صرح رأس النظام السوري بشار الأسد لإحدى القنوات التليفزيونية، أن مفاوضات جنيف مجرد “لقاءات إعلامية” لم ولن تحقق شيئًا يُذكر، وأنها كانت فقط لتقديم التنازلات، معولاً بشكل رئيسي على محادثات أستانة.
في الجولة السادسة من جنيف، لم يعد النظام السوري يعلن الوفد المشارك ورئيسه والأجندة وكل ما يتعلق بالمؤتمر، في إشارة إلى عدم إيلاء أي أهمية له وللمشاركين والجهة المنظمة، وبات يتصرف من مبدأ الواثق من نفسه وأفعاله، مستمرًا في خططه العسكرية جنبًا إلى جنب مع حضوره السياسي في المحافل الدولية، بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين.
جنيف بنسخته السادسة غدًا
بالنسبة لكثير من أبناء حاضنة الثورة السورية بعد 6 سنوات من الثورة و5 جولات من جنيف، صار يدرك الجميع أن مسلسل جنيف لن يقتصر على نسخته السادسة فقط، بل ربما يتجاوز مسلسل “باب الحارة” الذي سيبث الجزء التاسع منه في رمضان هذا العام، وأن الفيديوهات الهزلية التي صدرت في بداية انعقاد المؤتمر عن أن هناك جنيف 50 قد تكون صحيحة في ظل هذه الظروف.
المعارضة السورية ستحضر المفاوضات بالوفد الذي حضرت به المؤتمر السابق، إذ يمثل نصر الحريري رئيس الوفد والمتحدث الوحيد في المؤتمرات الصحفية داخل الأمم المتحدة، وسالم المسلط هو المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات.
لم يُحقق مؤتمر جنيف في الجولة الخامسة أي نتائج ملموسة، سواء في الملف السياسي أو العسكري، فبعد أسبوع من التفاوض والنقاشات عاد وفد المعارضة والنظام من حيث أتيا.
إلا أن عودة النظام تختلف عن عودة المعارضة، فالنظام يستغل تعطيل الحل السياسي في جنيف لصالح تقدمه على الأرض بالإضافة إلى تعطل مجلس الأمن بفضل فيتو حليفيه الروس والصينيين، وما بين جنيف وجنيف هناك أحياء وبلدات في سوريا تفرغ وسكان يهجرون إلى الشمال السوري، والآلة العسكرية مستمرة بالقصف ضاربة بالحائط جميع الاتفاقيات الدولية المقرة بهذا الشأن.
النظام السوري يهجر أهالي القابون وهو ما يعطيه اليد الطولى على حي جوبر ومن ثم الغوطة الشرقية للسيطرة عليها فيما بعد
تغادر المعارضة السورية جنيف لتنتظر وعود المجتمع الدولي، واتفاق قد يتمخض عنه خطوات جدية بين واشنطن وموسكو تسهم في إرغام النظام السوري للتوقف عن القتل والتهجير والقبول بحل سياسي، وانتظار توافقات دولية في الشمال مع تركيا وفي الجنوب مع الأردن، بالإضافة إلى مقاومة النفوذ الإيراني والروسي، إضافة إلى حل مشاكلها الداخلية من اقتتال بين الفصائل وانتشار للفوضى في مناطق سيطرة المعارضة، إلخ.
ومع كل هذا تبقى المعارضة السورية وعلى لسان الأمين العام للائتلاف السوري، تعقد الأمل على جولة جنيف المقبلة والدور الذي تلعبه كل من تركيا والدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا، أو بالمختصر تنتظر المعارضة السورية العالم كله ليزيد دوره في حل الأزمة السورية.
وفد المعارضة السورية برئاسة نصر الحريري
لا تزال المعارضة السورية تصر على استحقاق الانتقال السياسي في مؤتمرات جنيف وهو ما يحاول النظام السوري التملص منه، بحسب المستشار الإعلامي وائل علوان.
الجولة الجديدة لجنيف قصيرة ومن غير المتوقع أن تخرج بنتائج مهمة، وتوقع علوان أن يحاول ديمستورا التوفيق بين مخرجات أستانة الأخيرة، وهو ما يرمي النظام السوري إليه، ففي المؤتمر الصحفي الأخير لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، حمل توجهًا واضحًا لتقويض مسار جنيف التفاوضي لصالح مسار أستانة، وكذلك تذهب روسيا إلى شرعنة هذا المسار دوليًا، ففي زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى واشنطن الأخيرة حاول أن يحصل على دعم أمريكي لمخرجات أستانة 4 التي أقرت مناطق خفض التصعيد.
من المستبعد أن تشهد الجولة السادسة من جنيف عقد اجتماع مباشر بين وفدي النظام والمعارضة
خاب أمل الكثيرين بالوصول إلى توافق بين روسيا وأمريكا بعد زيارة لافروف الأخيرة، فالبيت الأبيض لا يزال بموقفه الرمادي، لا يقف مع أحد ويقوم بما تملي عليه مصالحه، وأبقى تحفظه على مشاركة إيران في أستانة 4، فكيف تكون روسيا وإيران ضامنتين في سوريا لوقف إطلاق النار، ومن ثم خفض التصعيد، وهما محركان رئيسيان للحرب والتهجير القسري كل يوم ومشاركة النظام السوري في جرائمه في طول البلاد وعرضها؟
كما من المستبعد أن تشهد هذه الجولة من جنيف عقد جلسة اجتماعية مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة، كما أعلن نائب المبعوث الدولي لسوريا ديمستورا، رمزي رمزي، وعبر عن أمله بأن يسهم النظام السوري بشكل إيجابي في إنجاح مفاوضات جنيف، وأخيرًا فجنيف بنسخته الحالية ليس أكثر من كونه رفع عتب من الأزمة السورية من قبل المجتمع الدولي الذي يحاول أن يدرك أن هذا المسار بشكله الحالي لن يحمل حلولاً للأزمة.
القابون بعد برزة
على وقع انعقاد جنيف غدًا يهجر الأهالي في بلدة القابون شرق دمشق، إذ باشرت عملية التهجير القسري من حي القابون أمس الأحد لتقل أهلها والمسلحين فيها إلى الشمال السوري، مستودع المناطق المهجرة، والتي باتت تحتضن أكثر من مليون شخص جلهم من المهجرين من مناطق مختلفة من سوريا.
تهجير القابون يعطي للنظام يد طولى على حي جوبر ومن ثم الغوطة الشرقية للسيطرة عليها فيما بعد، وبهذا التخلص من أكبر مناطق الثورة السورية وحاضنتها وحماية حزام دمشق من مناطق الصراع، أضف إلى إلغاء معركة دمشق بالنسبة للمعارضة، وإذا كان النظام احتفى بالسيطرة على حلب واعتبرها تاريخ جديد، ستحظى السيطرة على الغوطة الشرقية بمكانة أكبر بالنسبة للنظام ويعتبرها نقطة مهمة في تاريخ القضاء على الثورة وجذوتها وإعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة إليه، فيما لا تزال فصائل المعارضة موجودة في أحياء ثلاث من العاصمة هي جوبر والتضامن واليرموك.
بتهجير أهالي القابون تكون المعارضة قد خسرت آخر مناطق سيطرتها شمال شرق العاصمة السورية
بعد أسابيع من القصف والمعارك في الحي بين الفصائل والنظام خضع الأهالي إلى شروط النظام بالتهجير إلى الشمال، حيث خرجت 20 حافلة من الحي ترافقها سيارات تابعة للهلال الأحمر السوري وأمن النظام السوري، دون توثيق أعداد الخارجين بشكل دقيق، بسبب سرعة تنفيذ العملية وصعود الراغبين بالذهاب إلى إدلب دون إحصاء مسبق.
لا تزال فصائل المعارضة موجودة في أحياء ثلاث من العاصمة هي جوبر والتضامن واليرموك
ويعد حي القابون حي عريق يبعد عن مركز المدينة 4 كيلومترات في منطقة مهمة بين الغوطة الشرقية (بلدتي عربين وحرستا) وأراضي الصالحية غرب القابون، ويجاورها أحياء برزة من الشمال وجوبر من الجنوب، ويعتبر القابون بوابة دمشق وفيه كراج انطلاق ووصول الأتوبيسات من وإلى دمشق، ويبلغ أهالي الحي بـ40 ألف نسمة.
يأتي اتفاق القابون بعد اتفاق مشابه لإخلاء مناطق مجاورة في حيي برزة وتشرين الدمشقيين اللذين تسيطر عليهما المعارضة منذ عام 2012، وتعد عمليات الإخلاء هذه الأخيرة في سلسلة من الاتفاقات بين النظام ومقاتلي المعارضة، حيث يتم توفير ممر آمن للمسلحين مقابل رحيلهم دون قتال.
وبهذا خسرت المعارضة آخر مناطق سيطرتها شمال شرق العاصمة السورية، والتي بقيت تحت نفوذها لنحو خمس سنوات، فيما لا تزال تحتفظ بحي جوبر الواقع شرقي دمشق، والمتصل بمناطق الغوطة الشرقية، والذي بات يشهد تهديدًا أكثر من ذي قبل.