ترجمة وتحرير نون بوست
تعتبر الانتفاضة الاشتراكية التي شهدتها روسيا في تشرين الأول/أكتوبر سنة 1917 حدثا استثنائيا، وذلك بغض النظر عن كل ما قيل بشأنها. في الواقع، شهدت تلك السنة من التاريخ الروسي، إبان الإطاحة بآخر الأباطرة الروس، نيكولاي الثاني، وحكمه، ظهور سلسلة من المؤامرات، وانتشار العنف، فضلا عن تنامي مشاعر الولاء، والغدر، والشجاعة. في الأثناء، لا يسعنا إلا أن نحاول أن نتبين الفهم السائد لهذه الأحداث بالغة الأهمية التي هزّت العالم قبل عصور خلت.
منذ سنة 1989 وسقوط الستالينية، دأبت الثقافة السائدة منذ ذلك الوقت على وأد الثورة في قبرها والاحتفال بدفنها، وذلك في تناغم صارخ مع الادعاء الزائف الذي تتبناه الأنظمة المتصلبة والاستبدادية، التي تدّعي أنها تمثل كيانا أرقى بكثير من الثورة. وفي هذه المرحلة، لسائل أن يسأل: هل مثلت هذه الأحداث الجلل مجرد تحذيرات مروعة؟ أم شيئا آخر؟ وهل للثورة أهمية تُذكر؟
في الحقيقة، تُعتبر الثورة مهمة، ذلك أنها أحدثت تغييرا فيما مضى، فلما لا تحدث تغييرا مرة أخرى؟ من جانبي، وحين سُئلت عما إذا كانت الثورة، التي سنحتفل هذه السنة بالذكرى المئوية لها، تحظى بأهمية، باعتباري شخصا مفتونا بها وأستلهم أفكاري منها، غلب التردد على موقفي في البداية ومن ثم لُذت إلى الصمت. فعلى الرغم من ضرورة الحديث حول هذا الموضوع، إلا أن المفتاح لفهم أحداث تشرين الأول/أكتوبر سنة 1917، لا يقتصر على سرد الأحداث، وقد لا نحتاج حقا إلى التعبير عن ذلك نوعا ما.
في الحقيقة، قد نعي في صميم ذواتنا أن الثورة مهمة، بيد أن “شرح” “أهميتها” يبدو دفاعيا، وجامحا، ومتزمتا. في الواقع، لا تمثل النزعة السريعة “لشرح” كل شيء إشكالا لليساريين فحسب، حيث تعتبر مثيرة للقلق خاصة حين تصدر عن المتطرفين، على الأقل من حيث المبدأ. يسعى المتطرفون لشرح المعطيات من خلال تحريف التاريخ، ومكافحة الروايات، والتشكيك في الآراء الواردة بما في ذلك آرائهم الخاصة. مثّلت الاضطرابات السياسية الأخيرة والاستثنائية، على غرار ظهور جيريمي كوربين، وبيرني ساندرز، ودونالد ترامب، وأطوار الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مع ما يخبئه المستقبل، مجزرة في حق المتطلبات السياسية وتحقيرا واضحا لكل من يدّعون معرفة كل شيء.
في روسيا، تعلم حكومة بوتين علم اليقين أن الثورة مهمة، ما يجعلها في موقف لا تحسد عليه. في الواقع، يصعب عليها، وهي الملتزمة بالرأسمالية (حيث لا تزال العصابات الرأسمالية رأسمالية)، أن تعتبر نفسها وريثة للانتفاضة التي قامت في وجه النظام. في الوقت ذاته، يحول الحنين المعلن وغير المعلن لروسيا العظمى، بما في ذلك العهد الستاليني، دون محو ذاكرة الشعب. ووفقا لما أفاد به المؤرخ بوريس كولونيتسكي، أكثر ما نخشاه عدم “القدرة على التنبؤ بالماضي إلى حد كبير”.
خلال رحلتي الأخيرة إلى سانت بطرسبرغ، سألت أصدقائي الروس عن كيفية تعاطي الحكومة مع ذلك الإرث، في حال اضطرت للقيام بذلك. فهل ستحتفل بالذكرى المئوية للثورة أم تلعنها؟ وقد كانت الإجابة كالآتي: “سيشيرون إلى أنه كان هناك صراع، وأن روسيا فازت في نهاية المطاف”.
من ناحية أخرى، تتمثل إحدى مآسي الثورة اللامتناهية في الحرص على تأكيد أهميتها والتخلي عن مضمونها. فضلا عن ذلك، تم نشر رؤية التحرر العالمي على اعتبارها “صراع وحيد” خلال الصرخة الشوفينية الطويلة. وفي السياق ذاته، لا يمكننا الجدال حول أهمية أحداث سنة 1917، فعلى الرغم من كل شيء، تندرج المسألة ضمن حيثيات التاريخ المعاصر.
علاوة على ذلك، طالتا الثورة الروسية كافة مناطق العالم الحديث على غرار الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية، التي تشكلت في إطار معارضة المقاربات الثورية، وخصوم هذه الأحزاب بالطبع فحسب. كما امتدت على مستوى واسع من الجيوسياسية، حيث تحمل أنماط الولاء والتنافس في العالم، بالإضافة إلى الدول التي تشكل النظام العالمي آثار واضحة للثورة، وانحطاطها وعقودا من المواجهة.
من ناحية أخرى، وبعيدا عن العوالم الصارمة للكفاءة السياسية، يظل فنانو الطليعة الروس من قبيل كازيمير ماليفيتش، وليوبوف بوبوفا، وألكسندر روجينكو، وآخرون، جزء لا يتجزأ من الثروة التي احتضنها الكثيرون منهم، كما أن تأثيرهم لا يمكن حصره أو عدّه. من جهته، أشار الناقد الثقافي، أوين هاثيرلي، إلى “البنائية” على أنها “الحركة المعمارية والفنية الأكثر كثافة وإبداعا التي شهدها القرن العشرين”.
والجدير بالذكر أن هذه الحركة أثّرت أو استبقت كلا من “الفن التجريدي، وفن البوب، والفن البصري، والفنون التقليلية، والفن التعبيري التجريدي وأسلوب الرسم المتمرد، والعمارة الوحشية، ومرحلة ما بعد الحداثة، والتقنية العالية والعمارة التفكيكية”.
من ناحية أخرى، بإمكاننا تتبع آثار الثورة في الأعمال السينمائية، وعلم الاجتماع، والمسرح، وعلم اللاهوت، والواقعية السياسية والأزياء، ما يثبت بالطبع أهميتها. ومثلما قال لينين، أو لم يقل: “كل شيء مرتبط بكل شيء آخر”. وعند هذه النقطة، يعود التردد مرة أخرى، أي الشعور بأن هذه المقاربة الحيوية تدور حول المسألة بدلا من استنطاق جوانب القضية الأساسية. فلماذا تثير هذه المناقشة غضب الأفراد، عند طرحها بطريقة أخرى؟
شاينا ميلفيل: “في غياب الأمل، لا يوجد هناك أي دافع لتغيير العالم القبيح”.
على الرغم من أنه قد أصبح من المألوف الاعتراف بأن التاريخ يحمل جوانب أكثر عمقا مما اقترحه فرانسيس فوكوياما، إلا أن هذا الزمان لا يزال مُقدرا له أن يكون عصر ما بعد مارغريت ثاتشر، الذي يمكن وصفه على اعتباره “لا وجود لبديل له”، والذي لا يمكن الطعن في أساسياته. ومن أجل وضع نظام يستند إلى قيم أخرى، خلافا لمبدأ الربح الذي تسعى لتحقيقه القيادة الشعبية، لا بد من تحفيز الشعب على النهوض في وجه انتشار التقشف السادي.
بالتالي، تعتبر أحداث تشرين الأول/أكتوبر مهمة، باعتبارها رؤية لبديل على وجه التحديد. وقد كانت بمثابة مجازفة في البداية ولم يكن هناك أمل في أن تكون ناجحة، وهو ما يفسر الشعور بالغضب، على جميع الأصعدة، بدلا من مجرد الشعور بالسخط أو التسلية. من ناحية أخرى، يعد تفسير التاريخ والحاضر، على حد سواء، على المحك.
من جانبهم، يتقاسم معظم الذين يعارضون كل شيء باستثناء التحسّر على أحداث 1917، القناعة ذاتها، حيث يقرون بأن صعود الستالينية يعتبر بمثابة نتيجة حتمية للثورة. من جهة أخرى، يمكننا مناقشة الفكرة الآنف ذكرها، حيث يُشار إليها في الغالب على أنها أكثر أو أقل بديهية. في الواقع، لا يمكن حصر أي جزئيات في منظور واحد مضاد للثورة أو مواليا لها، يشمل الاشتراكيين بمختلف أطيافهم، بالإضافة إلى الليبراليين، والمحافظين والفاشيين وغيرهم.
خلافا لذلك، قد يذهب البعض إلى اعتبار البلشفية مُضلّلة ومأساوية، على الرغم من انتشار جشع السلطة الخبيثة. علاوة على ذلك، هناك ميل نحو خرافة أخلاقية فضّة، التي من غير الممكن أن يتفق عليها اثنين، وذلك والمتأتية بالأساس من استنتاجات المؤرخ، أورلاندو فيغس، علما وأنه لا يجب التشكيك في جدية أبحاثه. وفي الأثناء، أكد فيغس على أن مأساة الشعب، تتمحور بالأساس حول “الكراهية واللامبالاة تجاه معاناة الإنسانية، المُتأصلة بدرجات متفاوتة في عقول جميع الزعماء البلاشفة”. في الواقع، تعتبر هذه النظرية مجرد فكرة عبثية.
من ناحية أخرى، نجد بضعة من المؤمنين الحقيقيين بالثورة على غرار المجتمع الستاليني المُنفّر. وفي معظم الأحيان، يبقى السؤال المطروح على أولئك الذين يجدون سببا للاحتفال بالثورة: أي التواريخ يمثل بداية الحداد عليها؟ وفي حال تم تحطيم التقليد التحرّري، فمتى تم ذلك؟ سنة 1921؟ 1924؟ 1928؟ 1930؟ فضلا عن ذلك، فيما تتمثل سلسلة العوامل الكامنة وراء الانحطاط والمذابح التي ارتكبت في الحرب الأهلية؟ هل هي التدخلات المتحالفة التي مالت إلى جهة المعادين للسامية؟ أم فشل الثورات في أوروبا؟
في الأثناء، يطغى شعور بالتمزّق، والانكسار والخسارة، حيث أن كلا من الليبرالية واليمين يمثلان عنصران أساسيان وأمرا واقعا في العالم السياسي. وفي هذا الصدد، كتب البلشفي المنشق، فيكتور سيرج سنة 1937، أنه “غالبا ما يُقال أن جرثومة الستالينية كانت شبيهة بالبلشفية في بدايتها”. وأضاف سيرج قائلا: “لا أملك أي اعتراض، باستثناء أن البلشفية احتوت بدورها على العديد من الجراثيم الأخرى، أي أنها كانت تمثل كتلة من الجراثيم. لا ينبغي أن يتناسى أولئك الذين عايشوا حماس السنوات الأولى من الثورة الاشتراكية المجيدة هذا الأمر”.
وفي هذه المرحلة، لم يتردد سيرج في طرح تساؤل مهم للغاية: “هل من يعقل أن يُحكم على رجل حي بالموت على خلفية اكتشاف جراثيم أثناء تشريح جثة، التي من المرجح أنها رافقته منذ ولادته”. في الواقع، أصبح هذا التعليق غير المألوف أمرا مبتذلا بالنسبة للاشتراكية المعادية للستالينية، إلا أن ما يسلب الأمر حماسه يتمثل في أن سيرج يبرّء البلشفية من حتمية قيادتها إلى الستالينية.
في الواقع، يمثل عزوف أي حركة عن تبني سيرة تقديسية، وتقبلها لتقيّم تقاليدها بشكل نقدي، دليلا على تمتعها بالاستقرار والثقة. وبالتالي، لم يترتب عن هذه المحاسبة عن الحرب الأهلية العزلة المفروضة على النظام، والمجاعة، والانهيار الصناعي والزراعي والاجتماعي فحسب، بل الانحطاط السياسي بين صفوف البلاشفة أيضا خلال الأشهر والسنوات التي تلت تولي السلطة.
بغض النظر عن أن الثورة تمثل مصدرا للإلهام ومنبعا للدروس في الحياة، إلا أن اعتبار ذلك كمقياس لكل شيء دون هوادة، يعتبر أحيانا ضربا من الحماقة. فضلا عن ذلك، معاملة حزب لينين سنة 1917 كنموذج إلى يومنا هذا، يعد أيضا أمرا غير منطقي. وفي إطار المناقشات التي تطرحها بعض الجماعات المتطرفة، يُمكن للمرء أن يميّز تأثير التوجهات غريبة الأطوار، بالإضافة إلى مفردات الأدب الاشتراكي المُترجم منذ قرن من الزمان. في المقابل، لا يسمح ذلك للثورة بأن تكون ذات أهمية كبرى، بل على العكس يدفع الأشخاص لإدراك أهميتها للأسباب الخاطئة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، ليس من الضروري تقديم مثل هذه المرافعة الخاصة أو إعادة إحياء الثورة، حيث أن ذلك لا يجسد مدى اخلاصنا لها. وأيا كانت خصوصيات روسيا خلال سنة 1917، فإن الثورة تجسد صدى للأفكار التحليلية التي تقدمها في الوقت الحالي. فضلا عن ذلك، تؤكد الثورة التي يمكن اعتبارها كأفق، وحقيقة مطلقة، مُغالية ومهمة على حد سواء، أن الأمور التي أحدثت تغييرا فيما مضى بإمكانها أن تحدث ذلك مجددا. في الحقيقة، هناك رابط بين الإذلال والعنف وعدم المساواة والاضطهاد الذي نعيشه اليوم، وبين الأفكار والقيم التي خرجوا بها آنذاك.
في هذا السياق، وبالعودة إلى سؤالنا المحوري: لماذا تُعدّ الثورة مهمة؟ نجد أن الإجابة تتعلق بالجوانب الصحيحة التي انطوت عليها، وأوجه الخطأ فيها. في الحقيقة، تعتبر الثورة مهمة لأنها لا تظهر ضرورة الأمل فحسب، بل حتمية إبداء التشاؤم إذا ما تطلب الأمر ذلك، والترابط بين الاثنين. فمن دون أمل، محرك تلك الألفية، لن يكون هناك دافع لتغيير العالم القبيح. أما من دون تشاؤم، الذي يمثل تقييما صريحا للصعوبات، فبالإمكان إعادة صياغة الضروريات بسهولة على اعتبارها فضائل.
إثر وفاة لينين، تبنى حزبه نظرية ستالين لسنة 1924، القائمة على “الاشتراكية في بلد واحد”. وقد أدى ذلك إلى القضاء على التزام طويل باتجاه النزعة العالمية، وما رافقها من يقين بأن الثورة الروسية ليس بإمكانها الاستمرار في عزلة. وقد ساهم ذلك في حدوث تحول منبثق من اليأس. من ناحية أخرى، كان الإعلان عن الاحتفال بالاشتراكية ذاتية الحكم في نهاية المطاف أمرا كارثيا. ونتيجة لذلك، كان التشاؤم المتشدد ليكون أقل ضررا من هذا الأمل المدمر.
ناشطة من الحزب الشيوعي تحمل راية نقشت عليها صورة جوزيف ستالين، خلال تجمع يوم الأول من أيار/مايو في موسكو
تعزى أهمية الثورة إلى أنها جسدت ألفية كاملة بشكل صحيح، أما خصومها فيتّهمون الاشتراكية بأنها دين، إلا أن هذا الادعاء، بطبيعة الحال، ضرب من النفاق. في الواقع، يتم غمر الشيوعية، في كثير من الأحيان، بالحماسة الطائفية لطرد الأرواح الشريرة. والأهم من كل ما سبق ذكره، أن الضعف الذي يرافق أو يغذي تحليل أنصار أحداث سنة 1917، الذين تقودهم دوافعهم المثالية، والتعطش لعالم جديد وأفضل، حتى يصبح بإمكان الأفراد العيش فيه، يغيب تماما عن جوانب هذه الثورة.
على الرغم من أن جميع الأسباب الآنف ذكرها حاسمة ولها صلة وثيقة بالموضوع، إلا أن لا تزال غير كافية. في الأثناء، يستمر الشعور بالجمود المتجمدة والمغالاة، الذي ليس من السهل التعبير عنه. من ناحية أخرى، تعجز الكلمات، مرارا وتكرارا، عن التعبير عن تطلعات الثورة، وملابساتها المروعة، فضلا عن أخطائها ونجاحاتها. بالإضافة إلى ذلك، تخفق الكلمات التي تواترت في البرقيات التي أرسلها الجنود إلى الصحافة في أعقاب الثورة، والتي عبروا فيها عن يأسهم، خاصة وأن ثورة شباط/فبراير تم القضاء عليها دون إعادة إحيائها، عن رصد الحقيقة.
علاوة على ذلك، أبت الكلمات ضمن منشورات البلاشفة المشكوك فيها خلال تموز/يوليو سنة 1917، الذين كافحوا آنذاك من أجل كبح جماح الشوارع المضطربة، أن تجسد الواقع. وفشلت الكلمات أيضا بشكل ذريع حين فهم الحزب أن نداءه بعدم التظاهر في الشوارع، الذي ورد في جل صحفهم بالفعل، سيقع تجاهله على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، وفي وقت متأخر من الليل، تم حذف تلك السطور لتجنب الاحراج، فيما ظهرت صحيفة “البرافدا” الروسية في الرابع من تموز/يوليو مع مساحة بيضاء فارغة، توسّطت صفحتها الأولى.
في الواقع، لم تكن تلك الخطوة أول التزام بالصمت المدون من جانب اليسار الروسي، فقبل 60 سنة من الثورة تقريبا، نشر الكاتب المتطرف، نيكولاي تشيرنيشيفسكي، روايته “ما العمل؟”، وهي رواية سياسية طويلة ذات تأثير هائل على الحركة الاشتراكية، وخاصة على لينين الذي أطلق اسم الرواية على حركته سنة 1902. يضم تصوير تشيرنيشيفسكي للنقطة المفصلية، التي تمثل نقطة الارتكاز من التاريخ نحو إمكانيات المستقبل، في مجمله صنفين من الأعمال.
من جانبهم، سيفهم القراء المثقفون أن الثورة تقف خلف المنشور المحذوف. نجح تشيرنيشيفسكي في التهرب من المراقبة، إلا أن هناك جانبا دينيا أيضا، وإسخاتولوجيا، فيما لم يكتبه الابن الملحد لكاهن. وفي روسيا، كتبت فرجينيا وولف في روايتها “أورلاندو” أن “الجمل التي لم تكتمل من الشك، غالبا ما يتم انهائها بشكل أفضل”. وبطبيعة الحال، يدل ذلك على الازدهار الأدبي، وهو أساس الرومانسية الروسية المشتركة وغير القابلة للاستمرارية. وعلى الرغم من ذلك، تبدو صياغة هذه الرواية الروسية بالذات “نبوية”.
تصف أعمال نيكولاي تشيرنيشيفسكي الثورة نفسها، كما أن الفراغ الذي توسط صحيفة البرافدا يتضمن تكتيكات خاصة، إذ أن ما لم يتم التعبير عنه لا علاقة له بأي شكل من الأشكال هذه الرواية الغريبة، إلا أنه عنصر أساسي فيها. بالتالي، يوجد أساسيات لأهمية الثورة، ذلك أن بإمكاننا اختبار ما لا نستطيع الحديث عنه. ولهذا السبب، ترافق اللهفة ذاك التردد في الإجابة على السؤال، وذلك ليس لرغبة في الحديث، وليس للكفاح والفشل في الشرح أو الحديث عن أحداث تشرين الأول/أكتوبر، ولكن طمعا في أن يكون جزء منها.
المصدر: الغارديان