مجددًا، وكالانتخابات المحلية الفلسطينية السابقة عام 2012، قررت السلطة الفلسطينية بقيادة رئيسها محمود عباس، إجراء انتخابات البلدية المحلية في الضفة الغربية فقط، دون غزة أو القدس أو حتى مخيمات الشتات.
فقد انطلقت صباح اليوم السبت عملية الاقتراع في الانتخابات البلدية في مدن الضفة الغربية الواقعة تحت سيادة السلطة الفلسطينية، وسط مقاطعة أكبر من عام 2012، من قبل الحركات الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). حيث تشاركها المقاطعة حركة الجهاد الإسلامي، وكذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كانت قد شاركت في انتخابات 2012.
إلى ذلك، وبالرغم من أن هذه الانتخابات ستجري في 28 دائرة محلية في ضواحي القدس المحتلة، إلا أن سكان المدينة يُحرمون -وفق اتفاق أوسلو- من المشاركة فيها، بدعوى قيام “إسرائيل” بضمها عقب احتلالها عام 1967.
حتى الحركات اليسارية التي كانت تضفي بعض التنوع في الانتخابات السابقة رغم مقاطعة حماس والجهاد، أصبحت مقاطعة الآن لهذه الانتخابات، وتركت حركة فتح تخوضها وحدها في 11 محافظة بالضفة الغربية
كذلك ترفض السلطة الفلسطينية مشاركة غزة في هذه الانتخابات، بحجة أن حركة حماس تمنع لجنة الانتخابات من أداء عملها على أكمل وجه في القطاع، كما ترفض حركة حماس المشاركة في هذه الانتخابات ومسائل الانقسام الفلسطيني لم تحل بعد، حيث أوضحت الحركة في بيان قبل أيام أن مقاطعتها للترشح في الانتخابات المحلية جاء في أعقاب صدور مراسيم رئاسية وقرارات حكومية خارج نطاق التوافق الوطني، مؤكدة في الوقت ذاته أن مسألة تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام هي الضامن الوحيد لإنجاز حالة ديمقراطية فلسطينية سليمة.
لكن في الوقت نفسه، دعت حماس قاعدتها التصويتية في الضفة إلى “اختيار الأصلح والأقدر على خدمتهم في انتخابات المجالس البلدية”.
حركة الجهاد الإسلامي أيضًا أعلنت في وقت سابق مقاطعتها لهذه الانتخابات، قائلة إنها تريد “استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام قبل الذهاب إلى الانتخابات العامة (المجلس الوطني والرئاسية والمجلس التشريعي) والانتخابات المحلية، وإلا فإن الانقسام سيتعزز”.
تقسيم المُقسّم و”التنصّل من الشراكة”
انعكاس الانقسام الفلسطيني المستمر منذ نحو 11 عامًا، ألقى بظلاله اليوم على هذه الانتخابات، كما أن مقاطعة كبرى الفصائل الفلسطينية، سيؤدي بشكل كبير إلى نسب مشاركة متدنية في هذه الانتخابات التي تخوضها حركة فتح شبه وحيدة، في تنافس مع مرشحين مستقلين.
حتى أن الحركات اليسارية التي كانت تضفي بعض التنوع في الانتخابات السابقة رغم مقاطعة حماس والجهاد، أصبحت مقاطعة الآن لهذه الانتخابات، وتركت حركة فتح تخوضها وحدها في 11 محافظة بالضفة الغربية.
حركة المقاومة الإسلامية حماس كانت قد وصفت قرار الحكومة بالضفة دون غزة بقرار يعزز الانقسام. وقالت الحركة على لسان الناطق الرسمي باسمها عبد اللطيف القانوع إن القرار مفصل لحركة فتح، ووصفة لترسيخ الانقسام، وتدمير العملية الديموقراطية، وتنصل من الشراكة.
دعا القانوع إلى احترام ما اتفق عليه بين الفصائل الفلسطينية ولجنة الانتخابات المركزية، قائلا: “من الصعب المشاركة في انتخابات دون شراكة وطنية واجتماعية حقيقية”
وأوضح القانوع في تصريحات لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أن قرار الحكومة يعد ترسيخا لسياسة الأمر الواقع، وتعقيدا للمشهد الفلسطيني مؤكدا أن حركته معنية بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن الملاحقات الأمنية لكوادرها في الضفة. ودعا القانوع إلى احترام ما اتفق عليه بين الفصائل الفلسطينية ولجنة الانتخابات المركزية، قائلا: “من الصعب المشاركة في انتخابات دون شراكة وطنية واجتماعية حقيقية”.
وكانت لجنة الانتخابات المركزية أعلنت عن التزامها بقرار حكومة التوافق الوطني إجراء الانتخابات المحلية بالضفة الغربية وتأجيل عقدها في قطاع غزة. وأعربت اللجنة سابقًا، عن أملها في أن تتمكن خلال مرحلة قريبة من إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، لتستكمل العملية الانتخابية في كافة الهيئات المحلية في أنحاء الوطن، كما قالت.
ودعت لجنة الانتخابات المركزية جميع الفصائل الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني إلى مواصلة الحوار من أجل إجراء الانتخابات في قطاع غزة، مضيفة أنها “تتطلع إلى تعاون كافة الجهات المعنية لتوفير الأجواء والحريات اللازمة لإجراء الانتخابات بشكل ديمقراطي كما يتوق له أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان”.
لماذا لا تشارك المخيمات أيضًا؟
تبرر لجنة الانتخابات الفلسطينية أن “عدم مشاركة مخيمات اللاجئين في الانتخابات المحلية بالضفة الغربية هو قرار ذاتي اتخذه ممثلو اللاجئين لأسباب سياسية متعلقة بحق العودة”. هذا مع العلم بأن المخيمات في الضفة الغربية غير مشمولة في قائمة الهيئات المحلية التي ستجري فيها الانتخابات، والتي شملها قرار مجلس الوزراء بالدعوة لانتخابات مجالس الهيئات المحلية.
وتقول اللجنة إن من الجدير ذكره أن “المخيمات الفلسطينية تشارك في الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) بشكل كامل. إلا أن عدم مشاركة المخيمات في الانتخابات البلدية جاء بعد الاجتماع مع ممثلي المخيمات في الضفة في عام 1997م، والذين رفضوا الانتساب لأي قرية أو مدينة”، مرجعة السبب “للارتباط بحق العودة، مع إبقاء حقهم بالمشاركة في الانتخابات العامة”.
يتساءل فلسطينيون، إذا كان أبناء المخيمات الفلسطينية يشاركون في الانتخابات العامة، وقد شاركوا في الانتخابات السابقة، وفي الانتخابات الداخلية على مستوى الأحزاب وفي انتخابات مجالس الطلبة، لماذا لا يشاركون في الانتخابات المحلية؟
إلى ذلك، يرفض كثير من أبناء المخيمات في الضفة الغربية فكرة أن مشاركتهم في الانتخابات المحلية قد تنتقص من حقهم في العودة، حيث أن هذا الأمر ليس له أساس في القانون أو والقرارات الدولية، مع الإشارة إلى أن الحديث هنا يدور عن الفلسطينيين الذين نزحوا قسراً عن أرضهم إلى داخل الوطن، وليس كاللاجئين المقيمين في دول الطوق، كالأردن وسوريا ولبنان.
ويتساءل فلسطينيون، إذا كان أبناء المخيمات الفلسطينية يشاركون في الانتخابات العامة، وقد شاركوا في الانتخابات السابقة، وفي الانتخابات الداخلية على مستوى الأحزاب وفي انتخابات مجالس الطلبة، لماذا لا يشاركون في الانتخابات المحلية؟
مليون و143 ألف ناخب في الضفة
هنا أيضًا وإلى جانب الانقسام، رأى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية، أن قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية معقّد ولا يناسب الواقع الفلسطيني، مشيرا إلى أن العشائرية أصبحت تطغى على الانتخابات المحلية الحالية.
هذه الانتخابات اليتيمة، وبحسب لجنة الانتخابات الفلسطينية التي تشرف عليها، بلغ عدد الناخبين المسجلين في الضفة الغربية والمدعوين لها، نحو مليون و 143 ألف ناخب
وأشار اشتية في تصريح صحفي أمس، إلى أن أبرز سلبيات النظام أنه يحرم المستقلين والكفاءات والذين يرغبون في الترشح بعيدًا عن القوائم من ذلك، فالكثير ممن يجدون في أنفسهم الكفاءة ولا يرغبون في أن يحسبون على جهة معينة أو قائمة سيحرمون من الترشح.
هذه الانتخابات اليتيمة، وبحسب لجنة الانتخابات الفلسطينية التي تشرف عليها، بلغ عدد الناخبين المسجلين في الضفة الغربية والمدعوين لها، نحو مليون و 143 ألف ناخب. حيث أعلنت اللجنة أن عملية الاقتراع للانتخابات المحلية، تجري في 451 مركز اقتراع، موزعة على 11 محافظة في الضفة، وأن 4411 مرشحا يتنافسون من خلال 536 قائمة انتخابية على 1561 مقعدا في 145 هيئة ومجلسا محليا.
يذكر أن الانتخابات المحلية الفلسطينية اليوم السبت تعد الثالثة منذ توقيع اتفاق أوسلو، حيث شاركت حركة حماس في أول انتخابات جرت قبل أكثر من 12 عاما، وقاطعتها عام 2012، والآن تقاطعها مجددًا. كما أن آخر انتخابات رئاسية تعود إلى العام 2005، حيث ما زالت ولاية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مستمرة في غياب توافق مع حركة حماس.