بعد مخاض استمر لأكثر من مئة يوم خرجت حكومة الوفاق الوطني في السودان للنور كواحدة من مخرجات الحوار الذي استمر قرابة الأعوام الثلاث، منذ أعلنه الرئيس عمر البشير في يناير 2014، مؤلفة من 31 وزيرًا و42 وزير دولة.
الحكومة الجديدة في تشكيلها المعلن برئاسة الفريق أول ركن بكري حسن صالح أشبه بحكومة المحاصصة، حيث شارك فيها أكثر من 106 أحزاب وتنظيمات سياسية وحركات مسلحة، احتفظ الحزب الحاكم فيها “المؤتمر الوطني” بالوزارات السيادية أبرزها الخارجية والدفاع، كما ترك الباب مفتوحًا أمام رافضي المشاركة.
ردود فعل متباينة حيال تشكيل الحكومة الجديدة لا سيما في ظل غياب قوى سياسية معارضة أساسية في الحوار الوطني أبرزها حزب الأمة القومي، مما يثير عددًا من التساؤلات عن التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة وموقف القوى المعارضة الأخرى التي رفضت المشاركة من هذا التشكيل المعلن، وهل بالفعل تحقق هذه الخطوة التي طال انتظارها آمال وطموحات السودانيين؟
خطوة غير مسبوقة
إعلان حكومة الوفاق الوطني رغم تأخره وما أثير بشأنه من جدل هنا وهناك، يعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ السودان بحسب رأي البعض، وتعبير حقيقي عن توصيات الحوار الوطني التي تهدف إلى خروج السودان من عنق الزجاجة، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء السوداني بكري حسن صالح، أشار في تصريحات له أن كثرة المشاورات من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من المشاركين في التشكيل الجديد للحكومة كان السبب الحقيقي وراء تأخر إعلانها حتى الخميس الماضي، لا سيما بعدما تم ترشيح 1500 شخص للمشاركة.
كما أوضح أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم قدم عددًا من التنازلات بهدف السماح لبقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بالمشاركة كأحد أبرز توصيات الحوار، مما يعكس روح الوفاق التي سادت المشاورات، حيث تخلى عن 6 وزارات أساسية، و6 من وزراء الدولة، فيما تنازل الحزب الاتحادي الأصل عن وزير دولة.
أما عن أهداف الحكومة الجديدة – بحسب المعلن – فتتمثل في العمل على حل أزمات السودان الاقتصادية وإنهاء الحرب في أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كذلك العمل على تنفيذ بنود وثيقة مخرجات الحوار وأبرزها زيادة الإنتاج والاهتمام بمعاش الناس وتحقيق السلام.
يذكر أن أكثر من 76 حزبًا وحركة سياسية ونحو ما يقرب من 30 حركة مسلحة شاركوا في جلسات الحوار الممتدة طيلة السنوات الماضية، بعضهم حصل على مناصب وزارية والآخر على عضوية برلمانية، إذ تم تعيين أكثر من 65 نائبا برلمانيًا من الأحزاب التي شاركت يضافون إلى 426 عضوًا حاليًا.
رئيس الحكومة المكلف أرجع تأخر إعلان التشكيل الجديد إلى كثرة المشاورات من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من المشاركين
حكومة الترضيات
بعد ساعات قليلة من إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني، شنت بعض القوى السياسية المعارضة هجومًا حادّا ضدها، مؤكدة أنها لن تستطيع أن تغير في المناخ السياسي القائم شيئًا في ظل ما تعاني منه من ترهل واضح نتيجة سيطرة الحزب الحاكم على مقاليد الأمور بها.
حزب الأمة السوداني المعارض استبدل مسمى “حكومة الوفاق الوطني” بـ”حكومة الترضيات الوطنية” في إشارة منه إلى أن الأسماء المختارة في هذا التشكيل إنما جاءت من باب مساعي الحزب الحاكم في ترضية بعض الأحزاب والقوى المشاركة في الحوار دون النظر إلى كفاءة تلك الأسماء وقدرتها على مواجهة تحديات المرحلة.
الحزب المعارض الأقوى في السودان فند ما قاله رئيس الحكومة الجديدة بشأن تمثيلها للقوى السياسية المتواجدة على الساحة وتنازل الحزب الحاكم عن بعض مكتسباته من أجل تحقيق الوفاق، ملفتًا أن الحكومة المعلن عنها ضمت مجموعة من أصحاب الأصوات العالية الساعية إلى المناصب إضافة إلى بعض الأحزاب المعروف ولائها للمؤتمر الوطني، بعيدًا تمامًا عن قوى المعارضة الحقيقية الجادة وفي مقدمتها قوى نداء السودان والتحالف الوطني الديمقراطي.
المعارضون لـ”الوفاق الوطني” قللوا من قدرتها على مواجهة التحديات القائمة لما تعانيه من ضعف في بنيتها المشكلة، إذ إنها تشكلت في المقام الأول من بعض الأحزاب الضعيفة التي لا تستطيع أن تحدث تأثيرًا في المشهد العام، وهو ما يرجح الأقوال التي تصف ما حدث بأنه إعادة تشكيل حكومة المؤتمر الوطني من جديد بوجه مختلف.
مدير مكتب حزب الأمة السوداني بالقاهرة أشار في لقاء متلفز له إلى أن الحزب لن يقف حيال ما تم مكتوف اليدين، موضحًا أن هناك بعض الخطوات التي قررت قيادات الحزب اتخاذها ردًا على الحكومة الجديدة، أبرزها تبني حوار وطني خارج السودان يضم كل الأطراف المعنية بالحوار كبديل لما حدث، ثم بعد ذلك يتم دعوة الحكومة السودانية للمشاركة في المخرجات الجديدة والجادة للحوار الوطني.
حزب الأمة السوداني المعارض استبدل مسمى “حكومة الوفاق الوطني” بـ”حكومة الترضيات الوطنية”
الأمن والاقتصاد أبرز التحديات
حكومة الفريق بكري حسن صالح بعد أن أدت اليمين الدستورية أمس، أمامها جملة من التحديات قبل حلول الانتخابات في عام 2020، على رأس هذه التحديات تحسين الوضع الاقتصادي وإحلال السلام.
ما يقرب من 1000 توصية ضمن مخرجات الحوار الوطني مطالب من الحكومة الجديدة تنفيذها، لعل أبرزها ما يتعلق بالأوضاع السودانية المتردية سواء على الجانب الاقتصادي حيث معاناة ملايين السودانيين من سوء الوضع المعيشي، فضلاً عن المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية وقلة الموارد، إضافة إلى الحرب الدائرة بين القوات النظامية وفصائل المعارضة المسلحة في دارفور وغيرها، كذلك التهديدات الأمنية والاقتصادية جرّاء تصاعد الخلاف مع جنوب السودان، وما يتطلبه من مجهودات قوية من أجل إحلال السلام.
كل هذه التحديات التي فشلت في تحقيقها الحكومات السابقة ستضع الفريق بكري وحكومته تحت ضغط جماهيري غير مسبوق، فالسودانيون الذين انتظروا ما يقرب من 3 سنوات ما بين مؤتمرات هنا وهناك، وجلسات حوار في الداخل والخارج، وشد وجذب بين الفصائل والقوى المتناحرة، لن يصبروا كثيرًا على الحكومة الجديدة، وهو ما يضعها في تحد خطير خاصة في ظل قصر الفترة التي تفصلهم عن الانتخابات القادمة المقرر لها عام 2022.
ولعل من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة المشكّلة حديثًا افتقادها للاعتراف من قبل فصائل المعارضة، إذ إنها منذ الوهلة الأولى مطالبة أن تواجه خصومة قوية من قبل بعض القوى والأحزاب التي تمتلك شعبية وحضورًا سياسيًا داخليًا قويًا وعلى رأسها حزب الأمة.
حزمة من التحديات في مواجهة الحكومة الجديدة أبرزها تحسين الوضع الاقتصادي وإحلال السلام
الأمن والسلام أبرز التحديات أمام حكومة الوفاق الوطني الجديدة
عدم الاستعجال في التقييم
على الرغم من التشكيك المبكر في قدرة الحكومة الجديدة على التصدي للتحديات المطروحة في ظل ما تعاني منه من ترهل نتيجة فشلها في إحداث أي تغيير ملحوظ في التوجهات كونها إعادة إنتاج لحكومة المؤتمر الوطني بوجه جديد كما يقول البعض، فإن الاستعجال في التقييم قبل بداية عملها نوع من الاستباق غير المبرر.
إعطاء مهلة للتشكيل الجديد للقيام بمهامه ومراقبته بصورة دورية مع مطالبته بوضع جدول زمني لإنجاز بعض الملفات التي تعهد بها عقب أدائه اليمين الدستوري ربما يكون الحل الواقعي والأمثل بعيدًا عن التوقع الاستباقي بالفشل المستند إلى إما نتائج أداء الحكومات السابقة، أو الخصومة السياسية فيما يتعلق بالأحزاب المعارضة لهذه الحكومة.
ويبقى نجاح أو فشل حكومة الفريق بكري متوقفًا على كيفية تعاطيها مع مخرجات الحوار الوطني وقدرتها على تنفيذ الغالبية العظمى منها في محاولة أولية لتقديم أوراق اعتمادها شعبيًا، فضلاً عن مرونتها في استمرار فتح باب الحوار مع الفصائل المعارضة الأخرى غير المشاركة وعلى رأسها حزب الأمة.