تحول العراقيل الإسرائيلية المفروضة على السلطة الفلسطينية إصدار سلطة النقد الفلسطينية الجنيه الفلسطيني كعملة نقدية خاصة بفلسطين، علمًا أن هذه الخطوة لا تزال تلقى جدلًأ واسعًا في أوساط الخبراء ومديري البنوك العاملة في فلسطين بشأن فاعلية هذه الخطوة في ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية السيطرة على المعابر والإيرادات الاقتصادية والموارد الطبيعية إلى جانب عدم الحصول على الاستقلال التام لدولة فلسطين.
إصدار الجنيه الفلسطيني
تنتشر في الأسواق الفلسطينية أربع عملات يتم التداول بها، وهي الشيكل الإسرائيلي، والدينار الأردني، إلى جانب الدولار واليورو. تعدد العملات واختلاف أسعار الصرف يرهق المواطن الفلسطيني بسبب عدم وجود عملة وطنية مستقرة، ولتعدد أسعار الصرف إذ يمكن للشخص أن يقبض راتبه بالشيكل الإسرائيلي ويشتري منتجات من السوق بالدينار ويأخذ قرض من البنك بالدولار.
يعد الشيكل الإسرائيلي العملة الأكثر تداولا في الأراضي الفلسطينية وتبلغ نسبته في الأسواق الفلسطينية 8 – 10% من مجمل الشيكل المصدر من البنك المركزي الإسرائيلي، ويبلغ حجم التداول بين “إسرائيل” وفلسطين عبر التبادل المصرفي نحو 20 مليار شيكل سنويًا.
تبلغ نسبة الشيكل الإسرائيلي في الأسواق الفلسطينية 8 – 10% من مجمل الشيكل المصدر من البنك المركزي الإسرائيلي
ينتظر الفلسطينيون توحيد العملة الرئيسية في البلاد من إحدى العملات الموجودة حتى اعتماد عملة وطنية خاصة بهم، وحول إمكانية تحقيق هذه الخطوة يرى اقتصاديون أن هناك إمكانية لنجاح اسنخدام الدولار أو الدينار كعملة بديلة عن الشيكل ولو جزئيًا. إذ يمكن للحكومة الفلسطينية صرف رواتب الموظفين بالدولار أو الدينار بدلا من تحويلها إلى الشيكل من أجل صرف الرواتب. كما يمكن أن تتعامل نقاط البيع مع الدولار أو الدينار بصورة تدريجية حتى يتم الاستغناء عن الشيكل، ويتقلص دوره ليحل مكانه أي من الدينار أو الدولار.
بينما يشير محللون آخرون أن إمكانية تطبيق استعمال الدولار أو الدينار كعملة متداولة في فلسطين تواجه الكثير من الصعوبات، أهمها آلية نقل العملة المعدنية إلى فلسطين، فنقل العملة يحتاج إلى اجتياز الحدود وبالتالي من المحتمل ألا تسمح إسرائيل بإدخال أجزاء العملة لتداولها في فلسطين، كما يحتاج نقلها إلى تنسيق وموافقة الجانب الإسرائيلي. أضف أن نقل العملة الإسرائيلية لا يكلف تأمينًا أو نقلا أو حراسة لأن السوق الإسرائيلية والفلسطينية مفتوحتان على بعضهما، ويشير محللون أن الشيكل الإسرائيلي يمثل نحو 90% من نسبة العملات المتداولة في السوق الفلسطينية، وبالتالي ليس من صالح إسرائيل حجب عملتها عن السوق الفلسطينية، لأنه يلحق الضرر باقتصادها.
مكانية تطبيق استعمال الدولار أو الدينار كعملة متداولة في فلسطين تواجه الكثير من الصعوبات، أهمها آلية نقل العملة المعدنية إلى فلسطين
ويشار أن إجمالي الودائع في البنوك الفلسطينية بلغ ما يقارب 9.7 مليار دولار، وإجمالي حجم التسهيلات التي منحتها البنوك العاملة في فلسطين حتى نهاية العام 2014 بلغت 4.89 مليار دولار، أما عدد القروض التي تم إعطاؤها للزبائن من خلال 7 مؤسسات إقراض حتى نهاية أيلول/تشرين الأول 2014 بلغ حوالي 30.000 ألف قرض بقيمة تزيد على 68 مليون دولار.
عملة رقمية
أقرت اتفاقية باريس الاقتصادية التي تعود لعام 1994 مهام البنك المركزي لسلطة النقد الفلسطينية، لكن من دون القدرة على إصدار عملات، وأوصى البروتوكول باستخدام الشيكل وأعطى لإسرائيل حق الاعتراض على أي عملة فلسطينية. ويعد إصدار عملة فلسطينية من الأمور الجدلية بين الاقتصاديين، وذلك بسبب العقبات المفروضة على الواقع الفلسطيني، وأولها أن إسرائيل لن تمرر وتطبق هكذا قرار يسمح لفلسطين أن يكون لها عملة خاصة بها وبالأخص في ظل تعثر المفاوضات بين الجانبين.
إلى ذلك يرى خبراء أن إصدار عملة وطنية ليس بالامر السهل على أرض الواقع فهذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الاعتبارات المالية والاقتصادية والسياسية. كما أن الحفاظ على قيمة العملة أهم من إصدارها، فكم تملك سلطة النقد الفلسطينية من ذهب وعملات صعبة لحماية العملة الوطنية في حال اعتمادها.
الشيكل الإسرائيلي يمثل نحو 90% من نسبة العملات المتداولة في السوق الفلسطينية، وبالتالي ليس من صالح إسرائيل حجب عملتها عن السوق الفلسطينية، لأنه يلحق الضرر باقتصادها.
أضف أن إصدار العملة بحسب خبراء يتطلب تحقيق التوازن والاستقرار والاستدامة في المالية العامة للسلطة الفلسطينية، والاعتماد على القدرات الذاتية للاقتصاد من أجل ضمان استقلالية ونجاح السياسة الاقتصادية بشكل عام، ليضمن نجاح صمود هذه العملة والحفاظ على قيمتها. كما يحتاج إلى استقلال القرار السياسي والاقتصادي والأمني للفلسطينيين، فضلا عن السيطرة على المعابر والإيرادات الاقتصادية والموارد الطبيعية، وهو ما لن تسمح “إسرائيل” به، إضافة أن الفلسطينيين يعتمدون على البضائع الإسرائيلية وفي حال صدور عملة محلية فلن يتعامل الإسرئيليون بها.
مع هذا ترى سلطة النقد الفلسطينية أن هناك حلولًا أخرى، تتمثل باعتماد عملة رقمية خاصة بها مثل عملة “البتكوين” المشهورة، وهو ما يفكر به محافظ سلطة النقد الفلسطينية، عازم الشوا. وبحسب الشوا الذي تحدث في الاجتماع السنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في قبرص، فإن العملة الرقمية الجديدة ستحمل اسم “الجنيه الفلسطيني”، وأن مسؤولون فلسطينيون يخططون لأن تصبح للأراضي الفلسطينية عملتها الرقمية الخاصة بها خلال خمس سنوات، في إجراء يهدف لتوفير الحماية ضد التدخل الإسرائيلي المحتمل.
إصدار عملة وطنية ليس بالامر السهل على أرض الواقع فهذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الاعتبارات المالية والاقتصادية والسياسية.
ففي الوقت الذي لا تملك فيه السلطة الفلسطينية منشآت لطباعة العملة النقدية، فإن العملة الرقمية ستكون بمثابة حل لهذه المشكلة، وحتى لو تم طباعة عملة فلسطينية خاصة بها في الخارج ستحتاج لإدخالها موافقة الإسرائيليين وهي عقبة كبيرة، أما العملة الرقمية ستتجاوز هذه العقبة، كما أنها أقل ضررًا من اعتماد أي من العملات الأربعة المنتشرة في الأسواق الفلسطينية.
إلا أن هذه الخطوة تسبقها خطوة أخرى وهو انتزاع اعتراف رسمي من كافة الدول والمؤسسات العالمية لبنك مركزي في فلسطين، وتعمل السلطة على بناء بنك مركزي جديد في رام الله بالضفة الغربية، كما تسعى كذلك لتحوز على احتياطي من الذهب والعملات الصعبة كجزء مهم لإصدار عملة خاصة بفلسطين.
مسؤولون فلسطينيون يخططون لأن تصبح للأراضي الفلسطينية عملتها الرقمية الخاصة بها خلال خمس سنوات
تعد العملة الرقمية خيار جيد بالنسبة لفلسطين فالعملة الرقمية توصف بأنها مجهولة من حيث أنه لا يمكن تتبع البائع والمشتري وهو ما يصعب الأمر على إسرائيل الإضرار بها، كما أن التعامل بها لا يحتاج إلى المرور بمصارف ووسطاء من أي نوع كان، فالعلاقة تكون بين البائع والمشتري مباشرة، بينما يقتصر دور سلطة النقد الفلسطينية على أنها الجهة المصدرة لهذه العملة بالإضافة إلى الحفاظ على قيمتها ومنع اختراق النظام الشبكي الخاص بها.