اندلعت اشتباكات عنيفة مساء أمس الخميس بين فصيلي فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الإسلامية في بلدة عربين في الغوطة الشرقية، بعد إعلان جيش الإسلام قبل فترة قريبة من إنهاء الاقتتال مع “جبهة فتح الشام” بعد تحقيق الأهداف المرجوة، في الوقت الذي يستمر فيه تنفيذ الاتفاق بين النظام السوري وأهالي حي برزة الدمشقي القاضي بتهجير أهالي الحي إلى الشمال السوري.
فيلق الرحمن ضد حركة أحرار الشام
تأسس فيلق الرحمن عام 2013 بعد انضمام العديد من الأولية والكتائب إلى نواة الفيلق، لواء البراء، وتمتد جبهات الفيلق على أغلب محيط مدينة دمشق الشرقي وعلى تماس مباشر مع قلب العاصمة في كل من جوبر وزملكا وعين ترما وعلى امتداد بلدات الغوطة الشرقية في كل من عربين ومديرة وكفر بطنا وجسرين وبالا وزبدين ودير العصافير وحتيتة الجرش ومرج السلطان، بالإضافة للقلمون الشرقي والغوطة الغربية.
يتخذ الفيلق موقفًا عدائيًا من داعش ودخل في قتاله في الأعوام الماضية في أكثر من معركة، ويوضح الفيلق في موقعه الرسمي أن من جملة أهدافه الرئيسية إسقاط النظام السوري وتوحيد جهود القوى العسكرية والمدنية، والتعاون مع باقي التشكيلات الثورية في بناء جيش يحافظ على وحدة البلاد وأمن الأفراد، ومحاربة الميليشيات الأجنبية في سوريا، بدون ذكر أن من جملة أهدافه الهجوم على الفصائل الأخرى وإرغامها لحل نفسها والانضمام له.
حركة أجرار الشام تصدر بيانًا عقب هجوم فيلق الرحمن على مقراتها وتصفه بـ”اعتداء” وأنه غير مبرر وغير معروف الدافع وراءه
إذ سيطر فيلق الرحمن على مقرين تابعين لحركة أحرار الشام الإسلامية في بلدة عربين بالغوطة الشرقية بعد انسحاب الحركة من مقراتهم وعدم إبداء مقاومة شديدة، جراء هجوم الفيلق على مقرات الحركة بدون سابق إنذار ومطالبتها الحركة بحل نفسها والانضمام للفيلق. أصدرت الحركة بعد ذلك بيانًا قالت فيه أن “اعتداء” فيلق الرحمن جاء بعد اعتداءات متكررة وغيرة مبررة وغير معروف الدافع وراءها، ودعت الحركة في بيانها فيلق الرحمن إلى وقف هجومه مؤكدة على أن الهجوم ليس في صالح الغوطة وأهلها.
الهجوم على المقر أسفر بحسب صحيفة عنب بلدي المعارضة لاعتقال كافة عناصر المقر في عربين وتوتر شديد تعيشه البلدة والغوطة الشرقية. علمًا أن المشهد في الغوطة لا يزال ساخنًا على وقع مواجهات بين كل من فيلق الرحمن، وجيش الإسلام منذ 28 أبريل/نيسان الماضي، على خلفية هجوم جيش الإسلام على مواقع تابعة لـ”هيئة تحرير الشام” في الغوطة الشرقية، ودعى الأحرار في وقت سابق “جيش الإسلام” لإيقاف هجومه في الغوطة الشرقية، واصفةً ما يجري حاليًا بأنه “مسلسل بغي دام”. وتعتبر حركة أحرار الشام الجهة التي حاولت التهدئة بين الفصائل المتقاتلة في الغوطة.
استغل الفيلق انقسام أحرار الشام على نفسها بين تيارين أحدهما يقف على الحياد والثاني يميل إلى هيئة تحرير الشام، بينما الواقع يشير أن الفصائل دخلت في دائرة إلغاء بعضها البعض، من خلال إيجاد حجج واهية. ويرى مراقبون في هجوم الفيلق على حركة أحرار الشام، أنه يسعى إلى بتر وجود الفصائل الأخرى باستثناء جيش الإسلام، وكأنه يقول للفصائل الأخرى من ليس معي فهو ضدي ووجب قتاله.
وهذا الاقتتال ليس الأول من نوعه وليس وليد البارحة، فهو نتاج تفرق الفصائل طوال السنوات الماضية وفشل كل المحاولات لإدماجها في بوتقة واحدة تضم قيادة موحدة، وربما لن يكون الأخير وسط بقاء الأسباب الموضوعية لاندلاع خلافات بين الفصائل التي تستخدم لغة السلاح بديلا عن الحوار والتفاهم. ويتفق العديد من المختصين في الشأن السوري أن هذا الاقتتال سيؤدي إلى إضعاف الجبهات في الغوطة الشرقية وتهديد حقيقي للمنطقة هناك وكل هذا يصب في صالح النظام السوري.
من جانب آخر يلحظ أن هذا الهجوم حدث بعد محادثات “أستانة 4” الذي أقر اتفاق خفص التوتر أو خفض التصعيد والذي بمقتضاه سيتم رسم حدود لمناطق عازلة في المناطق المحددة الأربعة من سوريا، إذ يرى مراقبون أن الفصائل باتت ترى أحقيتها لإدارة المنطقة التي تسيطر عليها دون الفصائل الأخرى.
هجوم الفيلق على حركة أحرار الشام يسعى إلى بتر وجود الفصائل الأخرى
إلى ذلك ينظر النظام السوري إلى أي اقتتال بين الفصائل وبالأخص الكبرى منها بعين الرضى، لاستغلال انشغالهم ببعضهم والتقدم على الجبهات من جهة، ويصور للعالم المستقبل الذي سيكون أمامهم والفوضى التي سيكون عليه الوضع في حال قرر المجتمع الدولي التخلي عن النظام السوري وتحقيق مطالب الثورة.
ويُحمّل أهالي حي برزة الدمشقي انشغال فصائل الغوطة الشرقية ببعضها في اقتتال استنزفهم كثيرًا، إذ تقاعسوا عن فتح جبهة موحدة باتجاه دمشق وإجبار النظام على التراجع، إلى أن تمكن النظام السوري من حصار برزة وإرغام أهلها القبول بشروط التهجير، وبما أن الدور اليوم كان على برزة وغدًا على القابون، فإن الغوطة الشرقية ستكون في مهب الريح.
يُذكر أن الغوطة الشرقية ومناطق عديدة في سوريا شهدت الجمعة الماضية خروج مظاهرات نددت بالاقتتال الحاصل بين فصائل المعارضة السورية في الغوطة ووصف المتظاهرون الاقتتال بأنه “خيانة للثورة” وندد المتظاهرون بالاقتتال بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام، وأكدوا رفضهم للفتنة ودعوهم للاتحاد من أجل الخلاص من تنظيم فتح الشام، مؤكدين أن المطلب الرئيسي للثورة هو إسقاط النظام السوري.
ينظر النظام السوري إلى أي اقتتال بين الفصائل وبالأخص الكبرى منها بعين الرضى، لاستغلال انشغالهم ببعضهم والتقدم على الجبهات
في الأثناء بدأت صباح اليوم عملية إجلاء الدفعة الثانية من مقاتلي المعارضة السورية مع عائلاتهم من حي برزة الدمشقي إلى الشمال السوري، وتضم الدفعة الثانية 1500 بينهم 300 مقاتل مع عائلاتهم، وكانت الدفعة الأولى وصلت إلى إدلب في مساء الإثنين الماضي وضمت أيضًا 1500 شخص.
يُذكر أن حي برزة تعرض لحملة عسكرية عنيفة أدت بتدمير الحي وحصار استمر لنحو شهرين فرضته كل من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومليشيات الدفاع الوطني، أدى لتأزم الوضع الإنساني وبالأخص بعد استقبال الحي لأهالي القابون وتشرين والأحياء الدمشقية الأخرى الهاربين من القصف وهو ما زاد أوضاع المدنيين سوءًا، وبلغ عدد المحاصرين نحو 40 ألف شخص.
وكان هدف النظام من هذا إرغام أهالي الحي للقبول باتفاق التهجير القسري، وإحداث تغيير عمراني للمنطقة المدمرة بهدف تغيير معالمها بما يضمن استحالة عودة الأهالي إليها مجددًا، وهي سياسة ممنهجة اتبعتها قوات الأسد برعاية روسيا وإيران مع الأحياء الثائرة المحيطة بدمشق لتأمين العاصمة، تهدف إلى تغيير ديمغرافية المنطقة بشكل كامل.
جولة جديدة في جنيف
بموازاة هذا الاقتتال لا يزال الشق السياسي في أستانة وجنيف يعمل، إذ أكد المبعوث الدولي ديمستورا عقد جولة جديدة من المحادثات السورية في جنيف قبل بداية شهر رمضان ستكون مبنية على مشاورات “أستانة 4” الماضية، مرجحًا عقد هذه المحادثات بين 16 و19 أيار/مايو الجاري، وقال ديمستورا إنه سيتم اتخاذ “خطوات عملية” في جولة جنيف المقبلة، وحذر من أن التقسيم هو “خطر يهدد” مستقبل سوريا، داعيًا جميع الأطراف إلى الوصول لحل سياسي يجنّبها هذا الخطر.
من غير المتوقع أن تنتهي هذه الجولة بنتائج ملموسة على الأرض وسط تعقد المشهد السياسي في الملف
يُذكر أن هذه الجولة هي السادسة في جنيف وتأتي بعد اختتام الجولة الخامسة في شهر مارس/آذار الماضي حيث نوقشت خلال ثمانية أيام المواضيع الأربعة الرئيسية لجدول الأعمال، وتشمل الحكم والدستور ومكافحة الإرهاب والانتخابات، وانتهت المفاوضات بين الأطراف السورية من دون نتائج ملموسة.
الجدير بالذكر أن مسلسل مفاوضات جنيف لا يزال مستمر منذ أربع سنوات تقريبًا حيث بدأ بـ”جنيف1″ في يونيو/حزيران 2012، وتبعتها “جنيف2″ في ديسمبر/كانون الأول 2013، و”جنيف3″ في أبريل/نيسان 2015، و”جنيف4″ في فبراير/شباط 2017، و”جنيف5” في مارس/آذار 2017.
من غير المتوقع أن تنتهي هذه الجولة بنتائج ملموسة على الأرض وسط تعقد المشهد السياسي في الملف، فالولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن المشهد وتتحفظ على اتفاق “أستانة 4” حيث زار وزير الخارجية الروسي البيت الأبيض في محاولة لأخذ دعم الولايات المتحدة لاتفاق “وقف التصعيد” المقر في “أستانة 4″، وجل جهود واشنطن اليوم مننصبة على تحريك معركة الرقة وطرد داعش من معقله الرئيسي، علمًا أنها دخلت بصدام مع تركيا بعد قرارها بتسليح وحدات الحماية الكردية ذراع حزب العمال الكردستاني المحارب من قبل الحكومة التركية والمصنف على قائمة الإرهاب.