“الممولون في السعودية هم المصدر الأساسي للجماعات السُنية المتطرفة أو “الإرهابية”، يجب علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال كون السعودية ممولاً ماليًا خطيرًا للجماعات الإرهابية كالقاعدة وطالبان”.
تسريبات ويكيليكس من وزارة الخارجية الأمريكية نقلًا عن “هيلاري كلينتون” عام 2009.
منذ أول مؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي، دعا الملك عبد العزيز إلى إعادة النظر في شؤون المسلمين، وخاصة البلاد التي تحظى بأقلية مسلمة، ذلك لأن للمملكة السعودية دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمسلمين حول العالم بحسب رأيه، فمنه تحافظ المملكة على دورها في خدمة المسلمين، وتسعى جاهدة لكي يكون لها دورًا تاريخيًا في خدمة قضايا الإسلام.
في السبعينيات من القرن الماضي كانت المملكة تتحرك بخطواتها الأولى نحو تخطيط بناء مساجد وجامعات سعودية في القرى الفقيرة ذات الأقلية المسلمة
في السبعينيات من القرن الماضي كانت المملكة تتحرك بخطواتها الأولى نحو تخطيط بناء مساجد وجامعات سعودية في القرى الفقيرة ذات الأقلية المسلمة، ذلك لأنهم بحسب الجانب السعودي يرون أن هناك تهديد واضح من الثقافة الغربية المستعمرة للسيطرة على تلك الأقليات، بل وتحويلهم عن دينهم عن طريق جماعات التبشير المسيحية، التي ما زالت رحلاتها مستمرة إلى تلك الأقليات حتى يومنا هذا.
قامت المملكة السعودية ولمدة عقود بعمل دؤوب بخصوص التمويل المالي والأدبي والثقافي للأقليات المسلمة في البلاد المختلفة من قارة آسيا وأوروبا وإفريقيا، لم يكن الدعم من شركات خاصة أو من أموال خيرية فحسب، بل كان بشكل مُنظم ومُمنهج من قبل العائلة المالكة نفسها “آل سعود”، بحيث كان الهدف خدمة الأقلية المسلمة في مختلف البلاد، ولكن أيضًا كان نواة لنشر الوهابية.
قامت المملكة السعودية ولمدة عقود بعمل دؤوب بخصوص التمويل المالي والأدبي والثقافي للأقليات المسلمة في البلاد المختلفة من قارة آسيا وأوروبا وإفريقيا
بدأ الدعم المالي والثقافي في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث أغدقت الحكومة السعودية بأموالها لبناء المدارس والمساجد والمدارس الدينية الملحقة بالمساجد ومراكز التدريب والتعليم الديني ومراكز الشباب، ليتحول المنهج السلفي من منهج هامشي في قرى إفريقيا الفقيرة على سبيل المثال، إلى كونه التيار المنتشر في المجتمعات الإسلامية كلها، ولا ضرر منه ما دام يوفر التعليم والثقافة في قرى لم يُوفر فيها شيء على الإطلاق.
دعم السعودية المالي للمراكز والجامعات الإسلامية قد وصل تقريبًا إلى 100 مليار دولار خلال العقود الثلاث الماضية
ليس هناك أرقامًا مؤكدة بعينها، إلا أن دعم السعودية المالي للمراكز والجامعات الإسلامية قد وصل تقريبًا إلى 100 مليار دولار خلال العقود الثلاث الماضية، ولا عجب أن يكون الرقم الحقيقي هو ضعف ذلك أيضًا، خصوصًا بعد ارتفاع أسعار البترول في العقد الأخير.
هذه المسألة ليست دينية فحسب بقدر ما تكون سياسية كذلك، فكما أنفق السوفييت من قبل ما يقرب من 7 مليار دولار لنشر الشيوعية خلال سبعين عامًا من وجودهم بين عام 1921 وحتى عام 1991، لم تختلف السعودية عنه شيئًا سوى الاختلاف في الوسيلة، فالوهابية ليست محدودة على السعودية فقط، أو هكذا كان الأمر بعد انتشار المراكز الإسلامية السعودية في الغرب وإفريقيا وآسيا أيضًا.
من كوسوفو إلى جاكارتا عاصمة إندونيسيا، إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك انتشارًا للوهابية من قبل المدارس والجامعات السعودية، وحملة مكثفة لتدريس الأئمة والخطباء، وتعليمهم اللغة العربية ومعها المذهب الوهابي الذي تتبعه المملكة السعودية، وتزويدهم بالكتب المطبوعة في المملكة في حملة هي الأكبر من نوعها لتوفير التعليم المجاني المدعوم من آل سعود.
من كوسوفو إلى جاكارتا عاصمة إندونيسيا، إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك انتشارًا للوهابية من قبل المدارس والجامعات السعودية
إفريقيا
سوق في كينيا
يكون الوضع في إفريقيا مختلفًا، فهناك إما أن يلتحق المرء بمدرسة وهابية، أو لا يحصل على تعليم إطلاقًا، وهذا لا يشمل إفريقيا فحسب، بل ينطبق الأمر نفسه على القرى الفقيرة المسلمة في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وتايلند والهند.
تعاني إفريقيا من غياب الخدمات الأساسية اللازمة لحياة الإنسان، وهو ما جعل التعليم فيها مهددًا أيضًا، وهنا جاء دور الجماعات التبشيرية المسيحية، التي كانت القرى الإفريقية بالنسبة إليها الأكثر استهدافًا للتبشير بالدين المسيحي، وتحويل من كان مسلمًا فيهم عن ديانته التي افتقر المعرفة بها لضعف وجود المساجد والأئمة والكتب الدينية.
نجحت الوهابية في محاربة الصوفية التي انتشرت في كثير من أنحاء القارة الإفريقية
من بين مئات المؤسسات الخيرية والإنسانية العاملة في إفريقيا، كانت المؤسسات السعودية في المقدمة، لتنتشر في كثير من البلدان الإفريقية خصوصًا ذات الأقليات المسلمة، ليتنوع دورها بين الإغاثي والتنموي والتربوي والتوعوي، إلا أنها لم تخل أيضًا من نشر للوهابية، التي نجحت في محاربة الصوفية التي انتشرت في كثير من أنحاء القارة الإفريقية.
أشهر تلك المؤسسات: الندوة العالمية للشباب، هيئة الإغاثة العالمية، لجنة مسلمي إفريقيا، مؤسسة الحرمين الخيرية والتي اشتملت على دول مثل تنزانيا، نيجريا، زنجبار، إثيوبيا، الصومال، دول الغرب الإفريقي أيضًا.
عملت الحكومة السعودية منذ عقود طويلة على تنمية الأيدولوجية “السلفية” في إفريقيا
عملت الحكومة السعودية منذ عقود طويلة على تنمية الأيدولوجية “السلفية” في إفريقيا، والتي كانت نتاج عوامل خارجية وداخلية، كان من ضمنها الجهد المتواصل للدعم السعودي وغيرها من الحكومات الخليجية للمدارس والمراكز الإسلامية ومراكز الشباب، كان له أثر واضح على الثقافة الوهابية ذات المنهاجية الاستقطابية الواضحة.
خلق ذلك الاستقطاب نوعًا من التوتر في إفريقيا، لا سيما أنه هدد وجود الثقافة الإسلامية الصوفية، والتي حكمت على الأغلبية بذنب الأقلية، فأُجبر الكل على تعلم الوهابية، لأنه لا سبيل للتعليم دونها، حينها لم يكن غريبًا انتشار الثقافة العربية السعودية في تلك القرى الفقيرة، ولا عجب من أن نرى الأقمار الصناعية العربية معلقة على المنازل الإفريقية البسيطة لمتابعة العالم العربي، كما زادت حينها فرصة الشباب الإفريقي من تكملة دراسته الجامعية في الجامعات الخليجية أو ليجد فرصة للعمل في المملكة.
عدد الطلاب الأفارقة في الجامعات الخليجية، اللون الأزرق خاص بالسعودية
أُجبر الكل على تعلم الوهابية، لأنه لا سبيل للتعليم دونها
كان لتلك المراكز أثر واضح على ظهور السلفية المتشددة في المجتمعات الإسلامية الإفريقية، وهي التي جعلت الإعلام الغربي يتهم المملكة بأنها تنشر الوهابية في المجتمعات الفقيرة لدعم التطرف، وبالتبعية لدعم “الإرهاب”، ليربط الإعلام بين الجماعات الإرهابية مثل “الشباب” في الصومال، أو “بوكو حرام”.
آسيا
الملك سلمان ملك السعودية مع ملك ماليزيا الخامس
من تسريبات “ويكيليكس” من النشاط السعودي “التبشيري” في باكستان
“للجهات الحكومية وغير الحكومية دخل في مصادر التمويل للمراكز الإسلامية، والذي قُدّر حجمه بما يقارب 100 مليون دولار سنويًا، يُمنح أغلبها إلى مدارس “ديوبندية” وهي مدارس فكرية أُسست في الهند على المذاهب الصوفية، حيث تمنحها السعودية المال اللازم للدعم الثقافي لنشر مذهب الوهابية محاربة للصوفية، كما تذهب أيضًا إلى مدارس “أهل الحديث” في باكستان تحت مهمة دعوية أو “تبشيرية” ممولة من كل من الحكومة السعودية والحكومة الإماراتية”
السعودية ساهمت بشكل كبير في تمويل “المجاهدين الأفغان” بالإضافة إلى تخصيص جزء من ذلك التمويل لبناء المدارس وتدريب الأئمة على المذهب الوهابي الجديد
بحسب المخابرات الباكستانية ومعها وكالة الاستخبارات المركزية CIA، فإن عائدات النفط السعودية ساهمت بشكل كبير في تمويل “المجاهدين الأفغان” بالإضافة إلى تخصيص جزء من ذلك التمويل لبناء المدارس وتدريب الأئمة على المذهب الوهابي الجديد بالنسبة إليهم، ليبدأوا عملهم داخل مخيمات اللاجئين الأفغان داخل باكستان.
المملكة دعمت مجاهدين من العرب من المملكة نفسها ومن الدول العربية الأخرى للانضمام بالمجاهدين الأفغان سُميوا بـ”العرب الأفغان”، وهم من تولوا راية نشر “الوهابية” بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي من أفغانستان
الأفغان العرب
بل يضيف تقرير المخابرات بأن المملكة دعمت مجاهدين من العرب من المملكة نفسها ومن الدول العربية الأخرى للانضمام للمجاهدين الأفغان سُميوا بـ”العرب الأفغان”، وهم من تولوا راية نشر “الوهابية” بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وهم من يكونوا واعظي الوهابية للجماعات الإرهابية الناشئة في أفغانستان من تنظيم القاعدة أوحركة طالبان بحسب ما تناوله الإعلام الغربي الذي يتهم الوهابية بأنها نواة للإرهاب.
بعد إسقاط الجنسية السعودية عن أسامة بن لادن، لم يكن هناك إجراءً من قبل الحكومة السعودية نحو الجمعيات الخيرية والمنظمات والشركات التي تقف خلف دعم الجمعيات والمنظمات الوهابية في البلاد المختلفة، بل استمرت عائلة “آل سعود” في إغداق عائدات النفط على تلك المنظمات دوليًا، واستمرت في المحافظة على وعدها في نشر الوهابية داخليًا وخارجيًا.
بعد إسقاط الجنسية السعودية عن أسامة بن لادن، لم يكن هناك إجراءّ من قبل الحكومة السعودية نحو الجمعيات الخيرية والمنظمات والشركات التي تقف خلف دعم الجمعيات والمنظمات الوهابية
أما بالنسبة للدول المسلمة ما تبقت من الاتحاد السوفيتي، فعلى الرغم من أن العقود التي مضاها الاتحاد السوفيتي فيها قد أفسد العديد من التقاليد والالتزامات الدينية بالنسبة للمسلمين في تلك البلاد،مثل أوزبكستان وقيرغزستان، فإن الحكومات الناجحة في تلك البلاد كما هو الحال في أوزبكستان مثلًا، استطاعت عقد صفقات مع “آل سعود” من أجل إنشاء مراكز إسلامية لدعم المسلمين في البلاد.
أما في اليابان فقد افتتحت السعودية في الثمانينيات المعهد الإسلامي العربي في طوكيو التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك للتعريف بالإسلام في اليابان ومساعدة الأقلية المسلمة المقيمة هناك، ونشر اللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين بها.
أوروبا
المساجد والمراكز الإسلامية هي ملاذ ثقافي واجتماعي بالنسبة للمسلمين في أوروبا، وبالنسبة للحكومات الأوروبية فهي كالوسيط بينها وبين المجتمع المسلم، لذا لم تكن السلطات الأوروبية شديدة التعنت أمام إقامة تلك المراكز والمساجد، كما وجدتها فرصة قانونية لمراقبة المجتمع المسلم هناك كذلك.
كما هو الحال في إفريقيا وآسيا، احتلت السعودية المرتبة الأولى في دعم المراكز الإسلامية الأوروبية، متقدمة على الدعم التركي والقطري للعديد من تلك المراكز أيضًا، لتتفوق السعودية على جماعات الإسلام المعتدل أو الجماعات الصوفية في نشرها للوهابية في أوروبا، نرى في ذلك مثالًا واضحًا في كل من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
الفكر الوهّابي كلمة السر في جدلية الإرهاب عند الغرب
الفكر الوهّابي كلمة السر في جدلية الإرهاب عند الغرب، فبات واضحًا إلى أين تُشار أصابع الاتهام دون الوقوع في فخ التعميم، لذا اندفعت رؤوس الإعلام الغربي بوصم الوهابية بالدين الرسمي للتنظيمات الإسلامية “المتطرفة”، بداية من القاعدة، وانتهاءً بتنظيم الدولة الإسلامية الذي لا تُنكر منشوراته عبر وسائل إعلامه الرسمية أنها تستقي بعضًا من أفكارها من أفكار محمد بن عبد الوهاب.
حركات سلفية على صلة بحكومات خليجية
مؤخرًا في نهاية عام 2016، ظهر تقرير استخباراتي ألماني جديد ليثير ضجة كبيرة داخل ألمانيا وخارجها، إذ يشير إلى أن حركات سلفية على صلة وثيقة بحكومات خليجية تدعم التيار السلفي في ألمانيا.
نقلت كل من صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية ومحطتا (إن دي آر) و(دبليو دي آر)، أن جهاز الاستخبارات الخارجية وهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) نشرا في تقرير أولي قدم إلى الحكومة الألمانية أن منظمات دينية من دول الخليج الثلاثة (السعودية وقطر والكويت) على صلة بجهات حكومية، أقامت مساجد ومؤسسات تعليمية كما أرسلت دعاة إلى ألمانيا لنشر ما اعتبروه “النسخة الأصولية من الإسلام”.
لم تستطع تقارير الاستخبارات الألمانية التفرقة بين السلفية الجهادية والسلفية الدعوية، حيث وضعت التنظيمات الجهادية والجماعات الدعوية في نفس الفئة
أبرز ما ميز التفاصيل التي تضمنتها تقارير الاستخبارات الألمانية تلك أنها لم تستطع التفرقة بين السلفية الجهادية والسلفية الدعوية، حيث وضعت التنظيمات الجهادية والجماعات الدعوية في نفس الفئة، كما اتهم التقرير بأن الجماعات الدعوية نفسها تقدم الدعم اللوجستي للتنظيمات “المتطرفة”.
للسعودية مساجد ضخمة ومراكز إسلامية كبرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكثير من الدول الأوروبية، حيث تضاعف في الأخيرة عدد المساجد خلال السنوات الماضية على الرغم من حركة القمع المستمرة من قبل الحكومات الغربية لغلق المساجد ومصادرة المنشورات العربية بعد ارتفاع نسبة جرائم الإرهاب في القارة العجوز خلال السنوات الماضية.
على الرغم من أن للسعودية الدور الريادي في نشر الوهابية من خلال مراكزها الإسلامية التي تنشرها وتشيدها من أجل “خدمة المسلمين”، فإنها لا تحارب وحدها في تلك الرقع الجغرافية، فهناك الدعم التركي من أجل نشر الإسلام وبالتبعية النفوذ والدعم الإيراني الذي غاب عن القارة طويلًاو لكنه حضر مؤخرًا لنشر المذهب الشيعي، فهل ستستمر السعودية في دعم الحركات السلفية ونشر الوهابية بعد سياستها الجديدة في الحرب على الإرهاب؟