بخُطى ثابتة، وفي خفاء الليل، وبعيدًا عن أعين وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، تواصل سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” طرح وتنفيذ مخططاتها “الخبيثة” لفرض السيطرة الكاملة على مدينة القدس المحتلة بكل ضواحيها، وتعزيز سياسة الفصل العنصري، مستغلة ضعف السلطة الفلسطينية المقيدة باتفاق أوسلو.
مخططات الاحتلال للسيطرة على القدس لم تتوقف عند الإجراءات القمعية والتغيير الديموغرافي القسري، بل كان آخرها ما تم كشفه عن خطة استراتيجية تدريجية لتفتيت الوجود الفلسطيني بالمدينة عبر إخراج الأحياء العربية من بلدة القدس، وصولاً إلى الهدف الأكبر لإسرائيل (أقلية عربية وأغلبية يهودية)، فيما تشير إحصائيات إلى تزايد أعداد المستوطنين بالقدس وغالبيتهم من المتشددين الصهاينة.
وتقضي الخطة الإسرائيلية، تعزيز الفصل العنصري وإنشاء خمسة مراكز شرطية “مخافر” جديدة في البلدات والأحياء المقدسية “رأس العمود، جبل المكبر، سلوان، العيسوية، صور باهر”، إضافة لإقامة حواجز دائمة للشرطة بين قرى وشوارع المدينة المقدسة.
خطر يحيط بالهوية الفلسطينية
كما تشمل الخطة تجنيد ما بين 1200 و2000 شرطي جديد للخدمة في مدينة القدس، في الوقت الذي زعم فيه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد أردان، أن تطبيق الخطة الجديدة يهدف إلى فرض سلطة القانون والنظام في أحياء شرقي القدس.
النائب في المجلس التشريعي عن القدس جهاد أبو زنيد، تقول إن هدف “إسرائيل” من افتتاح مركز شرطة في مخيم “شعفاط” في هذا التوقيت على وجه التحديد جاء لمعرفة ماذا سيحدث في المخيم بعد افتتاح مخفر للداخلية ومركز جماهيري سيستقطب الشباب والنساء والأطفال، وبناء عليه ستقوم بافتتاح مراكز أخرى في كل الأحياء المقدسية كسلوان والطور ورأس العامود وكذلك القرى المقدسية“.
حذرت أبو زنيد، من خطورة وجود مخفر الشرطة على سكان المخيم الذي اعترف الاحتلال بشكل رسمي بمؤامرته المتواصلة ضد سكانه بهدف إفراغه
وحذرت أبو زنيد، من خطورة وجود مخفر الشرطة على سكان المخيم الذي اعترف الاحتلال بشكل رسمي بمؤامرته المتواصلة ضد سكانه بهدف تفريغه، قائلةً: “الحديث يدور عن شرطة مدنية تتطلب تطوع جماهير وشباب المخيم، وكذلك استغلال النساء والأطفال من خلال مركز الخدمات، مما يفتح الباب أمام محاولات تشغيلهم بالعمالة مستغلة لحاجات الناس“.
ونوهت أبو زنيد إلى أن الخطوة برمتها تشكل خطرًا على الهوية الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي تُمنع السلطة الفلسطينية من التدخل في شؤون المخيم لعدم وجود مرجعية لها وفقًا للاتفاقات التي قيدها الاحتلال بها. وأردفت ذلك بحادثة قبل 4 سنوات حاول خلالها رئيس الوزراء السابق سلام فياض شق طريق قرب المخيم في ضاحية السلام مما أدى “لأن تقوم الدنيا ولا تقعد” على حد وصفها.
وعن الجهة التي لها الولاية الإدارية على المخيم تذكر أبو زنيد أن بلدية القدس صاحبة الاختصاص في هذا الشأن، مستدركةً أن الأونروا تعنى فقط باللاجئين الموجودين في المخيم ضمن حدود جغرافية قامت بتحديدها مرقمة بيوتها وبناء عليها تقدم مساعداتها.
يقع مخيم “شعفاط” للاجئين بين قريتي شعفاط وعاناتا، وقد أنشئ عام 1965 لإيواء اللاجئين الذين نزحوا من مخيم عسكر الذي أنشئ عام 1951 في حارة الشّرف في البلدة القديمة من القدس ويسكن في المخيم اليوم ما يقارب الـ85 ألف نسمة
ويقع مخيم “شعفاط” للاجئين بين قريتي شعفاط وعناتا، وقد أنشئ عام 1965 لإيواء اللاجئين الذين نزحوا من مخيم عسكر الذي أنشئ عام 1951 في حارة الشّرف في البلدة القديمة من القدس ويسكن في المخيم اليوم ما يقارب الـ85 ألف نسمة يحمل جزء منهم الهوية الإسرائيلية.
وتذكر أن أبرز التحديات التي تواجه المخيم حصاره بجدار الفصل العنصري والحاجز وآفة المخدرات التي أشاعتها “إسرائيل” في صفوف الشباب وكذلك العنف الأسرى وبخاصة تجاه النساء نتيجة الفقر المتفشي في المخيم.
إعلان حرب على مدينة القدس
مقدسيون أدانوا استمرار بسط النفوذ الذي تفرضه حكومة “إسرائيل” في قلب الأحياء الفلسطينية بالمدينة المقدسة، ورفضوا هذه الإجراءات واعتبروها ذروة التمييز والفصل العنصري، مؤكدين أن الاحتلال يسعى من خطته الجديدة في مدينة القدس إلى تعزيز سيطرته على شطر الشرقي منها.
عدنان غيث أمين سر حركة “فتح” في القدس، قال إن “إنشاء مراكز شرطة إسرائيلية في مدينة القدس سيكون ضربة في خاصرة المدينة وستقطع أوصالها بالقرى المحيطة بها أكثر فأكثر، وبهذا يكون الاحتلال قد أعلن حربًا شرسة على شعبنا من خلال تضييق الخناق والملاحقات بحق شعبنا الأعزل إلا من الإرادة“.
القدس وبفعل إجراءات الاحتلال، تحولت إلى ثكنة عسكرية تغيب عنها مظاهر الحياة الطبيعة الاعتيادية
وأشار غيث إلى أن القدس وبفعل إجراءات الاحتلال، تحولت إلى ثكنة عسكرية تغيب عنها مظاهر الحياة الطبيعة الاعتيادية، وقد زرعها الاحتلال بمئات الكاميرات الحسّاسة، ونشر المئات من عناصره في شوارعها وطرقاتها ومحاور الطرق ووضع نقاطًا عسكرية ثابتة على مداخل وأبواب القدس القديمة، وعلى مداخل مختلف البلدات والأحياء المقدسية، وكل ذلك لفرض هيمنته وسيادته على المدينة، التي بمجموع مكوناتها تلفظ الاحتلال ومؤسساته.
وزير شؤون القدس سابقًا، زياد أبو زياد، يؤكد أن الشروع في افتتاح مخافر القرى والبلدات العربية من جانب “إسرائيل” يأتي في سياق الدعوات المتكررة التي تطلقها بعض القوى اليمنية الإسرائيلية لإخراج الأحياء العربية التي في الأطراف من مدينة القدس والتي تأتي ضمن خطة متدرجة، وشدد أن هذه الخطوة ترمي على المدى البعيد لخفض عدد السكان العرب في مدينة القدس مقابل زيادة أعداد اليهود.
وتساءل أبو زياد عن السبب الذي يدفع “إسرائيل” لإقامة حاجز يفصل مخيم شعفاط عن مدينة القدس رغم أن معظم سكانه يحملون الهوية الزرقاء التي تأهلهم للتحرك بحرية في المدينة .
“اتفاقية أوسلو ألزمت السلطة بألا يكون لها نشاط في المدينة وهو الأمر الذي لم تطالب به منظمة التحرير في أثناء المفاوضات إلى حين انتهاء مفاوضات الحل النهائي، مما ترك المجال لأن تكون” إسرائيل” لها حرية التصرف ضد المدينة وسكانها“
وعن دور السلطة في القدس يتفق أبو زياد مع سابقته بالقول إن “اتفاقية أوسلو ألزمت السلطة بألا يكون لها نشاط في المدينة وهو الأمر الذي لم تطالب به منظمة التحرير في أثناء المفاوضات إلى حين انتهاء مفاوضات الحل النهائي، مما ترك المجال لأن تكون إسرائيل لها حرية التصرف ضد المدينة وسكانها“.
وتابع بأن “سياسية التطهير العرقي تجاه السكان تمارس بأشكال متعددة من الإجهاد الضريبي إلى رفض تراخيص البناء وصولاً لإخراجهم إلى الضفة الغربية أو خارج حدود الأراضي الفلسطينية” .
ودعا أبو زياد إلى ضرورة دعم صمود المقدسيين بأي وسيلة لإفشال مخططات “إسرائيل” التي تصرف ميزانيات ضخمة لتغير معالم وهوية المدينة العربية والإسلامية
يذكر أن مدينة القدس المحتلة تشهد إجراءات مشددة من قبل شرطة الاحتلال “الإسرائيلية” بحجة التهديدات الأمنية، إلا أن مراقبين يرون في الخطة الجديدة مسعى لتعزيز السيطرة على الشطر الشرقي منها.
ويبقى السؤال المطروح هنا.. من سيوقف المخططات العنصرية التي تحيط بمدينة القدس من كل جانب، وهل الدفاع عن المدينة وسكانها ومقدساتها الإسلامية واجب على الفلسطينيين فقط، أم أن القدس للأمتين العربية والإسلامية؟!