إني لتطربني الخلال كريمةً .. طرب الغريب بأوبةٍ وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى .. بين الشمائل هزة المشتاقِ
ليست الأهداف والمهارات وحدها هي من تمتع وتطرب المشاهدين في عالم كرة القدم، بل هناك ما هو أجمل وأسمى وأشد تأثيرًا ورسوخًا في ذاكرة الناس!
إنها مشاهد الروح الرياضية والأخلاق العالية، التي لعب دور البطولة فيها مجموعةٌ من نجوم المستديرة عبر تاريخها، استطاعوا تجسيد أروع القيم الإنسانية من صدقٍ ووفاءٍ واحترامٍ وتواضعٍ وشهامةٍ وإيثار، عبر مواقف خالدةٍ أظهرت الوجه الأخلاقي النبيل لكرة القدم في أبهى صوره.
ليست الأهداف والمهارات وحدها هي من تمتع وتطرب المشاهدين في عالم كرة القدم، بل هناك ما هو أجمل وأسمى وأشد تأثيرًا ورسوخًا في ذاكرة الناس! إنها مشاهد الروح الرياضية والأخلاق العالية.
10- إنسانية الحارس التونسي
نبدأ تلك المواقف بمشهدٍ حدث قبل أيامٍ في ملعب رادس بالعاصمة التونسية، في أثناء مباراة فريقي الترجي التونسي وفيتا كلوب الكونغولي برسم بطولة كأس الاتحاد الإفريقي، حيث شوهد طائرٌ صغيرٌ يمشي على أرض الملعب، تعرض لركلةٍ قاسيةٍ من أحد لاعبي الفريق الكونغولي، فما كان من حارس مرمى الفريق التونسي معز بن شريفية إلا أن هرع نحو الطائر المسكين، وحمله بحذرٍ على كفه وسلمه إلى أحد الإداريين خارج الملعب ليتم علاجه، ضاربًا مثلًا في الرحمة والإنسانية التي لا تُميز بين إنسانٍ وحيوان!
9- تواضع الكبير بوفون
وقبل عدة أيامٍ أيضًا، شهدت مواجهة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا التي جمعت بين يوفنتوس الإيطالي وموناكو الفرنسي، موقفًا نبيلًا عبر عن أخلاق وتواضع حارس المرمى الإيطالي الكبير جيجي بوفون، الذي لم تمنعه شهرته ونجوميته من التوجه نحو لاعب موناكو الفرنسي كيليان مبابي بعد المباراة، وطلب قميصه من أجل المبادلة، في خطوةٍ تشجيعيةٍ رائعةٍ من الحارس الأسطوري تجاه خصمه الناشئ الذي يصغره بحوالي 20 عامًا، علمًا بأنه قام بتشجيعه والإثناء عليه خلال المباراة أيضًا، وعندما سُئل بوفون عن ذلك أجاب قائلًا:
“أنا أقدر شعوره، فقد كنت في مثل سنه عندما طلبت من أحد النجوم الكبار تبادل القمصان فرفض ذلك”.
8- أخلاق شيفشينكو
وغير بعيدٍ عن الرقي الإنساني والأخلاق العالية، يطل مشهدٌ حدث في الدوري الأوكراني عام 2011، حين تسلل أحد مشجعي فريق دينامو كييف إلى أرض الملعب، من أجل تحية نجم فريقه الشهير أندريه شيفشينكو، متحديًا رجال الأمن الذين هموا بضربه وسحله، لولا تدخل نجم ميلان الأسبق، الذي لم يكتفِ بتخليص الشاب من قبضة الأمن، بل عانقه وأهداه قميصه وسط تصفيقات جميع الحاضرين.
7- انتصار الروح الرياضية في النرويج
أما في النرويج فقد حصل أمرٌ عجيب! فخلال إحدى مباريات الدوري المحلي عام 2012، كانت النتيجة تشير إلى تقدم فريق بران على ليلستروم بواقع 3-2، عندما أصيب أحد لاعبي الفريق المهزوم، واضطر زملاؤه لإخراج الكرة من الملعب حتى يتلقى العلاج، وعندما أراد لاعب بران إريك ميلدي إعادة الكرة للفريق المنافس، كنوعٍ من قواعد الروح الرياضية المتبعة، دخلت الكرة المرمى بعدما فشل حارس ليلستروم بالتقاط التمريرة العالية، فما كان من اللاعب الذي سجل الهدف إلا أن اعتذر مباشرةً، وقام مع زملائه بمنح هدفٍ مجانيٍ فوريٍ للفريق الخصم كتعويضٍ عن الحادث غير المقصود.
6- هانت وكيوتاكي ورد الجميل
وفي ألمانيا سُجلت للروح الرياضية لقطتان رائعتان في مباراةٍ واحدة، تلك التي جمعت بين فيردر بريمن ونورنبرغ في نطاق بطولة الدوري لعام 2014، حيث احتسب الحكم ركلة جزاءٍ لبريمن بدعوى عرقلة مهاجمه الألماني آرون هانت من قبل حارس نورنبرغ، ولكن هانت أبلغ الحكم بأن قراره غير صحيح وأن العرقلة غير موجودة، ليتم إلغاء القرار.
دُعيت مباراة فيردر بريمن ونورنبيرغ في الدوري الألماني عام 2014 بـ”قمة الروح الرياضية”
وفي الشوط الثاني تكرر الموقف بشكلٍ معاكس، حيث كان البطل هو لاعب نورنبرغ الياباني هيروشي كيوتاكي، الذي رد الجميل لهانت وفريقه، وأخبر الحكم بعدم وجود ركلة جزاءٍ لصالحه، لتنتهي المباراة التي دُعيت بـ”قمة الروح الرياضية”، بتبادل العناق والقبلات بين لاعبي الفريقين.
5- أمانة كلوزة
وفي ألمانيا أيضًا، عُرف النجم الألماني ميروسلاف كلوزة بصدقه وأمانته، حيث رفض احتساب الحكم ضربة جزاءٍ لصالحه خلال إحدى مباريات الدوري الألماني، حين كان لاعبًا في صفوف فيردر بريمن عام 2005.
عُرف النجم الألماني ميروسلاف كلوزة بصدقه وأمانته ونزاهته
وبعد انتقاله للعب في لاتسيو الإيطالي، كان لكلوزة موقفٌ آخر عبر عن نزاهته، فقد استخدم يده لتسجيل هدفٍ في مرمى نابولي دون أن يلاحظه الحكم، خلال مباراة الفريقين بالدوري الإيطالي عام 2012، ولكن أخلاقه منعته من الاحتفال بذلك الهدف المزور، فاتجه نحو الحكم وأقر بأنه استخدم يده، ليتم إلغاء الهدف، وسط تحية لاعبي وجمهور الخصم للاعب الأمين.
4- نبل دي كانيو
أما في الملاعب الإنجليزية، فتصنف حادثة ملعب جوديسون بارك عام 2000، على رأس هرم أجمل مواقف الروح الرياضية، ففي الدقائق الأخيرة من مباراة فريقي ويستهام وإيفرتون في الدوري الإنجليزي، تعرض حارس مرمى إيفرتون لإصابةٍ قاسيةٍ في ركبته خلال إحدى هجمات ويستهام، واستلقى على الأرض متألمًا بينما كانت الهجمة لا تزال مستمرة، فما كان من نجم ويستهام الإيطالي باولو دي كانيو، إلا أن أمسك الكرة بيده بدلًا من تسديدها في الشباك الخالية، مشيرًا الى حارس مرمى الخصم الملقى على الأرض.
كرمت الفيفا اللاعب الإيطالي دي كانيو بمنحه جائزة اللعب النظيف لعام 2001
ذلك الموقف أثار ضجةً كبيرةً حينها، واستقبلته كبرى الصحف الإنجليزية والعالمية بترحابٍ كبير، مما حدا بمنظمة الفيفا إلى تكريم اللاعب، بمنحه جائزة اللعب النظيف لعام 2001.
3- وفاء إنييستا
وإذا أردنا أن نتكلم عن الوفاء، فعلينا أن نستمع إلى قصة النجم الإسباني الخلوق أندريس إنييستا مع زميله الراحل داني خاركي، حيث تزامل اللاعبان ضمن منتخب شباب إسبانيا عام 2004، وحافظًا على علاقتهما الطيبة رغم كونهما يلعبان في فريقي مدينة برشلونة العدوين: برشلونة وإسبانيول.
استحضر إنييستا ذكرى صديقه الراحل خلال نهائي كأس العالم عام 2010
وفي أغسطس من عام 2009، جاء النبأ الصاعق بوفاة خاركي إثر نوبةٍ قلبية، فأعلن إنييستا صدمته وحزنه، وعبر عن عميق مواساته لأهل صديقه الراحل، ولم يكتفِ بذلك بل ضرب مثالًا نادرًا في الوفاء، عندما استحضر ذكرى صديقه الراحل أمام ملايين المشاهدين خلال نهائي كأس العالم عام 2010، إذ خلع قميصه مباشرةً بعد تسجيله هدف منتخبه الحاسم، لتظهر تحته عبارة: (داني خاركي ستبقى معنا).
2- أصدقاء أبيدال
عند الشدائد يعرف المرء أصدقاءه الحقيقيين، هذا ما عاينه مدافع برشلونة الفرنسي إريك أبيدال، الذي ابتلي بمرض السرطان، فوجد دعمًا منقطع النظير من زملائه وأصدقائه في فريق برشلونة، بلغ ذروته في نهائي دوري الأبطال عام 2011، عندما تنازل له قائد الفريق الكتالوني كارليس بويول عن شارة القيادة، ليرفع النجم الفرنسي كأس البطولة وسط تصفيق أكثر من 85 ألف متفرج، احتشدوا في ملعب ويمبلي بلندن.
عرض داني ألفيش على زميله إريك أبيدال أن يتبرع له بجزءٍ من كبده
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، إذ وجد أبيدال نفسه مضطرًا للخضوع إلى تدخلٍ جراحيٍ خطير، لزرع جزءٍ من كبدٍ يقدمه أحد المتبرعين في سبيل إنقاذ حياته، فعرض زميله البرازيلي داني ألفيش أن يكون هو المتبرع، في لفتة نبلٍ وشهامةٍ ندُر نظيرها، ولكن أبيدال رفض ذلك حرصًا على مسيرة زميله البرازيلي المتألق، وأجريت العملية لاحقًا وتعافى أبيدال من مرضه وعاد للملاعب في أبريل 2013، وتم استقباله وتكريمه من قبل اللاعبين والجماهير في ملعب كامب نو، في مشهدٍ جميلٍ سالت له الدموع.
1- ضمير أبو تريكة
وأخيرًا، نتوقف عند النجم المصري محمد أبو تريكة، لطالما عُرف بأخلاقياته العالية ومواقفه النبيلة، التي بلغت أوجها خلال مباراة منتخبه المصري مع نظيره السوداني، في بطولة كأس أمم إفريقيا عام 2008، حيث أحرز النجم المصري هدفًا لمنتخب بلاده، فما كان منه إلا أن رفع قميصه كاشفًا عن عبارة “تعاطفًا مع غزة”، في مشهدٍ حرك قلوب العرب والمسلمين وجميع الأحرار تجاه قضية شعبنا الفلسطيني العادلة، وأرسل رسالةً إلى جميع الرياضيين الأحرار حول العالم، بأن بإمكانهم استغلال شهرتهم ونجوميتهم في سبيل تحقيق غاياتٍ أسمى وأنبل.