قمة الرياض “الطارئة” بعد 36 يومًا من الحرب.. ماذا يُعوّل عليها؟

على وقع أصوات القصف الذي يستهدف مستشفيات قطاع غزة وأمام صور جثامين الشهداء الملقاة أمام مشافي الشفاء والرنتيسي والإندونيسي، وأشلاء الأطفال والنساء المتناثرة على طريق صلاح الدين والطريق الساحلي، تحتضن العاصمة السعودية، الرياض، القمة العربية (الطارئة)، لبحث الوضع في القطاع بعد 36 يومًا من بدء الحرب.

تأتي تلك القمة الطارئة بعد سقوط أكثر من 11 ألف شهيد فلسطيني، وفصل شبه تام لشمال القطاع عن جنوبه، وعقب 15 يومًا من دعوة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لعقد قمة عربية طارئة.

انعقاد القمة المسماة بالطارئة بينما حرب الإبادة التي يتعرض لها سكان غزة في شهرها الثاني يثير الضغب كما التهكم في الشارع العربي الذي استقر في يقينه أنها لن تكون إلا مكلمة لاستعراض تصريحات الإدانة والشجب والاستنكار، دون اتخاذ أي إجراء عاجل لإنقاذ الفلسطينيين ووقف إطلاق النار.

وكانت الخارجية السعودية قد أعلنت مساء الجمعة 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 دمج القمة الإسلامية التي كان مقررًا لها الانعقاد غدًا الأحد مع القمة العربية، لتصبح قمة مشتركة واحدة، موضحة أن ذلك “استجابة للظروف الاستثنائية التي تشهدها غزة، وبعد تشاور المملكة العربية السعودية مع جامعة الدولة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي”.

طارئة من أي اتجاه؟

بداية.. في المعاجم اللغوية تُعرف كلمة “الطارئة” بالعاجلة والمفاجئة، وعليه فإن الحدث إذا جاء بعد 36 يومًا لا يصلح أن يطلق عليه هذا المصطلح، ومن هنا فإن وصف القمة المقرر عقدها اليوم، عربية كانت أو إسلامية، بالطارئة أمر بعيد تمامًا عن الموضوعية الاصطلاحية من حيث التوقيت، حتى لو استجيب لدعوة أبو مازن في 28 من الشهر الماضي أي بعد مرور 21 يومًا على الحرب لا يمكن كذلك نعتها بالطارئة.

أما من حيث المضمون.. فأي قمة طارئة تلك تأتي بعد هذا الكم الكبير من الشهداء والضحايا؟ 11078 شهيدًا، بينهم 4506 أطفال و3027 سيدةً و678 مسنًا، بجانب أكثر من 27490 مصابًا، و1500 طفل تحت الأنقاض، فضلًا عن 2700 في عداد المفقودين بحسب بلاغات رسمية، وأكثر من مليون ونصف نازح، وتدمير أكثر من نصف البنية التحتية والسكنية للقطاع.

ومنذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي منذ قرابة 25 يومًا، تتعرض المستشفيات في غزة لقصف ممنهج، بداية من الأهلي المعمداني مرورًا بالإندونيسي وشهداء الأقصى والرنتيسي، وصولًا إلى مجمع الشفاء الذي يتعرض للاستهداف المكثف منذ يومين وحتى الآن، ما خلف آلاف الشهداء من الأطفال والجرحى والنساء، ومع ذلك لم يتحرك أحد لعقد قمة طارئة أو حتى اجتماع استثنائي كما يحدث مع أي حدث آخر لا يساوي عشر معشار ما يتعرض له الفلسطينيون في القطاع.. فمن أي اتجاه يمكن أن نصف القمة الحاليّة بالطارئة؟

الخذلان سيد القمة

إن كان هناك من عنوان استباقي يمكن وصف القمة العربية الإسلامية به، فهو الخذلان، وهو ما يمكن قراءته مبكرًا جدًا من خلال الوقوف على أسماء المشاركين في تلك القمة، أو الدولة المستضيفة لها، وهي النتيجة التي تبلغ من الوضوح ما يغنيها عن التوضيح.

البداية مع الدولة المستضيفة، السعودية، الغائبة تمامًا عن الأزمة منذ بدايتها، والمكتفية ببيانات الشجب والاستنكار، وتصريحات ذر الرماد في العيون، دون أن تحرك ساكنًا إزاء حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، وربما يلتمس البعض للمملكة العذر كونها مشغولة تلك الأيام في موسم الرياض وحفلات الرقص والغناء التي سحبت البساط من تحت كل القضايا والملفات والأحداث أيًا كان حجمها.

وولي العهد الشاب، الذي ما غاب عن معظم الملفات التي شهدتها المنطقة خلال الآونة الأخيرة، وانخرط سريعًا في كثير منها رغم ضآلة الدوافع التي تزج به في آتون تلك المعارك، محاولًا تعزيز ثقل بلاده إقليميًا ودوليًا، اكتفى أمام المشهد الغزاوي بالجلوس في مقاعد المتفرجين، يراقب من بعيد، دون أي تحرك حتى ولو من باب حفظ ماء الوجه.

الأمر ينطبق كذلك على رئيس الإمارات، محمد بن زايد، الذي لم يختلف كثيرًا عن ابن سلمان، حيث سخرت بلاده إعلامها ولجانها الإلكترونية لترديد السردية الإسرائيلية وشيطنة المقاومة، مكتفيًا بالجهود الدبلوماسية الباهتة، معروفة النتائج مسبقًا، داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي لم تسفر عن شيء حتى الآن.

الموقف المصري لا يختلف كثيرًا، إن لم يكن أكثر قبحًا، حيث الفشل في فتح معبر رفح، المتنفس الوحيد لسكان القطاع، الذي أغلق بأمر الاحتلال وانبطاح السلطات المصرية التي تقلص اهتمامها بالحيلولة دون تهجير الفلسطينيين لسيناء دون أي حراك آخر من شأنه إنقاذ مليوني مواطن دمائهم في رقبة من أغلق المعبر ودمر الأنفاق.

ومن المثير للسخرية دعوة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور تلك القمة، فالرجل الذي قصف شعبه وأباد معظمه بالأسلحة المحرمة دوليًا، ومارس كل أنواع البطش والتنكيل بحقهم على مدار عقد كامل، لم يتجرأ على إطلاق رصاصة واحدة تجاه الكيان المغتصب، رغم وجود كل الدوافع التي تجبره على ذلك كاحتلال جزء من أراضيه وهي الجولان، واستهداف قوات الاحتلال لمواقعه ليل نهار طيلة السنوات الماضية.

مكلمة ومضيعة للوقت

الجميع بلا استثناء، حتى الحالمين من أبناء العروبة، يؤمنون أن القمة لن تكون إلا مكلمة، وساحة لاستعراض التصريحات الرنانة، في محاولة لاستعادة “القنبلة الصوتية” التي يتميز بها العرب وغابت منذ انطلاق الحرب، أما الخروج بنتائج وإجراءات جادة، فهذا درب من الخيال.

أي تعويل يمكن أن يكون على قمة تستضيفها دولة تحتضن عددًا من القواعد العسكرية للبلد (أمريكا) الداعم الأكبر للاحتلال في تلك الحرب، ويشارك فيها زعماء توفر بلدانهم كل أنواع الدعم والحماية لتلك القواعد المنتشرة بين مفاصل العرب دون حتى أن يوبخوا الأمريكان بكلمة واحدة على تورطهم الفاضح في قتل أطفال ونساء غزة؟

لو كانت هناك نية حقيقة لاتخاذ موقف إيجابي لكان التحرك منذ اليوم الأول للحرب وليس بعد 36 يومًا، لو كانت هناك إرادة حقيقية لكانت الانتفاضة مع صرخة أول طفل يلفظ أنفاسه وعويل أول امرأة فقدت فلذة كبدها، لو لدى أشاوس العرب أي خطة للتحرك لما كان كل هذا الانتظار والتراخي بينما المئات من الأطفال والنساء يتساقطون كأوراق الشجر بين الساعة والأخرى.

لو كانت هناك عزة يمتلكها حكام المنطقة لكانت الهبة مع أول انتهاك تتعرض له امرأة عربية داخل فلسطين بأيدي وأقدام جنود الاحتلال، لو كان هناك مراعاة حتى للمشاعر وأدنى حدود الإنسانية لأوقف العرب احتفالاتهم ومواسمهم وبطولاتهم الرياضة، ولأوقفوا الحملات الإعلامية والإلكترونية المسعورة التي تشيطن المقاومة وتسهم بشكل أو بآخر في تصفية القضية الفلسطينية بتبني الرواية الصهيونية.

في انتظار من يرمي المنديل أولًا

في تصريحات لعضو مكتب حركة حماس في غزة، موسى أبو مرزوق، قبل 10 أيام تقريبًا، اتهم السلطة الفلسطينية وخمس دول عربية بالتآمر مع “إسرائيل” والغرب من أجل القضاء على الحركة، ورغم أنه لم يحدد هوية تلك الدول، ذهب البعض بأن السعودية ومحورها هو المقصود.

تزامنت تصريحات أبو مرزوق مع أخرى أطلقها المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط دينيس روز، حيث أشار إلى أن خمسة زعماء عرب أبلغوه أنه يجب القضاء على الحركة لإضعاف نفوذ إيران في المنطقة وتقويض جبهة رفض التطبيع في المنطقة رغم أن هؤلاء الزعماء يعلنون غير هذا الموقف بحسب قوله.

ورغم تحفظ البعض على تلك التصريحات وأن الهدف منها تفتيت الوحدة العربية وإثارة الشكوك والانقسامات بين أضلاعها، فإن كل المؤشرات تذهب باتجاهها وإن لم تكن بشكل رسمي، فأي منطق سياسي يقول بضرورة الانتظار كل تلك الفترة دون تقديم أي دعم للمقاومة ضد الاحتلال المدعم بأنواع العتاد والأسلحة كافة.

كيف يصدق الشارع العربي تصريحات العواصم العربية بالوقوف خلف المقاومة دون تقديم أي رصاصة واحدة لها، في ظل تجفيف منابع الإمداد منذ بداية الحرب، في الوقت الذي تتسابق أمريكا وحلفاؤها الغربيون لتقديم ترسانة من الأسلحة المتطورة لدعم الاحتلال في حرب الإبادة التي يشنها ضد القطاع؟

ماذا ينتظر أشاوس العرب ليتحركوا؟ هل ينتظروا حتى ترفع المقاومة الراية البيضاء وتعلن استسلامها؟ هل ينتظرون حتى يدمر القطاع بالكامل بما فيه ترسانة حماس؟ هل ينتظرون من يلقي المنديل أولًا ثم على أساس ذلك تكون الوجهة، إما للمقاومة لكسب اللقطة وإما للمحتل لترتيب المشهد ما بعد الحرب؟

العديد من التقارير الإعلامية تشير إلى خلافات حادة بين الدول المشاركة في هذه القمة بشأن عدد من المسائل المتعلقة بانتقاد الاحتلال بشكل مباشر وتحميله مسؤولية ما حدث، ودعم المقاومة واتخاذ إجراءات تصعيدية بحق الكيان وقطع العلاقات الدبلوماسية ووقف تصدير النفط، وما إلى غير ذلك من البديهيات المفترضة في مثل تلك الأجواء، لكنها كانت محل خلاف كبير بين المشاركين في تلك المكلمة.

وبعيدًا عن إرهاق التفكير في مآلات القمة ومخرجاتها، فإن موقف الداعي لها، وهو أبو مازن، كاشف بشكل كبير لما يمكن أن يتمخض عنها، فالرجل عرض وبشكل علني ومباشر استعداده لإدارة سلطته للقطاع بعد القضاء على حماس، ما يعني أنه والمستجيبين لدعوته لتلك القمة سيناقشون غزة ما بعد الحرب وليس غزة في قلب الحرب.

ومن ثم فإن التعويل على قمة الرياض اليوم للخروج بإجراءات تدعم المقاومة وتنقذ القطاع وتتصدى للاحتلال كمن يعول على الولايات المتحدة في أن تكون شريكًا ووسيطًا نزيهًا في عملية السلام في الشرق الأوسط رغم أن القاصي والداني يعلم جيدًا أنها طرف حرب مباشر ولا يمكن توصيفه غير ذلك.