مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، وبرغم انعدام البيئة المناسبة لعقدها، فإن الصراع السياسي احتدم في الأسابيع الأخيرة ووصل مدى لا يمكن إخفاءه وآخره ما بين السيد مقتدى الصدر والسيد نوري المالكي، وبدا السيد عمار الحكيم بعيدًا عن تلك الأجواء المشحونة إلا أنه ذلك ليس دقيقًا فعليًا كما يتراءى للبعض.
سلاح الأول هو الشارع، حيث بإمكانه تحريك الشارع متى ما شاء وفي أي مكان يريد، والثاني سلاحه ضرب الخصوم والانتقاص منهم وإلصاق التهم بهم، على خلاف السيد عمار الحكيم الهادئ “المثقف” والذي يظهر في الندوات والحفلات الهادئة التي تستهدف الشباب والفتيات في معظم الأحيان، مما يجعله محبوبًا ومقربًا منهم.
مطالبات السيد مقتدى الصدر بدأت تتزايد بضرورة تغيير مفوضية الانتخابات وتغيير قانون الانتخابات أو تعديله والذي ساهم بصعود المالكي عام 2014 على غالبية الأصوات والتي اعتبرها السيد الصدر آنذاك تزويرًا من قبل المفوضية وأن 30% من الأصوات مزورة.
عمار الحكيم رئيس كتلة المواطن
وعلى رغم من أن المالكي لم يعلق على ذلك، فإن كتلته تدعم المفوضية وترغب في تمديد ولايتها لتشرف على انتخابات المحافظات التي المفترض أن تجرى في أيلول/ سبتمبر المقبل (من المرجح تأجيلها)، وكذلك الانتخابات البرلمانية المقررة في نيسان 2018.
بالمقابل تؤكد أطراف سياسية حالية أن الاتجاة قوي لإبقاء المفوضية، رغم الضغوط التي تمارسها كتلة “الأحرار” التابعة لتيار الصدر لإقالتها أو تعدليها، وقال أحد نواب “دولة القانون”، فضل عدم ذكر اسمه، لجريدة “الحياة”، إنها لا تدعم المفوضية لكنها تعتبر إقالتها بعد الاستجواب طعنًا في شرعية الأصوات التي حصلت عليها الكتلة وفي شرعية الانتخابات السابقة، وهذا أمر مرفوض.
وغير بعيد عن هذا السياق، وخلال ظهوره في مؤتمر المصالحة والذي عقد في النجف وحضره الرئيس معصوم والمطلك وفي أثناء تشغيل أغاني البعث “ياكاع ترابك كافور”، أكد المالكي أن هناك من يدبر المؤامرات ضد العملية السياسية، عبر محاولات تأجيل الانتخابات، وأضاف أن العراقيين صمموا على محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، ويجب المضي في محاربة الفكر التكفيري، مستطردًا “إننا نؤمن بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وندعو إلى عدم تأجيلها، لأن المؤامرة الخفية تقف خلف عملية تعطيلها لفتح الباب أمام التدخلات”.
ويبدو أن تأجيل انتخابات المحافظات شبه حتمي لمصلحة إجرائها، بالتزامن مع الانتخابات العامة، بسبب عدم انتهاء العمليات العسكرية في أهم المدن السنّية، والجدل الدائر حول المفوضية.
نوري المالكي نائب الرئيس العراقي
ويطمح نائب رئيس الجمهورية المالكي الذي نشطت حركته مؤخرًا إلى جمع أكبر عدد من القوى لتشكيل حكومة غالبية سياسية بقيادته تضم، إضافة لمعظم القوى الشيعية (عدا تيار الصدر)، قوى سنية مثل تيار رئيس البرلمان سليم الجبوري، وقوى كردية مثل حركة “التغيير”.
وغير بعيد عن المالكي، يسارع السيد الصدر الخطى بنفس اتجاه الأول، بل إنه قاب قوسين من إعلان تحالف انتخابي مع رئيس الحكومة حيدر العبادي، لتشكيل محور قد يستقطب زعيم ائتلاف “متحدون” أسامة النجيفي، وقوى كردية يتقدمها حزب “الديموقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، وهدف الجميع إبعاد المالكي.
الصراع بدا جليًا بين أكبر التيارات الشيعية، ففيما يواصل الصدر ضغوطه عبر قاعدته الجماهيرية النشطة في تظاهرات أسبوعية استجابة لطلب زعيمها، يسعى الخصم الثاني “المالكي” إلى تضييق حدود قدرة الصدر على استخدام الشارع، وهو يدعم تشريع قانون “حرية التعبير والتظاهر” الذي يقيد التظاهرات ويربطها بموافقات أمنية وإدارية صعبة.
وكان من المأمول أن يصوت البرلمان على القانون، لكن ضغوطًا مارستها قوى مدنية ومنظمات مجتمع مدني دفعت اللجان المختصة إلى رفع المشروع من جدول الأعمال وتأجيل التصويت عليه.
أسامة النجيفي رئيس تجمع متحدون
الكتل “السنية” ليست بعيدة عن الكتل “الشيعية”، فكلتاهما تطمحان بالبقاء في المنصب والتمتع بالامتيازات المقدمة لها على حساب خراب وفقر المواطن العراقي المسكين، حيث لا خدمات ولا بنى تحتية ولا حتى التفكير “فعليًا” بالمناطق التي تم استعادتها مؤخرًا والتي لا يزال يعاني أهلها الأمَرين من عدم التعويض وانعدام الكهرباء بشكل تام باستثناء “المولدات” الكهربائية.
حيث أعلن السيد أسامة النجيفي تشكيل تحالف جديد “للعراق متحدون” وقبله النائب المساري أعلن حزبه الجديد وهلم جرا، حيث سيصل عدد الأحزاب إلى نصف عدد النواب إن لم يزد قليلًا، مما ينبئ بإعادة الوجوه القديمة بمسميات أخرى وبوجوه جديدة بنفس الأيدلوجية والفكر و”الطموح”.