ترجمة وتحرير: نون بوست
في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، صرحت الجامعة الإسلامية المصرية الرائدة، الأزهر، على صفحتها على فيس بوك: “يجب على الأمة (الإسلامية) إعادة التفكير بشكل جذري في تبعيتها للغرب المتغطرس”، وأضافت الرسالة، التي نُشرت في مقال لقناة الجزيرة: “ما هو وزن الغرب عند التفكير في الصومال وأفغانستان؟ يجب على الأمة الإسلامية أن تستثمر قوتها وثرواتها ومواردها لدعم فلسطين وشعبها المظلوم والمضطهد، الذي يواجه عدوًا فاقدًا للضمير والإحساس والذي تخلى عن الإنسانية والأخلاق”، وذكرت الرسالة أيضًا أن “الغرب؛ على الرغم من كل قدراته العسكرية وآلياته المدمرة، يظل ضعيفًا ومرعوبًا عند مقابلتك أو مواجهتك، وهو يقاتل في أرض ليست له، ويدافع عن أيديولوجيات عفا عليها الزمن”.
وإذا لم يتم التوقيع بشكل مباشر، فإن هذه الرسالة تنبع بلا شك من مقر الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، بحسب ناثان جيه براون، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن والباحث المشارك في معهد هامبورغ للدراسات المتقدمة.
يعتبر أحمد الطيب شخصية بارزة في مصر وفي العالم العربي الإسلامي، حيث يدير الأزهر منذ سنة 2010، وتأسس الأزهر في القاهرة سنة 970، وأصبحت المؤسسة، التي تضم مسجدًا ومركزًا للبحوث اللاهوتية، فضلًا عن جامعة وشبكة من المدارس، مرجعًا للمسلمين السنة. لكن كيف يمكن تفسير كلام هذه الهيئة العريقة، المعروفة بخطاباتها ضد التطرف وترويجها للحوار بين الأديان؟
استياء صادق
يؤكد إتش إيه هيلير، الباحث البريطاني في جامعة كامبريدج وعضو برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أنه: “عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن الموضوع حساس للغاية وعاطفي لجميع العرب وجميع المسلمين”، وأضاف أنه: “عندما يعبر الأزهر عن سخطه فهو يرسل رسالة صادقة، إنهم غاضبون ويريدون التعبير عن ذلك؛ لأنهم، مثل بقية الشعب المصري ومعظم الرأي العام في الدول العربية في المنطقة، “غاضبون من الوضع”.
في القاهرة، كما هو الحال في معظم عواصم العالم العربي، اندلعت مظاهرات ضخمة لدعم الفلسطينيين بشكل منتظم لمدة شهر، وكان أكثرها إثارة عندما تم الإعلان عن انفجار بالقرب من مستشفى في غزة.
ويتذكر ناثان ج. براون قائلًا: “يمثل الأزهر شريحة كاملة من المجتمع المصري؛ إنه عالم داخل عالم”. بالإضافة إلى 83 كلية و16 معهدًا جامعيًّا؛ حيث يلتحق بها 350 ألف طالب، من بينهم حوالي 20 ألف أجنبي، وتتكون المؤسسة أيضًا من شبكة مكونة من 10 آلاف حضانة ومدرسة ابتدائية وثانوية توفر التعليم لنحو مليوني طالب، وفقًا لوسيلة الإعلام المتخصصة في العالم العربي “أوريون 21”.
ويضيف براون: “إن الآباء الذين درسوا هناك، والذين يرسلون أطفالهم هناك، يدعمون الفلسطينيين، ويمارسون بلا شك ضغوطًا داخلية قوية على المؤسسة لاتخاذ موقف، لأنهم يشعرون بالصدمة تجاه ما يحدث”.
رغم الخلافات، هناك جبهة موحدة مع السلطة
يتابع هيلير قائلا: “في مصر، الجميع في حالة صدمة، الجميع على نفس الجانب عندما يتعلق الأمر بمعارضة القصف الإسرائيلي على غزة”. وقد دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه إلى وقف التصعيد وعارض بشكل قاطع فكرة الترحيب بالفلسطينيين في غزة، لأسباب أمنية واقتصادية، ولكن أيضًا لأن سكانه سيعتبرونها خيانة للقضية الفلسطينية.
من جهة أخرى، أكد ناثان براون: “أن النظام يشعر بقلق بالغ إزاء تصرفات إسرائيل وقد أعطى الضوء الأخضر للمظاهرات، التي وقع بعضها في قلب الأزهر. وفي هذا السياق بالذات، “يستطيع الأزهر أن يعبر عن رأيه بحرية، ولا يخشى من رد فعل النظام الذي يطلب منه عدم تعريض العلاقة مع الدول الغربية للخطر”.
ومع ذلك، لم تكن العلاقات بين الحكومة والأزهر سهلة دائمًا؛ حيث يعتبر الأزهر، الذي أمّمه الرئيس المصري جمال عبد الناصر في حزيران/يونيو 1961، جزءًا لا يتجزأ من جهاز الدولة المصرية الذي يموله.
وفي سنة 2011، بعد الثورة وسقوط الرئيس حسني مبارك، أصدر الجيش، الذي كان يتولى السلطة مؤقتًا، مرسومًا لإصلاح مجلس كبار العلماء، الذي أصبح الآن صاحب القرار الوحيد بشأن تعيين الإمام الأكبر. وحسب ناثان ج. براون “سبق أن تم تعيينه من قبل رئيس الدولة “بلا شك من أجل تعزيز المؤسسة في مواجهة نفوذ الإخوان المسلمين، وبعد سقوطهم سنة 2013، احترم الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي هذا الوضع”.
وتجدر الإشارة إلى أن أحمد الطيب، الذي تم تعيينه مدى الحياة وبهامش معين من المناورة، وحسب الخبير هو “الشخص الوحيد في جهاز الدولة المصرية الذي عبر علنًا عن خلافه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما فعله عدة مرات منذ سنة 2013.
“الأزهر ليس الفاتيكان”
وعلى الرغم من هيبته والاحترام الذي يحظى به، وفقا للباحث هيلير، إلا أن كلمة الأزهر ليست بالضرورة “مقدسة” بالنسبة للمؤمنين، لأن أعضاءها ليسوا كهنة، بل هم علماء؛ “إنهم محترمون على أساس معرفتهم”.
ومن جهته؛ يؤكد ناثان جيه براون أن “آراء الأزهر ليست ملزمة مذهبيا”. فمن الصعب، على سبيل المثال، التحقق مما إذا كانت دعوته لمقاطعة المنتجات السويدية والهولندية عندما أحرقت نسخ من القرآن الكريم في هذين البلدين قد حظيت باحترام المؤمنين المصريين.
وأشار الباحث هيلير إلى أن”الأزهر ليس الفاتيكان. علاوة على ذلك؛ لا توجد سلطة هرمية موحدة تملي مبادئ الإسلام. إن أعضاء الأزهر؛ من مختلف مدارس الفقه السني، هم بالأحرى “خبراء وباحثون درسوا الدين”، وبهذا المعنى فإن الهيكل “مما لا شك فيه أكثر قابلية للمقارنة بأكسفورد وكامبريدج، من حيث أنه “يمثل مؤسسة معروفة منذ زمن طويل بخبرتها”.
ومن جانبه؛ أضاف الباحث الأمريكي براون أن: “الأزهر مؤسسة ضخمة، يجب أن نفهم مَن المتحدث: ليس الأمر نفسه سواء كان الإمام الأكبر، أو هيئة كبار العلماء، أو هيئة التدريس، أو الطلاب. المؤسسة ليست كتلة واحدة”، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يتعايش داخلها تنوع كبير في الآراء.
رسالة قبل كل شيء إنسانية
إذا كان الأزهر يطلب من الدول العربية والإسلامية تعزيز دعمها للفلسطينيين، فإن رسالة المؤسسة هي قبل كل شيء إنسانية، فحسب هيلير “إنهم يدعون إلى التضامن، بنفس طريقة معظم المسيرات المؤيدة للفلسطينيين في مختلف البلدان”. ويتجلى ذلك من خلال 18 شاحنة مساعدات إنسانية استأجرتها المؤسسة للوصول إلى معبر رفح، حيث بدأ إجلاء عدة مجموعات من الجرحى والأجانب من غزة.
وعلى الرغم من أن التواصل كان أكثر حدة من المعتاد، إلا أن المؤسسة لم تنس رغبتها في تعزيز الحوار بين الأديان، وهو أحد أولوياتها. ودعت رسالة نُشرت في الثالث تشرين الثاني/نوفمبر “المسلمين والمسيحيين واليهود ذوي الضمائر الحية والمخلصين” إلى بذل “كل الجهود الممكنة لمساعدة إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين”، وسمحت دبلوماسية التعايش بين الأديان للإمام الأكبر، في مايو/أيار 2016، بعقد لقاء تاريخي بين الشيخ أحمد الطيب والبابا فرانسيس في الفاتيكان، وهو الأول من نوعه منذ زيارة يوحنا بولس الثاني إلى القاهرة سنة 2000.
وختم هيلير حديثه مشيرا إلى أن: “حقيقة أنهم يعبرون عن عدم موافقتهم على الدور الغربي في هذا الصراع، وهو الشعور الذي تم التعبير عنه لفترة طويلة في العالم العربي، لا يعني أنهم مناهضون للغرب”. وأضاف أن “الأزهر مؤسسة معتدلة، ولكن من الواضح أن مصطلح “معتدل” يعتمد على السياق”، بالتالي، إذا تم إطلاق دعوة غدا لتعزيز الحوار بين الأديان، فسوف يقبلونها دون تردد”.
المصدر: لوفيغارو