ترجمة حفصة جودة
يستضيف الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤتمرًا في بكين بنهاية هذا الأسبوع لعرض واحدة من أكبر مغامراته: مخطط للاستثمار في خطوط الأنابيب والمواني والطرق والقطارات وغيرهم من المشاريع، لربط الصين بجزء كبير من العالم بما في ذلك أوروبا وإفريقيا، مباردة “حزام واحد، طريق واحد” (تُعرف أيضًا باسم طريق الحرير الجديد) البالغ قيمتها مليارات الدولارات، تهدف إلى توليد الأعمال التجارية للشركات المملوكة للصين، بينما تعهدت بالتنمية وتوفير الوظائف لتلك الدول على طول الطريق الجديد والتي تفتقر لكلا الأمرين.
ومع ذلك، سيكون من الحكمة أن ينتظر المستثمرون والدول الأجنبية للتفكير بما يحدث في المنطقة حول “كيوكفيو” – قرية فقيرة من البيوت الخشبية المهلهلة والطرق المتعرجة تقع في ولاية راخين الفقيرة للغاية، على الساحل الغربي لميانمار – قبل المشاركة في هذا المشروع الضخم، فهي حكاية من وعود لم تُنفذ وفساد وهضم حق المزارعين من أجل الاستيلاء على الموارد الطبيعية والأرباح.
هذه القصة سمعتها من 5 مزارعين سافروا لعدة ساعات بالقارب وعلى أقدامهم وباستخدام الدراجات النارية من قريتهم الصغرى والأكثر فقرًا “كابينغ تشونغ” للتحدث معي عن تجربتهم، حيث قامت الشركة الوطنية الصينية للبترول بالتعاون مع حكومة ميانمار – بورما سابقًا – ببناء خط أنابيب نفط وغاز من الصين ويمر بميانمار وكيوكفيو إلى خليج البنغال.
هؤلاء المزارعون أعضاء في لجنة مراقبة محلية تدعمها جماعتان حقوقيتان – معهد حوكمة الموارد الطبيعية، ومنظمة “بونغ كيو” – لمراقبة المشروع، هذه اللجنة ضعيفة لكنها تحاول بشكل مثير للإعجاب القيام بعمل مجتمعي في دولة يتردد فيها الناس عن الشكوى ولا أحد يهتم كثيرًا بالمزارعين، والذين تعتبر أراضيهم حيوية للمشروع، لكنهم لا يملكون القوة للدفاع عن مصالحهم.
المزارعون في كابينغ تشونغ يشكلون “لجنة مراقبة” لمراقبة تأثير المشاريع الصينية على قريتهم
دمر الصينيون سدًا في القرية وكذلك أشجار المنغروف التي تدعمها مما أدى إلى غرق المزارع بالماء المالح وتداخله مع مياه النهر المستخدمة في الري، يقول تونتين – 50 عامًا، مزارع – إن المزارعين الذين كانوا ينتجون 1000 كيس من الأرز ينتجون الآن نصف الكمية، يواجه تونتين وجيرانه صعوبة في توفير الطعام لأسرهم، ولا يستطيعوا أن يتحملوا الآن تكلفة التعليم الخاص التكميلي لعدم كفاية التعليم العام لأبنائهم.
يضطر المزارعون أيضًا للتدافع في العمل بداوم جزئي مثل حمل أكياس الأرز للمزارعين الآخرين أو العمل في إصلاح الطرق، هذا ما قالته ثوج مايا – 45 عامًا – وابنها – 10 سنوات – عندما تدمرت مزرعتهم تمامًا نتيجة المياه المالحة ولا يمكن زراعتها مرة أخرى.
كان طلب اللجنة بإصلاح السد قد تنقل ذهابًا وإيابًا بين وزير ولاية راخين والسلطات المحلية دون جدوى، كما مُنع المزارعون من محاولة الوصول إلى الصينيين وحكومة ميانمار للحصول على تعويضات أكثر من التعويضات الهزيلة التي حصلوا عليها عند الاستيلاء على جزء من أراضيهم، تقول نوي لين – 34 عامًا – المتحدث باسم القرويين: “إنني أتساءل: هل يعتقدون أننا شعب عاجز لذا يمكنهم القيام بما يقررونه، لا أعتقد أنهم يملكون مشاعر إنسانية كافية تجاهنا”.
تجارب هؤلاء القرويين ليست فريدة من نوعها، وفقًا لتقرير لجنة المراقبة وحلفائها، فعلى طول خط الأنابيب قامت سلطات المشروع بالعمل مع حكومة ميانمار العسكرية السابقة بمصادرة أراضي المزارعين كليًا أو جزئيًا (رغم أن القانون يمنع امتلاك الأجانب للأراضي في ميانمار) ودفعت مبالغ زهيدة في المقابل، ولم يعد هناك أي وسيلة للمزارعين لكسب العيش.
قالت لجنة المراقبة إن المزارعين لم يُبلغوا مسبقًا بالمشروع ولم يحذرهم أحد من نتائجه، كما وثقت 102 حالة فساد أو ابتزاز قامت بها السلطات المحلية، أما الأضرار البيئية فقد تم إخفاؤها أو تجاهلها، والوعود الفخمة بفوائد هذا المشروع للمجتمعات البائسة وتوفير 500 ألف وظيفة جديدة، اتضح كذبها، سنوات من التدخل الصيني في ميانمار بما في ذلك دعم الحكومة الديكتاتورية العسكرية السابقة، ترك سكان بورما في حالة عداء مع الصين رغم اعترافهم باعتمادهم في التجارة على جارتهم الأكبر حجمًا.
استثمر الرئيس شي رأس مال سياسي كبير في هذا المشروع، والذي يهدف إلى توسيع نفوذ الصين الاستراتيجي أكثر من أي شيء آخر، فبالإضافة إلى خط الأنابيب، تخطط الصين لبناء ميناءين من المياه العميقة ومنطقة مشاريع خاصة في كيوكفيو، وكان من المتوقع أن يتعامل الرئيس بتعاطف أكبر مع المخاوف المحلية للحد من المعارضة على الأرض، خاصة عندما أوقفت المعارضة الشعبية الخطة الصينية للسد المثير للجدل في ميانمار، إن لم تكن أوقفت الخطة، أما اليابانيون – والذين يستثمرون أيضًا في ميانمار – كانوا أكثر انفتاحًا واهتمامًا بالشكاوى المحلية.
لكن الكثير ممن تحدثت إليهم لا يأملون الكثير في أن تغير الصين من سلوكها مع تقدمها في مشروعي المياه العميقة ومنطقة المشاريع والتي تتطلب آلاف الأفدنة من الأراضي، تقول نوي لين: “لقد تعلمنا دروسًا كثيرة من مشروع خط الأنابيب، نحن الملاك الحقيقون للأرض، لكنهم لا يهتمون بنا، وهذا التعويض الذي يمنحونه لنا مجرد فنجان شاي بالنسبة لهم”.
المصدر: نيويورك تايمز