ترجمة حفصة جودة
كتبت مايا أوبنهيم وهيلين هودينت
ما زالت الحياة في كوريا الشمالية يكتنفها الكثير من الغموض لهؤلاء الذين يعيشون خارجها، ربما نحصل على لمحات خاطفة عن مسيرات “قبضة اليد” أو استعراضات الأسلحة العسكرية، أو نشاهد شوارع بيونغ يونغ المهجورة في الأخبار، لكن الكثير عن هذه المملكة لا يزال غير معروف، لهذا السبب كرّس سونغ بيوك حياته لتثقيف الناس حول العالم بما تعنيه الحياة تحت حكم نظام كيم، كان بيوك – الفنان الرسمي السابق للدعاية في الدولة – قد فعل ذلك بمساعدة فرشاة الرسم، حيث استخدم الأعمال الفنية لتصوير نمط الحياة البائس هناك.
يقول بيوك – 48 عامًا -: “إنني أرسم لأنني عشت في كوريا الشمالية 30 عامًا، لذا أود أن أصف الحياة هناك”، لم تكن السخرية وسيلة متاحة لسونغ، فقواعد الحكم الحديدي للراحل كيم جونغ إل، لم تسمح للفنانين بحرية الرسم، بدلاً من ذلك، كان عليهم الالتزام بقائمة صارمة من التعليمات.
أفكار القادة معلقة داخل الترام
رغم أن الفقر هو ما دفع سونغ لمحاولة الرسم، فإن طبقة النخبة لاحظت موهبته سريعًا، وعندما بلغ من العمر 24 عامًا فقط، تم اختياره ليصبح فنان الدعاية الرسمي للدولة، يقول سونغ: “لقد بدأت في هذا الأمر لأن عائلتي كانت فقيرة جدًا ولم تتمكن من إرسالي إلى الجامعة وكنت مهتمًا بالرسم، لكن بعد ذلك بدأت برسم الملصقات الدعائية التي تتضمن التماثيل والعمال والشعارات السياسية”.
رغم نشأته في أكثر دول العالم سرية وعزلة، لم يكن لدى سونغ أدنى شك في النظام الذي يعيش في ظله، فوفقًا للأمم المتحدة، يعيش الغالبية العظمى من سكان كوريا الشمالية البالغ عددم 25 مليون مواطن تحت تهديد “غولاغ” (معسكرات اعتقال للعمل الإلزامي منذ العهد السوفيتي)، حيث العمل القسري والإعدام العلني، لكن سونغ لم يكن يدرك ذلك في مراهقته.
كيم غونغ أون قائد كوريا الشمالية يشاهد أحد الاستعراضات العسكرية
يقول سونغ: “كنت أعمل بجد لأظهر ولائي للحكومة وأثبت أنني أستطيع أن أكون شخصًا نافعًا، كنت أعتقد أن قائدنا هو أفضل رجل في العالم كأنه الإله، كنا نتعلم منذ الصغر أن “عائلة كيم الحاكمة” هم أفضل الأشخاص ودونهم لن نتمكن من الحفاظ على بلادنا، بمجرد أن نصل إلى عمر المدرسة الابتدائية، يجب على كل شخص أن يسير في الاستعراضات العسكرية”.
لم تكن المشاركة الإلزامية في المسيرات العسكرية لتثير دهشتك عندما تعلم أن كوريا الشمالية تمتلك أكبر رقم من الأشخاص العسكريين وشبه العسكريين في العالم بالنسبة لعدد سكانها.
عندما حدثت مجاعة كوريا الشمالية في بداية التسعينيات، بدأ سونغ في التشكيك بهذا النظام، فبينما كانت الدولة تكافح لإنتاج الغذاء، كانت المجاعة المعروفة باسم “Arduous March” (مسيرة شاقة) قد ضربت البلاد وأدت إلى وفاة 3 ملايين شخص، يقول سونغ – محاولاً الحفاظ على هدوئه وهو يتذكر هذه الأحداث الشاقة -: “كنت في فترة المراهقة حينها، وأتذكر الناس وهم يموتون جوعًا، فقد الكثير من الأطفال عائلاتهم وانتهى الأمر بحياتهم في الشوارع، لم يكن هناك أي طعام لنأكله ولم أكن أستطيع النوم من الجوع، كنا نغلي الأشجار في وعاء حتى تصبح لينة بما فيه الكفاية لنستطيع تناولها”، ويضيف سونغ: “توقفت عن إيماني بالنظام بعد أن شاهدت جيراني يموتون جوعًا بمن فيهم أمي وأختي الصغرى”.
أصبح سونغ يائسًا بشدة حتى إنه حاول العبور إلى الصين بحثًا عن الطعام مع والده، كانت هذه المحاولة خطيرة بشكل كبير، فمن غير القانوني أن يتنقل المواطنون في أنحاء كوريا الشمالية بحرية، فضلاً عن السفر خارج البلاد.
أحد الاستعراضات العسكرية في كوريا الشمالية
يواصل سونغ حديثه قائلاً: “توفي جميع أفراد عائلتي في تلك المجاعة، وحاولت أنا ووالدي الهروب عبر نهر تومين، لكن المياه جرفت والدي بعيدًا وأغرقته، حاولت العثور على جثته وطلبت المساعدة من أحد الجنود، وحينها الُقي القبض عليّ”، نُقل سونغ إلى السجن مباشرة وهناك تعرض للضرب والعمل القسري والسخرة، وفي إحدى الحوادث السيئة بُتر إصبعه دون أي تخدير.
يقول سونغ: “احتجزوني في سجن مخصص للمواطنين الذين اعتقلوا على الحدود بين الصين وكوريا الشمالية، ثم أطلقوا سراحي بعدها بستة أشهر، فقد مات العديد من الناس في السجن وكان الجنود قد تعبوا من التخلص من جثث الموتى، فأخبرونا أن نذهب إلى بيوتنا ونموت هناك”، بعد أن خرج سونغ من السجن وافقه أصدقاؤه على أنه لا أمل في الحياة هنا ودعموا قراره بالرحيل.
يحكي سونغ عن رحيله قائلاً: “لقد قررت أن انتحر إذا قبضوا عليّ مرة أخرى واحتفظت ببعض السم في جيبي، في أثناء هروبي كان القمر منيرًا وخفت أن يطلق الجنود النار عليّ في الليل، اختبأت يومين في الجبال حتى تمكنت من الوصول إلى النهر في أحد الأيام بينما يتناول الجنود غدائهم، وعبرت إلى الصين”.
الشباب يستعدون لأحد الاحتفالات الكبيرة
بمجرد وصوله إلى الصين اختبأ سونغ، لكنه كان محظوظًا بما فيه الكفاية ليقابل أشخاصًا ساعدوه على الذهاب إلى كوريا الجنوبية حيث عمل كرسام هناك، يكرس سونغ حياته الآن لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، هذه المظالم التي لم تشهد المنظمات الدولية مثلها في العالم المعاصر.
وبينما لا تزال أشهر لوحاته صورة مارلين مونرو وهي تمسك فستانها لكنه استبدل رأسها برأس كيم غونغ إل، إلا أنه توسع في عمله لنقد الأنظمة القمعية الأخرى، وعلى غرار الكثير من الفارين من كوريا الشمالية، لم يحاول سونغ التواصل مع أي من أصدقائه الذين تركهم في كوريا الشمالية، خوفًا من تعرضهم للتعذيب على يد النظام إذا حاول التواصل معهم.
يقول سونغ: “من الخطورة أن أتواصل مع أي شخص أعرفه في كوريا الشمالية، كما أن الأمر مكلف جدًا فقد وصل إلى 1000 يورو لإرسال رسالة”، يقام المعرض الأول لأعمال سونغ في المملكة المتحدة في معرض يستضيفه مكتب منظمة العفو الدولية في شرق لندن.
المصدر: الإندبندنت