على بعد 170 كم شمال غرب تونس العاصمة، تقع مدينة طبرقة متصدّرة بين البحر والجبل والسهل وأشجار الصنوبر والبلوط والفلين العالية، كعروس في ليلة زفافها، تمنح زائرها الحب والهدوء والجمال الذي قلّ نظيره.
رائحة المدن تشدّ الرحال في جولتها الأسبوعية في مدن المغرب العربي، إلى عروس الشمال التونسي ولؤلؤة الساحل “طبرقة” الساحرة الملونة بألوان الطبيعة والعمران الفريد الذي يخلب الأنظار، ويسحر العقول ويسلب القلوب، بمنازلها البيضاء والزرقاء ذات الأسقف المكسوّة بالقرميد الأحمر.
طبيعة يتعانق فيها البحر والجبل والشجر
بحر وجبال، أشجار متنوعة وشواطئ ذات رمال شقراء محاطة بنتوءات صخرية، أول ما يعترضك في مدينة طبرقة التونسية، فإذا كنت من محبي التمتع بالطبيعة الساحرة والمناظر الطبيعية الخلابة عليك بطبرقة، ففيها تجد مبتغاك وضالتك التي تبحث عنها.
هناك تعانق زرقة مياه البحر الأبيض المتوسّط، الجبال وغابات الصنوبر والفلين والبلوط، مشكّلة لوحة فنية، يشدّ السياح من كل بقاع العالم الرحال إليها للتمتع بمشاهدتها والتقاط بعض الصور التذكارية التي يتباهون بها بين أقرانهم.
الإبر المتناثرة على شاطئ بحر المدينة
في غابات طبرقة يحلو التجول تحت ظلال أشجارها الوارفة سواء مشيًا على الأقدام أو ركوبًا على الخيل، وفي هذا الفردوس يستطيع هواة الصيد أن يمارسوا هوايتهم متأكدين من وجود طرائد برية متنوعة، ففيها تجد تنوع الحياة البرية والطيور المستقرة والمهاجرة، مما يجعلها مقصدًا للسائحين المغرومين بالحياة الطبيعية ومحبي الصيد على حدّ السواء.
غير بعيد عن هذه الغابات، في اتجاه الغرب، يجد السائح نفسه في حديقة وطنية يطلق عليها اسم “الفايجة” تمسح ما يقارب 3000 هكتار، والمعروفة بغاباتها الجميلة واستضافتها لعدد كبير من الغزلان الحمراء البربرية التي تحظى بتدابير حمائية كبيرة.
محمية الفايجة
وتنظم في فصلي الخريف والشتاء رحلات صيد منتظمة، وقد حدد التشريع التونسي المتعلق بسياحة الصيد الأنواع التي يسمح بصيدها وهي “ابن آوى، الثعلب، النمس، الزريقاء، القط البري، الأرنب البري”، إضافة إلى طيور “السمنة والزرزور” التي تتكاثر خاصة في شهر يناير، إلا أن صيد هذين الطائرين يتطلب رخصة وتنظيمًا مسبقًا مع الجهات المسؤولة في المنطقة.
بين أشجار هذه الغابات الشامخة فوق جبال طبرقة، تنبع عيون المياه الحلوة التي تفوق في حلاوتها المياه المعدنية التي عرفت بها تونس في دول العالم، وقريبًا منها شيّدت سدود عديدة تشكلت فيها بحيرات بديعة ساحرة في قلب الغابة.
محبو “الغوص” و”المرجان”
إلى جانب روعة الاصطياف على شواطئها التي تمتد بين الغابة وجبل “خمير” في سلسلة من الكثبان الرملية شرقًا والخلجان الحجرية والإبر الصخرية المعروفة بالأسد الأصفر غربًا وهي عبارة عن صخور مدببة، تقف شامخة في وجه الأمواج العاتية، وتعود إلى العصر الحجري الأول ويناهز ارتفاعها عشرين مترًا، يجد محبو السباحة وهواة الغوص في أعماق بحر طبرقة خير ميدان لممارسة هواياتهم، فالغوص في أعماق البحر من الأعمال التي تشتهر بها، حيث يُنظم سباقان دوليان كل عام: الأول سباق الغوص والثاني سباق المراكب الشراعيّة واللذين يشهدان مشاركة عالمية كبيرة، وينصح بالمشاركة فيهما أو حتى مشاهدتهما والتمتع بالمتابعة.
رياضة الغوص في أعماق البحر تجذب السياح
محبو الغوص في أعماق بحر طبرقة لا يكتفون بممارسة هوايتهم المفضلة فقط بل تكون لهم فرصة القيام بجولة منعشة مليئة بالمفاجآت بين أحضان طبيعة رائعة الجمال ومشاهد تزخر بالحياة المتدفقة في حركية الأسماك وحيوية النباتات، وأفضل فترة للغوص إذا أردت خوض هذه المغامرة الجميلة الشيقة تكون من بداية شهر أبريل إلى نهاية شهر أكتوبر.
والأفضل هو التمتع بمشاهدة “المرجان” أو “الذهب الأحمر”، حيث تشتهر طبرقة بقاعها البحري الصخري الثري بالمرجان، ويعد المرجان من بين الأحجار الأكثر قدمًا في الاستخدام في صناعة الحلي، ولا يزال يحتفظ بمكانة بارزة في تونس سواء من خلال تصنيعه أو استخدامه، وتعتبر مدينة “طبرقة” ثاني أشهر مدينة في العالم في إنتاج وتصدير المرجان.
الذهب الأحمر “المرجان”
ويوفر نادي “اليخت” لمحبي هذه الرياضة أدوات غوص من طراز رفيع، كما توجد به فرقة نشيطة من المدربين وذلك قصد تمكين الغواصين من استكشاف هذه الأعماق الزاخرة إضافة لثروتها السمكية والنباتية بحطام السفن وبالكنوز التي ورثها سكون البحر عن التاريخ.
عمارة فريدة تعانق جمال الطبيعة
جمال “طبرقة” لا يتوقف عند ما حباها الله به من جمال للطبيعة وحسن خلق وتصوير، بل يتجاوز ذلك إلى ما ورثته من تراث وفن معماري بديع، ففي أعلى سفح الجبل تعترضك القلعة التي تعود إلى الفترة الفينيقية، إلا أن طابعها إيطالي إذ نحت ملامحها الغزاة الآتون من جنوة خلال القرن السادس عشر والذين أقاموا فيها قرنًا ونصف القرن قبل أن يخرجهم منها الأتراك، حتى أصبحت تعرف بـ”لحصن الجنوي” نسبة إلى أهل جنوة.
القلعة تعلو الجبل والشجر
من أعلى هذه القلعة لك أن تشاهد المدينة بأكملها، بحرها وجبلها سهولها وأشجارها، منازلها وسكانها، في مشهد فريد بديع قلّ مثيله، ويزيده روعة ما تمتلك المدينة من معالم تاريخية، أبرزها “البازيليك” وهو عبارة عن صهاريج حولت خلال فترة الاستعمار الفرنسي إلى كنيسة، ثم أصبحت غداة الاستقلال قاعة للعروض الفنية، وخزانات المياه والحنايا (القنوات) وبرج علي باشا، إضافة إلى اللوحات الفسيفسائية وبقايا الحمامات الرومانية في مدخل الحديقة العمومية.
منازل المدينة وسط الأشجار
ولك أن تتمعن النظر في هذه القلعة على وسط المدينة الذي حافظ على طابعه القديم منذ تشييده في بداية القرن الثامن عشر، وعلى مريدي المقاهي والسياح على طول الشواطئ والإبر الصخرية العالية المنحوتة بمياه البحر، وقوارب الصيد واليخوت المنتشرة في الميناء، ومحلات المجوهرات والتحف الفنية والمنازل ذات الجدران البيضاء والأبواب الزرقاء والسقوف القرميدية الحمراء المدرجة كمنازل إمارة “موناكو” الفرنسية، لتقاوم ثلج شتاء المدينة القارص.
محبو رياضة “الغولف” و “التنس”
زيارة طبرقة لا تكتمل عند الكثير من السياح إلا بالذهاب إلى ملعب الغولف بالمدينة، المعلق وسط الأشجار التي علت جبل خمير، ملعب لا يبعد كثيرًا عن مجمّعات الفنادق النائمة في حضن الغابة، لك أن تمضي فيه ساعات عدة تمارس فيها رياضة الغولف إن كنت من محبيها.
آلاف السياح يقصدون طبرقة لممارسة رياضة الغولف
ويمتدّ هذا الملعب الذي يحتوي على 18 حفرة على مساحة 110 هكتارات من غابات الكاليتوس والصنوبر، متناغمًا مع محيطه مما مكّنه أن يكون ضمن أهم الملاعب العالمية على ساحل البحر، وهناك أيضًا يجد هواة كرة المضرب أو “التنس” ضالتهم، ففي طبرقة العديد من ملاعب هذه اللعبة التي تحتضن المباريات يوميًا، منها المضاءة ليلاً.
مدينة الموسيقى
في عروس الشمال، لا تكاد تنقطع عنها المهرجانات الموسيقية والعروض التنشيطية أبدًا، فدائمًا ما تكون الأجواء في هذه المدينة احتفالية تستقطب محبي الطرب واللهو، ومن أبرز هذه المهرجانات المهرجان الدولي للجاز الذي يندمج بالمدينة التي تعتبر مهد موسيقى الجاز في تونس، في بداية شهر سبتمبر من كل عام منذ عام1996.