحرير الوطني والأحزاب المتحالفة معه بأغلبية مقاعد البرلمان، وتواجه الحكومة المرتقبة تحديات صعبة في ظل تراجع أسعار النفط والغاز وتفشي البطالة.
وتسعى السلطات الجزائرية إلى توسيع قاعدة الجهاز التنفيذي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، والحفاظ على الدور المحوري للجزائر في المنطقة، وذلك انطلاقًا من خلق تكامل بين القوى السياسية المعبرة عن توجهات الشارع الجزائري والكفاءات الوطنية المستقلة، لضمان التحكم في الملفات التقنية.