باتت الانتخابات الإيرانية على الأبواب، ومن المتوقع أن تستمر الحملات الانتخابية لبضعة أسابيع. وفي الأثناء، قد يسطع نجم أحد المرشحين أو قد يخبو بريقه تماما ويصبح طي النسيان. في واقع الأمر، لم يوافق رجال الدين المحافظين إلا على عدد قليل من المرشحين حتى يخوضوا هذا السباق الرئاسي الذي ينعقد كل أربعة سنوات. والجدير بالذكر أن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية لطالما كانت بمثابة مفاجأة للجميع. ففي العديد من المناسبات استولى مرشحون غير معروفين، أو ما يعرف “بالحصان الأسود” على السلطة في الدقائق الأخيرة.
خلال المنافسات الانتخابية التي ستجرى في 19 من مايو/آيار، سيواجه الرئيس حسن روحاني البراغماتي المعتدل الذي يسعى للظفر بولاية ثانية، خمسة منافسين. وعلى الرغم من أن عملية الاقتراع في إيران لا يمكن الاعتماد عليها بشكل تام، إلا أن هناك منافسان شرسان يضيقان الخناق على روحاني ألا وهما رجل الدين المحافظ القوي، إبراهيم رئيسي، ورئيس بلدية طهران المتشدد، محمد باقر قاليباف.
لجأ كلا المرشحان إلى اعتماد رسالة شعبوية بغية توجيه ضربة قاسية لروحاني كما عمدا إلى انتقاد سياسته لتعزيز الاقتصاد
في الواقع، لجأ كلا المرشحان إلى اعتماد رسالة شعبوية بغية توجيه ضربة قاسية لروحاني كما عمدا إلى انتقاد سياسته لتعزيز الاقتصاد. فضلا عن ذلك، يرى هذان المرشحان أنه وعلى الرغم من تخفيف العقوبات المسلطة على إيران والتزام طهران بدعم الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية، إلا أن الاقتصاد الإيراني مازال يمر بالعديد من الصعوبات.
ومع دخول الحملة الانتخابية الإيرانية أسبوعها الأخير، دعنا نلقي نظرة عن كثب على منافسي روحاني الرئيسيين:
إبراهيم رئيسي
في الواقع، يبلغ رئيسي من العمر 56 سنة، ويعد هذا المرشح بمثابة ظاهرة سياسية جديدة، إذ أنه وقبل انطلاق حملته الانتخابية لم يكن معروفا على الساحة السياسية. ولكن، وبفضل علاقاته الوثيقة بالمرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، أصبح رجل الدين الذي أشتهر بدبلوماسيته، من بين أشد منافسي روحاني. فضلا عن ذلك، يحظى رئيسي بتأييد رجال الدين الإيرانيين المؤثرين على المشهد السياسي الإيراني بالإضافة إلى ائتلاف المحافظين الأقوى في إيران والمعروف باسم “الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية”.
في الحقيقة، تدل العمامة السوداء التي يرتديها رئيسي على أنه من سلالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والجدير بالذكر أن العديد من الشائعات راجت حول إمكانية خلافته لخامئني. وفي الأثناء، يقوم برنامج رئيسي الانتخابي على خلق فرص عمل للفئات المهمشة، وتوزيع عادل للثروات. في المقابل، اتسم برنامج رئيسي بالغموض بشأن العديد من القضايا الأخرى، بما في ذلك السياسة الخارجية.
برز المرشح إبراهيم رئيسي (الذي يرتدي عمامة)، وهو رجل دين قوي، كأحد أشد المنافسين لروحاني
صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الذي عمل خلال فترة الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، غاري سيك، أنه “في الواقع، يعدد رئيسي شخصية غامضة، إذ أن شخصيته كرجل دين يكتنفها الغموض، كما أنه ليس على دراية كافية بجوانب الحياة السياسية”. في حقيقة الأمر، ولد رئيسي في شمال شرق إيران في سنة 1960، وزاول دراسته في مدينة قم المقدسة. ويعتبر رئيسي خريج مدرسة “حقاني”، التي وصفها الأكاديمي الأمريكي الإيراني، فالي نصر “بالعمود الفقري لطبقة رجال الدين الذين يديرون المؤسسات السياسية والأمنية الرئيسية في إيران”.
بدأ رئيسي حياته المهنية كمدعٍ عام في مدينة كرج، غرب طهران، إبان الثورة. وفي فترة تقلده لهذه الوظيفة، يُزعم أنه كان عضوا في “لجنة الموت” التي أشرفت على عمليات إعدام الآلاف من السجناء السياسيين في سنة 1988. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإيرانية لم تحمل رئيسي رسميا مسؤولية عمليات القتل التي نفذت في حق العديد من الضحايا، ولكن كان لهذه الاتهامات تأثير كبير على حملته الانتخابية.
وفي شأن ذي صلة، أفاد غاري سيك، الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا، أن “الأمر الوحيد الذي سيظل عالقا في ذاكرة الشعب الإيراني حول رئيسي، هو حقيقة مشاركته في تلك اللجنة في سنة 1988، التي تسببت في مقتل الكثير من الإيرانيين دون أي سبب يذكر”. في أعقاب ذلك، قضى رئيسي عقودا في أروقة السلطة القضائية، حيث شغل منصب نائب رئيس السلطة القضائية وتولى فيما بعد منصب مدعي عام. وبصفته نائبا لرئيس السلطة القضائية في سنة 2009، دعم رئيسي حملات القمع التي شنت ضد المتظاهرين الذين عارضوا نتائج الانتخابات الرئاسية التي عقدت خلال تلك السنة.
“القضاء الإيراني متحفظ جدا ويتبع نهجا يعرف بتقييده للحريات الاجتماعية والسياسية. وقد جسد رئيسي، على مدى عقود، خلال عمله كموظف قضائي هذه الحقيقة المؤلمة”
وفي هذا الإطار، تم بعث لجنة للتحقيق في عمليات القمع الممنهج التي قامت بها الحكومة ضد المتظاهرين. وفي برقية سرية أرسلت لوكالات المخابرات الأمريكية من قبل القنصلية الأمريكية في دبي، التي نشرت لاحقا في موقع ويكيليكس، صرحت وزارة الخارجية الأمريكية أن الهيئة التي تضم رئيسي كانت “مؤلفة من رجال لديهم تاريخ مهني طويل في انتهاك حقوق الإنسان بطريقة فظيعة”.
من جانب آخر، قال فرزان صابيت، وهو زميل مشارك في مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، إن “القضاء الإيراني متحفظ جدا ويتبع نهجا يعرف بتقييده للحريات الاجتماعية والسياسية. وقد جسد رئيسي، على مدى عقود، خلال عمله كموظف قضائي هذه الحقيقة المؤلمة”. كما أضاف صابيت “ليس من الواضح، كيف سينعكس ذلك على الساحة السياسية والاجتماعية في إيران عند توليه دفة الحكم”.
علاوة على ذلك، يتولى رئيسي رئاسة منظمة “آستان قدس رضوي”، وهي منظمة خيرية مرتبطة بمزار الإمام رضا في مشهد، الذي يعتبر من أكثر المواقع قداسة في إيران. وتعد هذه المنطقة أكبر وقف في البلاد، حيث تبلغ قيمة الأعمال التجارية والحيازات العقارية مليارات الدولارات. وعموما، يعتبر العديد من الأشخاص أن تعيين خامنئي لرئيسي في هذا المنصب دليل على دعمه له. وفي هذا الشأن، أورد صابيت، أن “رئيسي تمكن من نحت صورة جذابة على اعتباره مرشحا تقيا وورعا وكفء، يثق به المرشد الأعلى”.
محمد باقر قاليباف
امرأة إيرانية تمر بجانب ملصق للمرشح محمد باقر قاليباف في طهران
يعتبر ترشح قاليباف للانتخابات الرئاسية لهذه السنة المحاولة الثالثة من نوعها. فقد سعى رئيس بلدية طهران البالغ من العمر 55 سنة للظفر بمقاليد الحكم في مناسبتين سابقتين وذلك في سنة 2005 و2013. وخلال فترة عمله الطويلة على الساحة السياسية الإيرانية، تحول قاليباف من بطل حروب إلى سياسي يتمتع بزخم وبهرج مبالغ فيه ليصبح فيما بعد تكنوقراط.
في الوقت الراهن، قدم قاليباف نفسه على اعتباره شعبويا اقتصاديا مستعدا لتقديم يد المساعدة للفئات المهمشة، علما وأنه يخوض منافسة مباشرة ضد رئيسي. وعلى غرار منافسه، تعهد قاليباف بتعزيز الدعم النقدي وخلق “خمسة ملايين موطن شغل”. وخلافا لرئيسي، يحظى قاليباف باسم معترف به على مستوى وطني. وفي هذا الشأن، أقر كليف كوبشان رئيس مجلس إدارة المخاطر السياسية في مجموعة أوراسيا بأن فضيحة الفساد الأخيرة، فضلا عن تاريخه السياسي، حيث كانت مواقفه “تتأرجح بين الشق الليبرالي والمحافظ”، من شأنه أن يقلل من فرص قاليباف في الفوز.
من جانب آخر، أفاد محمد علي شعباني، محرر صفحة “نبض إيران” في موقع المونيتور، الذي يعنى بدراسة شؤون منطقة الشرق الأوسط، أن “أحد أكبر نقاط ضعف قاليباف تتمثل في عدم وضوح هويته والأهداف التي يسعى لتحقيقها”.
ولد قاليباف في مشهد في سنة 1961، وهو ابن بائع فواكه مجففة. وفي سن مبكرة، بلغ قاليباف مكانة بارزة كقائد في فيلق الحرس الثوري خلال الحرب التي نشبت بين إيران والعراق. وقد قاد قاليباف طلعات جوية في سماء العراق وشارك في استعادة مدينة خرمشهر الإيرانية. وقد تمت ترقيته إلى رئيس القوات الجوية للحرس الثوري. من ناحية أخرى، التصق اسم قاليباف برسالة سيئة السمعة، حث من خلالها خامنئي على تشديد الخناق على المظاهرات التى يقودها الطلاب فى سنة 1999.
بدأت مزاعم الفساد تطال قاليباف، إبان اشتعال النيران فى مبنى بلاسكو الشاهق الذي انهار خلال هذه السنة، مما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 20 رجل إطفاء. وقد حمل الكثير من السكان المسؤولية لقاليباف
وفي وقت لاحق، أصبح قاليباف رئيس الشرطة النظامية في إيران. وعلى النقيض من موقفه المتشدد سابقا، قيل إن قاليباف قد تصدى للعديد من التجاوزات. وعلى خلفية ذلك، أوردت القنصلية الأمريكية في دبي في برقية سرية في سنة 2005 أن إشراف قاليباف على إدارة الشرطة “منحته سمعة مسؤول مختص وغير متسيس”. في المقابل، وخلال السنة نفسها، فشل قاليباف في الظفر بالانتخابات الرئاسة، لصالح الشعبوي المثير للجدل، محمود أحمدي نجاد. إثر ذلك، تم اختياره حتى يشغل منصب عمدة طهران، حيث واصل ملأ سجله بالعديد من الانجازات على اعتباره مدير ماهرا وناجحا.
في أعقاب تقلده لهذا المنصب، قام قاليباف بتوسيع المساحات الخضراء في مدينة طهران المزدحمة والملوثة، كما أنشأ بنية تحتية متطورة، في حين شرع في العمل على خط مترو جديد. وفي هذا الصدد، قال سيك إن “معظم الأشخاص يقرون بالفضل لقاليباف الذي نجح في تحويل طهران إلى مكان أكثر ملاءمة للعيش”.
في المقابل، بدأت مزاعم الفساد تطال قاليباف، إبان اشتعال النيران فى مبنى بلاسكو الشاهق الذي انهار خلال هذه السنة، مما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 20 رجل إطفاء. وقد حمل الكثير من السكان المسؤولية لقاليباف. في الوقت نفسه، يرى البعض أن حادث بلاسكو يعد خير دليل على “فشل مكتب قاليباف فى تطبيق معايير السلامة. وسيؤدي ذلك إلى عزوف العديد من الناخبين عن التصويت لصالحه”.
أما فيما يتعلق بنقطة الضعف الأخرى التي يمكن أن تحول دون فوزه بالانتخابات، وفقا لما أكده بعض المراقبين، فتتمثل في ارتباط قاليباف بالمؤسسة الأمنية الإيرانية. وعلى الرغم من أن أوراق اعتماده العسكرية قد تتماشى ورؤية خامنئي والحرس الثوري، الذي يمارس نفوذا هائلا في البلاد، إلا أن ذلك قد ينفر الناخبين الشبان، الذين يطمحون في ترسيخ حياة سياسية لا ترتبط بقوى الأمن. وفي هذا السياق، ورد في البرقية الرسمية التي كتبتها القنصلية الأمريكية في دبي سنة 2005، أن “قاليباف يتمتع بأسلوب ومظهر ودود ومحبوب، لكن الإيرانيين لا يحبذون عناصر الجيش عندما يتعلق الأمر باختيار القادة المدنيين”.