صدّرت دولة الاحتلال الاسرائيلي رؤيتها للعقد القادم بأن تكون لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة بفضل حجم الغاز والنفط المكتشف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشكل الغاز الطبيعي المكتشف في حوض دول البحر المتوسط المحرك الرئيسي لجهود صياغة علاقات تقارب بين الاحتلال الإسرائيلي وتركيا، إلا أن هذه الرؤية على حساب الاقتصاد الفلسطيني والشعب الذي يعاني من ظروف اقتصادية سيئة، بسبب سرقة موارده من قبل دولة الاحتلال.
“إسرائيل” تسرق الموارد الفلسطينية
لم تراع “إسرائيل” في أعمال التنقيب عن النفط والغاز سواء في البر أو البحر أي اعتبارات للمناطق الحدودية مع الفلسطينيين، واعتبرت أي مورد طبيعي مهم يتم اكتشافه في الأراضي الفلسطينية تهديدًا لوجودها، فحقل الغاز المكتشف بالقرب من قطاع غزة يكفي القطاع والضفة الغربية بالكهرباء لمدة 15 عامًا وإدارته من قبل حماس يستدعي بنظر “إسرائيل” حربًا عسكرية على القطاع.
فعمد الاحتلال إلى منع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية الأساسية، إما بسرقتها أو بجعلها غير قابلة للاستغلال عبر الحصار والتضييق من خلال تحويل مناطق الموارد الطبيعية إلى مناطق عسكرية تابعة للاحتلال، وصدرت تقارير دولية تتهم “إسرائيل” علانية بأنها تسعى إلى تدمير أي فرصة للدولة الفلسطينية المستقبلية في رخاء اقتصادي، كما أشار تقرير للبنك الدولي.
اعتبرت “إسرائيل” أي مورد طبيعي مهم يتم اكتشافه في الأراضي الفلسطينية تهديدًا لوجودها
بدأت “إسرائيل” عمليًا بالتنقيب عن النفط بالأراضي الفلسطينية منذ عام 1992 وحفرت عدة آبار دون استئذان من السلطة الفلسطينية، فالمعروف أنه عند التنقيب في المناطق الحدودية، فإنه يجب استئذان الدول ذات الحدود المشتركة، وحسب تقرير البنك الدولي، فالمنطقة ج (C) بحسب اتفاقية أوسلو، مخصصة للفلسطينيين إلا أنها ما زالت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وأنشأت فيها سلطات الاحتلال أكثر من 200 مستوطنة جديدة.
تشغل المنطقة ج، أكثر من ثلثي مساحة الضفة الغربية، وتقع فيها معظم موارد الفلسطينيين الطبيعية، بما فيها الأراضي الصالحة للزراعة والتنمية، مصادر المياه، معادن البحر الميت، بالإضافة إلى مواقع أثرية وسياحية.
ويؤكد تقرير البنك الدولي أن السلطة الفلسطينية بإمكانها زيادة دخلها بأكثر من 3.4 مليار دولار سنويًا لو حصلت على السيطرة الكاملة على المنطقة، بالإضافة لاكتشاف حقل “غزة مارين” الذي يقع على بعد نحو 30 كيلومترًا من شاطئ مدينة غزة والتي تحتوي على تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتقع ضمن المياه الإقليمية لفلسطين.
وتشير المعلومات أن حجم حقل “غزة مارين” يبلغ نحو تريليون قدم مكعب من الاحتياطي المؤكد للغاز، ويوجد الحقل تحت أرضية رملية على عمق قليل نسبيًا يصل إلى نحو 250 مترًا، وهو ما يسمح باستخراجه بسهولة ونقله إلى الشاطئ، وتبلغ تكلفة استخراج الغاز مليار دولار لمدة تتراوح ما بين 3 – 4 سنوات، وهذا المبلغ منخفض جدًا عند مقارنته مع تكاليف استخراج الغاز من حقل “لفيتان” الإسرائيلي، ويُذكر أن الحقل يكفي لتوفير الوقود الملائم لمحطة كهرباء غزة، ويوفر استيراد الوقود من “إسرائيل”، أو حجب الطاقة عن غزة كلما ارتأت “إسرائيل”.
صدرت تقارير دولية تتهم “إسرائيل” علانية بأنها تسعى إلى تدمير أي فرصة للدولة الفلسطينية المستقبلية في رخاء اقتصادي
بالنسبة لإسرائيل فرأت في هذا الحقل أنه قد يوفر لها أمنًا في مجال الطاقة لمدة قصيرة في حال طرأ خلل في عملية التزود بالوقود، مثلما حدث عام 2012 عندما توقف الغاز عن التدفق من مصر بعد تفجير أنابيب الغاز بفعل الهجمات عليه.
وكانت السلطة الفلسطينية قد باشرت باستخراج الغاز من سواحل قطاع غزة في العام 1999، إذ استلم المشروع صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي تعاقد مع شركات أجنبية منها شركة “بي بي” البريطانية، وتم اكتشاف نحو 30 مليار مكعب من الغاز الطبيعي، وكان من المتوقع أن يدر الاستثمار أرباحًا تقدر بنحو ملياري دولار على السلطة، إضافة إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز لسد حاجة السوق المحلية، إلا أن المشروع توقف بعد انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 وسيطرة “إسرائيل” على المياه الإقليمية الفلسطينية، وفرض شروط إسرائيلية على السلطة قيدتها من الاستثمار بالغاز لاحقًا.
بإمكان السلطة الفلسطينية زيادة دخلها بأكثر من 3.4 مليار دولار سنويًا لو حصلت على السيطرة الكاملة على المنطقة “ج” المقررة في اتفاق أوسلو
لم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، بل ذهبت إلى سرقة الغاز والنفط الفلسطيني، بحقول الغاز في دول حوض البحر المتوسط، والتي تشمل سوريا ومصر، إذ أشارت الدراسات أن البترول والغاز المكتشف يمتد من بر فلسطين المحتلة وبحرها إلى بر وبحر لبنان وقبرص وسوريا وصولاً إلى تركيا.
اكتشفت “إسرائيل” أكثر من 8 ترليونات قدم مكعب من الغاز في البحر المتوسط، وبعد تلك الاكتشافات صدرت تصريحات عن مسؤولين إسرائيليين تفيد بسعي “إسرائيل” لتصدير الغاز إلى كل دول العالم.
يُذكر أن عدد حقول الغاز الإسرائيلية بلغ قبل اكتشاف حقول المتوسط، 8 حقول، هي “تمار 1″ و”تمار 2″ غرب حيفا، و”ليفياثان 1″ و”ليفياثان 2″ غرب يافا، و”سارة وميرا” غرب نتانيا، و”ماري” قرب غزة، و”شمن” قرب أسدود و”كاريش” غرب حيفا.
ليست إسرائيل وحدها من تسرق الغاز الفلسطيني
يشير تقرير في “ميديل إيست آي” أن شركة “نوبل إنيرجي” الأمريكية والتي يقع مقرها في هيوستن بولاية تكساس والمتعاقدة مع الحكومة الإسرائليلة على استخراج الغاز، تستخرج الغاز من أحد الحقول الإسرائيلية المسمى “نوا” الذي يتاخم حقول الحدود الفلسطينية، والذي قدرت دراسات أنه يحتوي على نحو 1.4 ترليون قدم مكعب من الغاز.
ويتطلب استخراج الغاز من هذا الحقل المتاخم لحقول الأراضي الفلسطينية اتفاق تعاون مع السلطة الفلسطينية حسب ما ورد في اتفاقات أوسلو بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، وعلى الرغم من هذا فقد استمرت شركة “نوبل إنيرجي” باستخراج الغاز من الحقل وهو ما يؤدي إلى استنزاف مقدرات الفلسطينيين وحقوقهم في الغاز الطبيعي، وانتهاك سيادة الأراضي الفلسطينية، ومن جهة أخرى يثير مشاكل قانونية من تورط شركات الغاز في أعمال نهب وسرقة مقدرات الشعب الفلسطيني.
شركة “نوبل إنيرجي” الأمريكية شاركت في أعمال النهب لمقدرات الشعب الفلسطيني وموارده الطبيعي ولا تختلف بهذا عن ممارسات االاحتلال الإسرائيلي
وعلى الرغم من تأكيدات الشركة بعدم استخراج الغاز من المياه الفلسطينية، فقد أكد تقريرها السنوي في العام 2012 أن الشركة طورت حقل “نوا ساوث” وهو جزء من الحقل الأساسي “نوا” ويتاخم حقل السلطة الفلسطينية، وتؤكد دراسات لمجموعة “بي بي” البريطانية أن استخراج الغاز من الحقول المحاذية للحقول الفلسطينية يعرّضها لاستخراج الغاز من الحقول الفلسطينية بشكل متزامن.
عدم أخذ موافقة من الجانب الفلسطيني على الحفر واستخراج الغاز من الحقل المحاذي يخالف مبادئ منطمة التعاون والتنمية الاقتصادية للمؤسسات متعددة الجنسيات والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وإذا كان الغاز الإسرئيلي يجري استنزافه بالفعل من حقل الحدود عن طريق استخراجه من حقل “نوا”، فإن الآثار المترتبة عليه تكون أكثر خطورة، وفي هذه الحالة يمكون القول بأن شركة “نوبل إنيرجي” شاركت في أعمال النهب لمقدرات الشعب الفلسطيني وموارده الطبيعي ولا تختلف بهذا عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ومن جانب آخر تكون بهذا انتهكت القانون الدولي ويمكن أن يرفع ضدها قضية جنائية فردية.
بدلاً من أن يطور الفلسطينيون احتياطاتهم الخاصة من الطاقة، فإن الغاز الفلسطيني يتعرض لخطر الاستنزاف وبيعه للفلسطينيين على شكل كهرباء من قبل إسرائيل
يعتمد الفلسطينيون على شركة الكهرباء الإسرائيلية المدعومة من الحكومة الإسرائيلية والتي توفر نحو 85% من الكهرباء، وهذا يعني أنه بدلاً من أن يطور الفلسطينيون احتياطاتهم الخاصة من الطاقة والتي يمكن أن تستخدم لدعم توليد الكهرباء المحلية أو للتصدير والحصول على إيرادات مالية، فإن الغاز الفلسطيني يتعرض لخطر الاستنزاف وبيعه للفلسطينيين على شكل كهرباء من قبل إسرائيل والشركات الأجنبية المتعاقدة معها.
وفي حال استمرار مفاوضات بيع الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي سيجد الاتحاد نفسه متورطًا هو الآخر في عملية النهب تلك وانتهاك الحقوق الفلسطينية.