عند العودة لعدة قرون للخلف فإننا نجد أن المرأة العربية حُرمت من حقها في التعليم، ومن استطعن منهن التعلم لم يكن يُسمح لهن الاستمرار في طموحاتهم العلمية، وكان يُفضل أن يتزوجن أو يتوجهن للأعمال المنزلية. مع ذلك فإن صفحات التاريخ تحفظ بعضًا من أسماء النساء العربيات اللواتي كان لهن دور مهم في تقديم الفرصة لباقي النساء لخوض تجربة التعليم والتميز في هذا المجال كالرجال.
المثير للغرابة أن بعض المؤسسات الجامعية التعليمية لم تسمح لهن بالتعلم بعد ذلك، ولم يكن مسموح لهن بدخول حرم الجامعات، ولكن على الرغم من هذا الحظر إلا أنه ظهر العديد من الشخصيات النسائية المثقفة والمؤسسة في مجال التعليم في الوطن العربي.
أول وأقدم جامعة في العالم بنتها امرأة
فاطمة بنت محمد الفهري التونسية أسست أول جامعة في العالم لتكون أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب العربي. هذه الجامعة كانت عبارة عن مؤسسة تعليمية تابعة لجامع القرويين في مدينة الفاس في المغرب، حتى أصبحت مركز لانتشار مختلف العلوم الشرعية واللغة وأصول الدين، إضافة إلى خمس مكتبات محتوية على 45.268 مجلد. درس وتخرج من مقاعدها عدد كبير من علماء ومؤرخين ومفكرين العرب والغرب مثل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ، وسلفستر الثاني الراهب الفرنسي والبابا الوحيد الذي تعلم اللغة العربية.
جامعة القرويين أقدم من الزيتونة في تونس والأزهر في مصر، وتعد أقدم من جامعات أوروبا بما يقارب مائتي عام.
بعد أن توفى زوج وأب فاطمة الفهري وورثت عنهما ثروة كبيرة، فقررت فاطمة أن تعمل على إصلاح مسجد القرويين، فأشرفت على إعادة بناءه وضم ما بجانبه من حقول حتى تتسع مساحته ويعاد إعماره بصورة بهية.
يقول المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي “حفر أساس مسجد القرويين والأخذ في أمر بنائه كان بمطالعة من العاهل الإدريسي يحيي الأول، وأن أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت بإعادة بنائه وظلت صائمة حتى انتهت أعمال البناء”
يضيف المؤرخ التازي أن جامعة القرويين أقدم من الزيتونة في تونس والأزهر في مصر، وتعد أقدم من جامعات أوروبا بما يقارب مائتي عام، لأن أول جامعة في أوروبا تأسست عام 1050م في إيطاليا وهي جامعة ساليرن الذي بُدل اسمها بعد ذلك إلى نابولي. بجانب أنها أقدم من الأزهر الشريف ب 302 عام.
ست الشام وأم الفقراء
الخاتون فاطمة أو زمرد أخت صلاح الدين الأيوبي وابنة نجم الدين الأيوبي، لها من الأقارب المحارم 35 ملكاً. اشتهرت بأعمالها الخيرية المتنوعة وحرصها على العلم والتعليم وظهر هذا الاهتمام من خلال قيامها بإنشاء مدرستين وهما المدرسة الشامية البرانية والمدرسة الشامية الجوانية والتي كانت بالأصل مكان سكنها، لكنها حبذت أن تنفق كل ما تملك من أموال وأملاك على هذه المدرسة لتصبح من أعرق وأعظم المدارس في دمشق.
لقبت بست الشام وكانت سيدة الداعيات للعلم والدين، استنسخت الكثير من الكتب والآداب وعلمت على تحفيظ القرآن الكريم وبناء مسجد الأصحاب في دمشق.
فاطمة هانم مؤسسة جامعة القاهرة
واحدة من بنات الخديوي إسماعيل خامس حكام مصر من الأسرة العلوية. اشتهرت الأميرة فاطمة بأسلوب الحياة الملكية التي اتصفت بالرفاه والثراء الطائل حتى أن الكاتب الفرنسي دي ليون وصف حفل زواجها من الأمير طوسون بن سعيد قائلاً “تتقدم كآلهة من آلهات الأزمنة الماضية بمعيتها وجواريها، صعدت وأخذت تنثر عليهن خيرات ذهبية ضربت لتلك المناسبة فتعلق برؤوسهن، وكانوا قد أقاموا في صدر تلك القاعة فوق منصة مرتفعة ثلاثة عروش مكسوة بالحرير الأبيض فجلست دولة الوالدة باشا أم الخديوي إاسماعيل على عرش اليمين والأميرة أم العروس على عرش الشمال وجلست العروس وعلى رأسها تاج من الماس ثمنه أربعون ألف جنيه على عرش الوسط وكان لباسها من الحرير الأبيض الفرنسي الأغلى ثمناً، وكله مرصع بأنفس أنواع اللؤلؤ والماس وله ذيل طوله 15 مترا رفعته الجواري وراءها”.
النظام في مصر لم يكن يسمح للنساء بالتعليم وكانت الجامعات والمؤسسات التعليمية محتكرة على الرجال فقط، لذلك لم تحظ الأميرة فاطمة بفرصة التعلم في حرم الجامعة.
على الرغم من مظاهر حياتها المرصعة بالألماس والمزينة بالحلي والجواهر، إلا أن فاطمة هانم كانت محبة للعلم وللثقافة ويد محبة لفعل الخير وهي حجر الأساس في تأسيس جامعة القاهرة العريقة.
في ذاك الحين كانت الجامعة تعاني من مشاكل مالية ولم تملك موقع مناسب لالتقاء الطلاب، عندما سمعت الأميرة بهذا الأمر تنازلت عن مساحة ستة فدانات ليبني حرم جامعي على أرضها ومن خلال هذه المساهمة الخيرية ضمنت استقرار واستمرار هذه الجامعة. لكن هذا التنازل لم يكن كافي لإتمام المشروع بالشكل المطلوب، الأمر الذي استدعى الأميرة أن تتخلص من قطع مجوهرات باهظة الثمن لتهبها للجامعة.
سُميت كلية الآداب في جامعة القاهرة بكلية الأميرة فاطمة وذلك بسبب اهتمام الأميرة بالآداب واهتمامها الشديد على استمرار هذه الكلية من دون أي عرقلة، حيث وضعت داخل الكلية لوحة مكتوب عليها اسمها وانجازها بتأسيس هذه الجامعة. علاوة على ذلك، تم وضع تمثال للأميرة داخل الجامعة كنوع من التكريم والتذكير بفضلها.
على الرغم من هذه المبادرة المهمة إلا أن النظام وقتها في مصر لم يكن يسمح للنساء بالتعليم وكانت الجامعات والمؤسسات التعليمية محتكرة على الرجال فقط، لذلك لم تحظ الأميرة فاطمة بفرصة التعلم في حرم الجامعة وفي عام 1914 لم تحضر حتى حفل وضع حجر الأساس الذي تحملت تكلفته وتبرعت له بالكثير من ممتلكاتها التي مُنحت لها من ملوك وأمراء العالم.
رائدة التعليم النسائي
عفت بن ثنيان بن سعود الوحيدة من بين زوجات ملوك السعودية التي أطلق عليها لقب صاحبة الجلالة. بعد أن تلقت تعليمها في إسطنبول عادت إلى السعودية وهي تحمل في جعبتها مشاريع تعليمية لمنح النساء السعوديات حقوقهن في التعليم، فقامت بتأسيس دار الحنان كأول مدرسة سعودية لتعليم الفتيات عام 1955 لتلغي جميع الفوارق بين الجنسين في الحقوق وأدخلت الأنشطة التربوية مثل الأنشطة الثقافية والبدنية إلى جانب البرامج التعليمية.
عفت بن ثنيان رائدة التعليم في السعودية وأول من يفتح باب التعليم للنساء في السعودية.
لم تنته مشروعاتها إلى هذا الحد، فقد قامت بتأسيس كلية في جدة تحمل اسمها “كلية عفت” لتعليم الفتيات وزيادة مستوى الثقافة والوعي بينهن. اجتهدت صاحبة الجلالة بإدارة العديد من الاجتماعات والمحاضرات التي كانت تناقش مواضيع اجتماعية وتوعوية واستمرت في تأسيس مراكز للأبحاث العلمي في الرياض لتكون رائدة التعليم في السعودية وأول من يفتح باب التعليم للنساء في السعودية.
أسماء هؤلاء النساء دليلاً تاريخياً على ما قدمته النساء العربيات للتعليم على الرغم من منع بعضهن من التعلم ومن التواجد في حرم الجامعة. ولا شك أن هناك أسماء أخرى للنساء على لوحات التاريخ إلا أن الاهتمام بسيرتهن وانجازتهن كان قليلاً، مع أن أدوارهن في مجال التعليم كانت أساسية ومهمة.