في مؤشر على اتساع الفجوة بين المحتجين في مدينة الحسيمة والسلطات الرسمية في المملكة المغربية، وارتفاع حدة التوتر بين الطرفين، حذر رئيس حكومة المملكة سعد الدين العثماني إلى جانب قادة الأحزاب المشاركة معه في الحكومة مما أطلقوا عليه النزعات الانفصالية في بلادهم، مؤكدين ألا تسامح مع المس بالثوابت والمقدسات الوطنية، حسب قولهم.
نزعات انفصالية وأطراف خارجية
لم يتوقف العثماني عند التحذير مما وصفه بنزعات انفصالية على خلفية مظاهرات مدينة الحسيمة، بل اتهم القائمين على المظاهرات هناك بأن لهم علاقة بأطراف خارجية، وجاءت تصريحات العثماني عقب اجتماع له مع قادة أحزاب الائتلاف الحكومي، لبحث كيفية التعامل مع احتجاجات مدينة الحسيمة المستمرة منذ مقتل بائع السمك محسن فكري أواخر أكتوبر الماضي.
قلل والي جهة طنجة تطوان الحسيمة محمد اليعقوبي من أهمية الحراك الذي تعرفه المنطقة، معتبرًا أنه لا فرق بينه وبين المظاهرات التي شهدتها مدن أخرى من المغرب
إلى جانب ذلك، اتهم القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الشباب والرياضة الطالبي العلمي “حراك الريف” بموالاة جهات في الخارج، و”التخريب”، وأن من يقوده “لا ينفع معه الحوار،” وقال العلمي في تصريح إعلامي عقب لقاء الأغلبية “الحراك بدأ بشكل عادٍ، ولكنه بدأ يعرف بعض الانحرافات خصوصًا مجموعة مسخرة من الخارج والتي لم ينفع معها الحوار.”
من جهته اتهم الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري محمد ساجد “حراك الريف” بـ”التحول من مطالب اجتماعية إلى المس بثوابت الوطن،” وقال ساجد: “هذه المشاكل التي كانت في البداية مطالب مشروعة، تحولت في الآونة الأخيرة إلى مطالب تمس بثوابت البلاد، ونحن نطالب بتطبيق القانون في حق هؤلاء النشطاء الذين يشككون في الوحدة الترابية للمملكة، والذين يقومون بالأعمال التخريبية”، على حد تعبيره.
قيادة الائتلاف الحاكم في المملكة المغربية تشير إلى وجود أطراف أجنبية وراء الاحتجاجات
وقبل أيام قلل والي جهة طنجة تطوان الحسيمة محمد اليعقوبي من أهمية الحراك الذي تعرفه المنطقة، معتبرًا أنه لا فرق بينه وبين المظاهرات التي شهدتها مدن أخرى من المغرب، “لكن المحرضين يحاولون إعطاء صورة خاطئة عن المنطقة التي عرفت استثمار نحو 25 مليار درهم (نحو 2.5 مليار دولار) خلال 12 سنة في برامج تنموية مختلفة بإقليم الحسيمة”.
ناشطون يحذرون السلطات من مغبة الاستهانة بالاحتجاجات
هذه التصريحات الرسمية الحادة التي تعبر عن الموقف الرسمي للمملكة تجاه احتجاجات “الريف”، جاءت بعد أيام قليلة من تحذير نشطاء بمدينة الحسيمة، السلطات المغربية من مغبة الاستهانة بالاحتجاجات التي بدأت رقعتها بالاتساع، واعتبروا أن الدولة أخطأت عندما تجاهلت مطالب المحتجين، مؤكدين ضرورة فتح حوار مباشر مع المعنيين.
أدى مقتل فكري إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى المملكة المغربية منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 من فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي
وتشهد الحسيمة بمنطقة الريف منذ شهور سلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات المنتظمة بدأت منذ مقتل بائع سمك الشاب محسن فكري داخل شاحنة نفايات عندما أقدمت السلطات المحلية نهاية أكتوبر من العام الماضي على مصادرة بضاعته ووضعتها في شاحنة النفايات فحاول إثناءهم عن ذلك بالقفز داخل الشاحنة لمحاولة جمع السمك المصادر، إلا أن أحدهم شغل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعت الشاب وسحقت عظامه حتى الموت.
وأدى مقتل فكري إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى المملكة المغربية منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 من فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي مستلهمة انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في مختلف أرجاء المنطقة، وأصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، نهاية الشهر، أحكامًا وزعت بين البراءة والسجن النافذ في حق 11 متابعًا في ملف ما عرف بـ”بائع السمك”.
تواصل الاحتجاجات وارتفاع نسقها
توالت احتجاجات سكان الحسيمة بشكل عفوي منذ وفاة بائع السمك محسن فكري، واتسعت رقعتها لتستقطب فئات جديدة باستمرار وركز المحتجون على طابعهم السلمي وابتداع طرق سلمية في الاحتجاج بدءًا بحمل الشموع والورود وانتهاءً بالاحتجاج بطنطنة الأواني المنزلية.
لم يتمكن التصدي الأمني والوعود المتكررة من الحد من هذه الاحتجاجات
ومن أبرز المطالب الملحة للجهة، الإسراع بالكشف عن مآل التحقيق في ملف وفاة محسن فكري والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي أعقبت احتجاجات “إمزورن” و”بني بوعياش” وإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للشغل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين، حسب المحتجين.
وتعيش منطقة الريف أزمة كبيرة مست الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فكل القطاعات الاقتصادية بالإقليم مفلسة بالكامل أو على حافة الإفلاس بدءًا بقطاع الصيد البحري (الشريان الحيوي الذي يغذي سكان الجهة) والذي انهار بشكل شبه كلي خاصة بعد هجرة البحارة ومراكبهم إلى المواني الأخرى، وكذلك قطاع التجارة الذي يشهد ركودًا إلى جانب القطاع السياحي الذي لم يتحسن بعد.