مواقف الأمم المتحدة من القضايا الدولية باتت معروفة ومكررة، يعرفها القاصي والداني، عبارة قصيرة يتم تكرارها في كل مناسبة “نعرب عن قلقنا”، ولا شيء بعد القلق، لكن مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز تجاوزت هذه العبارات التقليدية موخرًا فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وتحدثت عن حق الفلسطينيين في المقاومة بموجب القانون الدولي، وجرَّدت “إسرائيل” من حق الدفاع عن النفس باعتبارها قوة احتلال.
في سياق النزاع المسلح الدائر بين “إسرائيل” وحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” في قطاع غزة، الذي يتابعه العالم بصمت مطبق، لا غنى عن تسليط الضوء على بعض القضايا القانونية الأساسية التي تؤكد على الحق في المقاومة التي يمارسها الفلسطينيون بإمكاناتهم العسكرية واللوجستية المحدودة، التي لا تخرج عن كونها ممارسة لحق شرعي وإنساني قبل أن تكون حقًا قانونيًا مقررًا بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية.
لماذا المقاومة؟
يواجه الفلسطينيون سلسلة من الحروب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ اغتصاب ما تبقى من أراضي الدولة الفلسطينية في عام 1967، ومارس كل أشكال الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني على أراضيه، وقتل الآلاف وأحدث دمارًا كبيرًا في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، وانتهج سياسة تتناقض مع أحكام القانون الدولي، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، وحتى الضربات الجوية، وأسقط عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى من المتظاهرين الذين تم تصنيفهم على أنهم “إرهابيون”.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية مجموعة من الأحداث التي تسلط الضوء على مدى قمع قوات الاحتلال الإسرائيلية للفلسطينيين المدنيين: التعذيب والقتل العمد والاعتقالات والاحتجازات التعسفية وفرض الإقامات الجبرية واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، ونسف المنازل والمباني، وتهجير السكان خارج منازلهم، كل ذلك بهدف إرهابهم والقضاء على كل أشكال المقاومة المشروعة لديهم.
حمل الفلسطينيون السلاح، وتشكلت حركة مقاومة شعبية مسلحة دفاعًا عن حقوقهم المسلوبة، وسعيًا لتحرير أراضيهم المحتلة
هذه الأحداث شائعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي كل مرة، يتسم رد فعل “إسرائيل” على ممارسة الفلسطينيين لحقهم في المقاومة، المنصوص عليه في أعراف ومعاهدات القانون الدولي، بالوحشية، وغالبًا ما يكون الضحايا من الأطفال والشباب الذين، على الرغم من انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتكررة والمعروفة ضد المدنيين الأبرياء، يصرون بجرأة على نضالهم من أجل الحرية.
ومن خلال تجريم أنشطة المقاومة السلمية، ومحاولة خنق الفلسطينيين بشكل فعال، تقدم “إسرائيل” ما وصفه اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ واﻟﻨﺎﺷﻂ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ جيف هالبر بـ”مصفوفة السيطرة”، وهي شبكة معقدة من الأدوات المصممة لتفتيت وعزل المجتمع الفلسطيني، وتميز سياسة “إسرائيل” تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة منذ احتلالها في يونيو/حزيران عام 1967.
ومن الواضح أن “إسرائيل” تنكر أن قواعد القانون الدولي تنطبق على الظلم المنهجي والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ويوضح البناء المستمر للجدران العنصرية الفاصلة والمستوطنات التي أصبحت تشكل ما وصفته فيديريكا داليساندرا، المديرة التنفيذية لبرنامج أكسفورد للسلم والأمن بـ”الشرعية البديلة” لـ”إسرائيل”، مدى الإنكار.
وبعد مرور 56 عامًا على صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي أمر “إسرائيل” بمغادرة الأراضي المحتلة، لا يزال الجدار الفاصل على طول أكثر من 7 آلاف كيلومتر في الحدود بين “إسرائيل” والضفة الغربية قائمًا، ويدمر حياة عشرات الآلاف الذين يعيشون في ظله.
ويواجه المدنيون الفلسطينيون الذين يرفضون هذه الشرعية الزائفة ويقررون المقاومة قوة غير متكافئة من جيش الاحتلال، ليس أقلها المداهمات الروتينية والقتل الوحشي للأطفال والشباب على يد جنود مسلحين بالكامل ويرتدون خوذات كرد فعل على رمي الفلسطينيين الحجارة على الأشخاص أو الممتلكات.
ويعتبر إلقاء الحجارة وسيلة شائعة للتنديد بممارسات الاحتلال، وينظر إليها الكثيرون على أنها “رمزية وغير عنيفة” نظرًا للفارق في القوة والتجهيزات بين قوات الاحتلال والفلسطينيين، لكن لا يمكن التقليل من أهميتها المجازية، فقد كانت الطريقة الأساسية للمقاومة خلال الانتفاضة الأولى، وتحمل تاريخًا فلسطينيًا فريدًا، فهي أقرب إلى فعل التحدي وليس نية الايذاء الفعلي.
ومع ذلك، شهد شهر يوليو/تموز 2015 موافقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يشدد العقوبة على ملقي الحجارة بأحكام تصل إلى 20 عامًا من السجن، وهذا يعني الحكم على نحو مئات الأطفال سنويًا بهذه “الجريمة” في الأراضي المحتلة، ومن وجهة نظر القانون الدولي، لا يمكن تبرير ذلك ببساطة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الدول الغربية التي تدعم “إسرائيل” التي تشن هجماتها الآن على غزة على إدامة السرد القائل بأن المضطِّهد له حقوق على المضطهدين في “الدفاع”، والواقع أن الفلسطينين هم من لهم الحق في المقاومة.
لكن الخطاب الدولي السائد في الغرب، وخاصة تغطية وسائل الإعلام، يحجب واقع ملايين الفلسطينيين، وتصور استعاراته ومصطلحاته بشكل خاطئ كل حادثة جديدة على أنها مرحلة أخرى من “دوامة العنف” التي ابتليت بها المنطقة، ويعمل على إدامة وترسيخ الصورة النمطية للفلسطيني على أنه “إرهابي”، والتقليل من قسوة نظام الفصل العنصري، وتجاهل المعاهدات الدولية ذات الصلة، وبالتالي تشويه الحق في المقاومة.
ومن الواضح أنه عندما يصف الغرب بقيادة الولايات المتحدة المقاومة الفلسطينية بأنها “إرهابية”، فإن هدفه هو التغاضي عمدًا عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي ضد السكان الفلسطينيين المدنيين العُزَّل الذين لم يلعبوا أي دور في الحرب الدائرة، ويسمح فشل المجتمع الدولي في إجبار “إسرائيل” على الالتزام بالقانون باستمرار هذا التجريم.
القانون الدولي لا لبس في تأييده للمقاومة، ليس فقط السلمية بل “الكفاح المسلح” للشعوب التي تسعى إلى تقرير المصير والتحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية
علاوة على ذلك، من المهم وضع هجوم حماس الأخير ضمن السياق الاستعماري التاريخي لفلسطين، فقد كانت “إسرائيل” دائمًا مشروعًا استعماريًا استيطانيًا، ومن أجل إنشاء أراضيها والحفاظ عليها وتوسيعها، مارست تطهيرًا عرقيًا ضد الفلسطينيين وطردتهم من أراضيهم ومنازلهم، ما أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 750 ألف فلسطيني طردوا بالقوة من منازلهم وأصبحوا لاجئين، واليوم، هناك أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مع استمرار نفس سياسات وممارسات التطهير العرقي وغير ذلك من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي نراها اليوم، التي ما كانت لتُرتكب لو لم يتغاضى الغرب عن العدوان الإسرائيلي ضد فلسطين عام 1967.
كنتيجة حتمية، وردًا على كل ما سبق من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع لحقوق الفلسطينيين على أراضيهم، ونتيجة لعجز المجتمع الدولي ممثلًا في منظمة الأمم المتحدة، والمجتمع العربي ممثلًا في جامعة الدول العربية، عن إنهاء هذا الاحتلال وآثاره، واستنفاد كل الطرق السلمية في مواجهة الاحتلال، حمل الفلسطينيون السلاح، وتشكلت حركة مقاومة شعبية مسلحة دفاعًا عن حقوقهم المسلوبة، وسعيًا لتحرير أراضيهم المحتلة والحصول على حقهم في الاستقلال وتقرير المصير.
بعد كل هذا، ما زال البعض يسأل: هل يحق للفلسطينيين المضطهدين أن يقاوموا العدوان الإسرائيلي المتواصل الذي يتعرضون له؟ لا يمكن أن يكون هناك إلا إجابة واحدة: نعم، فقد أكد هؤلاء منذ فترة طويلة على حقهم في المقاومة، الذي منحوه لأنفسهم، وهو حق مكرس منذ القدم لشعوب العالم التي تسعى إلى الحرية والاستقلال.
ويعود هذا الحق في جزء منه إلى سبارتاكوس، زعيم العبيد البيض ضد الإمبراطورية الرومانية، ووتوسان لوفرتور، زعيم العبيد السود ضد الهيمنة الأوروبية، في أثناء الاحتلال الفرنسي، وهذا ما فعله مقاتلو المقاومة المناهضة للاستعمار طوال القرن العشرين في الصين وفيتنام وكوريا والجزائر وأنجولا وموزمبيق، وغيرهم الكثير.
مشروعية المقاومة
على مدار 75 عامًا، ظل الفلسطينيون يقاومون مشروع “إسرائيل” الاستعماري، لا سيما العمليات الإرهابية والمجازر الوحشية، غير مبالين بما إذا كانوا قد اختاروا المقاومة العنيفة أو السلمية، فقد تعرضوا للقنص والقصف وإطلاق النار في أثناء الاحتجاجات، وهم محرومون من حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حرية التنقل والتحرر من العوز أو الخوف.
والواقع أن الموقف الدولي من الاعتراف بحق الشعوب في المقاومة لم يتغير بمرور السنين، كما أن القانون الدولي لا لبس في تأييده للمقاومة، ليس فقط السلمية بل “الكفاح المسلح” للشعوب التي تسعى إلى تقرير المصير والتحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية، وحرمان الشعوب من هذا الحق يعني حرمانها من حقها في المساواة والكرامة الإنسانية، وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية التي سبقت حتى قيام دولة الاحتلال.
بموجب القانون الدولي، فإن احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية غير قانوني، وللفلسطينيين الحق في الكفاح بكل صوره ضد الاحتلال
شهد عام 1899 في مدينة لاهاي المؤتمر الأول الذي اعترف بقانونية المقاومة، وفي عام 1907، عرَّفت لائحة لاهاي الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو بأنه “مجموعة من المواطنين من السكان في الأراضي المحتلة الذي يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو”، وبناءً على ذلك، فإن المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني في ظل الغطرسة الصهيونية تكتسب المشروعية وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان.
أمَّا ميثاق الأمم المتحدة، فلم يكتف بتجريم الحرب واستخدام القوة، بل ذهب أبعد من ذلك فجَّرم التهديد باستخدامها (الفقرة 4 من المادة 2)، وهذا يعني أن الأمم المتحدة ألغت مبدأ الحرب القانونية في القانون الدولي، واعتبرت أن كل حرب هجومية هي حرب عدوانية، ولم يسمح الميثاق بالحرب إلا في حالة الدفاع عن النفس.
لكن الدول الاستعمارية، ومن بينها “إسرائيل”، أصرَّت على تفسير حق الدفاع عن النفس بشكل غير واقعي، وادَّعت أنه يقتصر فقط على الدول، ولا ينطبق على الشعوب، ورفضت بالتالي مبدأ حروب التحرر وحركات المقاومة الشعبية، غير أن المشرِّعين الدوليين رفضوا هذا المنطق، واعتبروا أن للدول المحتلة الحق في الدفاع المشروع عن نفسها بمختلف أشكالها، ويتسع هذا الحق ليشمل بالإضافة إلى الدول، الشعوب والأفراد وحركات المقاومة الشعبية.
ومع ذلك، أدانت القوى الغربية، من الولايات المتحدة إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي سارعت في وقت سابق إلى تمجيد مقاومة الأوكرانيين بعد الغزو الروسي، هجوم حماس الأخير، وأعلنت “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وأعطى هذا الدعم المطلق الضوء الأخضر للاحتلال لشن عدوانه الغاشم ضد الفلسطينيين، في حين تزايدت الأصوات المطالبة بإعلان حماس منظمة إرهابية.
وفق الصحفي الفرنسي آلان غريش، فإن كل هذا يمثل جزءًا من التاريخ الاستعماري والإمبريالي الطويل والمستمر للولايات المتحدة والدول الأوروبية، الذي ينكر أي حق في المقاومة للشعوب المضطهدة، ويصف أولئك الذين يناضلون ضد الاستعمار أو الاحتلال أو الاستبداد، بأنهم “إرهابيون يجب قمعهم بالعنف”، وهي كلمات تعمل على عدم تسييس نضالهم، وتقديمه على أنه مواجهة بين الخير و الشر.
وكان هذا هو الحال مع العديد من المنظمات التي تعرضت للتشهير على هذا النحو خلال التاريخ الحديث، ثم أصبحت اليوم طرفًا شرعيًا ولم تعد منبوذة، مثل جبهة التحرير الوطني الجزائرية (كانت تمثل الجناح السياسي لجيش التحرير الوطني قبل الاستقلال عن فرنسا)، والمؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب السياسي الحاكم في جنوب إفريقيا منذ إلغاء الفصل العنصري)، والجيش الجمهوري الأيرلندي (منظمة فدائية سعت لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني)، ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل اتفاق أوسلو، والقائمة تطول.
وكان هذا هو الحال بشكل خاص فيما يتعلق بنضال فلسطين المستمر من أجل التحرير، وبشكل أكثر تحديدًا في قطاع غزة الذي كان سجنًا مفتوحًا خاضعًا لحصار مميت لأكثر من 15 عامًا منذ سيطرة حماس عليه، والواقع أن الفلسطينيين، مثلهم مثل أي مجموعة سكانية أخرى تواجه نفس التهديدات، يتمتعون بمثل هذه الحقوق.
والحقيقة أنه وفقًا لمنطق “إسرائيل” والغرب فإن المحتل الاستعماري هو الذي يتمتع بحق مشروع في الدفاع عن النفس، وهو المصطلح الذي يفضله قادة “إسرائيل” بشكل خاص لأنه يجعل من الممكن التعتيم على جذور الاحتلال، في حين أن الفلسطينيين المستعمَرين والمضطهَدين هم المعتدون الذين يجب تدميرهم، وهي السردية التي تخالف الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
الحق في الدفاع عن النفس
مقاومة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة له ضد قوة احتلال غير شرعية هي عمل مشروع بموجب القوانين والمنظومة الدولية، ولا تتعارض هذه المقاومة مع حظر استخدام القوة، لأنها شكل من أشكال الدفاع الجماعي عن النفس للشعوب.
كما أن مثل هذه المقاومة لا يحظرها القانون الإنساني الدولي، الذي بموجبه لا يكون الناس ملزمين بالولاء لقوة الاحتلال، وبالتالي يُسمح لهم باللجوء إلى السلاح في مقاومتهم ضد قوة احتلال غير شرعية.
وبموجب القانون الدولي، فإن احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية غير قانوني، وللفلسطينيين الحق في الكفاح بكل صوره ضد الاحتلال، الذي لولاه ما كنا لنشهد موجة العنف الحاليّة، وبالتالي فإن للفلسطينيين بحكم الأمر الواقع الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد “إسرائيل”.
أما ادعاء “إسرائيل” بحقها في الدفاع عن نفسها، الذي تروِّج له دائمًا، كما حدث في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنه يستند إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تخول للدولة صد أي هجوم يأتي من دولة أخرى، ومع ذلك، لا يمكن أن ينطبق هذا في سياق احتلال “إسرائيل” العسكري لدولة أخرى وشعب آخر وفقًا لتشريع محكمة العدل الدولية.
هذا الحق أيضًا بالنسبة لـ”إسرائيل” ليس على نفس القدر من المشروعية التي تتمتع بها المقاومة الفلسطينية، إذ لا يوجد تكافؤ أخلاقي أو سياسي أو عسكري بالنسبة للجانبين، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لأحد أن يضع المقاومة الفلسطينية على قدم المساواة مع كيان محتل يمتلك واحدة من أكبر ترسانات الأسلحة المشروعة والمحرمة دوليًا، التي يستخدمها ضد الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ عام 1967.
ولا يمكن لأي شخص يتتبع أطول احتلال عسكري غير قانوني في التاريخ الحديث أن يقارن الأعمال التي قام بها الفلسطينيون المضطهدون الذين يحاولون استعادة كرامتهم، ويدينهم الغرب بسهولة في دعمه الأحادي الذي لا يتزعزع لقوة الاحتلال، مع شدة وحجم العدوان الذي يشنه الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
هذه الحقيقة تقوض وفق الكاتب المتخصص في شؤون الصراع والإرهاب، سي جي ويرلمان، كل محاولة إسرائيلية لتبرير عنفها ضد الشعب الفلسطيني بدعوى الدفاع عن النفس، وتقلل من جدوى الجهود التي تبذلها “إسرائيل” لإخفاء واقع القانون الدولي، لأنه في الصراع بين الاحتلال والمحتل، يكون للمحتل فقط حق قانوني وأخلاقي في الدفاع عن نفسه.
الحق في المقاومة
يقف القانون الدولي والعرفي إلى جانب حق الفلسطينيين في مقاومة احتلالهم ونضالهم من أجل التحرر، ويعارض بشدة تجاوزات “إسرائيل”، وهي حقيقة ينكرها الاحتلال وينتهكها، وتتجاهلها بقية دول العالم عمدًا، فقد مكنت القوى الغربية “إسرائيل” من أن تصبح دولة تنتهك مبادئ وقواعد واتفاقيات القانون الدولي، بما في ذلك حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال غير القانوني.
على سبيل المثال، يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، وتلقي ونقل المعلومات والأفكار بأي وسيلة إعلامية وبغض النظر عن الحدود”، ومع ذلك، تنتهك سلطات الاحتلال هذه القواعد التي تضمن لأعضاء ومؤيدي حركات التحرير الحماية من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والإعدام خارج نطاق القضاء.
وبدلاً من ذلك، ترتكب سلطات الاحتلال الأعمال القمعية المنافية لحقوق الإنسان ضد السكان المدنيين، وتشمل هذه الممارسات انتهاك حرمة المنازل والاغتصاب ونهب الممتلكات ومنع التجول والحرمان من العمل واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا وتدنيس حرمة المساجد والكنائس وقصف المستشفيات والمدارس وتغيير مناهج الدراسة.
عندما يدعم الفلسطينيون أشكال المقاومة السلمية، مثل “حركات المقاطعة”، فإن “إسرائيل” تشوِّه صورتهم وتتهمهم بـ”معاداة للسامية”
كذلك لا يجوز انتهاك الحق في التجمع السلمي، وهو حق منصوص عليه في كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا الحق بمثابة أداة تيسّر ممارسة العديد من الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون الدولي، وتشكل مجتمعةً أساس المشاركة في الاحتجاجات السلمية، لا سيما الحق في حرية التعبير والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة.
خلافًا لهذا الحق، الحظر الإسرائيلي على المظاهرات وحرية التعبير ليس سوى مثال واحد على مئات الأوامر العسكرية التي تجرد الفلسطينيين من حقهم في المقاومة والدفاع عن أنفسهم، حيث يحظر الأمر العسكري رقم (101) تجمع أكثر من عشرة أشخاص في المرة الواحدة، ويحظر الأمر (107) مجموعة من الكتب المدرسية، بما في ذلك الكتب المتعلقة بقواعد اللغة العربية والحروب الصليبية والقومية العربية، ونشر الأمر (1079) قائمة تضم أكثر من ألف مادة محظورة تتعلق بالروايات والشعر الفلسطيني، وقبل كل ذلك، يعتبر الاحتلال المقاومة بكل أشكالها أنشطة مُعاقَب عليها.
علاوة على ذلك، فإن العدد الكبير من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد حق الشعوب في الكفاح والمقاومة، وتعترف صراحة “بشرعية الكفاح من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية بكل الوسائل المتاحة” لا تؤدي إلا إلى تعزيز الأساس القانوني لحق المقاومة، وهذا يعطي للفلسطينيين الحق في مقاومة العدوان بأي وسيلة.
ولا يقتصر حق الفلسطينيين في اللجوء إلى المقاومة المسلحة على الحرب التقليدية المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي مثل بروتوكول جنيف الثاني، بل يشمل أيضًا استخدام تكتيكات حرب العصابات وغيرها من أشكال المقاومة المسلحة في الصراع الأطول أمدًا، وقد مارست شعوب أوروبا هذا الأسلوب ضد العدوان النازي.
وهكذا فإن القانون الدولي المعاصر أضحى يعترف بالصفة الدولية لحركات المقاومة الشعبية المسلحة ويضفي عليها شرعية دولية، وتجسَّد ذلك في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها لعام 1977، بالإضافة إلى القرارات العديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية – لاسيما جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية – التي اعترفت بحضور اجتماعاتها ومؤتمراتها، وممارسات الدول التي تجسدت في اعتراف عدد كبير منها بهذه الحركات وأقامت علاقات دولية معها.
ومع ذلك، عندما يدعم الفلسطينيون أشكال المقاومة السلمية، مثل “حركات المقاطعة”، فإن “إسرائيل” تشوِّه صورتهم وتتهمهم بـ”معاداة للسامية”، وعندما يحتجون بغضب على أشكال الظلم التي يتعرضون لها، يتم تشويه سمعتهم على أنهم “عنيفون”، وعندما يلجأون إلى العنف المبرر ردًا على القمع والانتهاكات يتم تصنيفهم على أنهم “إرهابيون ومتطرفون”.
يشير ذلك وفق محللين إلى أن القضية بالنسبة للاحتلال ليست في الواقع طبيعة أعمال المقاومة التي يقوم بها الفلسطينيون، سواء كانت سلمية أم مسلحة، أم حتى أيديولوجيتها، بل إن أي تحد للاحتلال والاستعمار يجب تجريمه وقمعه، فقبل وجود حماس وحتى اليوم، عانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، من المنظمات اليسارية إلى فتح، وحتى المدنيين الذين ليس لديهم أي أيديولوجية واضحة، من القمع الإسرائيلي.
المقاومة في القانون الدولي
هناك عدد من المواثيق والقرارات والإعلانات الدولية التي تدعم حق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال في الدفاع عن النفس، وهذا الحق غير مستمد من أي حكومة أو قانون، لكنه متأصل في جميع البشر، وتشمل هذه القرارات:
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314) لعام 1974 بشأن تعريف العدوان ليصبح معرَّفًا ومحظورًا ليس من القانون الدولي العام فحسب بل أيضًا من القانون الجنائي الدولي. وعلى هذا النحو، فإن الاحتلال الإسرائيلي في حد ذاته شكل من أشكال العدوان المستمر على الشعب الخاضع له، ما يعطي الحق للشعب الفلسطيني في الدفاع عن النفس ضد الأعمال العدائية التي يرتكبها هذا النظام بحقه.
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3246) لعام 1974 بشأن حماية السكان المدنيين تحت الاحتلال الأجنبي، ويحمل هذا القرار عنوان “حقوق الشعب الفلسطيني”، وفيه يؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين: الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي والاستقلال والسيادة الوطنيين.
- قرار الأمم المتحدة رقم (3236) لعام 1974 الذي كرَّس الحق في المقاومة، واعترف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل، التي من ضمنها الكفاح المسلح ضد ما يتعرض له من أبشع أنواع الجرائم اللاإنسانية.
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2787)، ويشير إلى حقوق جميع الشعوب غير القابلة للتصرف، وعلى وجه التحديد “الشعب الفلسطيني” من بين شعوب دول أخرى مثل زيمبابوي وناميبيا وأنجولا وموزمبيق وغينا بيساو، وجاء في هذا القرار “تأكيد شرعية نضال الشعوب في سبيل الحرية والمساواة وتقرير المصير والتحرر من الاستعمار والتسلط والاستعباد الأجنبي بما في ذلك شعب فلسطين”.
- كذلك يؤكد قرار الأمم المتحدة 37/43، الصادر بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 1982، “شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح”.
هذا القرار يضفي الشرعية على جميع نضالات التحرير الوطني، وعلى وجه الخصوص، نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته، بما في ذلك جميع الإجراءات التي اتخذها الفلسطينيون خلال العمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال، وأسفرت عن آلاف الشهداء وتدمير البنية التحتية في المدن الفلسطينية، ورغم انتهائها ومرور سنوات على بعضها، و إقرار منظمات دولية وحقوقية بوقوع جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين، لم يُعاقب قادة الاحتلال على جرائمهم.
علاوة على ذلك، فإن ديباجة هذا القرار الأممي توضح أنها لا تشير إلى فرضية مجردة، بل تشير على وجه التحديد إلى حقوق الفلسطينيين، وجاء فيها: “وإذ ترى أن إنكار حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والسيادة والاستقلال والعودة إلى فلسطين والأعمال العدوانية المتكررة من جانب إسرائيل ضد شعوب المنطقة تشكل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين”.
وتشمل المواثيق أيضًا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 (1970) بشأن إعلان مبادئ حقوق الإنسان، والبروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 بشأن النزاعات المسلحة الدولية، والقانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وإعلان الاتحاد الإفريقي بشأن حق الشعوب في تقرير المصير، وميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق منظمة التعاون الإسلامي.
وفي مجال القانون الدولي العرفي، يستحق إعلان محكمة العدل الدولية الاهتمام أيضًا، ففي عام 2004، أصدرت قرارها ضد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن مسار الجدار – الذي يمر 80% منه عبر الأراضي الفلسطينية، خارج حدود “إسرائيل” المعترف بها دوليًا – غير قانوني.
وشددت على التزامات “إسرائيل” “بإنهاء خروقاتها للقانون الدولي” ووقف بناء الجدار، فضلًا عن تقديم تعويضات مناسبة للفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم، كما اعتبر تقرير محكمة العدل الدولية عدم قانونية بناء المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة، مؤكدًا على قابلية تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على أنه “لا يجوز لقوة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، ولا يجوز لها أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب”.
وفي ضوء قائمة انتهاكات “إسرائيل” التي لا نهاية لها ضد الاتفاقية الرابعة، فإن وجود حق أخلاقي مواز في المقاومة يصبح واضحًا، خاصة أن العديد من هيئات الأمم المتحدة قد ذكرت بشكل لا لبس فيه أن القانون الإنساني الدولي – بما في ذلك اتفاقيات جنيف – فضلًا عن حقوق الإنسان الدولية، يجب أن تحترمه “إسرائيل” باعتبارها قوة محتلة.
حق تقرير المصير
بخلاف رفض التمييز بين الكفاح المسلح المشروع والأعمال الإرهابية، فإن قمع “إسرائيل” المستمر للاحتجاجات السلمية يسلط الضوء على محاولاتها لنزع الشرعية الكاملة عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بموجب هذا الحق يكون لها الحق في التخلص من الاحتلال والتمييز العنصري، وأن تحكم نفسها بنفسها.
ومن الواضح أن حركات التحرير تتمتع بوضع معين بموجب القانون الدولي، فهي ليست دولًا ذات سيادة، لكن لها حقوق ثابتة، وتخضع لالتزامات معينة، وعلى سبيل المثال، يحق لحركات التحرر الحق في تقرير المصير في نضالها، وهذا يعني أن لهم الحق في النضال من أجل استقلالهم وإقامة حكومتهم.
وقد تأكد هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو أولى الاتفاقيات متعددة الأطراف التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إنشائها في القرار 2200، الذي صادقت عليه “إسرائيل” عام 1966، وتنص مادته الأولى على أن “لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها، بما في ذلك الشعوب التي تعيش داخل دولة أو في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو تلك تسعى وتحقق الارتباط أو التكامل مع دولة أخرى”.
هذه القرارات والصكوك الدولية تدحض بما لا يدع مجالًا للشك الوصف الإسرائيلي الكاذب لحركة المقاومة الفلسطينية المسلحة بأنها “إرهابية”
سبق ذلك مواثيق دولية أخرى تعترف لشعوب الدول بحقها في تقرير مصيرها، ومنها إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2621) لعام 1970 عن حق الشعوب في النضال بكل الوسائل الضرورية لنيل حريتها، وطالب الدول بتقديم المساعدات المادية والمعنوية لها في نضالها من أجل تحقيق الاستقلال.
وفي عام 1975، أنشأت الجمعية الأممية لجنة معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف المتمثلة في تقرير المصير والاستقلال والسيادة على أراضيه والعودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرِّد منها، عملًا بقرارها رقم (3376)، وقد أيدت الجمعية العامة توصيات اللجنة، وأنشأت شعبة حقوق الفلسطينيين لتقوم بمهام أمانة اللجنة، ووسّعت تدريجًيا نطاق ولاية اللجنة بمرور الوقت.
وتعتبر فلسطين واحدة من الدول التي اعترفت الأمم المتحدة بحقها في تقرير المصير، لكنها لم تنل هذا الحق بعد، وعلى الرغم من صدور عدة قرارات من الأمم المتحدة تؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعيق الوصول إلى هذا الحق من خلال رفض التفاوض مع ممثلي الشعب الفلسطيني، واستمرار الاحتلال والاستيطان، وهذا يجعل من حق الفلسطينيين أن يستخدموا ما يرونه مناسبًا من الوسائل غير السلمية من أجل الحصول على حقهن في تقرير المصير.
واتبع الفلسطينيون سبلًا متنوعةً لتحقيق شكل ما من أشكال تقرير المصير، فقط ليجدوا أن آمالهم تُحبط باستمرار من كل حزب سياسي إسرائيلي، ومع ذلك، فإن مقاومتهم ضد القمع، لا سيما من خلال حركات مثل حركة المقاطعة السلمية خارج حدود فلسطين المحتلة، حققت نجاحًا جزئيًا وحظيت باعتراف دولي، لكن هذا لا ينفي أن التضامن مع النضال الفلسطيني أصبح موضع تجريم متزايد في الدول الغربية.
كما تجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل الدولية تناولت هذا الحق المشروع في سياق الحق في تقرير المصير كحق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عليه في القانون الدولي، هذا هو حق الشعب في أن يحدد بحرية وضعه السياسي، ويسعى بحرية إلى تحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأكدت محكمة العدل الدولية حق تقرير المصير في عدد من القضايا، من بينها الآثار القانونية لفصل أرخبيل تشاغوس عن موريشيوس في قضية تعود إلى عام 2019، وفي هذه القضية، رأت المحكمة أيضًا أن المملكة المتحدة انتهكت حق موريشيوس في تقرير المصير من خلال فصل أرخبيل تشاغوس عن موريشيوس دون موافقة شعب موريشيوس.
هذه القرارات والصكوك الدولية المذكورة أعلاه، والتي تعكس آراء غالبية الدول ذات السيادة، تدحض بما لا يدع مجالًا للشك الوصف الإسرائيلي الكاذب لحركة المقاومة الفلسطينية المسلحة بأنها “إرهابية”، وتؤكد على حرمان الفلسطينيين بإصرار وغطرسة الاحتلال من حقهم الأصيل والطبيعي في تقرير المصير، والذي يشكل قاعدة آمرة وذات حق في القانون الدولي.