ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الثلاثاء الماضي، افتتحت إسطنبول معرضا للأسلحة العسكرية. وقد حضر هذا المعرض عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، الذين يمثلون إدارات عسكرية مختلفة بالإضافة إلى أكثر من 800شركة أسلحة من 74 دولة. وقد احتلت الشركات الروسية الواجهة، حيث شاركت كل من “روسوبورون إكسبورت” “ألماز أنتي” في فعاليات المعرض وقدمتا حوالي 200 نموذج من الأسلحة والمعدات العسكرية.
وفي هذا السياق، صرح نائب رئيس قسم التسويق في شركة “روسوبورون إكسبورت”، فلاديمير جونتشاروف، أنه “منذ نهاية سنة 2016 دخلت شركتنا في مفاوضات مع الشركاء الأتراك بهدف تزويدهم بأسلحة ومعدات عسكرية”. والجدير بالذكر أن وزارة الدفاع التركية قد أبدت اهتمامها بالمعدات العسكرية الروسية على غرار أنظمة الدفاع الصاروخية. ومن المثير للاهتمام أن الطرفان التركي والروسي قد اجتمعا لمناقشة جملة من المشاريع التكنولوجية المشتركة في مجال تطوير إنتاج الأسلحة المتطورة.
في الواقع، تعد مشاركة روسيا في المعرض التركي الدولي دليلا واضحا على تعافي العلاقات التركية الروسية وعودة العلاقات التجارية بين البلدين، في أعقاب حادثة سقوط الطائرة الروسية في 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015، التي أدت إلى تدهور العلاقات الروسية التركية. ووفقا لما أكده بعض الخبراء، لدى كل من روسيا وتركيا ما يقدمانه لبعضهما البعض في مجال الأسلحة.
والجدير بالذكر أن التبادل الثنائي في المجال العسكري بين روسيا وتركيا له جذور تاريخية. ففي سنة 1992، قامت روسيا بتزويد تركيا 174 ناقلة جنود مدرعة رباعية الدفع من طراز بي تي أر-80 و23 ناقلة من طراز بي تي أر-60 و17 مروحية مي-17. وفي سنة 2008، استوردت تركيا 80 قاذفة صواريخ و800 صاروخ مضاد للدبابات طراز “كورنيت”.
التسويق الروسي
في الحقيقة، لا تعد مشاركة “ألماز أنتي” في المعرض الدولي للأسلحة في تركيا من قبيل الصدفة، فقد أعرب الجانب التركي منذ فترة طويلة عن رغبته في شراء منظومة صواريخ مضادة للطائرات طراز أس- 400 من الشركات الروسية. وفي الأثناء، تعتبر إيران المنافس الرئيسي الجيوسياسي لتركيا في الشرق الأوسط،ـ حيث تتمتع بالقوة الجوية الأقوى في المنطقة. ويعزى ذلك لامتلاكها لمنظومة دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى أس-300 روسية الصنع.
من جهة أخرى، سيثير امتلاك تركيا لأنظمة صواريخ متطورة ومتقدمة استياء القيادة الإيرانية. وفي الوقت الراهن، تقتصر ترسانة الصواريخ التركية على الصواريخ المضادة للطائرات متوسطة المدى التي تم استيرادها من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، علما وأنه قد تم صنعها خلال خمسينات وستينات القرن الماضي.
وفي منتصف آذار/ مارس من سنة 2017، تحاور كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع لهما في العاصمة الروسية موسكو حول إمكانية حصول أنقرة على منظومة الصواريخ المضادة للطائرات أس-400.
ووفقا لوسائل الإعلام الروسية، لم يتم الكشف عن تفاصيل اللقاء الذي جمع الرئيسين. في المقابل، أعلنت شركة “روسوبورون إكسبورت” الروسية أنها قد عرضت على الجانب التركي صفقة بما يعادل 500 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا قد أبرمت اتفاقا مع إيران لتزويدها بمنظومة الصواريخ طراز أس-300 بقيمة 900 مليون دولار، سنة 2007. وبالتالي، يبدو الرقم المقترح على تركيا معقولا للغاية.
وفي شأن ذي صلة، تجمع كل من تركيا وروسيا مصالح جيوسياسية مشتركة في منطقة الشرق الأوسط، التي مزقتها الحروب. ونظرا للمكانة التي تحظى بها في المنطقة، تحتم على كل من موسكو وأنقرة، أبرز الدول الفاعلة في الصراع القائم في سوريا، أن تتمتع بالقوة العسكرية الكافية لوضع حد للأزمة التي تشهدها المنطقة، وذلك وفقا للخبير العسكري ميخائيل خدارينوك.
على العموم، يمكن القول إن التحالفات بين الدول لا تنشأ من خلال خوض محادثات حول الأهداف المشتركة التي تجمعها، بل ما قد يثير اهتمام دولة مثل روسيا هو عقد اتفاقيات لبيع منظومات صاروخية متطورة، الأمر الذي قد يعود عليها بالفائدة. وفي الأثناء، من غير المرجح أن ينعكس التعاون العسكري التركي مع روسيا سلبا على العلاقات التركية الأمريكية.
من ناحية أخرى، يعتبر قيام دولة من أعضاء حلف شمال الأطلسي بشراء منظومات مضادة للصواريخ روسية الصنع بمثابة “دعاية” من شأنها أن تخدم سمعة روسيا كأحد البلدان المصدرة للأسلحة. وبالإضافة إلى منظومة الصواريخ بعيدة المدى، اقترحت روسيا على تركيا منظومة الصواريخ المضادة للجو قصيرة المدى من طراز “تور- أم 2” القادرة على تدمير الأهداف الجوية في كافة الاتجاهات، ونظام الدفاع الجوي أرض- جو قصير ومتوسط المدى “بانتسير أس-1″، إلى جانب صواريخ “إيغلا-أس”.
علاوة على ذلك، يأمل المسؤولون في شركة “روسوبورون إكسبورت” الروسية في أن تهتم السلطات التركية باقتناء أنظمة حماية الدبابات “أرينا-إي” (ARENA-E)، التي قد تكون بمثابة إضافة هامة للترسانة العسكرية التركية بعد أن فقدت أنقرة 10 دبابات من طراز “ليوبارد 2” ألمانية الصنع في اشتباكات مع تنظيم الدولة.
الطائرات دون طيار التركية
من جهة أخرى، من الممكن أن تستفيد روسيا من التطور العسكري الذي بلغته تركيا خاصة في مجال صناعة الطائرات دون طيار، على غرار “تي إيه آي أنكا”، بالإضافة إلى “بيرقدار” وغيرها. وتتميز الطائرات التركية دون طيار بأحجامها وأنواعها المختلفة فضلا عن أنها قادرة على التكيف مع الأسلحة المحمولة جوا، علما وأن روسيا لا تشرع بعد في صناعة مثل هذه الأنظمة.
ومن بين الطائرات دون طيار التركية الأكثر تطورا، طائرة “تي إيه آي أنكا” التي تعد الأقوى والأفضل في هذا المجال، حيث تتمتع بالقدرة على البقاء في الجو لمدة يوم كامل والعمل على بعد 200 كيلومتر من المشغل كما يمكن أن تصل حمولتها إلى 200 كلغ. في واقع الأمر، تتمتع روسيا بالخبرة الكافية في استخدام أنظمة الطائرات دون طيار التي يتم تصنيعها من قبل دول أخرى. وفي هذا الإطار، تعتمد روسيا منذ سنوات طائرات “فوربوست” دون طيار التي تم صنعها وفقا لنماذج إسرائيلية تم تطويرها فيما بعد. ووفقا لخبراء عسكريين أثبتت هذه الطائرات نجاعة عالية في المعارك التي تخوضها روسيا في سوريا.
المصدر: روسكايا فيسنا